• 2335
  • حَدَّثَنِي أَبُو عَامِرٍ أَوْ أَبُو مَالِكٍ الْأَشْعَرِيُّ ، وَاللَّهِ مَا كَذَبَنِي : سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ ، يَسْتَحِلُّونَ الحِرَ وَالحَرِيرَ ، وَالخَمْرَ وَالمَعَازِفَ ، وَلَيَنْزِلَنَّ أَقْوَامٌ إِلَى جَنْبِ عَلَمٍ ، يَرُوحُ عَلَيْهِمْ بِسَارِحَةٍ لَهُمْ ، يَأْتِيهِمْ - يَعْنِي الفَقِيرَ - لِحَاجَةٍ فَيَقُولُونَ : ارْجِعْ إِلَيْنَا غَدًا ، فَيُبَيِّتُهُمُ اللَّهُ ، وَيَضَعُ العَلَمَ ، وَيَمْسَخُ آخَرِينَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ "

    وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ : حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ خَالِدٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ ، حَدَّثَنَا عَطِيَّةُ بْنُ قَيْسٍ الكِلاَبِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غَنْمٍ الأَشْعَرِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو عَامِرٍ أَوْ أَبُو مَالِكٍ الْأَشْعَرِيُّ ، وَاللَّهِ مَا كَذَبَنِي : سَمِعَ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَقُولُ : لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ ، يَسْتَحِلُّونَ الحِرَ وَالحَرِيرَ ، وَالخَمْرَ وَالمَعَازِفَ ، وَلَيَنْزِلَنَّ أَقْوَامٌ إِلَى جَنْبِ عَلَمٍ ، يَرُوحُ عَلَيْهِمْ بِسَارِحَةٍ لَهُمْ ، يَأْتِيهِمْ - يَعْنِي الفَقِيرَ - لِحَاجَةٍ فَيَقُولُونَ : ارْجِعْ إِلَيْنَا غَدًا ، فَيُبَيِّتُهُمُ اللَّهُ ، وَيَضَعُ العَلَمَ ، وَيَمْسَخُ آخَرِينَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ

    والمعازف: المعازف : آلات الطرب
    بسارحة: السَّرحُ والسَّارحُ والسَّارحةُ سواء : هي المْاَشية
    لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ ، يَسْتَحِلُّونَ الحِرَ وَالحَرِيرَ ، وَالخَمْرَ

    (قَوْلُهُ بَابُ مَا جَاءَ فِيمَنْ يَسْتَحِلُّ الْخَمْرَ وَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ)قَالَ الْكِرْمَانِيُّ ذَكَرَهُ بِاعْتِبَارِ الشَّرَابِ وَإِلَّا فَالْخَمْرُ مُؤَنَّثٌ سَمَاعِيٌّ قُلْتُ بَلْ فِيهِ لُغَةٌ بِالتَّذْكِيرِ قَالَ الْكِرْمَانِيُّ وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَات تَسْمِيَتهَا بِغَيْر اسْمهَا وَذكر بن التِّينِ عَنِ الدَّاوُدِيِّ قَالَ كَأَنَّهُ يُرِيدُ بِالْأُمَّةِ مَنْ يَتَسَمَّى بِهِمْ وَيَسْتَحِلُّ مَا لَا يَحِلُّ لَهُمْ فَهُوَ كَافِرٌ إِنْ أَظْهَرَ ذَلِكَ وَمُنَافِقٌ إِنْ أَسَرَّهُ أَوْ مَنْ يَرْتَكِبِ الْمَحَارِمَ مُجَاهَرَةً وَاسْتِخْفَافًا فَهُوَ يُقَارِبُ الْكُفْرَ وَإِنْ تَسَمَّى بِالْإِسْلَامِ لِأَنَّ اللَّهَ لَا يَخْسِفُ بِمَنْ تَعُودُ عَلَيْهِ رَحْمَتُهُ فِي الْمَعَادِ كَذَا قَالَ وَفِيهِ نَظَرٌ يَأْتِي تَوْجِيهه وَقَالَ بن الْمُنِيرِ التَّرْجَمَةُ مُطَابِقَةٌ لِلْحَدِيثِ إِلَّا فِي قَوْلِهِ وَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ فَكَأَنَّهُ قَنَعَ بِالِاسْتِدْلَالِ لَهُ بِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ مِنْ أُمَّتِي لِأَنَّ مَنْ كَانَ مِنَ الْأُمَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ يَبْعُدُ أَنْ يَسْتَحِلَّ الْخَمْرَ بِغَيْرِ تَأْوِيلٍ إِذْ لَوْ كَانَ عِنَادًا وَمُكَابَرَةً لَكَانَ خَارِجًا عَنِ الْأُمَّةِ لِأَنَّ تَحْرِيمَ الْخَمْرِ قَدْ عُلِمَ بِالضَّرُورَةِ قَالَ وَقَدْ وَرَدَ فِي غير هَذَا الطَّرِيق التَّصْرِيح بِمُقْتَضَى التَّرْجَمَةِ لَكِنْ لَمْ يُوَافِقْ شَرْطَهُ فَاقْتَنَعَ بِمَا فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي سَاقَهَا مِنَ الْإِشَارَةِ قُلْتُ الرِّوَايَةُ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا أَخْرَجَهَا أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ مَالِكِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيَشْرَبَنَّ نَاسٌ الْخَمْرَ يُسَمُّونَهَا بِغَيْر اسْمهَا وَصَححهُ بن حِبَّانَ وَلَهُ شَوَاهِدُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا لِابْنِ مَاجَهْ من حَدِيث بن مُحَيْرِيزٍ عَنْ ثَابِتِ بْنِ السَّمْطِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَفَعَهُ يَشْرَبُ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا وَرَوَاهُ أَحْمَدُ بِلَفْظِ لَيَسْتَحِلَّنَّ طَائِفَةٌ مِنَ أُمَّتِي الْخَمْرَ وَسَنَدُهُ جَيِّدٌ وَلَكِنِ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ بن مُحَيْرِيزٍ فَقَالَ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَلِابْنِ مَاجَهْ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَفَعَهُ لَا تَذْهَبُ الْأَيَّامُ والليالي
    حَتَّى تَشْرَبَ طَائِفَةٌ مِنَ أُمَّتِي الْخَمْرَ يُسَمُّونَهَا بِغَيْر اسْمهَا والدارمي بِسَنَدٍ لَيِّنٍ مِنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ أَوَّلَ مَا يُكْفَأُ الْإِسْلَامُ كَمَا يُكْفَأُ الْإِنَاءُ كَفْءُ الْخَمْرِ قِيلَ وَكَيْفَ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا فيستحلونها وَأخرجه بن أَبِي عَاصِمٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَائِشَةَ وَلِابْنِ وَهْبٍ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ أَبَا مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيَّ حَجَّ فَدَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ فَجَعَلَتْ تَسْأَلُهُ عَنِ الشَّامِ وَعَنْ بَرْدِهَا فَقَالَ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّهُمْ يَشْرَبُونَ شَرَابًا لَهُمْ يُقَالُ لَهُ الطِّلَاءُ فَقَالَتْ صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ وَبَلَغَ حَتَّى سَمِعَتْهُ يَقُولُ إِنَّ نَاسًا مِنَ أُمَّتِي يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ جَاءَتْ فِي الْخَمْرِ آثَارٌ كَثِيرَةٌ بِأَسْمَاءٍ مُخْتَلِفَةٍ فَذَكَرَ مِنْهَا السَّكَرَ بِفَتْحَتَيْنِ قَالَ وَهُوَ نَقِيعُ التَّمْرِ إِذَا غُلِيَ بِغَيْرِ طَبْخٍ وَالْجِعَةُ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَتَخْفِيفِ الْعَيْنِ نَبِيذُ الشَّعِيرِ وَالسُّكْرُكَةُ خَمْرُ الْحَبَشَةِ مِنَ الذُّرَةِ إِلَى أَنْ قَالَ وَهَذِهِ الْأَشْرِبَةُ الْمُسَمَّاةُ كُلُّهَا عِنْدِي كِنَايَةٌ عَنِ الْخَمْرِ وَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُ عُمَرَ الْخَمْرُ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ[رقم الحديث عند عبدالباقي:8000 ... ورقمه عند البغا:5590] قَوْلُهُ وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ خَالِدٍ هَكَذَا فِي جَمِيعِ النُّسَخِ مِنَ الصَّحِيحِ مِنْ جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ مَعَ تَنَوُّعِهَا عَنِ الْفَرَبْرِيِّ وَكَذَا مِنْ رِوَايَةِ النَّسَفِيِّ وَحَمَّادِ بْنِ شَاكِرٍ وَذَهَلَ الزَّرْكَشِيُّ فِي تَوْضِيحِهِ فَقَالَ مُعْظَمُ الرُّوَاةِ يَذْكُرُونَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي الْبُخَارِيِّ مُعَلَّقًا وَقَدْ أَسْنَدَهُ أَبُو ذَرٍّ عَنْ شُيُوخِهِ فَقَالَ قَالَ الْبُخَارِيُّ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إِدْرِيسَ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ قَالَ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْحَدِيثُ صَحِيحًا عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَبِذَلِك يرد على بن حَزْمٍ دَعْوَاهُ الِانْقِطَاعَ اه وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ خَطَأٌ نَشَأَ عَنْ عَدَمِ تَأَمُّلٍ وَذَلِكَ أَنَّ الْقَائِلَ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إِدْرِيسَ هُوَ الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ شَيْخُ أَبِي ذَرٍّ لَا الْبُخَارِيُّ ثُمَّ هُوَ الْحُسَيْنُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَزِيَادَةِ التَّحْتَانِيَّةِ السَّاكِنَةِ وَهُوَ الْهَرَوِيُّ لَقَبُهُ خُرَّمٌ بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَهُوَ مِنَ الْمُكْثِرِينَ وَإِنَّمَا الَّذِي وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ مِنَ الْفَائِدَةِ أَنَّهُ اسْتَخْرَجَ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ رِوَايَةِ نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ إِلَى هِشَامٍ عَلَى عَادَةِ الْحُفَّاظِ إِذَا وَقَعَ لَهُمُ الْحَدِيثُ عَالِيًا عَنِ الطَّرِيقِ الَّتِي فِي الْكِتَابِ الْمَرْوِيِّ لَهُمْ يُورِدُونَهَا عَالِيَةً عَقِبَ الرِّوَايَةِ النَّازِلَةِ وَكَذَلِكَ إِذَا وَقَعَ فِي بَعْضِ أَسَانِيدِ الْكِتَابِ الْمَرْوِيِّ خَلَلٌ مَا مِنَ انْقِطَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ وَكَانَ عِنْدَهُمْ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ سَالِمًا أَوْرَدُوهُ فَجَرَى أَبُو ذَرٍّ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ فَرَوَى الْحَدِيثَ عَنْ شُيُوخِهِ الثَّلَاثَةِ عَنِ الْفَرَبْرِيِّ عَنِ الْبُخَارِيِّ قَالَ وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ سِيَاقِهِ قَالَ أَبُو ذَرٍّ حَدَّثَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ النَّضْرَوِيُّ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إِدْرِيسَ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ بِهِ وَأَمَّا دَعْوَى بن حَزْمٍ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا فَقَدْ سَبَقَهُ إِلَيْهَا بن الصَّلَاحِ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ فَقَالَ التَّعْلِيقُ فِي أَحَادِيثَ مِنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ قُطِعَ إِسْنَادُهَا وَصُورَتُهُ صُورَةُ الِانْقِطَاعِ وَلَيْسَ حُكْمُهُ حُكْمَهُ وَلَا خَارِجًا مَا وُجِدَ ذَلِكَ فِيهِ مِنْ قَبِيلِ الصَّحِيحِ إِلَى قَبِيلِ الضَّعِيفِ وَلَا الْتِفَاتٌ إِلَى أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ حَزْمٍ الظَّاهِرِيِّ الْحَافِظِ فِي رَدِّ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي عَامِرٍ وَأَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيَكُونَنَّ فِي أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ الْحَدِيثَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْبُخَارِيَّ أَوْرَدَهُ قَائِلًا قَالَ هِشَامُ بْنُ عمار وَسَاقه بِإِسْنَادِهِ فَزعم بن حَزْمٍ أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ فِيمَا بَيْنَ الْبُخَارِيِّ وَهِشَامٍ وَجَعَلَهُ جَوَابًا عَنِ الِاحْتِجَاجِ بِهِ عَلَى تَحْرِيمِ الْمَعَازِفِ وَأَخْطَأَ فِي ذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ مَعْرُوفُ الِاتِّصَالِ بِشَرْطِ الصَّحِيحِ وَالْبُخَارِيُّ قَدْ يَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ قَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ الْحَدِيثَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ كِتَابِهِ مُسْنَدًا مُتَّصِلًا وَقَدْ يَفْعَلُ ذَلِكَ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَسْبَابِ الَّتِي لَا يَصْحَبُهَا خَلَلُ الِانْقِطَاعِ اه وَلَفظ بن حَزْمٍ فِي الْمُحَلَّى وَلَمْ يَتَّصِلْ مَا بَيْنَ البُخَارِيّ وَصدقَة بن خَالِد وَحكى بن الصَّلَاحِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّ الَّذِي يَقُولُ الْبُخَارِيُّ فِيهِ قَالَ فُلَانٌ وَيُسَمِّي
    شَيْخًا مِنْ شُيُوخِهِ يَكُونُ مِنْ قَبِيلِ الْإِسْنَادِ الْمُعَنْعَنِ وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ الْحُفَّاظِ أَنَّهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِيمَا يَتَحَمَّلُهُ عَنْ شَيْخِهِ مُذَاكَرَةً وَعَنْ بَعْضِهِمُ أَنَّهُ فِيمَا يَرْوِيهِ مُنَاوَلَةً وَقَدْ تَعَقَّبَ شَيخنَا الْحَافِظ أَبُو الْفضل كَلَام بن الصَّلَاحِ بِأَنَّهُ وَجَدَ فِي الصَّحِيحِ عِدَّةَ أَحَادِيثَ يَرْوِيهَا الْبُخَارِيُّ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ قَائِلًا قَالَ فُلَانٌ وَيُورِدُهَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِوَاسِطَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَلِكَ الشَّيْخِ قُلْتُ الَّذِي يُورِدُهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ ذَلِكَ عَلَى أَنْحَاءٍ مِنْهَا مَا يُصَرِّحُ فِيهِ بِالسَّمَاعِ عَنْ ذَلِكَ الشَّيْخِ بِعَيْنِهِ إِمَّا فِي نَفْسِ الصَّحِيحِ وَإِمَّا خَارِجَهُ وَالسَّبَبُ فِي الْأَوَّلِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ أَعَادَهُ فِي عِدَّةِ أَبْوَابٍ وَضَاقَ عَلَيْهِ مَخْرَجُهُ فَتَصَرَّفَ فِيهِ حَتَّى لَا يُعِيدَهُ عَلَى صُورَةٍ وَاحِدَةٍ فِي مَكَانَيْنِ وَفِي الثَّانِي أَنْ لَا يَكُونَ عَلَى شَرْطِهِ إِمَّا لِقُصُورٍ فِي بَعْضِ رُوَاتِهِ وَإِمَّا لِكَوْنِهِ مَوْقُوفًا وَمِنْهَا مَا يُورِدُهُ بِوَاسِطَةٍ عَنْ ذَلِكَ الشَّيْخِ وَالسَّبَبُ فِيهِ كَالْأَوَّلِ لَكِنَّهُ فِي غَالِبِ هَذَا لَا يَكُونُ مُكْثِرًا عَنْ ذَلِكَ الشَّيْخِ وَمِنْهَا مَا لَا يُورِدُهُ فِي مَكَانٍ آخَرَ مِنَ الصَّحِيحِ مِثْلُ حَدِيثِ الْبَابِ فَهَذَا مِمَّا كَانَ أَشْكَلَ أَمْرُهُ عَلَيَّ وَالَّذِي يَظْهَرُ لِيَ الْآنَ أَنَّهُ لِقُصُورٍ فِي سِيَاقِهِ وَهُوَ هُنَا تَرَدُّدُ هِشَامٍ فِي اسْمِ الصَّحَابِيِّ وَسَيَأْتِي مِنْ كَلَامِهِ مَا يُشِيرُ إِلَى ذَلِكَ حَيْثُ يَقُولُ إِنَّ الْمَحْفُوظَ أَنَّهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ عَنْ أَبِي مَالِكٍ وَسَاقَهُ فِي التَّارِيخِ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ كَذَلِكَ وَقَدْ أَشَارَ الْمُهَلَّبُ إِلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَأَمَّا كَوْنُهُ سَمِعَهُ مِنْ هِشَامٍ بِلَا وَاسِطَةٍ وَبِوَاسِطَةٍ فَلَا أَثَرَ لَهُ لِأَنَّهُ لَا يَجْزِمُ إِلَّا بِمَا يَصْلُحُ لِلْقَبُولِ وَلَا سِيَّمَا حَيْثُ يَسُوقُهُ مَسَاقَ الِاحْتِجَاج وَأما قَول بن الصَّلَاحِ أَنَّ الَّذِي يُورِدُهُ بِصِيغَةِ قَالَ حُكْمُهُ حُكْمُ الْإِسْنَادِ الْمُعَنْعَنِ وَالْعَنْعَنَةُ مِنْ غَيْرِ الْمُدَلِّسِ مَحْمُولَةٌ عَلَى الِاتِّصَالِ وَلَيْسَ الْبُخَارِيُّ مُدَلِّسًا فَيَكُونُ مُتَّصِلا فَهُوَ بحث وَافقه عَلَيْهِ بن مَنْدَهْ وَالْتَزَمَهُ فَقَالَ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ قَالَ وَهُوَ تَدْلِيسٌ وَتَعَقَّبَهُ شَيْخُنَا بِأَنَّ أَحَدًا لَمْ يَصِفِ الْبُخَارِيَّ بِالتَّدْلِيسِ وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ مُرَادَ بن مَنْدَهْ أَنَّ صُورَتَهُ صُورَةُ التَّدْلِيسِ لِأَنَّهُ يُورِدُهُ بِالصِّيغَةِ الْمُحْتَمَلَةِ وَيُوجَدُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ وَاسِطَةٌ وَهَذَا هُوَ التَّدْلِيسُ بِعَيْنِهِ لَكِنِ الشَّأْنُ فِي تَسْلِيمِ أَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ مِنْ غَيْرِ الْمُدَلِّسِ لَهَا حُكْمُ الْعَنْعَنَةِ فَقَدْ قَالَ الْخَطِيبُ وَهُوَ الْمَرْجُوعُ إِلَيْهِ فِي الْفَنِّ أَنَّ قَالَ لَا تُحْمَلُ عَلَى السَّمَاعِ إِلَّا مِمَّنْ عُرِفَ مِنْ عَادَتِهِ أَنَّهُ يَأْتِي بِهَا فِي مَوْضِعِ السَّمَاعِ مِثْلُ حَجَّاجِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَعْوَرِ فَعَلَى هَذَا فَفَارَقَتِ الْعَنْعَنَةُ فَلَا تُعْطَى حُكْمَهَا وَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَثَرُهَا مِنَ التَّدْلِيسِ وَلَا سِيَّمَا مِمَّنْ عُرِفَ مِنْ عَادَتِهِ أَنْ يُورِدَهَا لِغَرَضٍ غَيْرِ التَّدْلِيسِ وَقَدْ تَقَرَّرَ عِنْدَ الْحُفَّاظِ أَنَّ الَّذِي يَأْتِي بِهِ الْبُخَارِيُّ مِنَ التَّعَالِيقِ كُلِّهَا بِصِيغَةِ الْجَزْمِ يَكُونُ صَحِيحًا إِلَى مَنْ عَلَّقَ عَنْهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ شُيُوخِهِ لَكِنِ إِذَا وُجِدَ الْحَدِيثُ الْمُعَلَّقُ مِنْ رِوَايَةِ بَعْضِ الْحُفَّاظِ مَوْصُولًا إِلَى مَنْ عَلَّقَهُ بِشَرْطِ الصِّحَّةِ أَزَالَ الْإِشْكَالَ وَلِهَذَا عَنَيْتُ فِي ابْتِدَاءِ الْأَمْرِ بِهَذَا النَّوْعِ وَصَنَّفَتْ كِتَابَ تَعْلِيقِ التَّعْلِيقِ وَقَدْ ذَكَرَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَفِي كَلَامِهِ عَلَى عُلُومِ الْحَدِيثِ أَنَّ حَدِيثَ هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ جَاءَ عَنْهُ مَوْصُولًا فِي مُسْتَخْرَجِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ قَالَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ فَقَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الصَّمَدِ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ قَالَ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ فَقَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ نَجْدَةَ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ بِسَنَدِهِ انْتَهَى وَنُنَبِّهُ فِيهِ عَلَى مَوْضِعَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الطَّبَرَانِيَّ أَخْرَجَ الْحَدِيثَ فِي مُعْجَمِهِ الْكَبِيرِ عَنْ مُوسَى بْنِ سَهْلٍ الْجُوَيْنِيِّ وَعَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْفِرْيَابِيِّ كِلَاهُمَا عَنْ هِشَامٍ وَالْمُعْجَمُ الْكَبِيرُ أَشْهَرُ مِنْ مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ فَعَزْوُهُ إِلَيْهِ أَوْلَى وَأَيْضًا فَقَدِ أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي مُسْتَخْرَجِهِ عَلَى الْبُخَارِيِّ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِيِّ وَمِنْ رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ الْبَاغَنْدِيِّ كِلَاهُمَا عَنْ هِشَام وَأخرجه بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقَطَّانِ عَنْ هِشَامٍ ثَانِيهُمَا قَوْلُهُ إِنَّ أَبَا دَاوُدَ أَخْرَجَهُ يُوهِمُ أَنَّهُ عِنْدَ أَبِي دَاوُد
    بِاللَّفْظِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ النِّزَاعُ وَهُوَ الْمَعَازِفُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْخَمْرَ الَّذِي وَقَعَتْ تَرْجَمَةُ الْبُخَارِيِّ لِأَجَلِهِ فَإِنَّ لَفْظَهُ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ حَدَّثَنَا عَطِيَّةُ بْنُ قَيْسٍ سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ غَنْمٍ الْأَشْعَرِيَّ يَقُولُ حَدَّثَنِي أَبُو عَامِرٍ أَوْ أَبُو مَالِكٍ الْأَشْعَرِيُّ وَاللَّهِ مَا كَذَبَنِي أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَذَكَرَ كَلَامًا قَالَ يُمْسَخُ مِنْهُمْ قِرَدَةٌ وَخَنَازِيرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ نَعَمْ سَاقَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ الْحَدِيثَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ رِوَايَةِ دُحَيْمٍ عَنْ بِشْرِ بْنِ بَكْرٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ فَقَالَ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ الْحَدِيثُ قَوْلُهُ حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ خَالِدٍ هُوَ الدِّمَشْقِيُّ مِنْ مَوَالِي آلِ أَبِي سُفْيَانَ وَلَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثُ وَآخَرُ تَقَدَّمَ فِي مَنَاقِبِ أَبِي بَكْرٍ وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ عَنْهُ أَيْضًا عَنْ زَيْدِ بْنِ وَاقِدٍ وَصَدَقَةَ هَذَا ثِقَةٌ عِنْدَ الْجَمِيعِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بن أَحْمد عَن أَبِيه ثِقَة بن ثِقَةٍ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ أَثْبَتُ مِنَ الْوَلِيدِ بن مُسلم وَذهل شَيخنَا بن الملقن تبعا لغيره فَقَالَ ليته يَعْنِي بن حزم أعل الحَدِيث بِصَدقَة فَإِن بن الْجُنَيْدِ رَوَى عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ لَيْسَ بِشَيْءٍ وَرَوَى الْمَرْوَزِيُّ عَنْ أَحْمَدَ ذَلِكَ لَيْسَ بِمُسْتَقِيمٍ وَلَمْ يَرْضَهُ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الشَّيْخُ خَطَأٌ وَإِنَّمَا قَالَ يَحْيَى وَأَحْمَدُ ذَلِكَ فِي صَدَقَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ السَّمِينِ وَهُوَ أَقْدَمُ مِنْ صَدَقَةَ بْنِ خَالِدٍ وَقَدْ شَارَكَهُ فِي كَوْنِهِ دِمَشْقِيًّا وَفِي الرِّوَايَةِ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ كَزَيْدِ بْنِ وَاقِدٍ وَأَمَّا صَدَقَةُ بْنُ خَالِدٍ فقد قدمت قَول أَحْمد فِيهِ وَأما بن مَعِينٍ فَالْمَنْقُولُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ كَانَ صَدَقَةُ بْنُ خَالِدٍ أَحَبَّ إِلَى أَبِي مُسْهِرٍ مِنَ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ وَهُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ يَحْيَى بْنِ حَمْزَةَ وَنَقَلَ مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالح عَن بن مَعِينٍ أَنَّ صَدَقَةَ بْنَ خَالِدٍ ثِقَةٌ ثُمَّ إِنَّ صَدَقَةَ لَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ بَلْ تَابَعَهُ عَلَى أَصْلِهِ بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ كَمَا تَقَدَّمَ قَوْلُهُ حَدَّثَنَا عَطِيَّةُ بْنُ قَيْسٍ هُوَ شَامِيٌّ تَابِعِيٌّ قَوَّاهُ أَبُو حَاتِمٍ وَغَيْرُهُ وَمَاتَ سَنَةَ عَشْرٍ وَمِائَةٍ وَقِيلَ بَعْدَ ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ وَلَا لِشَيْخِهِ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثُ وَالْإِسْنَادُ كُلُّهُ شَامِيُّونَ قَوْلُهُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ النُّون بن كُرَيْبِ بْنُ هَانِئٍ مُخْتَلَفٌ فِي صُحْبَتِهِ قَالَ بن سَعْدٍ كَانَ أَبُوهُ مِمَّنْ قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صُحْبَةُ أَبِي مُوسَى وَذكر بن يُونُسَ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ كَانَ مَعَ أَبِيهِ حِينَ وَفَدَ وَأَمَّا أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ حُفَّاظِ الشَّامِ فَقَالُوا أَدْرَكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَلْقَهُ وَقَدَّمَهُ دُحَيْمٌ على الصنَابحِي وَقَالَ بن سَعْدٍ أَيْضًا بَعَثَهُ عُمَرُ يُفَقِّهُ أَهْلَ الشَّامِ وَوَثَّقَهُ الْعِجْلِيُّ وَآخَرُونَ وَمَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسَبْعِينَ وَوَقَعَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنَ الزِّيَادَةِ عَنْ عَطِيَّةَ بْنِ قَيْسٍ قَالَ قَامَ رَبِيعَةُ الْجُرَشِيُّ فِي النَّاسِ فَذَكَرَ حَدِيثًا فِيهِ طُولٌ فَإِذَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غَنْمٍ فَقَالَ يَمِينًا حَلَفْتُ عَلَيْهَا حَدَّثَنِي أَبُو عَامِرٍ أَوْ أَبُو مَالِكٍ الْأَشْعَرِيُّ وَاللَّهِ يَمِينًا أُخْرَى حَدَّثَنِي أَنَّهُ سَمِعَ وَفِي رِوَايَةِ مَالِكِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ مَعَنَا رَبِيعَةُ الْجُرَشِيُّ فَذَكَرُوا الشَّرَابَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ قَوْلُهُ حَدَّثَنِي أَبُو عَامِرٍ أَوْ أَبُو مَالِكٍ الْأَشْعَرِيُّ هَكَذَا رَوَاهُ أَكْثَرُ الْحُفَّاظِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ بِالشَّكِّ وَكَذَا وَقَعَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ رِوَايَةِ بِشْرِ بْنِ بَكْرٍ لَكِنْ وَقَعَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ مِنْ رِوَايَةِ بِشْرِ بْنِ بَكْرٍ حَدَّثَنِي أَبُو مَالك بِغَيْر شكّ وَوَقع عِنْد بن حِبَّانَ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ هِشَامٍ بِهَذَا السَّنَدِ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا عَامِرٍ وَأَبَا مَالِكٍ الْأَشْعَرِيَّيْنِ يَقُولَانِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ كَذَا قَالَ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ الْمَحْفُوظُ هُوَ الشَّكُّ فَالشَّكُّ فِي اسْمِ الصَّحَابِيِّ لَا يَضُرُّ وَقَدْ أَعَلَّهُ بذلك بن حزم وَهُوَ مَرْدُود وأعجب مِنْهُ أَن بن بَطَّالٍ حَكَى عَنِ الْمُهَلَّبِ أَنَّ سَبَبَ كَوْنِ الْبُخَارِيِّ لَمْ يَقُلْ فِيهِ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ وُجُودُ الشَّكِّ فِي اسْمِ الصَّحَابِيِّ وَهُوَ شَيْءٌ لَمْ يُوَافَقْ عَلَيْهِ وَالْمَحْفُوظُ رِوَايَةُ الْجَمَاعَةِ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَمَّنِ
    أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِي مَالِكٍ أَوْ أَبِي عَامِرٍ عَلَى الشَّكِّ أَيْضًا وَقَالَ إِنَّمَا يُعْرَفُ هَذَا عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ انْتَهَى وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَحْمد وبن أَبِي شَيْبَةَ وَالْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيَشْرَبَنَّ أُنَاسٌ مِنَ أُمَّتِي الْخَمْرَ يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا تَغْدُو عَلَيْهِمُ الْقِيَانُ وَتَرُوحُ عَلَيْهِمُ الْمَعَازِفُ الْحَدِيثَ فَظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ الشَّكَّ فِيهِ مِنْ عَطِيَّةَ بْنِ قَيْسٍ لِأَنَّ مَالِكَ بْنَ أَبِي مَرْيَمَ وَهُوَ رَفِيقُهُ فِيهِ عَنْ شَيْخِهِمَا لَمْ يَشُكَّ فِي أَبِي مَالِكٍ عَلَى أَنَّ التَّرَدُّدَ فِي اسْمِ الصَّحَابِيِّ لَا يَضُرُّ كَمَا تَقَرَّرَ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ فَلَا الْتِفَاتَ إِلَى مَنْ أَعَلَّ الْحَدِيثَ بِسَبَبِ التَّرَدُّدِ وَقَدْ تَرَجَّحَ أَنَّهُ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ وَهُوَ صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ قَوْلُهُ وَاللَّهِ مَا كَذَبَنِي هَذَا يُؤَيِّدُ رِوَايَةَ الْجَمَاعَةِ أَنَّهُ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ لَا عَنِ اثْنَيْنِ قَوْله يسْتَحلُّونَ الْحر ضَبطه بن نَاصِرٍ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ الْمَكْسُورَةِ وَالرَّاءِ الْخَفِيفَةِ وَهُوَ الْفَرْجُ وَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ الرِّوَايَاتِ مِنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَلَمْ يَذْكُرْ عِيَاضٌ وَمَنْ تَبِعَهُ غَيره وَأغْرب بن التِّينِ فَقَالَ إِنَّهُ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ بِالْمُعْجَمَتَيْنِ وَقَالَ بن الْعَرَبِيِّ هُوَ بِالْمُعْجَمَتَيْنِ تَصْحِيفٌ وَإِنَّمَا رُوِّينَاهُ بِالْمُهْمَلَتَيْنِ وَهُوَ الْفرج وَالْمعْنَى يسْتَحلُّونَ الزِّنَا قَالَ بن التِّينِ يُرِيدُ ارْتِكَابَ الْفَرْجِ بِغَيْرِ حِلِّهِ وَإِنْ كَانَ أَهْلُ اللُّغَةِ لَمْ يَذْكُرُوا هَذِهِ اللَّفْظَةَ بِهَذَا الْمَعْنَى وَلَكِنَّ الْعَامَّةَ تَسْتَعْمِلُهُ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ كَمَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَحَكَى عِيَاضٌ فِيهِ تَشْدِيدَ الرَّاءِ وَالتَّخْفِيفُ هُوَ الصَّوَابُ وَقِيلَ أَصْلُهُ بِالْيَاءِ بَعْدَ الرَّاءِ فَحُذِفَتْ وَذَكَرَهُ أَبُو مُوسَى فِي ذَيْلِ الْغَرِيبِ فِي ح ر وَقَالَ هُوَ بِتَخْفِيفِ الرَّاءِ وَأَصْلُهُ حِرَحٌ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ أَيْضًا وَجَمْعُهُ أَحْرَاحٌ قَالَ وَمِنْهُمْ مَنْ يُشَدِّدُ الرَّاءَ وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ وَتَرْجَمَ أَبُو دَاوُدَ لِلْحَدِيثِ فِي كِتَابِ اللِّبَاسِ بَابُ مَا جَاءَ فِي الْحِرِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَتِهِ بِمُعْجَمَتَيْنِ وَالتَّشْدِيدِ وَالرَّاجِحُ بِالْمُهْمَلَتَيْنِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا وَقَعَ فِي الزُّهْدِ لِابْنِ الْمُبَارَكِ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ بِلَفْظِ يُوشِكُ أَنْ تَسْتَحِلَّ أُمَّتِي فُرُوجَ النِّسَاءِ وَالْحَرِيرَ وَوَقَعَ عِنْدَ الدَّاوُدِيِّ بِالْمُعْجَمَتَيْنِ ثُمَّ تَعَقَّبَهُ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَحْفُوظٍ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنَ الصَّحَابَة لبسوه وَقَالَ بن الْأَثِيرِ الْمَشْهُورُ فِي رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ بِالْإِعْجَامِ وَهُوَ ضرب من الأبر يسم كَذَا قَالَ وَقَدْ عُرِفَ أَنَّ الْمَشْهُورَ فِي رِوَايَة البُخَارِيّ بالمهملتين وَقَالَ بن الْعَرَبِيِّ الْخَزُّ بِالْمُعْجَمَتَيْنِ وَالتَّشْدِيدِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَالْأَقْوَى حِلُّهُ وَلَيْسَ فِيهِ وَعِيدٌ وَلَا عُقُوبَةٌ بِإِجْمَاعٍ تَنْبِيهٌ لَمْ تَقَعْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ وَلَا أَبِي نُعَيْمٍ مِنْ طَرِيقِ هِشَامٍ بَلْ فِي رِوَايَتِهِمَا يَسْتَحِلُّونَ الْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ وَقَوْلُهُ يسْتَحلُّونَ قَالَ بن الْعَرَبِيِّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى يَعْتَقِدُونَ ذَلِكَ حَلَالا وَيحْتَمل أَن يكون ذَلِك مَجَازًا عَلَى الِاسْتِرْسَالِ أَيْ يَسْتَرْسِلُونَ فِي شُرْبِهَا كَالِاسْتِرْسَالِ فِي الْحَلَالِ وَقَدْ سَمِعْنَا وَرَأَيْنَا مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ قَوْلُهُ وَالْمَعَازِفَ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالزَّايِ بَعْدَهَا فَاءٌ جَمْعُ مِعْزَفَةٍ بِفَتْحِ الزَّايِ وَهِيَ آلَاتُ الْمَلَاهِي وَنَقَلَ الْقُرْطُبِيُّ عَنِ الْجَوْهَرِيِّ أَنَّ الْمَعَازِفَ الْغِنَاءُ وَالَّذِي فِي صِحَاحِهِ أَنَّهَا آلَاتُ اللَّهْوِ وَقِيلَ أَصْوَاتُ الْمَلَاهِي وَفِي حَوَاشِي الدِّمْيَاطِيِّ الْمَعَازِفُ الدُّفُوفُ وَغَيْرُهَا مِمَّا يُضْرَبُ بِهِ وَيُطْلَقُ عَلَى الْغِنَاءِ عَزْفٌ وَعَلَى كُلِّ لَعِبٍ عَزْفٌ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مَالِكِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ تَغْدُو عَلَيْهِمُ الْقِيَانُ وَتَرُوحُ عَلَيْهِمُ الْمَعَازِفُ قَوْلُهُ وَلَيَنْزِلَنَّ أَقْوَامٌ إِلَى جَنْبِ عَلَمٍ بِفَتْحَتَيْنِ وَالْجَمْعُ أَعْلَامٌ وَهُوَ الْجَبَلُ الْعَالِي وَقِيلَ رَأْسُ الْجَبَلِ قَوْلُهُ يَرُوحُ عَلَيْهِمْ كَذَا فِيهِ بِحَذْفِ الْفَاعِلِ وَهُوَ الرَّاعِي بِقَرِينَةِ الْمَقَامِ إِذِ السَّارِحَةُ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ حَافِظٍ قَوْلُهُ بِسَارِحَةٍ بِمُهْمَلَتَيْنِ الْمَاشِيَةُ الَّتِي تَسْرَحُ بِالْغَدَاةِ إِلَى رَعْيِهَا وَتَرُوحُ أَيْ تَرْجِعُ بِالْعَشِيِّ إِلَى مَأْلَفِهَا وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ سَارِحَةَ بِغَيْرِ مُوَحَّدَةٍ فِي أَوَّلِهِ وَلَا حَذْفَ فِيهَا قَوْلُهُ يَأْتِيهِمْ لِحَاجَةٍ كَذَا فِيهِ بِحَذْفِ الْفَاعِلِ أَيْضًا قَالَ الْكِرْمَانِيُّ التَّقْدِيرُ الْآتِي أَوِ الرَّاعِي أَوِ الْمُحْتَاجُ أَوْ الرَّجُلُ قُلْتُ وَقَعَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ يَأْتِيهِمْ طَالِبُ حَاجَةٍ
    فَتَعَيَّنَ بَعْضُ الْمُقَدَّرَاتِ قَوْلُهُ فَيُبَيِّتُهُمُ اللَّهُ أَيْ يُهْلِكُهُمْ لَيْلًا وَالْبَيَاتُ هُجُومُ الْعَدُوِّ لَيْلًا قَوْلُهُ وَيَضَع الْعلم أَي يوقعه عَلَيْهِم وَقَالَ بن بَطَّالٍ إِنْ كَانَ الْعَلَمُ جَبَلًا فَيُدَكْدِكُهُ وَإِنْ كَانَ بِنَاء فيهدمه وَنَحْو ذَلِك وَأغْرب بن الْعَرَبِيِّ فَشَرَحَهُ عَلَى أَنَّهُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَسُكُونِ اللَّامِ فَقَالَ وَضْعُ الْعِلْمِ إِمَّا بِذَهَابِ أَهْلِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَإِمَّا بِإِهَانَةِ أَهْلِهِ بِتَسْلِيطِ الْفَجَرَةِ عَلَيْهِمْ قَوْلُهُ وَيَمْسَخُ آخَرِينَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ يُرِيدُ مِمَّنْ لَمْ يُهْلِكْ فِي الْبَيَاتِ الْمَذْكُورِ أَوْ مِنْ قَوْمٍ آخَرِينَ غَيْرِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ بَيَّتُوا وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ أَنَّ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيّ ويمسخ مِنْهُم آخَرين قَالَ بن الْعَرَبِيِّ يَحْتَمِلُ الْحَقِيقَةَ كَمَا وَقَعَ لِلْأُمَمِ السَّالِفَةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ كِنَايَةً عَنْ تَبَدُّلِ أَخْلَاقِهِمْ قُلْتُ وَالْأَوَّلُ أَلْيَقُ بِالسِّيَاقِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ وَعِيدٌ شَدِيدٌ عَلَى مَنْ يَتَحَيَّلُ فِي تَحْلِيلِ مَا يَحْرُمُ بِتَغْيِيرِ اسْمِهِ وَأَنَّ الْحُكْمَ يَدُورُ مَعَ الْعِلَّةِ وَالْعِلَّةُ فِي تَحْرِيمِ الْخَمْرِ الْإِسْكَارُ فَمَهْمَا وُجِدَ الْإِسْكَارُ وُجِدَ التَّحْرِيمُ وَلَوْ لَمْ يسْتَمر الِاسْم قَالَ بن الْعَرَبِيِّ هُوَ أَصْلٌ فِي أَنَّ الْأَحْكَامَ إِنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِمَعَانِي الْأَسْمَاءِ لَا بِأَلْقَابِهَا رَدًّا عَلَى مَنْ حَمَلَهُ عَلَى اللَّفْظِ

    باب مَا جَاءَ فِيمَنْ يَسْتَحِلُّ الْخَمْرَ وَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ(باب ما جاء) من الوعيد (فيمن يستحل الخمر ويسميه بغير اسمه) ذكر الخمر باعتبار الشراب وإلاّ فالخمر مؤنث سماعي.
    [ رقم الحديث عند عبدالباقي:8000 ... ورقمه عند البغا: 5590 ]
    - وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ حَدَّثَنَا عَطِيَّةُ بْنُ قَيْسٍ الْكِلاَبِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غَنْمٍ الأَشْعَرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَامِرٍ أَوْ أَبُو مَالِكٍ الأَشْعَرِيُّ وَاللَّهِ مَا كَذَبَنِي سَمِعَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ، وَلَيَنْزِلَنَّ أَقْوَامٌ إِلَى جَنْبِ عَلَمٍ يَرُوحُ عَلَيْهِمْ بِسَارِحَةٍ لَهُمْ، يَأْتِيهِمْ لِحَاجَةٍ فَيَقُولُوا: ارْجِعْ إِلَيْنَا غَدًا فَيُبَيِّتُهُمُ اللَّهُ، وَيَضَعُ الْعَلَمَ، وَيَمْسَخُ آخَرِينَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ».(وقال هشام بن عمار): أبو الوليد السلمي الدمشقي المقرئ راوي قراءة ابن عامر من شيوخ البخاري وعبّر بالقول دون التحديث وغيره لأنه وقع له مذاكرة (حدّثنا صدقة بن خالد) الفرعي الأموي أبو العباس الدمشقي قال: (حدّثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر) الأزدي قال: (حدّثنا عطية بن قيس) الشامي (الكلاب) بكسر الكاف والموحدة التابعي قال: (حدّثني) بالإفراد (عبد الرحمن بن غنم) بفتح الغين المعجمة وسكون النون ابن كريب بن هانئ (الأشعري) مختلف في صحبته (قال: حدّثني) بالإفراد (أبو عامر أو أبو مالك الأشعري) بالشك وعند أبي داود: حدّثني أبو مالك بغير شك والشك في اسم الصحابي لا يضر، وقال البخاري في تاريخه بعد أن
    رواه على الشك أيضًا وإنما يعرف عن أبي مالك الأشعري.واختلف في اسمه فقيل: عبد الله بن هانئ، وقيل: عبد الله بن وهب، وقيل: عبيد بن وهب سكن الشام وليس بعم أبي موسى الأشعري إذ ذاك قتل أيام حنين في الزمن النبوي وهذا بقي إلى زمن عبد الملك بن مروان (والله ما كذبني) بتخفيف المعجمة وهو مبالغة في كمال صدقه أنه (سمع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):(ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر)، بكسر الحاء المهملة وتخفيف الراء المفتوحة الفرج أي يستحلون الزنا، وحكى القاضي عياض تشديد الراء وهو كذلك في الفرع أيضًا والصواب كما في الفتح التخفيف (و) يستحلون (الحرير و) يستحلون (الخمر) شربًا أي يعتقدون حلّها أو هو مجاز عن الاسترسال في شربها كالاسترسال في الحلال (و) يستحلون (المعازف) بفتح الميم والعين المهملة وبعد الألف زاي مكسورة ففاء جمع معزفة آلات الملاهي أو هي الغناء وفي الصحاح هي آلات اللهو وقيل أصوات الملاهي، وقال في القاموس: والمعازف الملاهي كالعود والطنبور الواحد عزف أو معزف كمنبر ومكنسة والعازف اللاعب بها والمغني وفي حواشي الدمياطي أنها الدفوف وغيرها مما يضرب به، وعند الإمام أحمد وابن أبي شيبة والبخاري في تاريخه من طريق مالك بن أبي مريم عن عبد الرحيم بن غنم عن أبي مالك الأشعري عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "ليشربن أناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها تغدو عليهم القيان وتروح عليهم المعازف" (ولينزلن) بفتح اللام والتحتية وكسر الزاي (أقوام إلى جنب علم) بفتح الجيم وسكون النون وعلم بفتحتين جبل عال أو رأس جبل (يروح عليهم) أي الراعي (بسارحة لهم) بمهملتين بغنم تسرح بالغداة إلى رعيها وتروح أي ترجع بالعشي إلى مألفها (يأتيهم لحاجة). قال الحافظ ابن حجر: كذا فيه بحذف الفاعل. قال الكرماني التقدير الآتي أو الراعي أو المحتاج. قال الحافظ ابن حجر: وقع عند الإسماعيلي يأتيهم طالب حاجة قال: فتعين بعض المقدرات انتهى.قلت: وفي الفرع كأصله يعني الفقير لحاجة لكن على قوله يعني الفقير علامة السقوط لأبي ذر.(فيقولوا) ولأبي ذر فيقولون (ارجع إلينا غدًا فيبيتهم الله) من التبييت وهو هجوم العدوّ ليلًا والمراد يهلكهم الله ليلًا (ويضع العلم) أي يوقع الجبل عليهم فيهلكهم (ويمسخ آخرين) أي يجعل صور آخرين من لم يهلك من البيات المذكور (قردة وخنازير إلى يوم القيامة) أي إلى مثل صورها حقيقة كما وقع لبعض الأمم السابقة أو هو كناية عن تبدّل أخلاقهم والأول أليق بالسياق وفيه كما قال الخطابي بيان أن المسخ يكون في هذه الأمة لكن قال بعضهم: إن المراد مسخ القلوب.ومطابقة الجزء الأول من الترجمة للحديث ظاهرة وأما الجزء الثاني ففي حديث مالك بن أبي مريم المذكور: ليشربن أناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها كما هو عادة المؤلّف رحمه الله في الإشارة بالترجمة إلى حديث لم يكن على شرطه، وقال في الكواكب: أو لعل نظر المؤلّف إلى لفظ من أمتي إذ فيه دليل على أنهم استحلوها بالتأويل إذ لو لم يكن بالتأويل لكان كفرًاوخروجًا عن أمته لأن تحريم الخمر معلوم من الدين بالضرورة، وقيل: يحتمل أن يقال إن الاستحلال لم يقع بعد وسيقع وأن يقال: إنه مثل استحلال نكاح المتعة واستحلال بعض الأنبذة أي المسكرة انتهى.ورجال حديث الباب كلهم شاميون.

    (بابُُ مَا جاءَ فِيمَن يَسْتَحِلُّ الخَمْرَ ويُسَمِّيه بِغَيْرِ اسْمِه)أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان مَا جَاءَ فِي حق من يرى الْخمر حَلَالا. قَوْله: (ويسميه) أَي: يُسَمِّي الْخمر أَي: وَفِي بَيَان من يُسمى الْخمر بِغَيْر اسْمه، وَإِنَّمَا ذكر ضمير الْخمر بالتذكير مَعَ أَن الْخمر مؤنث سَمَاعي بِاعْتِبَار الشَّرَاب. قَالَ الْكرْمَانِي: ويروى يسميها بِغَيْر اسْمهَا يَعْنِي: بتأنيث الضَّمِير على الأَصْل.
    [ رقم الحديث عند عبدالباقي:8000 ... ورقمه عند البغا:5590 ]
    - وَقَالَ هِشامُ بنُ عَمَّارٍ: حَدثنَا صَدَقَةُ بنُ خالِدٍ حَدثنَا عبدُ الرَّحْمانِ بنُ يَزِيدَ بنِ جابِرٍ حَدثنَا عَطِيَّةُ بنُ قَيْسٍ الكِلاَبِيُّ حَدثنَا عبْدُ الرَّحْمانِ بنُ غَنْمٍ الأشْعَرِيُّ قَالَ: حدّثني أبُو عامِرٍ. أوْ أبُو مالِكٍ الأشْعَرِيُّ. وَالله مَا كَذَبَنِي، سَمِعَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَقُولُ: لِيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الحِرَ والحَرِيرَ والخَمْرَ والمَعازِفَ، وَلَيَنْزِلَنَّ أقْوَامٌ إِلَى جَنْبِ عَلَمٍ يَرُوحُ عَليْهِمْ بِسارِحَةٍ لَهُمْ يأْتِيهِمْ يَعْني: الفَقِيرَ لحاجَةٍ، فَيَقُولُون: ارْجِعْ إلَيْنا غَداً فَيُبَيِّتُهُمُ الله وَيَضَعُ العَلَمَ، ويَمْسَخُ آخَرِينَ قِرَدَةً وخنَازِيرَ إِلَى يَوْمِ القِيامَةِ.
    مُطَابقَة الْجُزْء الأول للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَلَيْسَ فِيهِ مَا يُطَابق الْجُزْء الثَّانِي قيل: أَشَارَ بقوله (ويسميه) بِغَيْر اسْمه إِلَى حَدِيث رُوِيَ فِي ذَلِك، وَلكنه لم يُخرجهُ لكَونه على غير شَرطه، وَهُوَ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من طَرِيق مَالك بن أبي مَرْيَم عَن أبي مَالك الْأَشْعَرِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ليشربنَّ ناسٌ الْخمر يسمونها بِغَيْر اسْمهَا، وَصَححهُ ابْن حبَان، وروى ابْن أبي شيبَة من حَدِيث أبي مَالك الْأَشْعَرِيّ أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: يشرب نَاس من أمتِي الْخمر يسمونها بِغَيْر اسْمهَا، وَصَححهُ ابْن حبَان، وروى ابْن أبي شيبَة من حَدِيث أبي مَالك الْأَشْعَرِيّ أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: يشرب نَاس من أمتِي الْخمر يسمونها بِغَيْر اسْمهَا يضْرب على رؤوسهم بالمعازف والقينات يخسف الله بهم الأَرْض، وَيجْعَل مِنْهُم القردة والخنازير.قَوْله: وَقَالَ هِشَام بن عمار بن نصير بن ميسرَة أَبُو الْوَلِيد السّلمِيّ الدِّمَشْقِي، وَهُوَ أحد مَشَايِخ البُخَارِيّ وروى عَنهُ فِي فضل أبي بكر رَضِي الله عَنهُ وَفِي الْبيُوع أسْند عَنهُ فِي هذَيْن الْمَوْضِعَيْنِ، وَفِي ثَلَاث مَوَاضِع يَقُول: قَالَ هِشَام بن عمار فِي الْأَشْرِبَة هَذَا، وَفِي الْمَغَازِي: إِن النَّاس كَانُوا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَوْم الْحُدَيْبِيَة تفَرقُوا فِي ظلال شجر، وَفِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تكن مثل فلَان، كَانَ يقوم اللَّيْل، فَفِي هَذِه الْمَوَاضِع الثَّلَاثَة لَا يَقُول: حَدثنَا وَلَا أخبرنَا، وَالظَّاهِر أَنه أَخذ هَذَا الحَدِيث عَن هِشَام هَذَا مذاكرة.والْحَدِيث صَحِيح وَإِن كَانَت صورته صُورَة التَّعْلِيق، وَقد تقرر عِنْد الْحفاظ أَن الَّذِي يَأْتِي بِهِ البُخَارِيّ من التَّعَالِيق كلهَا بِصِيغَة الْجَزْم يكون صَحِيحا إِلَى من علقه عَنهُ، وَلَو لم يكن من شبوخه. فَإِن قلت: قَالَ ابْن حزم: هَذَا الحَدِيث مُنْقَطع فِيمَا بَين البُخَارِيّ وَصدقَة بن خَالِد والمنقطع لَا تقوم بِهِ حجَّة. قلت: وهم ابْن حزم فِي هَذَا، فَالْبُخَارِي إِنَّمَا قَالَ: قَالَ هِشَام بن عمار: حَدثنَا صَدَقَة وَلم يقل: قَالَ صَدَقَة بن خَالِد. قَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) وليته أعله بِصَدقَة فَإِن يحيى قَالَ فِيهِ: لَيْسَ بِشَيْء، رَوَاهُ ابْن الْجُنَيْد عَنهُ، وروى الْمروزِي عَن أَحْمد: لَيْسَ بِمُسْتَقِيم وَلم يرضه. قلت: هَذَا تمنٍ غير مرجو فِيهِ، المُرَاد فَإِن عبد الله بن أَحْمد بن حَنْبَل قَالَ عَن أَبِيه، فَقِيه ثِقَة لَيْسَ بِهِ بَأْس، أثبت من الْوَلِيد بن مُسلم صَالح الحَدِيث. وَقَالَ دُحَيْم وَالْعجلِي وَمُحَمّد بن سعد وَأَبُو زرْعَة وَأَبُو حَاتِم: ثِقَة، وروى عَن يحيى أَيْضا، وَذهل صَاحب (التَّوْضِيح) وَظن أَنه الْمَنْقُول عَن أَحْمد وَيحيى فِيهِ وَلَيْسَ كَذَلِك، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِك فِي صَدَقَة بن عبد السمين وَهُوَ أقدم من صَدَقَة بن خَالِد، وَقد شَاركهُ فِي كَونه دمشقياً، وَفِي رِوَايَة عَن بعض شُيُوخه كزيد بن وَاقد وَهُوَ صَدَقَة بن خَالِد الْقرشِي الْأمَوِي أَبُو الْعَبَّاس الدِّمَشْقِي مولى أم الْبَنِينَ أُخْت مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان. قَالَه البُخَارِيّ وَأَبُو حَاتِم، وَقيل: مولى أم الْبَنِينَ أُخْت عمر بن عبد الْعَزِيز رَضِي الله عَنهُ قَالَه هِشَام بن عمار الرَّاوِي عَنهُ، وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ إلاَّ هَذَا الحَدِيث، وَآخر تقدم فِي مَنَاقِب أبي بكر، وَصدقَة هَذَا يروي عَن عبد الرَّحْمَن بن يزِيد من الزِّيَادَة ابْن جَابر الْأَزْدِيّ مر فِي الصَّوْم وَهُوَ يروي عَن عطيةِ بن قيس الْكلابِي الشَّامي التَّابِعِيّ يروي عَن عبد الرَّحْمَن بن غنم، بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون النُّون: ابْن كريب بن هانىء مُخْتَلف فِي صحبته، وَقَالَ ابْن سعد: كَانَ أَبوهُ مِمَّن قدم على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي صُحْبَة أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، وَذكر ابْن يُونُس أَن عبد الرَّحْمَن كَانَ مَعَ أَبِيه حِين وَفد، وَقَالَ أَبُو زرْعَة الدِّمَشْقِي وَغَيره من حفاظ الشَّام: إِنَّه أدْرك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلم يلقه. وَقَالَ أَبُو عمر عبد الرَّحْمَن بن غنم الْأَشْعَرِيّ جاهلي: كَانَ مُسلما على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يره، وَلم يفد عَلَيْهِ، ولازم معَاذ بن جبل رَضِي الله عَنهُ مُنْذُ بَعثه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْيمن إِلَى أَن مَاتَ فِي خلَافَة عمر رَضِي الله عَنهُ وَسمع من عمر بن الْخطاب، وَكَانَ أفقه أهل الشَّام، وَهُوَ الَّذِي فقه عَامَّة التَّابِعين بِالشَّام، وَمَات بِالشَّام سنة ثَمَان وَسبعين.قَوْله: (قَالَ حَدثنِي أَبُو عَامر، أَو أَبُو مَالك الْأَشْعَرِيّ) هَكَذَا رَوَاهُ أَكثر الْحفاظ عَن هِشَام بن عمار بِالشَّكِّ، وَكَذَا وَقع عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ من رِوَايَة بشر بن بكر، لَكِن وَقع فِي رِوَايَة أبي دَاوُد من رِوَايَة بشر بن بكر حَدثنِي أَبُو مَالك بِغَيْر شكّ، وَالرَّاجِح أَنه عَن أبي مَالك الْأَشْعَرِيّ وَهُوَ صَحَابِيّ مَشْهُور، قيل: اسْمه كَعْب، وَقيل: عَمْرو، وَقيل: عبد الله، وَقيل: عبيد يعد فِي الشاميين، وَأما أَبُو عَامر الْأَشْعَرِيّ فَقَالَ الْمزي: اخْتلف فِي اسْمه، فَقيل: عبيد الله بن هانىء وَقيل: عبد الله بن وهب، وَقيل: عبيد بن وهب، سكن الشَّام وَلَيْسَ بعم أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، ذَاك قتل أَيَّام حنين فِي حَيَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، واسْمه عبيد بن حضار، وَهَذَا بَقِي إِلَى زمن عبد الْملك بن مَرْوَان. فَإِن قلت: قَالَ الْمُهلب: هَذَا حَدِيث ضَعِيف لِأَن البُخَارِيّ لم يسْندهُ من أجل شكّ الْمُحدث فِي (الصاحب) فَقَالَ أَبُو عَامر أَو أَبُو مَالك: قلت:
    هَذَا لَيْسَ بِشَيْء إِذْ الترديد فِي الصَّحَابِيّ لَا يضر إِذْ كلهم عدُول. قَوْله (وَالله مَا كَذبَنِي) هَذَا تَأْكِيد ومبالغة فِي صدق الصَّحَابِيّ لِأَن عَدَالَة الصَّحَابَة مَعْلُومَة، وَقَالَ بَعضهم: هَذَا يُؤَيّد رِوَايَة الْجَمَاعَة أَنه عَن وَاحِد لَا عَن اثْنَيْنِ قيل: هَذَا كَلَام سَاقِط لِأَنَّهُ من قَالَ: إِن هَذَا الحَدِيث من اثْنَيْنِ حَتَّى يُؤَيّد بِهَذَا اللَّفْظ أَنه من وَاحِد. قلت: لَا بل هُوَ كَلَام موجه لِأَن ابْن حبَان روى عَن الْحُسَيْن بن عبد الله عَن هِشَام بِهَذَا السَّنَد إِلَى عبد الرَّحْمَن بن غنم أَنه سمع أَبَا عَامر وَأَبا مَالك الْأَشْعَرِيين يَقُولَانِ فَذكر الحَدِيث، كَذَا قَالَ، وَالْمَحْفُوظ رِوَايَة الْجَمَاعَة بِالشَّكِّ. قَوْله (من أمتِي) قَالَ ابْن التِّين. قَوْله (من أمتِي) يحْتَمل أَن يُرِيد من تسمى بهم ويستحل مَا لَا يحل فَهُوَ كَافِر إِن أظهر ذَلِك، ومنافق إِن أسره أَو يكون مرتكب الْمَحَارِم تهاوناً واستخفافاً فَهُوَ يُقَارب الْكفْر، وَالَّذِي يُوضح فِي النّظر أَن هَذَا لَا يكون إلاَّ مِمَّن يعْتَقد الْكفْر ويتسمَّ بِالْإِسْلَامِ، لِأَن الله عز وَجل لَا يخسف من تعود عَلَيْهِ رَحمته فِي الْمعَاد، وَقيل: كَونهم من الْأمة يبعد مَعَه أَن يستحلوها بِغَيْر تَأْوِيل وَلَا تَحْرِيف، فَإِن ذَلِك مجاهرة بِالْخرُوجِ عَن الْأمة إِذْ تَحْرِيم الْخمر مَعْلُوم ضَرُورَة. قَوْله: (يسْتَحلُّونَ الْحر) بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الرَّاء أَي: الْفرج، وَأَصله: الْجرْح، فحذفت إِحْدَى الحائين مِنْهُ، كَذَا ضَبطه ابْن نَاصِر، وَكَذَا هُوَ فِي مُعظم الرِّوَايَات من (صَحِيح البُخَارِيّ) وَقَالَ ابْن التِّين: هُوَ بالمعجمتين يَعْنِي: الْخَزّ وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ: هُوَ تَصْحِيف، وَإِنَّمَا روينَاهُ بالمهملتين وَهُوَ الْفرج، وَالْمعْنَى: يسْتَحلُّونَ الزِّنَا، وَقَالَ أَبُو الْفَتْح الْقشيرِي: إِن فِي كتاب أبي دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ مَا يَقْتَضِي أَنه الْخَزّ بالزاي وَالْخَاء الْمُعْجَمَة، وَقَالَ ابْن بطال: وَهُوَ الْفرج وَلَيْسَ كَمَا أَوله من صحفه، فَقَالَ: الْخَزّ من أجل مقارنته الْحَرِير فَاسْتعْمل التَّصْحِيف بالمقارنة، وَحكى عِيَاض فِيهِ تَشْدِيد الرَّاء، وَقَالَ ابْن قرقول: مخفف الرَّاء، فرج الْمَرْأَة وَهُوَ الأصوب، وَقيل: أَصله بِالتَّاءِ بعد الرَّاء فحذفت، وَقَالَ الدَّاودِيّ: أَحسب أَن قَوْله: (من الْخَزّ) لَيْسَ بِمَحْفُوظ لِأَن كثيرا من الصَّحَابَة لبسوه، وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ: أورد أَبُو دَاوُد هَذَا الْخَبَر فِي: بابُُ مَا جَاءَ فِي الْخَزّ، كَذَا الرِّوَايَة فَدلَّ أَنه عِنْده كَذَلِك وَكَذَا وَقع فِي البُخَارِيّ، وَهِي ثِيَاب مَعْرُوفَة لبسهَا غير وَاحِد من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ، فَيكون النَّهْي عَنهُ لأجل التَّشَبُّه. قلت: الصَّوَاب مَا قَالَه ابْن بطال، وَقد جَاءَ فِي حَدِيث يرويهِ أَبُو ثَعْلَبَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسْتَحل الْخَزّ وَالْحَرِير، يُرَاد بِهِ استحلال الْحَرَام من الْفرج. قَوْله: (وَالْحَرِير) قَالَ ابْن بطال: واستحلالهم الْحَرِير أَي: يسْتَحلُّونَ النَّهْي عَنهُ، وَالنَّهْي عَنهُ فِي كتاب الله تَعَالَى: {{فليحذر الَّذين يخالفون عَن أمره}} (النُّور: 63) . قَوْله وَالْمَعَازِف الملاهي جمع معزفة، يُقَال: هِيَ آلَات الملاهي، وَنقل الْقُرْطُبِيّ عَن الْجَوْهَرِي: إِن المعازف القيان، وَالَّذِي ذكره فِي (الصِّحَاح) أَنَّهَا آلَات اللَّهْو، وَقيل: أصوات الملاهي، وَفِي (حَوَاشِي الدمياطي) : المعازف الدفوف وَغَيرهَا مِمَّا يضْرب بِهِ، وَيُطلق على الْغناء عزف، وعَلى كل لعب عزف، وَوَقع فِي رِوَايَة مَالك بن أبي مَرْيَم تَغْدُو عَلَيْهِم القيان وَتَروح عَلَيْهِم المعازف. قَوْله (علم) بِفتْحَتَيْنِ الْجَبَل وَالْجمع أَعْلَام، وَقيل: الْعلم رَأس الْجَبَل. قَوْله: (يروح عَلَيْهِم) فَاعل يروح مَحْذُوف أَي: يروح عَلَيْهِم الرَّاعِي بِقَرِينَة السارحة لِأَن السارحة هِيَ الْغنم الَّتِي تسرح لَا بُد لَهَا من الرَّاعِي، ويروى: تروح عَلَيْهِم سارحة، بِدُونِ حرف الْبَاء، فعلى هَذَا سارحة مَرْفُوع بِأَنَّهُ فَاعل يروح أَي: تروح سارحة كائنة لَهُم، الْمَعْنى: أَن الْمَاشِيَة الَّتِي تسرح بِالْغَدَاةِ إِلَى رعيها، وَتَروح أَي: ترجع بالْعَشي إِلَى مألفها. قَوْله (يَأْتِيهم) فَاعله (الْفَقِير) وَلِهَذَا قَالَ: يَعْنِي الْفَقِير، وَفِي رِوَايَة يَأْتِيهم فَقَط فَاعله مَحْذُوف، وَهُوَ الْفَقِير يدل عَلَيْهِ قَوْله (لحَاجَة) وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَفِي بعض المخرجات: يَأْتِيهم رجل لحَاجَة، تَصْرِيحًا بِلَفْظ: رجل، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: فيأتيهم طَالب حَاجَة. قَوْله: (فيبيتهم الله) أَي: يُهْلِكهُمْ بِاللَّيْلِ، والبيات هجوم الْعَدو لَيْلًا. قَوْله: (وَيَضَع الْعلم) أَي: يضع الْجَبَل بِأَن يدكدكه عَلَيْهِم ويوقعه على رؤوسهم، ويروى: وَيَضَع الْعلم عَلَيْهِم بِزِيَادَة لفظ: عَلَيْهِم. قَوْله: (ويمسخ آخَرين) أَي: يمسخ جمَاعَة آخَرين مِمَّن لم يُهْلِكهُمْ البيات، وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ: يحْتَمل الْحَقِيقَة كَمَا وَقع فِي الْأُمَم الْمَاضِيَة، وَيحْتَمل أَن يكون كِنَايَة عَن تبدل أَخْلَاقهم، وَقَالَ ابْن بطال: المسخ فِي حكم الْجَوَاز فِي هَذِه الْأمة إِن لم يأتِ خبر يُهْلِكهُمْ يرفع جَوَازه، وَقد وَردت أَحَادِيث بَيِّنَة الْأَسَانِيد أَنه يكون فِي هَذِه الْأمة خسف ومسخ، وَقد جَاءَ فِي الحَدِيث أَن الْقُرْآن يرفع من الصُّدُور، وَأَن الْخُشُوع وَالْأَمَانَة ينزعان مِنْهُم، وَلَا مسخ أَكثر من هَذَا، وَقد يكون الحَدِيث على ظَاهره فيمسخ الله من أَرَادَ تَعْجِيل عُقُوبَته، كَمَا أهلك قوما بالخسف، وَقد رَأينَا ذَلِك عيَانًا، فَكَذَلِك المسخ يكون، وَزعم
    الْخطابِيّ أَن الْخَسْف وَالْمَسْخ يكونَانِ فِي هَذِه الْأمة كَسَائِر الْأُمَم، خلافًا لمن زعم أَن ذَلِك لَا يكون، وَإِنَّمَا مسخها بقلوبها، وَفِي كتاب سعيد بن مَنْصُور: حَدثنَا أَبُو دَاوُد وَسليمَان بن سَالم الْبَصْرِيّ حَدثنَا حسان بن سِنَان عَن رجل عَن أبي هُرَيْرَة يرفعهُ: يمسخ قوم من أمتِي آخر الزَّمَان قردة وَخَنَازِير، قَالُوا: يَا رَسُول الله! وَيشْهدُونَ أَنَّك رَسُول الله وَأَن لَا إِلَه إِلَّا الله؟ قَالَ: نعم، وَيصلونَ وَيَصُومُونَ ويحجون. قَالُوا: فَمَا بالهم يَا رَسُول الله؟ قَالَ: اتَّخذُوا المعازف والقينات والدفوف وَيَشْرَبُونَ هَذِه الْأَشْرِبَة فَبَاتُوا على لهوهم وشرابهم فَأَصْبحُوا قردة وَخَنَازِير، وَلما رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ قَالَ: هَذَا حَدِيث غَرِيب لَا نعرفه إلاَّ من هَذَا الْوَجْه، وَفِي (النَّوَادِر) لِلتِّرْمِذِي: حَدثنَا عَمْرو بن أبي عمر حَدثنَا هِشَام بن خَالِد الدِّمَشْقِي عَن اسماعيل بن عَيَّاش عَن أَبِيه عَن ابْن سابط عَن أبي أُمَامَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: تكون فِي أمتِي فزعة، فَيصير النَّاس إِلَى عُلَمَائهمْ، فَإِذا هم قردة وَخَنَازِير.

    لا توجد بيانات