• 2877
  • عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ ، قَالَ : غَزَوْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةَ تَبُوكَ ، فَلَمَّا جَاءَ وَادِيَ القُرَى إِذَا امْرَأَةٌ فِي حَدِيقَةٍ لَهَا ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ : " اخْرُصُوا " ، وَخَرَصَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشَرَةَ أَوْسُقٍ ، فَقَالَ لَهَا : " أَحْصِي مَا يَخْرُجُ مِنْهَا " فَلَمَّا أَتَيْنَا تَبُوكَ قَالَ : " أَمَا إِنَّهَا سَتَهُبُّ اللَّيْلَةَ رِيحٌ شَدِيدَةٌ ، فَلاَ يَقُومَنَّ أَحَدٌ ، وَمَنْ كَانَ مَعَهُ بَعِيرٌ فَلْيَعْقِلْهُ " فَعَقَلْنَاهَا ، وَهَبَّتْ رِيحٌ شَدِيدَةٌ ، فَقَامَ رَجُلٌ ، فَأَلْقَتْهُ بِجَبَلِ طَيِّءٍ ، وَأَهْدَى مَلِكُ أَيْلَةَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، بَغْلَةً بَيْضَاءَ ، وَكَسَاهُ بُرْدًا وَكَتَبَ لَهُ بِبَحْرِهِمْ ، فَلَمَّا أَتَى وَادِيَ القُرَى قَالَ لِلْمَرْأَةِ : " كَمْ جَاءَ حَدِيقَتُكِ " قَالَتْ : عَشَرَةَ أَوْسُقٍ ، خَرْصَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنِّي مُتَعَجِّلٌ إِلَى المَدِينَةِ ، فَمَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَعَجَّلَ مَعِي ، فَلْيَتَعَجَّلْ " فَلَمَّا قَالَ ابْنُ بَكَّارٍ كَلِمَةً مَعْنَاهَا : أَشْرَفَ عَلَى المَدِينَةِ قَالَ : " هَذِهِ طَابَةُ " فَلَمَّا رَأَى أُحُدًا قَالَ : " هَذَا جُبَيْلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ ، أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ دُورِ الأَنْصَارِ " قَالُوا : بَلَى ، قَالَ : " دُورُ بَنِي النَّجَّارِ ، ثُمَّ دُورُ بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ ، ثُمَّ دُورُ بَنِي سَاعِدَةَ - أَوْ دُورُ بَنِي الحَارِثِ بْنِ الخَزْرَجِ - وَفِي كُلِّ دُورِ الأَنْصَارِ - يَعْنِي - خَيْرًا "

    حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ بَكَّارٍ ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى ، عَنْ عَبَّاسٍ السَّاعِدِيِّ ، عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ ، قَالَ : غَزَوْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةَ تَبُوكَ ، فَلَمَّا جَاءَ وَادِيَ القُرَى إِذَا امْرَأَةٌ فِي حَدِيقَةٍ لَهَا ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ : اخْرُصُوا ، وَخَرَصَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشَرَةَ أَوْسُقٍ ، فَقَالَ لَهَا : أَحْصِي مَا يَخْرُجُ مِنْهَا فَلَمَّا أَتَيْنَا تَبُوكَ قَالَ : أَمَا إِنَّهَا سَتَهُبُّ اللَّيْلَةَ رِيحٌ شَدِيدَةٌ ، فَلاَ يَقُومَنَّ أَحَدٌ ، وَمَنْ كَانَ مَعَهُ بَعِيرٌ فَلْيَعْقِلْهُ فَعَقَلْنَاهَا ، وَهَبَّتْ رِيحٌ شَدِيدَةٌ ، فَقَامَ رَجُلٌ ، فَأَلْقَتْهُ بِجَبَلِ طَيِّءٍ ، وَأَهْدَى مَلِكُ أَيْلَةَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، بَغْلَةً بَيْضَاءَ ، وَكَسَاهُ بُرْدًا وَكَتَبَ لَهُ بِبَحْرِهِمْ ، فَلَمَّا أَتَى وَادِيَ القُرَى قَالَ لِلْمَرْأَةِ : كَمْ جَاءَ حَدِيقَتُكِ قَالَتْ : عَشَرَةَ أَوْسُقٍ ، خَرْصَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنِّي مُتَعَجِّلٌ إِلَى المَدِينَةِ ، فَمَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَعَجَّلَ مَعِي ، فَلْيَتَعَجَّلْ فَلَمَّا قَالَ ابْنُ بَكَّارٍ كَلِمَةً مَعْنَاهَا : أَشْرَفَ عَلَى المَدِينَةِ قَالَ : هَذِهِ طَابَةُ فَلَمَّا رَأَى أُحُدًا قَالَ : هَذَا جُبَيْلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ ، أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ دُورِ الأَنْصَارِ قَالُوا : بَلَى ، قَالَ : دُورُ بَنِي النَّجَّارِ ، ثُمَّ دُورُ بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ ، ثُمَّ دُورُ بَنِي سَاعِدَةَ - أَوْ دُورُ بَنِي الحَارِثِ بْنِ الخَزْرَجِ - وَفِي كُلِّ دُورِ الأَنْصَارِ - يَعْنِي - خَيْرًا وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ : حَدَّثَنِي عَمْرٌو ، ثُمَّ دَارُ بَنِي الحَارِثِ ، ثُمَّ بَنِي سَاعِدَةَ وَقَالَ سُلَيْمَانُ : عَنْ سَعْدِ بْنِ سَعِيدٍ ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ ، عَنْ عَبَّاسٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : أُحُدٌ جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : كُلُّ بُسْتَانٍ عَلَيْهِ حَائِطٌ فَهُوَ حَدِيقَةٌ ، وَمَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حَائِطٌ لَمْ يُقَلْ حَدِيقَةٌ

    اخرصوا: الخرص : يقال خَرَص النخلة والكَرْمة يَخْرُصها خَرْصا : إذا حَزَرَ وقَدَّر ما عليها من الرُّطب تَمْرا ومن العنب زبيبا، فهو من الخَرْص : الظنّ؛ لأن الحَزْر إنما هو تقدير بظن
    أوسق: الوسق : مكيال مقداره ستون صاعا والصاع أربعة أمداد، والمُدُّ مقدار ما يملأ الكفين
    أحصي: الإحصاء : العد والحفظ
    بعير: البعير : ما صلح للركوب والحمل من الإبل ، وذلك إذا استكمل أربع سنوات ، ويقال للجمل والناقة
    بردا: البْرُدُ والبُرْدة : الشَّمْلَةُ المخطَّطة، وقيل كِساء أسود مُرَبَّع فيه صورٌ يلتحف بهما
    خرص: الخرص : يقال خَرَص النخلة والكَرْمة يَخْرُصها خَرْصا : إذا حَزَرَ وقَدَّر ما عليها من الرُّطب تَمْرا ومن العنب زبيبا، فهو من الخَرْص : الظنّ؛ لأن الحَزْر إنما هو تقدير بظن
    أشرف: أشرف : أطل وأقبل واقترب وعلا ونظر وتطلع
    اخْرُصُوا ، وَخَرَصَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
    حديث رقم: 1786 في صحيح البخاري كتاب فضائل المدينة باب: المدينة طابة
    حديث رقم: 3017 في صحيح البخاري كتاب الجزية باب: إذا وادع الإمام ملك القرية، هل يكون ذلك لبقيتهم؟
    حديث رقم: 4183 في صحيح البخاري كتاب المغازي باب
    حديث رقم: 3615 في صحيح البخاري كتاب مناقب الأنصار باب فضل دور الأنصار
    حديث رقم: 4329 في صحيح مسلم كتاب الْفَضَائِلِ بَابٌ فِي مُعْجِزَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
    حديث رقم: 2545 في صحيح مسلم كِتَابُ الْحَجِّ بَابُ أُحُدٌ جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ
    حديث رقم: 4328 في صحيح مسلم كتاب الْفَضَائِلِ بَابٌ فِي مُعْجِزَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
    حديث رقم: 4330 في صحيح مسلم كتاب الْفَضَائِلِ بَابٌ فِي مُعْجِزَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
    حديث رقم: 2723 في سنن أبي داوود كِتَاب الْخَرَاجِ وَالْإِمَارَةِ وَالْفَيْءِ بَابٌ فِي إِحْيَاءِ الْمَوَاتِ
    حديث رقم: 2127 في صحيح ابن خزيمة كِتَابُ الزَّكَاةِ جُمَّاعُ أَبْوَابِ صَدَقَةِ الْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ
    حديث رقم: 23008 في مسند أحمد ابن حنبل مُسْنَدُ الْأَنْصَارِ حَدِيثُ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ
    حديث رقم: 23009 في مسند أحمد ابن حنبل مُسْنَدُ الْأَنْصَارِ حَدِيثُ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ
    حديث رقم: 23010 في مسند أحمد ابن حنبل مُسْنَدُ الْأَنْصَارِ حَدِيثُ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ
    حديث رقم: 4581 في صحيح ابن حبان كِتَابُ السِّيَرِ بَابُ فِي الْخِلَافَةِ وَالْإِمَارَةِ
    حديث رقم: 6609 في صحيح ابن حبان كِتَابُ التَّارِيخِ ذِكْرُ الْإِخْبَارِ عَنْ هُبُوبِ رِيحٍ شَدِيدَةٍ قَبْلَ أَنْ تَهُبَّ
    حديث رقم: 36332 في مصنّف بن أبي شيبة كِتَابُ الْمَغَازِي مَا حَفِظَ أَبُو بَكْرٍ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ
    حديث رقم: 990 في سنن الدارمي وَمِنْ كِتَابِ السِّيَرِ بَابُ : فِي قَبُولِ هَدَايَا الْمُشْرِكِينَ
    حديث رقم: 7010 في السنن الكبير للبيهقي كِتَابُ الزَّكَاةِ بَابُ خَرْصِ التَّمْرِ وَالدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ لَهُ حُكْمًا
    حديث رقم: 12258 في السنن الكبير للبيهقي كِتَابُ قَسْمِ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ جُمَّاعُ أَبْوَابِ تَفْرِيقِ مَا أُخِذَ مِنْ أَرَبْعَةِ أَخْمَاسِ الْفَيْءِ غَيْرِ الْمُوجَفِ
    حديث رقم: 17504 في السنن الكبير للبيهقي كِتَابُ الْجِزْيَةِ جِمَاعُ أَبْوَابِ الشَّرَائِطِ الَّتِي يَأْخُذُهَا الْإِمَامُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ , وَمَا
    حديث رقم: 1082 في المنتقى لابن جارود كِتَابُ الْبُيُوعِ وَالتِّجَارَاتِ بَابُ مَا جَاءَ فِي هَدَايَا الْمُشْرِكِينَ
    حديث رقم: 1987 في شرح معاني الآثار للطحاوي كِتَابُ الزَّكَاةِ بَابُ الْخَرْصِ
    حديث رقم: 432 في دلائل النبوة لأبي نعيم الأصبهاني الْفَصْلُ الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ فِي ذِكْرِ مَا جَرَى مِنَ الْآيَاتِ فِي غَزَوَاتِهِ وَسَرَايَاهُ ذِكْرُ مَا كَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ
    حديث رقم: 251 في تاريخ المدينة لابن شبة تاريخ المدينة لابن شبة مَا جَاءَ فِي جَبَلِ أُحُدٍ
    حديث رقم: 253 في تاريخ المدينة لابن شبة تاريخ المدينة لابن شبة مَا جَاءَ فِي جَبَلِ أُحُدٍ
    حديث رقم: 452 في تاريخ المدينة لابن شبة تاريخ المدينة لابن شبة مَا جَاءَ فِي أَسْمَاءِ الْمَدِينَةِ
    حديث رقم: 2353 في مُشكِل الآثار للطحاوي مُشكِل الآثار للطحاوي بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
    حديث رقم: 4662 في مُشكِل الآثار للطحاوي مُشكِل الآثار للطحاوي بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

    [1481] قَوْلُهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى هُوَ الْمَازِنِيُّ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ وُهَيْبٍ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى قَوْلُهُ عَنْ عَبَّاسٍ السَّاعِدِيّ هُوَ بن سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد عَنسَهْلِ بْنِ بَكَّارٍ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ عَنِ الْعَبَّاس السَّاعِدِيّ يَعْنِي بن سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ وَفِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ وُهَيْبٍ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ سَهْلٍ السَّاعِدِيُّ قَوْلُهُ غَزْوَةُ تَبُوكَ سَيَأْتِي شَرْحُهَا فِي الْمَغَازِي قَوْلُهُ فَلَمَّا جَاءَ وَادِي الْقُرَى هِيَ مَدِينَةٌ قَدِيمَةٌ بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ سَيَأْتِي ذِكْرُهَا فِي الْبُيُوعِ وَأغْرب بن قُرْقُولٍ فَقَالَ إِنَّهَا مِنْ أَعْمَالِ الْمَدِينَةِ قَوْلُهُ إِذَا امْرَأَةٌ فِي حَدِيقَةٍ لَهَا اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ الِابْتِدَاءِ بِالنَّكِرَةِ لَكِنْ بِشَرْطِ الْإِفَادَةِ قَالَ بن مَالِكٍ لَا يَمْتَنِعُ الِابْتِدَاءُ بِالنَّكِرَةِ الْمَحْضَةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ بَلْ إِذَا لَمْ تَحْصُلْ فَائِدَةٌ فَلَوِ اقْتَرَنَ بِالنَّكِرَةِ الْمَحْضَةِ قَرِينَةٌ يَتَحَصَّلُ بِهَا الْفَائِدَةُ جَازَ الِابْتِدَاءُ بِهَا نَحْوُ انْطَلَقْتُ فَإِذَا سَبْعٌ فِي الطَّرِيقِ إِلَخْ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى عِنْدَ مُسْلِمٍ فَأَتَيْنَا عَلَى حَدِيقَةِ امْرَأَةٍ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهَا فِي شَيْءٍ مِنَ الطُّرُقِ قَوْلُهُ اخْرُصُوا بِضَمِّ الرَّاءِ زَادَ سُلَيْمَانُ فَخَرَصْنَا وَلَمْ أَقِفْ عَلَى أَسْمَاءِ مَنْ خَرَصَ مِنْهُمْ قَوْلُهُ وَخَرَصَ فِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ وَخَرَصَهَا قَوْلُهُ أَحْصِي أَيْ احْفَظِي عَدَدَ كَيْلِهَا وَفِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ أَحْصِيهَا حَتَّى نَرْجِعَ إِلَيْكِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَصْلُ الْإِحْصَاءِ الْعَدَدُ بِالْحَصَى لِأَنَّهُمْ كَانُوا لَا يُحْسِنُونَ الْكِتَابَةَ فَكَانُوا يَضْبُطُونَ الْعَدَدَ بِالْحَصَى قَوْلُهُ سَتَهُبُّ اللَّيْلَةَ زَادَ سُلَيْمَانُ عَلَيْكُمْ قَوْلُهُ فَلَا يَقُومَنَّ أَحَدٌ فِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ فَلَا يَقُمْ فِيهَا أَحَدٌ مِنْكُمْ قَوْلُهُ فَلْيَعْقِلْهُ أَيْ يَشُدُّهُ بِالْعِقَالِ وَهُوَ الْحَبْلُ وَفِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ فليشد عقاله وَفِي رِوَايَة بن إِسْحَاقَ فِي الْمَغَازِي عَنْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ عَنْ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلٍ وَلَا يَخْرُجَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمُ اللَّيْلَةَ إِلَّا وَمَعَهُ صَاحِبٌ لَهُ قَوْلُهُ فَقَامَ رَجُلٌ فَأَلْقَتْهُ بجبل طَيئ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ بِجَبَلَيْ طَيٍّ وَفِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ عَفَّانَ عَنْ وُهَيْبٍ وَلَمْ يَقُمْ فِيهَا أَحَدٌ غَيْرُ رَجُلَيْنِ أَلْقَتْهُمَا بِجَبَلِ طي وَفِيه نظر بَينته رِوَايَة بن إِسْحَاقَ وَلَفْظُهُ فَفَعَلَ النَّاسُ مَا أَمَرَهُمْ إِلَّا رَجُلَيْنِ مِنْ بَنِي سَاعِدَةَ خَرَجَ أَحَدُهُمَا لِحَاجَتِهِ وَخَرَجَ آخَرُ فِي طَلَبِ بَعِيرٍ لَهُ فَأَمَّا الَّذِي ذَهَبَ لِحَاجَتِهِ فَإِنَّهُ خُنِقَ عَلَى مَذْهَبِهِ وَأَمَّا الَّذِي ذَهَبَ فِي طَلَبِ بَعِيرِهِ فَاحْتَمَلَتْهُ الرّيح حَتَّى طرحته بجبل طي فَأُخْبِرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَلَمْ أَنْهَكُمْ أَنْ يَخْرُجَ رَجُلٌ إِلَّا وَمَعَهُ صَاحِبٌ لَهُ ثُمَّ دَعَا لِلَّذِي أُصِيبَ عَلَى مَذْهَبِهِ فَشُفِيَ وَأَمَّا الْآخَرُ فَإِنَّهُ وَصَلَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَدِمَ مِنْ تَبُوكَ وَالْمُرَادُ بِجَبَلَيْ طَيٍّ الْمَكَانُ الَّذِي كَانَتِ الْقَبِيلَةُ الْمَذْكُورَةُ تَنْزِلُهُ وَاسْمُ الْجَبَلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ أَجَأٌ بِهَمْزَةٍ وَجِيمٍ مَفْتُوحَتَيْنِ بَعْدَهُمَا هَمْزَةٌ بِوَزْنِ قَمَرٍ وَقَدْ لَا تُهْمَزُ فَيَكُونُ بِوَزْنِ عَصا وسلمى وَهُمَا مَشْهُورَانِ وَيُقَالُ إِنَّهُمَا سُمِّيَا بِاسْمِ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ مِنَ الْعَمَالِيقِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِ الرَّجُلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَأَظُنُّ تَرْكُ ذِكْرِهِمَا وَقَعَ عَمْدًا فقد وَقع فِي آخر حَدِيث بن إِسْحَاقَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ حَدَّثَهُ أَنَّ الْعَبَّاسَ بْنَ سَهْلٍ سَمَّى الرَّجُلَيْنِ وَلَكِنَّهُ اسْتَكْتَمَنِي إِيَّاهُمَا قَالَ وَأَبَى عَبْدُ اللَّهِ أَنْ يُسَمِّيَهُمَا لَنَا قَوْلُهُ وَأَهْدَى مَلِكُ أَيْلَةَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ بَعْدَهَا لَامٌ مَفْتُوحَةٌ بَلْدَةٌ قَدِيمَةٌ بِسَاحِلِ الْبَحْرِ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا فِي بَابِ الْجُمُعَةِ فِي الْقُرَى وَالْمُدُنِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَة سُلَيْمَان عِنْد مُسلم وَجَاء رَسُول بن الْعَلْمَاءِ صَاحِبِ أَيْلَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكِتَابٍ وَأَهْدَى لَهُ بَغْلَةً بَيْضَاء وَفِي مغازي بن إِسْحَاقَ وَلَمَّا انْتَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى تَبُوكَ أَتَاهُ يُوحَنَّا بْنُ رُوبَةَ صَاحِبُ أَيْلَةَ فَصَالَحَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَعْطَاهُ الْجِزْيَةَ وَكَذَا رَوَاهُ إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ فِي الْهَدَايَا مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ فَاسْتُفِيدَ مِنْ ذَلِكَ اسْمُهُ وَاسْمُ أَبِيهِ فَلَعَلَّ الْعَلْمَاءَ اسْمُ أُمِّهِ وَيُوحَنَّا بِضَمِّ التَّحْتَانِيَّةِ وَفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ وَرُوبَةُ بِضَمِّ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْوَاوِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ وَاسْمُ الْبَغْلَةِ الْمَذْكُورَةِ دُلْدُلٌ هَكَذَا جَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ وَنَقَلَ عَنِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ لَهُ بَغْلَةٌ سِوَاهَا وَتُعُقِّبَ بِأَن الْحَاكِم أخرج فِي الْمُسْتَدْرك عَن بن عَبَّاسٍ أَنَّ كِسْرَى أَهْدَى لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَغْلَةً فَرَكِبَهَا بِحَبْلٍ مِنْ شَعْرٍ ثُمَّ أَرْدَفَنِي خَلْفَهُ الْحَدِيثَوَهَذِهِ غَيْرُ دُلْدُلٍ وَيُقَالُ إِنَّ النَّجَاشِيَّ أَهْدَى لَهُ بَغْلَةً وَأَنَّ صَاحِبَ دَوْمَةَ الْجَنْدَلِ أَهْدَى لَهُ بَغْلَةً وَأَنَّ دُلْدُلَ إِنَّمَا أَهْدَاهَا لَهُ الْمُقَوْقِسُ وَذَكَرَ السُّهَيْلِيُّ أَنَّ الَّتِي كَانَتْ تَحْتَهُ يَوْمَ حُنَيْنٍ تُسَمَّى فِضَّةَ وَكَانَتْ شَهْبَاءَ وَوَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي هَذِهِ الْبَغْلَةِ أَنَّ فَرْوَةَ أَهْدَاهَا لَهُ قَوْلُهُ وَكَتَبَ لَهُ بِبَحْرِهِمْ أَيْ بِبَلَدِهِمْ أَوِ الْمُرَادُ بِأَهْلِ بَحْرِهِمْ لِأَنَّهُمْ كَانُوا سُكَّانًا بِسَاحِلِ الْبَحْرِ أَيْ أَنَّهُ أَقَرَّهُ عَلَيْهِمْ بِمَا الْتَزَمُوهُ مِنَ الْجِزْيَةِ وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ بِبَحْرَتِهِمْ أَيْ بَلْدَتِهِمْ وَقِيلَ الْبَحْرَةُ الْأَرْضُ وَذَكَرَ بن إِسْحَاقَ الْكِتَابَ وَهُوَ بَعْدَ الْبَسْمَلَةِ هَذِهِ أَمَنَةٌ مِنَ اللَّهِ وَمُحَمَّدٍ النَّبِيِّ رَسُولِ اللَّهِ لِيُوحَنَّا بْنِ رُوبَةَ وَأَهْلِ أَيْلَةَ سُفُنُهُمْ وَسَيَّارَتُهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ لَهُمْ ذِمَّةُ اللَّهِ وَمُحَمَّدٍ النَّبِيِّ وَسَاقَ بَقِيَّةَ الْكِتَابِ قَوْلُهُ كَمْ جَاءَ حَدِيقَتُكَ أَيْ تَمْرُ حَدِيقَتِكَ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَسَأَلَ الْمَرْأَة عَن حديقتها كم بَلَغَ ثَمَرُهَا وَقَوْلُهُ عَشْرَةً بِالنَّصْبِ عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ أَوْ عَلَى الْحَالِ وَقَوْلُهُ خَرْصَ بِالنَّصْبِ أَيْضًا إِمَّا بَدَلًا وَإِمَّا بَيَانًا وَيَجُوزُ الرَّفْعُ فِيهِمَا وَتَقْدِيرُهُ الْحَاصِلُ عَشْرَةُ أَوْسُقٍ وَهُوَ خَرْصُ رَسُول الله قَوْله فَلَمَّا قَالَ بن بكار كلمة مَعْنَاهَا أشرف على الْمَدِينَة بن بَكَّارٍ هُوَ سَهْلٌ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ فَكَأَنَّ الْبُخَارِيَّ شَكَّ فِي هَذِهِ اللَّفْظَةِ فَقَالَ هَذَا وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ عَنْ فَارُوقٍ عَنْ أَبِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ عَنْ سَهْلٍ فَذَكَرَهَا بِهَذَا اللَّفْظِ سَوَاءٍ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى بَقِيَّةِ الْحَدِيثِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَدِينَةِ فِي فَضْلِ الْمَدِينَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَنْصَارِ فِي مَنَاقِبِ الْأَنْصَارِ فَإِنَّهُ سَاقَ ذَلِكَ هُنَاكَ أَتَمَّ مِمَّا هُنَا وَقَوْلُهُ طَابَةُ هُوَ مِنْ أَسْمَاءِ الْمَدِينَةِ كَطَيْبَةَ قَوْلُهُ.
    وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ حَدَّثَنِي عَمْرٌو يَعْنِي بن يَحْيَى بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ وَهَذِهِ الطَّرِيقُ مَوْصُولَةٌ فِي فَضَائِل الْأَنْصَار قَوْله.
    وَقَالَ سُلَيْمَان هُوَ بن بِلَالٍ الْمَذْكُورُ وَسَعْدُ بْنُ سَعِيدٍ هُوَ الْأَنْصَارِيُّ أَخُو يَحْيَى بْنِ سعيد وعباس هُوَ بن سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ وَهِيَ مَوْصُولَةٌ فِي فَوَائِدِ عَلِيِّ بْنِ خُزَيْمَةَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيّ حَدثنَا أَيُّوب بن سُلَيْمَان أَي بن بِلَالٍ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ فَذَكَرَهُ وَأَوَّلُهُ أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا دَنَا مِنَ الْمَدِينَةِ أَخَذَ طَرِيقَ غُرَابٍ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ إِلَى الْمَدِينَةِ وَتَرَكَ الْأُخْرَى فَسَاقَ الْحَدِيثَ وَلَمْ يَذْكُرْ أَوَّلَهُ وَاسْتُفِيدَ مِنْهُ بَيَانُ قَوْلِهِ إِنِّي مُتَعَجِّلٌ إِلَى الْمَدِينَةِ فَمَنْ أَحَبَّ فَلْيَتَعَجَّلْ مَعِيَ أَيْ إِنِّي سَالِكٌ الطَّرِيقَ الْقَرِيبَةَ فَمَنْ أَرَادَ فَلْيَأْتِ مَعِيَ يَعْنِي مِمَّنْ لَهُ اقْتِدَارٌ عَلَى ذَلِكَ دُونَ بَقِيَّةِ الْجَيْشِ وَظَهَرَ أَنَّ عُمَارَةَ بْنَ غَزِيَّةَ خَالَفَ عَمْرَو بْنَ يَحْيَى فِي إِسْنَادِ الْحَدِيثِ فَقَالَ عَمْرٌو عَنْ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ.
    وَقَالَ عُمَارَةُ عَنْ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِيهِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَسْلُكَ طَرِيقَ الْجَمْعِ بِأَنْ يَكُونَ عَبَّاسٌ أَخَذَ الْقَدْرَ الْمَذْكُورَ وَهُوَ أُحُدٌ جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ عَنْ أَبِيهِ وَعَنْ أَبِي حُمَيْدٍ مَعًا أَوْ حَمَلَ الْحَدِيثَ عَنْهُمَا مَعًا أَوْ كُلُّهُ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ وَمُعْظَمُهُ عَنْ أَبِيهِ وَكَانَ يُحَدِّثُ بِهِ تَارَةً عَنْ هَذَا وَتَارَةً عَنْ هَذَا وَلِذَلِكَ كَانَ لَا يَجْمَعُهُمَا وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ بن إِسْحَاقَ الْمَذْكُورَةِ عَبَّاسُ بْنُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَوْ عَبَّاسٌ عَنْ سَهْلٍ فَتَرَدَّدَ فِيهِ هَلْ هُوَ مُرْسَلٌ أَوْ رَوَاهُ عَنْ أَبِيهِ فَيُوَافِقُ قَوْلَ عُمَارَةَ لَكِنَّ سِيَاقَ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى أَتَمُّ مِنْ سِيَاقِ غَيْرِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
    وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مَشْرُوعِيَّةُ الْخَرْصِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْخِلَافِ فِيهِ أَوَّلَ الْبَابِ وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِهِ هَلْ هُوَ وَاجِبٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ فَحَكَى الصَّيْمَرِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَجْهًا بِوُجُوبِهِ.
    وَقَالَ الْجُمْهُورُ هُوَ مُسْتَحَبٌّ إِلَّا إِنْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ لِمَحْجُورٍ مَثَلًا أَوْ كَانَ شُرَكَاؤُهُ غَيْرَ مُؤْتَمَنِينَ فَيَجِبُ لِحِفْظِ مَالِ الْغَيْرِ وَاخْتُلِفَ أَيْضًا هَلْ يَخْتَصُّ بِالنَّخْلِ أَوْ يُلْحَقُ بِهِ الْعِنَبُ أَوْ يَعُمُّ كُلُّ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ رَطِبًا وَجَافًّا وَبِالْأَوَّلِ قَالَ شُرَيْحٌ الْقَاضِي وَبَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَالثَّانِي قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَإِلَى الثَّالِثِ نَحَا الْبُخَارِيُّ وَهَلْ يَمْضِي قَوْلُ الْخَارِصِ أَوْ يَرْجِعُ إِلَى مَا آلَ إِلَيْهِ الْحَالُ بَعْدَ الْجَفَافِ الْأَوَّلُ قَوْلُ مَالِكٍ وَطَائِفَةٍ وَالثَّانِي قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ وَهَلْ يَكْفِي خَارِصٌ وَاحِدٌ عَارِفٌ ثِقَةٌ أَوْ لَا بُدَّ مِنَاثْنَيْنِ وَهُمَا قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورُ عَلَى الْأَوَّلِ وَاخْتُلِفَ أَيْضًا هَلْ هُوَ اعْتِبَارٌ أَوْ تَضْمِينٌ وَهُمَا قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ أَظْهَرُهُمَا الثَّانِي وَفَائِدَتُهُ جَوَازُ التَّصَرُّفِ فِي جَمِيعِ الثَّمَرَةِ وَلَوْ أَتْلَفَ الْمَالِكُ الثَّمَرَةَ بَعْدَ الْخَرْصِ أُخِذَتْ مِنْهُ الزَّكَاةُ بِحِسَابِ مَا خَرَصَ وَفِيهِ أَشْيَاءُ مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ كَالْإِخْبَارِ عَنِ الرِّيحِ وَمَا ذَكَرَ فِي تِلْكَ الْقِصَّةِ وَفِيهِ تَدْرِيبُ الْأَتْبَاعِ وَتَعْلِيمُهُمْ وَأَخْذُ الْحَذَرِ مِمَّا يُتَوَقَّعُ الْخَوْفُ مِنْهُ وَفَضْلُ الْمَدِينَةِ وَالْأَنْصَارِ وَمَشْرُوعِيَّةُ الْمُفَاضَلَةِ بَيْنَ الْفُضَلَاءِ بِالْإِجْمَالِ وَالتَّعْيِينِ وَمَشْرُوعِيَّةُ الْهَدِيَّةِ وَالْمُكَافَأَةِ عَلَيْهَا تَكْمِيلٌ فِي السُّنَنِ وَصَحِيحِ بن حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ مَرْفُوعًا إِذَا خَرَصْتُمْ فَخُذُوا وَدَعُوا الثُّلُثَ فَإِنْ لَمْ تَدَعُوا الثُّلُثَ فَدَعُوا الرُّبُعَ.
    وَقَالَ بِظَاهِرِهِ اللَّيْثُ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَغَيْرُهُمْ وَفَهِمَ مِنْهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ أَنَّهُ الْقَدْرُ الَّذِي يَأْكُلُونَهُ بِحَسَبِ احْتِيَاجِهِمْ إِلَيْهِ فَقَالَ يُتْرَكُ قَدْرُ احْتِيَاجِهِمْ.
    وَقَالَ مَالِكٌ وَسُفْيَانُ لَا يُتْرَكُ لَهُمْ شَيْء وَهُوَ الْمَشْهُور عَن الشَّافِعِي قَالَ بن الْعَرَبِيِّ وَالْمُتَحَصَّلُ مِنْ صَحِيحِ النَّظَرِ أَنْ يُعْمَلَ بِالْحَدِيثِ وَهُوَ قَدْرُ الْمُؤْنَةِ وَلَقَدْ جَرَّبْنَاهُ فَوَجَدْنَاهُ كَذَلِكَ فِي الْأَغْلَبِ مِمَّا يُؤْكَلُ رَطْبًا قَوْلُهُ قَالَ أَبُو عبيد هُوَ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ الْإِمَامُ الْمَشْهُورُ صَاحِبُ الْغَرِيبِ وَكَلَامُهُ هَذَا فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ لَهُ.
    وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ هُوَ مِنَ الرِّيَاضِ كُلُّ أَرْضٍ اسْتَدَارَتْ وَقِيلَ كُلُّ أَرْضٍ ذَاتِ شَجَرٍ مُثْمِرٍ وَنَخْلٍ وَقِيلَ كُلُّ حُفْرَةٍ تَكُونُ فِي الْوَادِي يُحْتَبَسُ فِيهَا الْمَاءُ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَاءٌ فَهُوَ حَدِيقَةٌ وَيُقَالُ الْحَدِيقَةُ أَعْمَقُ مِنَ الْغَدِيرِ وَالْحَدِيقَةُ الْقِطْعَةُ مِنَ الزَّرْعِ يَعْنِي أَنه من الْمُشْتَرك (قَوْلُهُ بَابُ الْعُشْرِ فِيمَا يُسْقَى مِنْ مَاءِ السَّمَاءِ وَالْمَاءِ الْجَارِي) قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ عَدَلَ عنْ لَفْظِ الْعُيُونِ الْوَاقِعِ فِي الْخَبَرِ إِلَى الْمَاءِ الْجَارِي لِيُجْرِيَهُ مُجْرَى التَّفْسِيرِ لِلْمَقْصُودِ مِنْ مَاءِ الْعُيُونِ وَأَنَّهُ الْمَاءُ الَّذِي يَجْرِي بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ نَضْحٍ وَلِيُبَيِّنَ أَنَّ الَّذِي يَجْرِي بِنَفْسِهِ مِنْ نَهْرٍ أَوْ غَدِيرٍ حُكْمُهُ حُكْمُ مَا يَجْرِي مِنَ الْعُيُونِ انْتَهَى وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى مَا فِي بَعْضِ طُرُقِهِ فَعِنْدَ أَبِي دَاوُدَ فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالْأَنْهَارُ وَالْعُيُونُ الْحَدِيثَ قَوْلُهُ وَلَمْ يَرَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي الْعَسَلِ شَيْئًا أَيْ زَكَاةً وَصَلَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ قَالَ جَاءَ كِتَابٌ مِنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِإِلَى أَبِي وَهُوَ بِمِنًى أَنْ لَا تَأْخُذَ مِنَ الْخَيْلِ وَلَا مِنَ الْعَسَلِ صَدَقَةً وَأَخْرَجَ بن أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إِلَى نَافِع مولى بن عُمَرَ قَالَ بَعَثَنِي عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَلَى الْيَمَنِ فَأَرَدْتُ أَنْ آخُذَ مِنَ الْعَسَلِ الْعُشْرَ فَقَالَ مُغِيرَةُ بْنُ حَكِيمٍ الصَّنْعَانِيُّ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ فَكَتَبْتَ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَقَالَ صَدَقَ هُوَ عَدْلُ رِضَا لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ وَجَاءَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ مَا يُخَالِفُهُ أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ بن جُرَيْجٍ عَنْ كِتَابِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ قَالَ ذَكَرَ لِي بَعْضُ مَنْ لَا أَتَّهِمُ مِنْ أَهْلِي أَنَّهُ تَذَاكَرَ هُوَ وَعُرْوَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّعْدِيُّ فَزَعَمَ عُرْوَةُ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَسْأَلُهُ عَنْ صَدَقَةِ الْعَسَلِ فَزَعَمَ عُرْوَةُ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَيْهِ إِنَّا قَدْ وَجَدْنَا بَيَانَ صَدَقَةِ الْعَسَلِ بِأَرْضِ الطَّائِفِ فَخُذْ مِنْهُ الْعُشْرَ انْتَهَى وَهَذَا إِسْنَادٌ ضَعِيفٌ لِجَهَالَةِ الْوَاسِطَةِ وَالْأَوَّلُ أَثْبَتُ وَكَأَنَّ الْبُخَارِيَّ أَشَارَ إِلَى تَضْعِيفِ مَا رُوِيَ أَنَّ فِي الْعَسَلِ الْعُشْرَ وَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِسَنَدِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَهْلِ الْيَمَنِ أَنْ يُؤْخَذَ مِنَ الْعَسَلِ الْعُشْرُ وَفِي إِسْنَادِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَرَّرٍ وَهُوَ بِمُهْمَلَاتٍ وَزْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ عَبْدُ اللَّهِ مَتْرُوكٌ وَلَا يَصِحُّ فِي زَكَاةِ الْعَسَلِ شَيْءٌ قَالَ التِّرْمِذِيُّ لَا يَصِحُّ فِي هَذَا الْبَابِ شَيْءٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ حَدِيثُ إِنَّ فِي الْعَسَلِ الْعُشْرَ ضَعِيفٌ وَفِي أَنْ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ الْعُشْرُ ضَعِيفٌ إِلَّا عَنْ عُمَرَ بْنِ عبد الْعَزِيز انْتهى وروى عبد الرَّزَّاق وبن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ طَاوُسٍ أَنَّ مُعَاذًا لَمَّا أَتَى الْيَمَنَ قَالَ لَمْ أُؤْمَرْ فِيهِمَا بِشَيْءٍ يَعْنِي الْعَسَلَ وَأَوْقَاصَ الْبَقَرِ وَهَذَا مُنْقَطِعٌ وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ جَاءَ هِلَالٌ أَحَدُ بَنِي مُتْعَانَ أَيْ بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْمُثَنَّاةِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعُشُورِ نَحْلٍ لَهُ وَكَانَ سَأَلَهُ أَنْ يَحْمِيَ لَهُ وَادِيًا فَحَمَاهُ لَهُ فَلَمَّا وَلِيَ عُمَرُ كَتَبَ إِلَى عَامِلِهِ إِنْ أَدَّى إِلَيْكَ عُشُورَ نَحْلِهِ فَاحْمِ لَهُ سَلَبَهُ وَإِلَّا فَلَا وَإِسْنَادُهُ صَحِيح إِلَى عَمْرو وَتَرْجَمَةُ عَمْرٍو قَوِيَّةٌ عَلَى الْمُخْتَارِ لَكِنْ حَيْثُ لَا تَعَارُضَ وَقَدْ وَرَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هِلَالًا أَعْطَى ذَلِكَ تَطَوُّعًا فَعِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ صَالِحِ بْنِ دِينَارٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ إِلَى عُثْمَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ يَنْهَاهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنَ الْعَسَلِ صَدَقَةً إِلَّا إِنْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَهَا فَجَمَعَ عُثْمَانُ أَهْلَ الْعَسَلِ فَشَهِدُوا أَنَّ هِلَالَ بْنَ سَعْدٍ قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَسَلٍ فَقَالَ مَا هَذَا قَالَ صَدَقَةٌ فَأَمَرَ بِرَفْعِهَا وَلَمْ يَذْكُرْ عُشُورًا لَكِنَّ الْإِسْنَادَ الْأَوَّلَ أَقْوَى إِلَّا أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ الْحِمَى كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كِتَابُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ.
    وَقَالَ بن الْمُنْذِرِ لَيْسَ فِي الْعَسَلِ خَبَرٌ يَثْبُتُ وَلَا إِجْمَاعٌ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ يَجِبُ الْعُشْرُ فِيمَا أُخِذَ مِنْ غَيْرِ أَرْضِ الْخَرَاجِ وَمَا نَقَلَهُ عَنِ الْجُمْهُورِ مُقَابِلُهُ قَوْلُ التِّرْمِذِيَّ بَعْدَ أَن أخرج حَدِيث بن عُمَرَ فِيهِ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ.
    وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ لَيْسَ فِي الْعَسَلِ شَيْءٌ وَأَشَارَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِهِ إِلَى أَن الَّذِي نَقله بن الْمُنْذر أقوى قَالَ بن الْمُنِيرِ مُنَاسَبَةُ أَثَرِ عُمَرَ فِي الْعَسَلِ لِلتَّرْجَمَةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْحَدِيثَ يَدُلُّ عَلَى أَنْ لَا عُشْرَ فِيهِ لِأَنَّهُ خَصَّ الْعُشْرَ أَوْ نِصْفَهُ بِمَا يُسْقَى فَأَفْهَمَ أَنَّ مَا لَا يسقى لَا يعشر زَاد بن رَشِيدٍ فَإِنْ قِيلَ الْمَفْهُومُ إِنَّمَا يَنْفِي الْعُشْرَ أَوْ نِصْفَهُ لَا مُطْلَقَ الزَّكَاةِ فَالْجَوَابُ أَنَّ النَّاسَ قَائِلَانِ مُثْبِتٌ لِلْعُشْرِ وَنَافٍ لِلزَّكَاةِ أَصْلًا فَتَمَّ الْمُرَادُ قَالَ وَوَجْهُ إِدْخَالِهِ الْعَسَلَ أَيْضًا لِلتَّنْبِيهِ عَلَى الْخِلَافِ فِيهِ وَأَنَّهُ لَا يَرَى فِيهِ زَكَاةً وَإِنْ كَانَتِ النَّحْلُ تَتَغَذَّى مِمَّا يُسْقَى مِنَ السَّمَاءِ لَكِنَّ الْمُتَوَلِّدَ بِالْمُبَاشَرَةِ كَالزَّرْعِ لَيْسَ كَالْمُتَوَلِّدِ بِوَاسِطَةِ حَيَوَانٍ كَاللَّبَنِ فَإِنَّهُ مُتَوَلِّدٌ عَنِ الرَّعْيِ وَلَا زَكَاةَتَعَالَى قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ والأرض) وفي الأحاديث الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ بَعْدَ هَذَا إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ فَظَاهِرُهَا الِاخْتِلَافُ وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْعُلَمَاءِ فِي وَقْتِ تَحْرِيمِ مَكَّةَ فَقِيلَ إِنَّهَا مَا زَالَتْ مُحَرَّمَةً مِنْ يَوْمِ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَقِيلَ مَا زَالَتْ حَلَالًا كَغَيْرِهَا إِلَى زَمَنِ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ ثَبَتَ لَهَا التَّحْرِيمُ مِنْ زَمَنِ إِبْرَاهِيمَ وَهَذَا الْقَوْلُ يُوَافِقُ الْحَدِيثَ الثَّانِي وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ يُوَافِقُ الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ وَبِهِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ وَأَجَابُوا عَنِ الْحَدِيثِ الثَّانِي بِأَنَّ تَحْرِيمَهَا كَانَ ثَابِتًا مِنْ يَوْمِ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ثُمَّ خَفِيَ تَحْرِيمُهَا وَاسْتَمَرَّ خَفَاؤُهُ إِلَى زَمَنِ إِبْرَاهِيمَ فَأَظْهَرَهُ وَأَشَاعَهُ لَا أَنَّهُ ابْتَدَأَهُ وَمَنْ قَالَ بِالْقَوْلِ الثَّانِي أَجَابَ عَنِ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ كَتَبَ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ أَوْ فِي غَيْرِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ سَيُحَرِّمُ مَكَّةَ بِأَمْرِ اللَّهُ تَعَالَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
    قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَأَنَّهُ لَمْ يَحِلَّ الْقِتَالُ فِيهِ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَلَمْ يَحِلَّ لِي إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) وَفِي رِوَايَةٍ الْقَتْلُ بَدَلَ الْقِتَالُ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا وَلَا يَعْضِدَ بِهَا شَجَرَةً فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ بِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا فَقُولُوا لَهُ إِنَّ اللَّهَ أَذِنَ لِرَسُولِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ وَإِنَّمَا أُذِنَ لِي فِيهَا سَاعَةٌ مِنْ نَهَارٍ وَقَدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالْأَمْسِ وَلِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ ظَاهِرَةٌ فِي تَحْرِيمِ الْقِتَالِ بِمَكَّةَ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ الْمَاوَرْدِيُّ الْبَصْرِيُّ صَاحِبُ الْحَاوِي مِنْ أَصْحَابِنَا فِي كِتَابِهِ الْأَحْكَامُ السُّلْطَانِيَّةُ مِنْ خَصَائِصِ الْحَرَمِ أَنْ لَا يُحَارَبَ أَهْلُهُ فَإِنْ بَغَوْا عَلَى أَهْلِ الْعَدْلِ فَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ يَحْرُمُ قِتَالُهُمْ بَلْ يُضَيَّقُ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَرْجِعُوا إِلَى الطَّاعَةِ وَيَدْخُلُوا فِي أَحْكَامِ أَهْلِ الْعَدْلِ قَالَ.
    وَقَالَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ يُقَاتَلُونَ عَلَى بَغْيِهِمْ إِذَا لَمْ يُمْكِنْ رَدُّهُمْ عَنِ الْبَغْيِ إِلَّا بِالْقِتَالِ لِأَنَّ قِتَالَ الْبُغَاةِ مِنْحُقُوقِ اللَّهِ الَّتِي لَا يَجُوزُ إِضَاعَتُهَا فَحِفْظُهَا أَوْلَى فِي الْحَرَمِ مِنْ إِضَاعَتِهَا هَذَا كَلَامُ الْمَاوَرْدِيِّ وَهَذَا الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ هُوَ الصَّوَابُ وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ اخْتِلَافُ الْحَدِيثِ مِنْ كُتُبِ الْإِمَامِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا فِي آخِرِ كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بسير الْوَاقِدِيِّ مِنْ كُتُبِ الْأُمِّ.
    وَقَالَ الْقَفَّالُ الْمَرْوَزِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي كِتَابِهِ شَرْحُ التَّلْخِيصِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ النِّكَاحِ فِي ذِكْرِ الْخَصَائِصِ لَا يَجُوزُ الْقِتَالُ بِمَكَّةَ قَالَ حَتَّى لَوْ تَحَصَّنَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْكُفَّارِ فِيهَا لَمْ يَجُزْ لَنَا قِتَالُهُمْ فِيهَا وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْقَفَّالُ غَلَطٌ نَبَّهْتُ عَلَيْهِ حَتَّى لَا يُغْتَرَّ بِهِ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ هُنَا فَهُوَ مَا أَجَابَ بِهِ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِهِ سِيَرُ الْوَاقِدِيِّ أَنَّ مَعْنَاهَا تَحْرِيمُ نَصْبِ الْقِتَالِ عَلَيْهِمْ وَقِتَالِهِمْ بِمَا يَعُمُّ كَالْمَنْجَنِيقِ وَغَيْرِهِ إِذَا أَمْكَنَ إِصْلَاحُ الْحَالِ بِدُونِ ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إِذَا تَحَصَّنَ الْكُفَّارُ فِي بَلَدٍ آخَرَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ قِتَالُهُمْ عَلَى كُلِّ وَجْهٍ وَبِكُلِّ شَيْءٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
    قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يُعْضَدُ شَوْكُهُ وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهَا) وَفِي رِوَايَةٍ لَا تُعْضَدُ بِهَا شَجَرَةٌ وَفِي رِوَايَةٍ لَا يُخْتَلَى شَوْكُهَا وَفِي رِوَايَةٍ لَا يُخْبَطُ شَوْكُهَا قَالَ أهل اللغة العضد القطع والخلا بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ مَقْصُورٌ هُوَ الرَّطْبُ مِنَ الكلأ قالوا الْخَلَا وَالْعُشْبُ اسْمٌ لِلرَّطْبِ مِنْهُ وَالْحَشِيشُ وَالْهَشِيمُ اسم لليابس منه والكلأ مهموز يقع على الرطب واليابس وعد بن مَكِّيٍّ وَغَيْرُهُ مِنْ لَحْنِ الْعَوَامِّ إِطْلَاقُهُمُ اسْمُ الْحَشِيشِ عَلَى الرَّطْبِ بَلْ هُوَ مُخْتَصٌّ بِالْيَابِسِ وَمَعْنَى يُخْتَلَى يُؤْخَذُ وَيُقْطَعُ وَمَعْنَى يُخْبَطُ يُضْرَبُ بِالْعَصَا وَنَحْوِهَا لِيَسْقُطَ وَرَقُهُ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَحْرِيمِ قَطْعِ أَشْجَارِهَا الَّتِي لَا يَسْتَنْبِتُهَا الْآدَمِيُّونَ فِي الْعَادَةِ وَعَلَى تَحْرِيمِ قَطْعِ خَلَاهَا وَاخْتَلَفُوا فِيمَا يُنْبِتُهُ الْآدَمِيُّونَ وَاخْتَلَفُوا فِي ضَمَانِ الشَّجَرِ إِذَا قَطَعَهُ فَقَالَ مَالِكٌ يَأْثَمُ وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ.
    وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ وَاخْتَلَفَا فِيهَا فَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الشَّجَرَةِ الْكَبِيرَةِ بَقَرَةٌ وَفِي الصَّغِيرَةِ شَاةٌ وَكَذَا جَاءَ عَنِ بن عباس وبن الزُّبَيْرِ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ.
    وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْوَاجِبُ فِي الْجَمِيعِ الْقِيمَةُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَيَضْمَنُ الْخَلَا بِالْقِيمَةِ وَيَجُوزُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ رَعْيُ الْبَهَائِمِ فِي كَلَأِ الْحَرَمِ.
    وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَمُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ وَأَمَّا صَيْدُ الْحَرَمِ فَحَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى الْحَلَالِ وَالْمُحْرِمِ فَإِنْ قَتَلَهُ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً إِلَّا دَاوُدَ فَقَالَ يَأْثَمُ وَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِوَلَوْ دَخَلَ صَيْدٌ مِنَ الْحِلِّ إِلَى الْحَرَمِ فَلَهُ ذَبْحُهُ وَأَكْلُهُ وَسَائِرُ أَنْوَاعِ التَّصَرُّفِ فِيهِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَدَاوُدَ.
    وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ لَا يَجُوزُ ذَبْحُهُ وَلَا التَّصَرُّفُ فِيهِ بَلْ يَلْزَمُهُ إِرْسَالُهُ قَالَا فَإِنْ أَدْخَلَهُ مَذْبُوحًا جَازَ أَكْلُهُ وَقَاسُوهُ عَلَى الْمُحْرِمِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا وَالْجُمْهُورُ بِحَدِيثِ يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى مَا إِذَا دَخَلَ مِنَ الْحِلِّ شَجَرَةٌ أَوْ كَلَأٌ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَيْدِ حَرَمٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يُعْضَدُ شَوْكُهُ) فِيهِ دَلَالَةٌ لِمَنْ يَقُولُ بِتَحْرِيمِ جَمِيعِ نَبَاتِ الْحَرَمِ مِنَ الشَّجَرِ وَالْكَلَأِ سَوَاءٌ الشَّوْكُ الْمُؤْذِي وَغَيْرُهُ وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الْمُتَوَلِّي مِنْ أَصْحَابِنَا.
    وَقَالَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا لَا يَحْرُمُ الشَّوْكُ لِأَنَّهُ مُؤْذٍ فَأَشْبَهَ الْفَوَاسِقَ الْخَمْسَ وَيَخُصُّونَ الْحَدِيثَ بِالْقِيَاسِ وَالصَّحِيحُ مَا اخْتَارَهُ الْمُتَوَلِّي وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
    قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَإِنَّهُ لَمْ يَحِلَّ الْقِتَالُ فِيهِ لِأَحَدٍ مِنْ قَبْلِي وَلَمْ يَحِلَّ لِي إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ) هَذَا مِمَّا يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ يَقُولُ إِنَّ مَكَّةَ فُتِحَتْ عَنْوَةً وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَكَثِيرِينَ أَوِ الْأَكْثَرِينَ.
    وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ فُتِحَتْ صُلْحًا وَتَأَوَّلُوا هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّ الْقِتَالَ كَانَ جَائِزًا لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَكَّةَ وَلَوِ احْتَاجَ إِلَيْهِ لَفَعَلَهُ وَلَكِنْ مَا احْتَاجَ إِلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
    قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ) تَصْرِيحٌ بِتَحْرِيمِ التَّنْفِيرِ وَهُوَ الْإِزْعَاجُ وَتَنْحِيَتُهُ مِنْ مَوْضِعِهِ فَإِنْ نَفَّرَهُ عَصَى سَوَاءٌ تَلِفَ أَمْ لَا لَكِنْ إِنْ تَلِفَ فِي نِفَارِهِ قَبْلَ سُكُونِ نِفَارِهِ ضَمِنَهُ الْمُنَفِّرُ وَإِلَّا فَلَا ضَمَانَ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَنَبَّهَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالتنفير على الاتلاف ونحوه لِأَنَّهُ إِذَا حَرُمَ التَّنْفِيرُ فَالْإِتْلَافُ أَوْلَى قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَا يَلْتَقِطُ لُقَطَتَهُ إِلَّا مَنْ عَرَّفَهَا) وَفِي رِوَايَةٍ لَا تَحِلُّ لُقَطَتُهَا إِلَّا لِمُنْشِدٍ الْمُنْشِدُ هُوَ الْمُعَرِّفُ وَأَمَّا طَالِبُهَا فَيُقَالُ لَهُ نَاشِدٌ وَأَصْلُ النَّشْدِ وَالْإِنْشَادِ رَفْعُ الصَّوْتِ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ لَا تَحِلُّ لُقَطَتُهَا لِمَنْ يُرِيدُ أَنْ يُعَرِّفَهَا سَنَةً ثُمَّ يَتَمَلَّكَهَا كَمَا فِي بَاقِي الْبِلَادِ بَلْ لَا تَحِلُّ إِلَّا لِمَنْ يُعَرِّفُهَا أَبَدًا وَلَا يَتَمَلَّكُهَا وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُمْ.
    وَقَالَ مَالِكٌ يَجُوزُ تَمَلُّكُهَا بَعْدَ تَعَرُّفِهَا سَنَةً كَمَا فِي سَائِرِ الْبِلَادِ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّتَعَالَى قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ والأرض) وفي الأحاديث الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ بَعْدَ هَذَا إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ فَظَاهِرُهَا الِاخْتِلَافُ وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْعُلَمَاءِ فِي وَقْتِ تَحْرِيمِ مَكَّةَ فَقِيلَ إِنَّهَا مَا زَالَتْ مُحَرَّمَةً مِنْ يَوْمِ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَقِيلَ مَا زَالَتْ حَلَالًا كَغَيْرِهَا إِلَى زَمَنِ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ ثَبَتَ لَهَا التَّحْرِيمُ مِنْ زَمَنِ إِبْرَاهِيمَ وَهَذَا الْقَوْلُ يُوَافِقُ الْحَدِيثَ الثَّانِي وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ يُوَافِقُ الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ وَبِهِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ وَأَجَابُوا عَنِ الْحَدِيثِ الثَّانِي بِأَنَّ تَحْرِيمَهَا كَانَ ثَابِتًا مِنْ يَوْمِ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ثُمَّ خَفِيَ تَحْرِيمُهَا وَاسْتَمَرَّ خَفَاؤُهُ إِلَى زَمَنِ إِبْرَاهِيمَ فَأَظْهَرَهُ وَأَشَاعَهُ لَا أَنَّهُ ابْتَدَأَهُ وَمَنْ قَالَ بِالْقَوْلِ الثَّانِي أَجَابَ عَنِ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ كَتَبَ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ أَوْ فِي غَيْرِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ سَيُحَرِّمُ مَكَّةَ بِأَمْرِ اللَّهُ تَعَالَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
    قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَأَنَّهُ لَمْ يَحِلَّ الْقِتَالُ فِيهِ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَلَمْ يَحِلَّ لِي إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) وَفِي رِوَايَةٍ الْقَتْلُ بَدَلَ الْقِتَالُ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا وَلَا يَعْضِدَ بِهَا شَجَرَةً فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ بِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا فَقُولُوا لَهُ إِنَّ اللَّهَ أَذِنَ لِرَسُولِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ وَإِنَّمَا أُذِنَ لِي فِيهَا سَاعَةٌ مِنْ نَهَارٍ وَقَدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالْأَمْسِ وَلِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ ظَاهِرَةٌ فِي تَحْرِيمِ الْقِتَالِ بِمَكَّةَ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ الْمَاوَرْدِيُّ الْبَصْرِيُّ صَاحِبُ الْحَاوِي مِنْ أَصْحَابِنَا فِي كِتَابِهِ الْأَحْكَامُ السُّلْطَانِيَّةُ مِنْ خَصَائِصِ الْحَرَمِ أَنْ لَا يُحَارَبَ أَهْلُهُ فَإِنْ بَغَوْا عَلَى أَهْلِ الْعَدْلِ فَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ يَحْرُمُ قِتَالُهُمْ بَلْ يُضَيَّقُ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَرْجِعُوا إِلَى الطَّاعَةِ وَيَدْخُلُوا فِي أَحْكَامِ أَهْلِ الْعَدْلِ قَالَ.
    وَقَالَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ يُقَاتَلُونَ عَلَى بَغْيِهِمْ إِذَا لَمْ يُمْكِنْ رَدُّهُمْ عَنِ الْبَغْيِ إِلَّا بِالْقِتَالِ لِأَنَّ قِتَالَ الْبُغَاةِ مِنْحُقُوقِ اللَّهِ الَّتِي لَا يَجُوزُ إِضَاعَتُهَا فَحِفْظُهَا أَوْلَى فِي الْحَرَمِ مِنْ إِضَاعَتِهَا هَذَا كَلَامُ الْمَاوَرْدِيِّ وَهَذَا الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ هُوَ الصَّوَابُ وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ اخْتِلَافُ الْحَدِيثِ مِنْ كُتُبِ الْإِمَامِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا فِي آخِرِ كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بسير الْوَاقِدِيِّ مِنْ كُتُبِ الْأُمِّ.
    وَقَالَ الْقَفَّالُ الْمَرْوَزِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي كِتَابِهِ شَرْحُ التَّلْخِيصِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ النِّكَاحِ فِي ذِكْرِ الْخَصَائِصِ لَا يَجُوزُ الْقِتَالُ بِمَكَّةَ قَالَ حَتَّى لَوْ تَحَصَّنَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْكُفَّارِ فِيهَا لَمْ يَجُزْ لَنَا قِتَالُهُمْ فِيهَا وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْقَفَّالُ غَلَطٌ نَبَّهْتُ عَلَيْهِ حَتَّى لَا يُغْتَرَّ بِهِ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ هُنَا فَهُوَ مَا أَجَابَ بِهِ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِهِ سِيَرُ الْوَاقِدِيِّ أَنَّ مَعْنَاهَا تَحْرِيمُ نَصْبِ الْقِتَالِ عَلَيْهِمْ وَقِتَالِهِمْ بِمَا يَعُمُّ كَالْمَنْجَنِيقِ وَغَيْرِهِ إِذَا أَمْكَنَ إِصْلَاحُ الْحَالِ بِدُونِ ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إِذَا تَحَصَّنَ الْكُفَّارُ فِي بَلَدٍ آخَرَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ قِتَالُهُمْ عَلَى كُلِّ وَجْهٍ وَبِكُلِّ شَيْءٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
    قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يُعْضَدُ شَوْكُهُ وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهَا) وَفِي رِوَايَةٍ لَا تُعْضَدُ بِهَا شَجَرَةٌ وَفِي رِوَايَةٍ لَا يُخْتَلَى شَوْكُهَا وَفِي رِوَايَةٍ لَا يُخْبَطُ شَوْكُهَا قَالَ أهل اللغة العضد القطع والخلا بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ مَقْصُورٌ هُوَ الرَّطْبُ مِنَ الكلأ قالوا الْخَلَا وَالْعُشْبُ اسْمٌ لِلرَّطْبِ مِنْهُ وَالْحَشِيشُ وَالْهَشِيمُ اسم لليابس منه والكلأ مهموز يقع على الرطب واليابس وعد بن مَكِّيٍّ وَغَيْرُهُ مِنْ لَحْنِ الْعَوَامِّ إِطْلَاقُهُمُ اسْمُ الْحَشِيشِ عَلَى الرَّطْبِ بَلْ هُوَ مُخْتَصٌّ بِالْيَابِسِ وَمَعْنَى يُخْتَلَى يُؤْخَذُ وَيُقْطَعُ وَمَعْنَى يُخْبَطُ يُضْرَبُ بِالْعَصَا وَنَحْوِهَا لِيَسْقُطَ وَرَقُهُ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَحْرِيمِ قَطْعِ أَشْجَارِهَا الَّتِي لَا يَسْتَنْبِتُهَا الْآدَمِيُّونَ فِي الْعَادَةِ وَعَلَى تَحْرِيمِ قَطْعِ خَلَاهَا وَاخْتَلَفُوا فِيمَا يُنْبِتُهُ الْآدَمِيُّونَ وَاخْتَلَفُوا فِي ضَمَانِ الشَّجَرِ إِذَا قَطَعَهُ فَقَالَ مَالِكٌ يَأْثَمُ وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ.
    وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ وَاخْتَلَفَا فِيهَا فَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الشَّجَرَةِ الْكَبِيرَةِ بَقَرَةٌ وَفِي الصَّغِيرَةِ شَاةٌ وَكَذَا جَاءَ عَنِ بن عباس وبن الزُّبَيْرِ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ.
    وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْوَاجِبُ فِي الْجَمِيعِ الْقِيمَةُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَيَضْمَنُ الْخَلَا بِالْقِيمَةِ وَيَجُوزُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ رَعْيُ الْبَهَائِمِ فِي كَلَأِ الْحَرَمِ.
    وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَمُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ وَأَمَّا صَيْدُ الْحَرَمِ فَحَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى الْحَلَالِ وَالْمُحْرِمِ فَإِنْ قَتَلَهُ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً إِلَّا دَاوُدَ فَقَالَ يَأْثَمُ وَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِوَلَوْ دَخَلَ صَيْدٌ مِنَ الْحِلِّ إِلَى الْحَرَمِ فَلَهُ ذَبْحُهُ وَأَكْلُهُ وَسَائِرُ أَنْوَاعِ التَّصَرُّفِ فِيهِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَدَاوُدَ.
    وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ لَا يَجُوزُ ذَبْحُهُ وَلَا التَّصَرُّفُ فِيهِ بَلْ يَلْزَمُهُ إِرْسَالُهُ قَالَا فَإِنْ أَدْخَلَهُ مَذْبُوحًا جَازَ أَكْلُهُ وَقَاسُوهُ عَلَى الْمُحْرِمِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا وَالْجُمْهُورُ بِحَدِيثِ يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى مَا إِذَا دَخَلَ مِنَ الْحِلِّ شَجَرَةٌ أَوْ كَلَأٌ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَيْدِ حَرَمٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يُعْضَدُ شَوْكُهُ) فِيهِ دَلَالَةٌ لِمَنْ يَقُولُ بِتَحْرِيمِ جَمِيعِ نَبَاتِ الْحَرَمِ مِنَ الشَّجَرِ وَالْكَلَأِ سَوَاءٌ الشَّوْكُ الْمُؤْذِي وَغَيْرُهُ وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الْمُتَوَلِّي مِنْ أَصْحَابِنَا.
    وَقَالَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا لَا يَحْرُمُ الشَّوْكُ لِأَنَّهُ مُؤْذٍ فَأَشْبَهَ الْفَوَاسِقَ الْخَمْسَ وَيَخُصُّونَ الْحَدِيثَ بِالْقِيَاسِ وَالصَّحِيحُ مَا اخْتَارَهُ الْمُتَوَلِّي وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
    قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَإِنَّهُ لَمْ يَحِلَّ الْقِتَالُ فِيهِ لِأَحَدٍ مِنْ قَبْلِي وَلَمْ يَحِلَّ لِي إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ) هَذَا مِمَّا يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ يَقُولُ إِنَّ مَكَّةَ فُتِحَتْ عَنْوَةً وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَكَثِيرِينَ أَوِ الْأَكْثَرِينَ.
    وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ فُتِحَتْ صُلْحًا وَتَأَوَّلُوا هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّ الْقِتَالَ كَانَ جَائِزًا لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَكَّةَ وَلَوِ احْتَاجَ إِلَيْهِ لَفَعَلَهُ وَلَكِنْ مَا احْتَاجَ إِلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
    قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ) تَصْرِيحٌ بِتَحْرِيمِ التَّنْفِيرِ وَهُوَ الْإِزْعَاجُ وَتَنْحِيَتُهُ مِنْ مَوْضِعِهِ فَإِنْ نَفَّرَهُ عَصَى سَوَاءٌ تَلِفَ أَمْ لَا لَكِنْ إِنْ تَلِفَ فِي نِفَارِهِ قَبْلَ سُكُونِ نِفَارِهِ ضَمِنَهُ الْمُنَفِّرُ وَإِلَّا فَلَا ضَمَانَ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَنَبَّهَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالتنفير على الاتلاف ونحوه لِأَنَّهُ إِذَا حَرُمَ التَّنْفِيرُ فَالْإِتْلَافُ أَوْلَى قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَا يَلْتَقِطُ لُقَطَتَهُ إِلَّا مَنْ عَرَّفَهَا) وَفِي رِوَايَةٍ لَا تَحِلُّ لُقَطَتُهَا إِلَّا لِمُنْشِدٍ الْمُنْشِدُ هُوَ الْمُعَرِّفُ وَأَمَّا طَالِبُهَا فَيُقَالُ لَهُ نَاشِدٌ وَأَصْلُ النَّشْدِ وَالْإِنْشَادِ رَفْعُ الصَّوْتِ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ لَا تَحِلُّ لُقَطَتُهَا لِمَنْ يُرِيدُ أَنْ يُعَرِّفَهَا سَنَةً ثُمَّ يَتَمَلَّكَهَا كَمَا فِي بَاقِي الْبِلَادِ بَلْ لَا تَحِلُّ إِلَّا لِمَنْ يُعَرِّفُهَا أَبَدًا وَلَا يَتَمَلَّكُهَا وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُمْ.
    وَقَالَ مَالِكٌ يَجُوزُ تَمَلُّكُهَا بَعْدَ تَعَرُّفِهَا سَنَةً كَمَا فِي سَائِرِ الْبِلَادِ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّتَعَالَى قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ والأرض) وفي الأحاديث الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ بَعْدَ هَذَا إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ فَظَاهِرُهَا الِاخْتِلَافُ وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْعُلَمَاءِ فِي وَقْتِ تَحْرِيمِ مَكَّةَ فَقِيلَ إِنَّهَا مَا زَالَتْ مُحَرَّمَةً مِنْ يَوْمِ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَقِيلَ مَا زَالَتْ حَلَالًا كَغَيْرِهَا إِلَى زَمَنِ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ ثَبَتَ لَهَا التَّحْرِيمُ مِنْ زَمَنِ إِبْرَاهِيمَ وَهَذَا الْقَوْلُ يُوَافِقُ الْحَدِيثَ الثَّانِي وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ يُوَافِقُ الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ وَبِهِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ وَأَجَابُوا عَنِ الْحَدِيثِ الثَّانِي بِأَنَّ تَحْرِيمَهَا كَانَ ثَابِتًا مِنْ يَوْمِ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ثُمَّ خَفِيَ تَحْرِيمُهَا وَاسْتَمَرَّ خَفَاؤُهُ إِلَى زَمَنِ إِبْرَاهِيمَ فَأَظْهَرَهُ وَأَشَاعَهُ لَا أَنَّهُ ابْتَدَأَهُ وَمَنْ قَالَ بِالْقَوْلِ الثَّانِي أَجَابَ عَنِ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ كَتَبَ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ أَوْ فِي غَيْرِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ سَيُحَرِّمُ مَكَّةَ بِأَمْرِ اللَّهُ تَعَالَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
    قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَأَنَّهُ لَمْ يَحِلَّ الْقِتَالُ فِيهِ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَلَمْ يَحِلَّ لِي إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) وَفِي رِوَايَةٍ الْقَتْلُ بَدَلَ الْقِتَالُ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا وَلَا يَعْضِدَ بِهَا شَجَرَةً فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ بِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا فَقُولُوا لَهُ إِنَّ اللَّهَ أَذِنَ لِرَسُولِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ وَإِنَّمَا أُذِنَ لِي فِيهَا سَاعَةٌ مِنْ نَهَارٍ وَقَدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالْأَمْسِ وَلِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ ظَاهِرَةٌ فِي تَحْرِيمِ الْقِتَالِ بِمَكَّةَ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ الْمَاوَرْدِيُّ الْبَصْرِيُّ صَاحِبُ الْحَاوِي مِنْ أَصْحَابِنَا فِي كِتَابِهِ الْأَحْكَامُ السُّلْطَانِيَّةُ مِنْ خَصَائِصِ الْحَرَمِ أَنْ لَا يُحَارَبَ أَهْلُهُ فَإِنْ بَغَوْا عَلَى أَهْلِ الْعَدْلِ فَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ يَحْرُمُ قِتَالُهُمْ بَلْ يُضَيَّقُ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَرْجِعُوا إِلَى الطَّاعَةِ وَيَدْخُلُوا فِي أَحْكَامِ أَهْلِ الْعَدْلِ قَالَ.
    وَقَالَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ يُقَاتَلُونَ عَلَى بَغْيِهِمْ إِذَا لَمْ يُمْكِنْ رَدُّهُمْ عَنِ الْبَغْيِ إِلَّا بِالْقِتَالِ لِأَنَّ قِتَالَ الْبُغَاةِ مِنْحُقُوقِ اللَّهِ الَّتِي لَا يَجُوزُ إِضَاعَتُهَا فَحِفْظُهَا أَوْلَى فِي الْحَرَمِ مِنْ إِضَاعَتِهَا هَذَا كَلَامُ الْمَاوَرْدِيِّ وَهَذَا الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ هُوَ الصَّوَابُ وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ اخْتِلَافُ الْحَدِيثِ مِنْ كُتُبِ الْإِمَامِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا فِي آخِرِ كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بسير الْوَاقِدِيِّ مِنْ كُتُبِ الْأُمِّ.
    وَقَالَ الْقَفَّالُ الْمَرْوَزِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي كِتَابِهِ شَرْحُ التَّلْخِيصِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ النِّكَاحِ فِي ذِكْرِ الْخَصَائِصِ لَا يَجُوزُ الْقِتَالُ بِمَكَّةَ قَالَ حَتَّى لَوْ تَحَصَّنَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْكُفَّارِ فِيهَا لَمْ يَجُزْ لَنَا قِتَالُهُمْ فِيهَا وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْقَفَّالُ غَلَطٌ نَبَّهْتُ عَلَيْهِ حَتَّى لَا يُغْتَرَّ بِهِ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ هُنَا فَهُوَ مَا أَجَابَ بِهِ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِهِ سِيَرُ الْوَاقِدِيِّ أَنَّ مَعْنَاهَا تَحْرِيمُ نَصْبِ الْقِتَالِ عَلَيْهِمْ وَقِتَالِهِمْ بِمَا يَعُمُّ كَالْمَنْجَنِيقِ وَغَيْرِهِ إِذَا أَمْكَنَ إِصْلَاحُ الْحَالِ بِدُونِ ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إِذَا تَحَصَّنَ الْكُفَّارُ فِي بَلَدٍ آخَرَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ قِتَالُهُمْ عَلَى كُلِّ وَجْهٍ وَبِكُلِّ شَيْءٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
    قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يُعْضَدُ شَوْكُهُ وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهَا) وَفِي رِوَايَةٍ لَا تُعْضَدُ بِهَا شَجَرَةٌ وَفِي رِوَايَةٍ لَا يُخْتَلَى شَوْكُهَا وَفِي رِوَايَةٍ لَا يُخْبَطُ شَوْكُهَا قَالَ أهل اللغة العضد القطع والخلا بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ مَقْصُورٌ هُوَ الرَّطْبُ مِنَ الكلأ قالوا الْخَلَا وَالْعُشْبُ اسْمٌ لِلرَّطْبِ مِنْهُ وَالْحَشِيشُ وَالْهَشِيمُ اسم لليابس منه والكلأ مهموز يقع على الرطب واليابس وعد بن مَكِّيٍّ وَغَيْرُهُ مِنْ لَحْنِ الْعَوَامِّ إِطْلَاقُهُمُ اسْمُ الْحَشِيشِ عَلَى الرَّطْبِ بَلْ هُوَ مُخْتَصٌّ بِالْيَابِسِ وَمَعْنَى يُخْتَلَى يُؤْخَذُ وَيُقْطَعُ وَمَعْنَى يُخْبَطُ يُضْرَبُ بِالْعَصَا وَنَحْوِهَا لِيَسْقُطَ وَرَقُهُ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَحْرِيمِ قَطْعِ أَشْجَارِهَا الَّتِي لَا يَسْتَنْبِتُهَا الْآدَمِيُّونَ فِي الْعَادَةِ وَعَلَى تَحْرِيمِ قَطْعِ خَلَاهَا وَاخْتَلَفُوا فِيمَا يُنْبِتُهُ الْآدَمِيُّونَ وَاخْتَلَفُوا فِي ضَمَانِ الشَّجَرِ إِذَا قَطَعَهُ فَقَالَ مَالِكٌ يَأْثَمُ وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ.
    وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ وَاخْتَلَفَا فِيهَا فَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الشَّجَرَةِ الْكَبِيرَةِ بَقَرَةٌ وَفِي الصَّغِيرَةِ شَاةٌ وَكَذَا جَاءَ عَنِ بن عباس وبن الزُّبَيْرِ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ.
    وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْوَاجِبُ فِي الْجَمِيعِ الْقِيمَةُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَيَضْمَنُ الْخَلَا بِالْقِيمَةِ وَيَجُوزُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ رَعْيُ الْبَهَائِمِ فِي كَلَأِ الْحَرَمِ.
    وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَمُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ وَأَمَّا صَيْدُ الْحَرَمِ فَحَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى الْحَلَالِ وَالْمُحْرِمِ فَإِنْ قَتَلَهُ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً إِلَّا دَاوُدَ فَقَالَ يَأْثَمُ وَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِوَلَوْ دَخَلَ صَيْدٌ مِنَ الْحِلِّ إِلَى الْحَرَمِ فَلَهُ ذَبْحُهُ وَأَكْلُهُ وَسَائِرُ أَنْوَاعِ التَّصَرُّفِ فِيهِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَدَاوُدَ.
    وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ لَا يَجُوزُ ذَبْحُهُ وَلَا التَّصَرُّفُ فِيهِ بَلْ يَلْزَمُهُ إِرْسَالُهُ قَالَا فَإِنْ أَدْخَلَهُ مَذْبُوحًا جَازَ أَكْلُهُ وَقَاسُوهُ عَلَى الْمُحْرِمِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا وَالْجُمْهُورُ بِحَدِيثِ يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى مَا إِذَا دَخَلَ مِنَ الْحِلِّ شَجَرَةٌ أَوْ كَلَأٌ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَيْدِ حَرَمٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يُعْضَدُ شَوْكُهُ) فِيهِ دَلَالَةٌ لِمَنْ يَقُولُ بِتَحْرِيمِ جَمِيعِ نَبَاتِ الْحَرَمِ مِنَ الشَّجَرِ وَالْكَلَأِ سَوَاءٌ الشَّوْكُ الْمُؤْذِي وَغَيْرُهُ وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الْمُتَوَلِّي مِنْ أَصْحَابِنَا.
    وَقَالَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا لَا يَحْرُمُ الشَّوْكُ لِأَنَّهُ مُؤْذٍ فَأَشْبَهَ الْفَوَاسِقَ الْخَمْسَ وَيَخُصُّونَ الْحَدِيثَ بِالْقِيَاسِ وَالصَّحِيحُ مَا اخْتَارَهُ الْمُتَوَلِّي وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
    قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَإِنَّهُ لَمْ يَحِلَّ الْقِتَالُ فِيهِ لِأَحَدٍ مِنْ قَبْلِي وَلَمْ يَحِلَّ لِي إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ) هَذَا مِمَّا يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ يَقُولُ إِنَّ مَكَّةَ فُتِحَتْ عَنْوَةً وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَكَثِيرِينَ أَوِ الْأَكْثَرِينَ.
    وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ فُتِحَتْ صُلْحًا وَتَأَوَّلُوا هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّ الْقِتَالَ كَانَ جَائِزًا لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَكَّةَ وَلَوِ احْتَاجَ إِلَيْهِ لَفَعَلَهُ وَلَكِنْ مَا احْتَاجَ إِلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
    قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ) تَصْرِيحٌ بِتَحْرِيمِ التَّنْفِيرِ وَهُوَ الْإِزْعَاجُ وَتَنْحِيَتُهُ مِنْ مَوْضِعِهِ فَإِنْ نَفَّرَهُ عَصَى سَوَاءٌ تَلِفَ أَمْ لَا لَكِنْ إِنْ تَلِفَ فِي نِفَارِهِ قَبْلَ سُكُونِ نِفَارِهِ ضَمِنَهُ الْمُنَفِّرُ وَإِلَّا فَلَا ضَمَانَ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَنَبَّهَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالتنفير على الاتلاف ونحوه لِأَنَّهُ إِذَا حَرُمَ التَّنْفِيرُ فَالْإِتْلَافُ أَوْلَى قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَا يَلْتَقِطُ لُقَطَتَهُ إِلَّا مَنْ عَرَّفَهَا) وَفِي رِوَايَةٍ لَا تَحِلُّ لُقَطَتُهَا إِلَّا لِمُنْشِدٍ الْمُنْشِدُ هُوَ الْمُعَرِّفُ وَأَمَّا طَالِبُهَا فَيُقَالُ لَهُ نَاشِدٌ وَأَصْلُ النَّشْدِ وَالْإِنْشَادِ رَفْعُ الصَّوْتِ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ لَا تَحِلُّ لُقَطَتُهَا لِمَنْ يُرِيدُ أَنْ يُعَرِّفَهَا سَنَةً ثُمَّ يَتَمَلَّكَهَا كَمَا فِي بَاقِي الْبِلَادِ بَلْ لَا تَحِلُّ إِلَّا لِمَنْ يُعَرِّفُهَا أَبَدًا وَلَا يَتَمَلَّكُهَا وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُمْ.
    وَقَالَ مَالِكٌ يَجُوزُ تَمَلُّكُهَا بَعْدَ تَعَرُّفِهَا سَنَةً كَمَا فِي سَائِرِ الْبِلَادِ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّتَعَالَى قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ والأرض) وفي الأحاديث الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ بَعْدَ هَذَا إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ فَظَاهِرُهَا الِاخْتِلَافُ وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْعُلَمَاءِ فِي وَقْتِ تَحْرِيمِ مَكَّةَ فَقِيلَ إِنَّهَا مَا زَالَتْ مُحَرَّمَةً مِنْ يَوْمِ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَقِيلَ مَا زَالَتْ حَلَالًا كَغَيْرِهَا إِلَى زَمَنِ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ ثَبَتَ لَهَا التَّحْرِيمُ مِنْ زَمَنِ إِبْرَاهِيمَ وَهَذَا الْقَوْلُ يُوَافِقُ الْحَدِيثَ الثَّانِي وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ يُوَافِقُ الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ وَبِهِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ وَأَجَابُوا عَنِ الْحَدِيثِ الثَّانِي بِأَنَّ تَحْرِيمَهَا كَانَ ثَابِتًا مِنْ يَوْمِ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ثُمَّ خَفِيَ تَحْرِيمُهَا وَاسْتَمَرَّ خَفَاؤُهُ إِلَى زَمَنِ إِبْرَاهِيمَ فَأَظْهَرَهُ وَأَشَاعَهُ لَا أَنَّهُ ابْتَدَأَهُ وَمَنْ قَالَ بِالْقَوْلِ الثَّانِي أَجَابَ عَنِ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ كَتَبَ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ أَوْ فِي غَيْرِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ سَيُحَرِّمُ مَكَّةَ بِأَمْرِ اللَّهُ تَعَالَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
    قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَأَنَّهُ لَمْ يَحِلَّ الْقِتَالُ فِيهِ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَلَمْ يَحِلَّ لِي إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) وَفِي رِوَايَةٍ الْقَتْلُ بَدَلَ الْقِتَالُ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا وَلَا يَعْضِدَ بِهَا شَجَرَةً فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ بِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا فَقُولُوا لَهُ إِنَّ اللَّهَ أَذِنَ لِرَسُولِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ وَإِنَّمَا أُذِنَ لِي فِيهَا سَاعَةٌ مِنْ نَهَارٍ وَقَدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالْأَمْسِ وَلِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ ظَاهِرَةٌ فِي تَحْرِيمِ الْقِتَالِ بِمَكَّةَ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ الْمَاوَرْدِيُّ الْبَصْرِيُّ صَاحِبُ الْحَاوِي مِنْ أَصْحَابِنَا فِي كِتَابِهِ الْأَحْكَامُ السُّلْطَانِيَّةُ مِنْ خَصَائِصِ الْحَرَمِ أَنْ لَا يُحَارَبَ أَهْلُهُ فَإِنْ بَغَوْا عَلَى أَهْلِ الْعَدْلِ فَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ يَحْرُمُ قِتَالُهُمْ بَلْ يُضَيَّقُ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَرْجِعُوا إِلَى الطَّاعَةِ وَيَدْخُلُوا فِي أَحْكَامِ أَهْلِ الْعَدْلِ قَالَ.
    وَقَالَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ يُقَاتَلُونَ عَلَى بَغْيِهِمْ إِذَا لَمْ يُمْكِنْ رَدُّهُمْ عَنِ الْبَغْيِ إِلَّا بِالْقِتَالِ لِأَنَّ قِتَالَ الْبُغَاةِ مِنْحُقُوقِ اللَّهِ الَّتِي لَا يَجُوزُ إِضَاعَتُهَا فَحِفْظُهَا أَوْلَى فِي الْحَرَمِ مِنْ إِضَاعَتِهَا هَذَا كَلَامُ الْمَاوَرْدِيِّ وَهَذَا الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ هُوَ الصَّوَابُ وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ اخْتِلَافُ الْحَدِيثِ مِنْ كُتُبِ الْإِمَامِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا فِي آخِرِ كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بسير الْوَاقِدِيِّ مِنْ كُتُبِ الْأُمِّ.
    وَقَالَ الْقَفَّالُ الْمَرْوَزِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي كِتَابِهِ شَرْحُ التَّلْخِيصِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ النِّكَاحِ فِي ذِكْرِ الْخَصَائِصِ لَا يَجُوزُ الْقِتَالُ بِمَكَّةَ قَالَ حَتَّى لَوْ تَحَصَّنَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْكُفَّارِ فِيهَا لَمْ يَجُزْ لَنَا قِتَالُهُمْ فِيهَا وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْقَفَّالُ غَلَطٌ نَبَّهْتُ عَلَيْهِ حَتَّى لَا يُغْتَرَّ بِهِ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ هُنَا فَهُوَ مَا أَجَابَ بِهِ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِهِ سِيَرُ الْوَاقِدِيِّ أَنَّ مَعْنَاهَا تَحْرِيمُ نَصْبِ الْقِتَالِ عَلَيْهِمْ وَقِتَالِهِمْ بِمَا يَعُمُّ كَالْمَنْجَنِيقِ وَغَيْرِهِ إِذَا أَمْكَنَ إِصْلَاحُ الْحَالِ بِدُونِ ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إِذَا تَحَصَّنَ الْكُفَّارُ فِي بَلَدٍ آخَرَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ قِتَالُهُمْ عَلَى كُلِّ وَجْهٍ وَبِكُلِّ شَيْءٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
    قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يُعْضَدُ شَوْكُهُ وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهَا) وَفِي رِوَايَةٍ لَا تُعْضَدُ بِهَا شَجَرَةٌ وَفِي رِوَايَةٍ لَا يُخْتَلَى شَوْكُهَا وَفِي رِوَايَةٍ لَا يُخْبَطُ شَوْكُهَا قَالَ أهل اللغة العضد القطع والخلا بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ مَقْصُورٌ هُوَ الرَّطْبُ مِنَ الكلأ قالوا الْخَلَا وَالْعُشْبُ اسْمٌ لِلرَّطْبِ مِنْهُ وَالْحَشِيشُ وَالْهَشِيمُ اسم لليابس منه والكلأ مهموز يقع على الرطب واليابس وعد بن مَكِّيٍّ وَغَيْرُهُ مِنْ لَحْنِ الْعَوَامِّ إِطْلَاقُهُمُ اسْمُ الْحَشِيشِ عَلَى الرَّطْبِ بَلْ هُوَ مُخْتَصٌّ بِالْيَابِسِ وَمَعْنَى يُخْتَلَى يُؤْخَذُ وَيُقْطَعُ وَمَعْنَى يُخْبَطُ يُضْرَبُ بِالْعَصَا وَنَحْوِهَا لِيَسْقُطَ وَرَقُهُ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَحْرِيمِ قَطْعِ أَشْجَارِهَا الَّتِي لَا يَسْتَنْبِتُهَا الْآدَمِيُّونَ فِي الْعَادَةِ وَعَلَى تَحْرِيمِ قَطْعِ خَلَاهَا وَاخْتَلَفُوا فِيمَا يُنْبِتُهُ الْآدَمِيُّونَ وَاخْتَلَفُوا فِي ضَمَانِ الشَّجَرِ إِذَا قَطَعَهُ فَقَالَ مَالِكٌ يَأْثَمُ وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ.
    وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ وَاخْتَلَفَا فِيهَا فَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الشَّجَرَةِ الْكَبِيرَةِ بَقَرَةٌ وَفِي الصَّغِيرَةِ شَاةٌ وَكَذَا جَاءَ عَنِ بن عباس وبن الزُّبَيْرِ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ.
    وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْوَاجِبُ فِي الْجَمِيعِ الْقِيمَةُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَيَضْمَنُ الْخَلَا بِالْقِيمَةِ وَيَجُوزُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ رَعْيُ الْبَهَائِمِ فِي كَلَأِ الْحَرَمِ.
    وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَمُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ وَأَمَّا صَيْدُ الْحَرَمِ فَحَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى الْحَلَالِ وَالْمُحْرِمِ فَإِنْ قَتَلَهُ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً إِلَّا دَاوُدَ فَقَالَ يَأْثَمُ وَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِوَلَوْ دَخَلَ صَيْدٌ مِنَ الْحِلِّ إِلَى الْحَرَمِ فَلَهُ ذَبْحُهُ وَأَكْلُهُ وَسَائِرُ أَنْوَاعِ التَّصَرُّفِ فِيهِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَدَاوُدَ.
    وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ لَا يَجُوزُ ذَبْحُهُ وَلَا التَّصَرُّفُ فِيهِ بَلْ يَلْزَمُهُ إِرْسَالُهُ قَالَا فَإِنْ أَدْخَلَهُ مَذْبُوحًا جَازَ أَكْلُهُ وَقَاسُوهُ عَلَى الْمُحْرِمِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا وَالْجُمْهُورُ بِحَدِيثِ يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى مَا إِذَا دَخَلَ مِنَ الْحِلِّ شَجَرَةٌ أَوْ كَلَأٌ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَيْدِ حَرَمٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يُعْضَدُ شَوْكُهُ) فِيهِ دَلَالَةٌ لِمَنْ يَقُولُ بِتَحْرِيمِ جَمِيعِ نَبَاتِ الْحَرَمِ مِنَ الشَّجَرِ وَالْكَلَأِ سَوَاءٌ الشَّوْكُ الْمُؤْذِي وَغَيْرُهُ وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الْمُتَوَلِّي مِنْ أَصْحَابِنَا.
    وَقَالَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا لَا يَحْرُمُ الشَّوْكُ لِأَنَّهُ مُؤْذٍ فَأَشْبَهَ الْفَوَاسِقَ الْخَمْسَ وَيَخُصُّونَ الْحَدِيثَ بِالْقِيَاسِ وَالصَّحِيحُ مَا اخْتَارَهُ الْمُتَوَلِّي وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
    قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَإِنَّهُ لَمْ يَحِلَّ الْقِتَالُ فِيهِ لِأَحَدٍ مِنْ قَبْلِي وَلَمْ يَحِلَّ لِي إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ) هَذَا مِمَّا يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ يَقُولُ إِنَّ مَكَّةَ فُتِحَتْ عَنْوَةً وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَكَثِيرِينَ أَوِ الْأَكْثَرِينَ.
    وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ فُتِحَتْ صُلْحًا وَتَأَوَّلُوا هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّ الْقِتَالَ كَانَ جَائِزًا لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَكَّةَ وَلَوِ احْتَاجَ إِلَيْهِ لَفَعَلَهُ وَلَكِنْ مَا احْتَاجَ إِلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
    قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ) تَصْرِيحٌ بِتَحْرِيمِ التَّنْفِيرِ وَهُوَ الْإِزْعَاجُ وَتَنْحِيَتُهُ مِنْ مَوْضِعِهِ فَإِنْ نَفَّرَهُ عَصَى سَوَاءٌ تَلِفَ أَمْ لَا لَكِنْ إِنْ تَلِفَ فِي نِفَارِهِ قَبْلَ سُكُونِ نِفَارِهِ ضَمِنَهُ الْمُنَفِّرُ وَإِلَّا فَلَا ضَمَانَ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَنَبَّهَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالتنفير على الاتلاف ونحوه لِأَنَّهُ إِذَا حَرُمَ التَّنْفِيرُ فَالْإِتْلَافُ أَوْلَى قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَا يَلْتَقِطُ لُقَطَتَهُ إِلَّا مَنْ عَرَّفَهَا) وَفِي رِوَايَةٍ لَا تَحِلُّ لُقَطَتُهَا إِلَّا لِمُنْشِدٍ الْمُنْشِدُ هُوَ الْمُعَرِّفُ وَأَمَّا طَالِبُهَا فَيُقَالُ لَهُ نَاشِدٌ وَأَصْلُ النَّشْدِ وَالْإِنْشَادِ رَفْعُ الصَّوْتِ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ لَا تَحِلُّ لُقَطَتُهَا لِمَنْ يُرِيدُ أَنْ يُعَرِّفَهَا سَنَةً ثُمَّ يَتَمَلَّكَهَا كَمَا فِي بَاقِي الْبِلَادِ بَلْ لَا تَحِلُّ إِلَّا لِمَنْ يُعَرِّفُهَا أَبَدًا وَلَا يَتَمَلَّكُهَا وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُمْ.
    وَقَالَ مَالِكٌ يَجُوزُ تَمَلُّكُهَا بَعْدَ تَعَرُّفِهَا سَنَةً كَمَا فِي سَائِرِ الْبِلَادِ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّفِيهِ

    [1481] حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ بَكَّارٍ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى عَنْ عَبَّاسٍ السَّاعِدِيِّ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ: "غَزَوْنَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غَزْوَةَ تَبُوكَ، فَلَمَّا جَاءَ وَادِيَ الْقُرَى إِذَا امْرَأَةٌ فِي حَدِيقَةٍ لَهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأَصْحَابِهِ: اخْرُصُوا، وَخَرَصَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَشَرَةَ أَوْسُقٍ، فَقَالَ لَهَا: أَحْصِي مَا يَخْرُجُ مِنْهَا. فَلَمَّا أَتَيْنَا تَبُوكَ قَالَ: أَمَا إِنَّهَا سَتَهُبُّ اللَّيْلَةَ رِيحٌ شَدِيدَةٌ، فَلاَ يَقُومَنَّ أَحَدٌ، وَمَنْ كَانَ مَعَهُ بَعِيرٌ فَلْيَعْقِلْهُ. فَعَقَلْنَاهَا، وَهَبَّتْ رِيحٌ شَدِيدَةٌ فَقَامَ رَجُلٌ فَأَلْقَتْهُ بِجَبَلِ طَيِّئٍ. وَأَهْدَى مَلِكُ أَيْلَةَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَغْلَةً بَيْضَاءَ، وَكَسَاهُ بُرْدًا، وَكَتَبَ لَهُ بِبَحْرِهِمْ. فَلَمَّا أَتَى وَادِيَ الْقُرَى قَالَ لِلْمَرْأَةِ: كَمْ جَاءَ حَدِيقَتُكِ؟ قَالَتْ: عَشَرَةَ أَوْسُقٍ خَرْصَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنِّي مُتَعَجِّلٌ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَمَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَعَجَّلَ مَعِي فَلْيَتَعَجَّلْ. فَلَمَّا -قَالَ ابْنُ بَكَّارٍ كَلِمَةً مَعْنَاهَا- أَشْرَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ قَالَ: هَذِهِ طَابَةُ. فَلَمَّا رَأَى أُحُدًا قَالَ: هَذَا جُبَيْلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ. أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ دُورِ الأَنْصَارِ؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: دُورُ بَنِي النَّجَّارِ، ثُمَّ دُورُ بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ، ثُمَّ دُورُ بَنِي سَاعِدَةَ أَوْ دُورُ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، وَفِي كُلِّ دُورِ الأَنْصَارِ - يَعْنِي - خَيْرًا". [الحديث أطرافه في: 1872، 3161، 3791، 4422]. وبالسند قال: (حدّثنا سهل بن بكار) بفتح الموحدة وتشديد الكاف أبو بشر الدارمي قال: (حدّثنا وهيب) بضم الواو مصغرًا ابن خالد (عن عمرو بن يحيى) بسكون الميم المازني (عن عباس) بتشديد الموحدة آخره سين مهملة ابن سهل (الساعدي عن أبي حميد) المنذر أو عبد الرحمن (الساعدي) -رضي الله عنه- (قال: غزونا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غزوة تبوك) غير منصرف وكانت في رجب سنة تسع، (فلما جاء وادي القرى) بضم القاف مدينة قديمة بين المدينة والشام (إذا امرأة) لم يعرف الحافظ ابن حجر اسمها (في حديقة لها)، مبتدأ وخبر، قال ابن مالك في التوضيح: لا يمتنع الابتداء بالنكرة المحضة على الإطلاق بل إذا لم تحصل فائدة نحو: رجل يتكلم إذ لا تخلو الدنيا من رجل متكلم، فلو اقترن بالنكرة قرينة تحصل بها الفائدة جاز الابتداء بها ومن تلك القرائن الاعتماد على إذا الفجائية نحو: انطلقت فإذا سبع في الطريق والحديقة بفتح الحاء المهملة والقاف. قال ابن سيده: هي من الرياض كل أرض استدارت وقيل البستان (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لأصحابه): (اخرصوا) بضم الراء. زاد سليمان بن بلال عند مسلم فخرصنا. قال الحافظ ابن حجر: ولم أقف على اسم من خرص منهم، (وخرص رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عشرة أوسق فقال لها: أحصي) بفتح الهمزة من الإحصاء وهو العد احفظي قدر (ما يخرج منها) كيلاً (فلما أتينا تبوك قال) عليه الصلاة والسلام: (أما) بتخفيف الميم (إنها) بكسر الهمزة إن جعلت أما بمعنى حقًا وبفتحها إن جعلت استفتاحية (ستهب الليلة) زاد سليمان: عليكم (ريح شديدة فلا يقومن أحد)، منكم (ومن كان معه بعير فليعقله) أي يشده بالعقال وهو الحبل (فعقلناها) ولغير أبي ذر: ففعلنا من الفعل (وهبت ريح شديدة فقام رجل فألقته بجبل طيئ). بتشديد الياء بعدها همزة، وفي رواية الكشميهني: جبلي بالتثنية واسم أحدهما أجأ بفتح الهمزة والجيم ثم همزة على وزن فعل وقد لا يهمز فيكون بوزن عصا واسم الآخر سلمى. (وأهدى) يوحنا بضم المثناة التحتية وفتح الحاء المهملة وتشديد النون ابن روبة واسم أمه العلماء بفتح العين وسكون اللام وبالمدّ (ملك أيلة) بفتح الهمزة وسكون المثناة التحتية بعدها لام مفتوحة بلدة قديمة بساحل البحر (للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بغلة بيضاء) واسمها كما جزم به النووي دلدل وقال: لكن ظاهر اللفظ هنا أهداها للنبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في غزوة تبوك وكانت سنة تسع من الهجرة، وقد كانت هذه البغلة عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قبل ذلك وحضر عليها غزوة حنين كما هو مشهور في الحديث، وكانت حنين عقب فتح مكة سنة ثمان. قال القاضي: ولم يرو أنه كان له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بغلة غيرها فيحمل قوله على أنه أهداها له قبل ذلك، وقد عطف الإهداء على المجيء بالواو وهي لا تقتضي الترتيب انتهى كلام النووي. وتعقبه الجلال البلقيني بأن البغلة التي كان عليها يوم حنين غير هذه، ففي مسلم أنه كان عليه الصلاة والسلام على بغلة بيضاء أهداها له فروة الجذامي وهذا يدل على المغايرة. قال وفيما قاله القاضي من التوحيد نظر فقد قيل: إنه كان له من البغال دلدل وفضة والتي أهداها ابن العلماء والأيلية وبغلة أهداها له كسرى وأخرى من دومة الجندل وأخرى من عند النجاشي كذا في السيرة لمغلطاي قال: وقد وهم في تفريقه بين بغلة ابن العلماء والأيلية فإن ابن العلماء هو صاحب أيلة، ونقص ذكر البغلة التي أهداها له فروة الجذامي. (وكساه) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بردًا) الضمير المنصوب عائد على ملك أيلة وهو المكسو، (وكتب) عليه الصلاة والسلام (له) أي لملك أيلة (ببحرهم) أي ببلدهم، والمراد أهل بحرهم لأنهم كانوا سكانًا بساحل البحر، والمعنى أنه أقره عليهم بما التزمه من الجزية، ولفظ الكتاب كما ذكره ابن إسحاق بعد البسملة هذه أمنة من الله، ومحمد النبي رسول الله ليوحنا بن روبة وأهل أيلة أساقفتهموسائرهم في البر والبحر لهم ذمة النبي ومن كان معه من أهل الشام وأهل اليمن وأهل البحر فمن أحدث منهم حدثًا فإنه لا يحول ماله دون نفسه وأنه طيب لمن أخذه من الناس وأنه لا يحل أن يمنعوه ماء يردونه من برّ وبحر. وهذا كتاب جهيم بن الصلت وشرحبيل بن حسنة بإذن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. (فلما أتى) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وادي القرى) المدينة السابق ذكرها قريبًا (قال للمرأة) صاحبة الحديقة المذكورة قبل: (كم جاءت) وفي نسخة: جاء بإسقاط تاء التأنيث وجاء هنا بمعنى كان أي كم كان (حديقتك) أي ثمرها، ولمسلم: فسأل المرأة عن حديقتها كم بلغ ثمرها (قالت: عشرة أوسق) بنصب عشرة على نزع الخافض أي بمقدار عشرة أوسق أو على الحال. وتعقبه في المصابيح بأنه ليس المعنى على أن ثمر الحديقة جاء في حال كونه عشرة أوسق بل لا معنى له أصلاً انتهى. (خرص رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مصدر منصوب بدل من عشرة أو عطف بيان لها، ولأبي ذر: خرص بالرفع خبر مبتدأ محذوف أي هي خرص ويجوز رفع عشرة، وخرص على تقدير الحاصل عشرة أوسق وهي خرص رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كذا قاله الكرماني والبرماوي وابن حجر والعيني والزركشي، وتعقبه الدماميني بأنه مناف لتقديره أولاً جاءت بمقدار عشرة أوسق. (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إني متعجل إلى المدينة فمن أراد منكم أن يتعجل) إليها (معي فليتعجل) وفي تعليق سليمان بن بلال الآتي قريبًا الوصول عند أبي علي بن خزيمة أقبلنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى إذا دنا من المدينة أخذ طرق غراب لأنها أقرب إلى المدينة وترك الأخرى. قال في الفتح: ففيه بيان قوله إني متعجل إلى المدينة أي إني سالك الطريق القريبة فمن أراد فليأت معي يعني ممن له اقتدار على ذلك دون بقية الجيش. قال ابن بكار شيخ المؤلّف (فلما) بالفاء وتشديد الميم قال المؤلّف: (قال ابن بكار كلمة) مقول ابن بكار، ولأبي ذر: كلمة بالرفع خبره مبتدأ محذوف (معناها) ولأبي ذر: معناه (أشرف على المدينة قال:) عليه الصلاة والسلام: (هذه طابة) غير منصرفة (فلما رأى أُحدًا قال: جبيل) بضم الجيم وفتح الموحدة مصغرًا، وللأربعة: جبل (يحبنا ونحبه) حقيقة ولا ينكر وصف الجماد أنه يحب الرسول كما حنت الأسطوانة على مفارقته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى سمع القوم حنينها حتى سكنها، وكما أخبر أن حجرًا كان يسلم عليه قبل الوحي فلا ينكر أن يكون جبل أُحد وجميع أجزاء المدينة تحبه وتحن إلى لقائه حال مفارقته إياها. وقال الخطابي: أراد به أهل المدينة وسكانها كقوله تعالى: {{واسأل القرية}} أي أهلها فيكون على حذف مضاف وأهل المدينة الأنصار، ثم قال عليه السلام لمن كان معه من أصحابه: (ألا أخبركم بخير دور الأنصار؟) ألا للتنبيه ودور جمع دار يريد بها القبائل الذين يسكنون الدور وهي المحال. (قالوا: بلى) أخبرنا (قال) عليه الصلاة والسلام: خيرهم (دور بني النجار)، بفتح النون والجيم المشددة تيم بن ثعلبة وسمي بالنجار فيما قيل لأنه اختتن بقدوم (ثم دور بني عبد الأشهل) بفتح الهمزة وسكون الشين المعجمة وفتح الهاء بعدها لام (ثم دور بني ساعدة) بكسر العين المهملة (أو دور بني الحارث بن الخزرج) بفتح الخاء وسكون الزاي المعجمتين وفتح الراء بعدها جيم. (وفي كل دور الأنصار يعني خيرًا) أي كأن لفظ خير محدوف من كلام الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو مراد، ولأبوي ذر والوقت: خير بالرفع.

    (بابُُ خَرْص التمْرِ)أَي: هَذَا بابُُ فِي مَشْرُوعِيَّة خرص التَّمْر، الْخرص، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون الرَّاء بعْدهَا صَاد مُهْملَة: مصدر من خرص الْعدَد ويخرصه من بابُُ: نصر ينصر وَضرب يضْرب، خرصا وخرصا بِالْفَتْح وَالْكَسْر إِذا حزره، وَيُقَال بِالْفَتْح مصدر وبالكسر اسْم. وَفِي (الصِّحَاح) : هُوَ حزر على النّخل من الرطب تَمرا. وَقَالَ ابْن السّكيت: الْخرص والخرص لُغَتَانِ فِي الشَّيْء المخروص، وَحكى التِّرْمِذِيّ عَن بعض أهل الْعلم: أَن تَفْسِيره أَن الثِّمَار إِذا أدْركْت من الرطب وَالْعِنَب مِمَّا يجب فِيهِ الزَّكَاة بعث السُّلْطَان خارصا ينظر فَيَقُول: يخرج من هَذَا كَذَا وَكَذَا زبيبا وَكَذَا ثمرا فيصيه، وَينظر مبلغ العُشر فيثبته عَلَيْهِم ويخلي بَينهم وَبَين الثِّمَار فَإِذا جَاءَ وَقت الْجذاذ أَخذ مِنْهُم العُشر.
    [ رقم الحديث عند عبدالباقي:1423 ... ورقمه عند البغا:1481 ]
    - حدَّثنا سَهْلُ بنُ بَكَّارٍ قَالَ حدَّثنا وُهَيْبٌ عنْ عَمْرِو بنِ يَحْيَى عَن عَبَّاسٍ السَّاعِديِّ عنْ أبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ غزَوْنَا معَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غَزْوَةَ تَبُوكَ فلَمَّا جاءَ وَادِي القُرى إذَا امْرَأةٌ فِي حَدِيقَةٍ لَها فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأِصْحَابِهِ اخْرُصُوا وخَرَصَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَشْرَةَ أوْسُق فَقَالَ لهَا أحْصِي مَا يَخْرُجُ مِنْهَا فلَمَّا أتَيْنَا تَبُوكَ قَالَ أمَا إنَّهَا ستَهُبُّ اللَّيْلَةَ رِيحٌ شَدِيدَةٌ فَلا يَقُومَنَّ أحَدٌ ومَنْ كانَ معَهُ بَعِيرٌ فلْيَعْقِلْهُ فعَقَلْنَاهَا وهَبَّتْ رِيحٌ شَدِيدةٌ فقامَ رجلٌ فألقَتْهُ بِجَبَلِ طيِّىءٍ وأَهْدَى مَلِكُ أيْلَةَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَغْلَةً بَيْضَاءَ وكسَاهُ بُرْدا وكتَبَ لَهُ بِبَحْرِهِمْ فلَمَّا أتَى وَادِي القُرَى قَالَ لِلْمَرأةِ كَمْ جاءَ حَدِيقَتُكِ قالَتْ عَشَرَةَ أوْسُقٍ خَرْصَ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إنِّي مُتَعَجِّلٌ إلَى المَدِينَةِ فَمَنْ أرَادَ مِنْكُمْ أنْ يتَعَجَّلَ مَعِي فلْيَتَعَجَّلْ فلَمَّا قَالَ ابنُ بَكَّارٍ كلِمَةً مَعْنَاها أشْرَفَ عَلى المدِينَةِ. قَالَ هاذِهِ طابَةُ فلَمَّا رَأي أُحُدا قَالَ هاذا جُبَيْلٌ يُحِبُّنَا ونُحِبُّهُ ألاَ أخبِرُكُمْ بِخَيْرِ دُورِ الأنصَارِ قالُوا بَلى قالَ دُورُ بَنِي النَّجَّار ثُمَّ دُورُ بَنِي عَبْدِ الأشْهَلِ ثُمَّ دُورِ بَنِي ساعِدَةَ أوْ دُورُ بَنِي الحَارِثِ بنِ الخزْرَجِ وفِي كُلِّ دُورِ الأنْصَارِ يَعْنِي خَيْرا. وقالَ سُلَيْمَانُ بنُ بِلاَلٍ حدَّثني
    عَمْرٌ وثُمَّ دَارُ بَنِي الحارِثِ ثُمَّ بَنِي ساعِدَةَ وَقَالَ سُلَيْمَانُ عنْ سَعْدِ بنِ سَعِيدٍ عنْ عُمَارَةَ بنِ غَزِيَّةَ عنْ عَبَّاسٍ عنْ أبِيهِ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أُحُدٌ جَبَلٌ يُحِبُّنَا ونُحِبُّهُ.مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة فِي قَوْله: (اخرصوا وخرص رَسُول اللهصلى الله عَلَيْهِ وَسلم) .ذكر رِجَاله: وهم: خَمْسَة: الأول: سهل بن بكار، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَشْديد الْكَاف وبالراء: أَبُو بشر الدَّارمِيّ. الثَّانِي: وهيب بن خَالِد أَبُو بكر. الثَّالِث: عَمْرو بن يحيى بن عمَارَة. الرَّابِع: عَبَّاس، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن سهل بن سعد، مَاتَ زمن الْوَلِيد بِالْمَدِينَةِ. الْخَامِس: أَبُو حميد، بِضَم الحاءر الْمُهْملَة وَفتح الْمِيم: اسْمه الْمُنْذر أَو عبد الرَّحْمَن بن سعد السَّاعِدِيّ، مر فِي: بابُُ فضل اسْتِقْبَال الْقبْلَة.ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: القَوْل فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: عَن عَمْرو بن يحيى، وَلمُسلم من وَجه آخر عَن وهيب حَدثنَا عَمْرو بن يحيى. وَفِيه: عَبَّاس وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد: عَن الْعَبَّاس السَّاعِدِيّ، يَعْنِي ابْن سهل بن سعد، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ من وَجه آخر: عَن وهيب أخبرنَا عَمْرو بن يحيى حَدثنَا عَبَّاس ابْن سهل السَّاعِدِيّ. وَفِيه: أَن شَيْخه وَشَيخ شَيْخه بصريان وَعَمْرو بن يحيى وعباس بن سهل مدنيان.ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْحَج وَفِي الْمَغَازِي بِتَمَامِهِ وَفِي فضل الْأَنْصَار بِبَعْضِه: (خير دور الْأَنْصَار) ، عَن خَالِد ابْن مخلد، وَأخرجه مُسلم فِي فضل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَعَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَفِيه وَفِي الْحَج عَن القعْنبِي عَن سُلَيْمَان بن بِلَال، وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْخراج عَن سهل بن بكار بِهِ.ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (غَزْوَة تَبُوك) ، بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَضم الْبَاء الْمُوَحدَة المخففة وَفِي آخِره كَاف، منصرف بَينهَا وَبَين الْمَدِينَة أَربع عشرَة مرحلة من طرف الشَّام، وَبَينهَا وَبَين دمشق إِحْدَى عشرَة مرحلة. وَفِي (الْمُحكم) : تَبُوك اسْم أَرض وَقد يكون: تَبُوك، تفعل، وَزعم ابْن قُتَيْبَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَاءَ فِي غَزْوَة تَبُوك وهم يبوكون حسيها بقدح، فَقَالَ: مَا زلتم تبوكونها بعد؟ فسميت: بتبوك، وَمعنى: تبوكون تدخلون فِيهِ السهْم وتحركونه ليخرج مَاؤُهُ. قلت: هَذَا يدل على أَنه معتل، وَذكرهَا ابْن سَيّده فِي الثلاثي الصَّحِيح. قَوْله: (حسيها) ، أَي: حشي تَبُوك، بِكَسْر الْحَاء وَسُكُون السِّين الْمُهْمَلَتَيْنِ، وَفِي آخِره يَاء آخر الْحُرُوف: مَا تنشفه الأَرْض من الرمل، فَإِذا صَار إِلَى صلابة أمسكته فيحفر عَنهُ الرمل فتستخرجه وَهُوَ الاحتساء، وَيجمع الْحسي على أحساء، وغزوة تَبُوك تسمى الْعسرَة والفاضحة، وَكَانَت فِي رَجَب يَوْم الْخَمِيس سنة تسع، وَقَالَ ابْن التِّين: خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أول يَوْم من رَجَب إِلَيْهَا وَرجع فِي سلخ شَوَّال. وَقيل: فِي شهر رَمَضَان. وَقَالَ الدَّاودِيّ: هِيَ آخر غَزَوَاته، لم يقدر أحد أَن يتَخَلَّف عَنْهَا، وَكَانَت فِي شدَّة الْحر وإقبال الثِّمَار، وَلم يكن فِيهَا قتال وَلم تكن غَزْوَة إلاَّ ورى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهَا إلاَّ غَزْوَة تَبُوك، ومكرت طَائِفَة من الْمُنَافِقين فِي هَذِه الْغَزْوَة برَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَرَادوا أَن يلقوه من الْعقبَة فَنزل فيهم مَا فِي سُورَة بَرَاءَة. قَوْله: (وَادي الْقرى) ، ذكر السَّمْعَانِيّ أَنَّهَا مَدِينَة قديمَة بالحجاز مِمَّا يَلِي الشَّام، وَذكر ابْن قرقول، أَنَّهَا من أَعمال الْمَدِينَة، وَهَذَا قريب. قَوْله: (إِذا امْرَأَة فِي حديقة) ، قَالَ ابْن مَالك فِي (الشواهد) : لَا يمْتَنع الِابْتِدَاء بالنكرة الْمَحْضَة على الْإِطْلَاق، بل إِذا لم تحصل فَائِدَة نَحْو: رجل يتَكَلَّم، إِذْ لَا تَخْلُو الدُّنْيَا من رجل يتَكَلَّم، فَلَو اقْترن بالنكرة قرينَة تتحصل بهَا الْفَائِدَة جَازَ الِابْتِدَاء بهَا، وَمن تِلْكَ الْقَرَائِن الِاعْتِمَاد على: إِذا، المفاجأة نَحْو: انْطَلَقت فَإِذا سبع فِي الطَّرِيق، والحديقة، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة، قَالَ ابْن سَيّده: هِيَ من الرياض كل أَرض استدارت. وَقيل: الحديقة كل أَرض ذَات شَجَرَة بثمر ونخل. وَقيل: الحديقة الْبُسْتَان والحائط وَخص بَعضهم بِهِ الْجنَّة من النّخل وَالْعِنَب، وَقيل: الحديقة حُفْرَة تكون فِي الْوَادي تحبس المَاء فِي الْوَادي، وَإِن لم يكن المَاء فِي بَطْنه فَهُوَ حديقة، والحديقة أعمق من الغدير، والحديقة الْقطعَة من الزَّرْع من كرَاع، وَكله فِي معنى الاستدارة. وَفِي (الغريبين) : يُقَال للقطعة من النّخل: حديقة. قَوْله: (اخرصوا) بِضَم الرَّاء زَاد سُلَيْمَان: (فخرصنا) . قَوْله: (عشرَة أوسق) على وزن أفعل، بِضَم الْعين: جمع وسق بِفَتْح الْوَاو وَهُوَ سِتُّونَ صَاعا، وَهُوَ ثَلَاثمِائَة وَعِشْرُونَ رطلا عِنْد أهل الْحجاز، وَأَرْبَعمِائَة وَثَمَانُونَ رطلا عِنْد أهل الْعرَاق، على اخْتلَافهمْ فِي
    مِقْدَار الصَّاع وَالْمدّ. قَوْله: (احصى) ، بِفَتْح الْهمزَة من الإحصاء وَهُوَ الْعد، وَمَعْنَاهُ: احفظي عدد كيلها. وَفِي رِوَايَة سُلَيْمَان: (إحصيها حَتَّى نرْجِع إِلَيْك إِن شَاءَ الله تَعَالَى) . وأصل الإحصاء الْعد بالحصى لأَنهم كَانُوا لَا يحسنون الْكِتَابَة، فَكَانُوا يضبطون الْعدَد بالحصى. قَوْله: (أما إِنَّهَا) أما، بِفَتْح الْهمزَة بِالتَّخْفِيفِ، وَهِي حرف استفتاح بِمَنْزِلَة أَلاَ، وَيكون بِمَعْنى: حَقًا. قَوْله: (ستهب اللَّيْلَة) ، زَاد سُلَيْمَان: (عَلَيْكُم) ، وستهب، بِضَم الْهَاء وَالسِّين فِيهِ عَلامَة الِاسْتِقْبَال، وَأَصله من: هَب يهب، ككب يكب، وَهَذَا الْبابُُ إِذا كَانَ مُتَعَدِّيا يكون عين الْفِعْل فِيهِ مضموما إلاَّ: حبه يُحِبهُ، فَإِنَّهُ مكسور. وأحرف نادرة جَاءَ فِيهَا الْوَجْهَانِ إِذا كَانَ لَازِما مثل: ضل يضل. قَوْله: (فليعقله) أَي: يشده بالعقال، وَهُوَ الْحَبل، وَفِي رِوَايَة سُلَيْمَان: (فليشد عقاله) ، وَفِي رِوَايَة إِبْنِ إِسْحَاق فِي (الْمَغَازِي) : عَن عبد الله بن أبي بكر بن حزم عَن عَبَّاس بن سهل: (وَلَا يخْرجن أحد مِنْكُم اللَّيْلَة إلاَّ وَمَعَهُ صَاحب لَهُ) . قَوْله: (بجبل طي) ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: (بجبلي طي) ، وَفِي رِوَايَة: (فَحملت الرّيح حَتَّى ألقته بجبلي طَيء) ، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق عَفَّان عَن وهيب: (فَلم يقم فِيهَا أحد غير رجلَيْنِ ألقتهما بجبلي طَيء) ، وَفِيه نظر تبينه رِوَايَة ابْن إِسْحَاق، وَلَفظه: (فَفعل النَّاس مَا أَمرهم إلاَّ رجلَيْنِ من بني سَاعِدَة خرج أَحدهمَا لِحَاجَتِهِ فَإِنَّهُ خنق على مذْهبه، وَأما الَّذِي ذهب فِي طلب بعيره فاحتملته الرّيح حَتَّى طرحته بجبلي طَيء، فَأخْبر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: ألم أنهكم أَن يخرج رجل إلاَّ وَمَعَهُ صَاحب لَهُ؟ ثمَّ دعى الَّذِي أُصِيب على مذْهبه فشفي، وَأما الآخر فَإِنَّهُ وصل إِلَى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حِين قدم من تَبُوك) . وَأما جبلا طَيء فقد ذكر الْكَلْبِيّ فِي كِتَابه (أَسمَاء الْبلدَانِ) أَن سلمى بنت حام بن حمى بن برارة من بني عمليق كَانَت لَهَا حاضنة يُقَال لَهَا العوجاء، وَكَانَت الرَّسُول بَينهَا وَبَين أجأ بن عبد الْحَيّ من العماليق، فعشقها فهرب بهَا وبحاضنتها إِلَى مَوضِع جبل طييء، وبالجبلين قوم من عَاد، وَكَانَ لسلمى أخوة فجاؤوا فِي طلبَهَا فلحقوهم بِموضع الجبلين، فَأخذُوا سلمى فنزعوا عينهَا ووضعوها على الْجَبَل، وكتف أجأ، وَكَانَ أول من كتف وَوضع على الْجَبَل الآخر، فَسُمي بهَا الجبلان، أجأ وسلمى. وَقَالَ الْبكْرِيّ: أجأ، بِفَتْح أَوله وثانيه على وزن فعل يهمز وَلَا يهمز وَيذكر وَيُؤَنث، وَهُوَ مَقْصُور فِي كلا الْوَجْهَيْنِ من همزه وَترك همزه. وَقَالَ بَعضهم: وَيُقَال: إِن الجبلين سميا باسم رجل وَامْرَأَة من العماليق، قلت: الْكَلْبِيّ قد سماهما كَمَا ذكرنَا. قَوْله: (ملك أَيْلَة) ، بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وباللام: إسم بَلْدَة على سَاحل الْبَحْر آخر الْحجاز وَأول الشَّام. قلت: أَيْلَة على وزن: فعلة، مَدِينَة على شاطىء الْبَحْر فِي منصف مَا بَين مصر وَمَكَّة، شرفها الله تَعَالَى، سميت بأيلة بنت مَدين بن إِبْرَاهِيم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد روى أَن أَيْلَة هِيَ الْقرْيَة الَّتِي كَانَت حَاضِرَة الْبَحْر. وَفِي (التَّلْوِيح) : وَملك أَيْلَة اسْمه يوحنا بن روبة، وَفِي رِوَايَة سُلَيْمَان عِنْد مُسلم: (وَجَاء رَسُول ابْن العلما صَاحب أَيْلَة إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِكِتَاب، وَأهْدى لَهُ بغلة بَيْضَاء) . قلت: يوحنا، بِضَم الْيَاء آخر الْحُرُوف وَسُكُون الْوَاو وَفتح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد النُّون مَقْصُور. وروبة، بِضَم الرَّاء وَسُكُون الْوَاو وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَفِي آخِره هَاء، وَالظَّاهِر أَن علما اسْم يوحنا، وإسم البغلة: دُلْدُل. قَوْله: (وَكتب لَهُ ببحرهم) ، أَي: ببلدهم، وَالْمرَاد بِأَهْل بحرهم لأَنهم كَانُوا سكانا بساحل الْبَحْر، ويروى: (ببحرتهم) ، أَي: ببلدتهم، وَقيل: البحرة الأَرْض، كَانَ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أقطع هَذَا الْملك من بِلَاده قطائع، وفوض إِلَيْهِ حكومتها، وَذكر ابْن إِسْحَاق الْكتاب، وَهُوَ بعد الْبَسْمَلَة: (هَذِه أَمَنَة من الله وَمن مُحَمَّد النَّبِي رَسُول الله ليوحنا بن روبة وَأهل أَيْلَة سفنهم وسيارتهم فِي الْبر وَالْبَحْر لَهُم ذمَّة الله، وَمُحَمّد النَّبِي) ، وسَاق بَقِيَّة الْكتاب. قَوْله: (كم جَاءَ حديقتك) أَي: قدر ثَمَر حديقتك؟ وَفِي رِوَايَة مُسلم: (فَسَأَلَ الْمَرْأَة عَن حديقتها: كم بلغ ثَمَرهَا؟) . قَوْله: (قَالَت عشرَة أوسق) ، بِنَزْع الْخَافِض، أَي جَاءَ بِمِقْدَار عشرَة أوسق، أَو نصب على الْحَال، وَيجوز أَن يعْطى لقَوْله: جَاءَ، حكم الْأَفْعَال النَّاقِصَة، فَيكون عشرَة خَبرا لَهُ، وَالتَّقْدِير: جَاءَت عشرَة أوسق. قَوْله: (خرص رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، خرص، مصدر بِالنّصب على أَنه بدل من قَوْله: (عشرَة أوسق) ، لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ قد خرصها عشرَة أوسق لما جَاءَ وَادي الْقرى، أَو عطف بَيَان لعشرة، وَيجوز الرّفْع فِي عشرَة وَفِي خرص، وَالتَّقْدِير: الْحَاصِل عشرَة أوسق خرص رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَيجوز الرّفْع فِي: خرص، وَحده على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف، أَي: هِيَ خرص رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَي: الْعشْرَة خرص رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (فَلَمَّا قَالَ ابْن بكار) كلمة: فَلَمَّا، مقول ابْن بكار، وَهُوَ سهل
    شيخ البُخَارِيّ، وَلَفظ ابْن بكار مقول البُخَارِيّ. و: كلمة، بِالنّصب مقول ابْن بكار، مَعْنَاهَا: أَي معنى هَذِه الْكَلِمَة أشرف أَي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْمَدِينَة مَعْنَاهُ: قرب مِنْهَا واطلع إِلَيْهَا، وَكَأن البُخَارِيّ شكّ فِي هَذِه اللَّفْظَة، فَقَالَ هَذَا. قَوْله: (قَالَ هَذِه طابة) جَوَاب لما، أَي: قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَشَارَ إِلَى الْمَدِينَة بقوله: (هَذِه طابة) ، وَهُوَ غير منصرف للعلمية والتأنيث، وَمَعْنَاهَا الطّيبَة، وسماها رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِهَذَا الِاسْم وَكَانَ اسْمهَا يثرب. قَوْله: (فَلَمَّا رأى أحدا) أَي: الْجَبَل الْمُسَمّى بِأحد. قَوْله: (يحبنا ونحبه) ، يَعْنِي: أهل الْجَبَل، وهم الْأَنْصَار لِأَنَّهُ لَهُم، فَيكون مجَازًا كَمَا فِي قَوْله: {{واسأل الْقرْيَة}} (يُوسُف: 28) . وَلَا منع من حَقِيقَته فَلَا حَاجَة إِلَى إِضْمَار فِيهِ، وَقد ثَبت (أَنه ارتج تَحْتَهُ فَقَالَ لَهُ: إثبت، فَلَيْسَ عَلَيْك إلاَّ نَبِي وصديق وشهيدان) . وحن الْجذع الْيَابِس إِلَيْهِ حَتَّى نزل فضمه، وَقَالَ: لَو لم أضمه لحن إِلَى يَوْم الْقِيَامَة. وَكَلمه الذِّئْب، وَسجد لَهُ الْبَعِير، وَسلم عَلَيْهِ الْحجر، وَكَلمه اللَّحْم المسموم أَنه مَسْمُوم فَلَا يُنكر حب الْجَبَل لَهُ، وَحب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِيَّاه لِأَن بِهِ قُبُور الشُّهَدَاء، وَلِأَنَّهُم لجأوا إِلَيْهِ يَوْم أحد وامتنعوا. قَوْله: (أَلا أخْبركُم بِخَير دور الْأَنْصَار؟) كلمة: أَلا، للتّنْبِيه، وَالْخطاب لمن كَانَ مَعَه من الصَّحَابَة، ودور جمع: دَار، نَحْو أَسد وَأسد، وَيُرِيد بِهِ الْقَبَائِل الَّذين يسكنون الدّور، يَعْنِي: الْمحَال. قَوْله: (بني النجار) ، بِفَتْح النُّون وَتَشْديد الْجِيم وبالراء: وَهُوَ تيم الله بن ثَعْلَبَة بن عَمْرو بن الْخَزْرَج. قيل: سمي النجار لِأَنَّهُ اختتن بقدوم، وَقيل: بل نجر وَجه رجل بالقدوم فَسُمي النجار. قَوْله: (بني عبد الْأَشْهَل) ، بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة: ابْن جشم بن الْحَارِث بن الْخَزْرَج بن عَمْرو، وَهُوَ: النبيت بن مَالك بن الْأَوْس، والأوس أحد جذمي الْأَنْصَار لأَنهم جذمان: الْأَوْس والخزرج، وهما أَخَوان وأمهما: قَبيلَة بنت الأرقم بن عَمْرو بن جَفْنَة. وَقيل: قَبيلَة بنت كَاهِل بن عدي بن سعد بن قضاعة. قَوْله: (بني سَاعِدَة) ، سَاعِدَة بن كَعْب بن الْخَزْرَج. قَوْله: (يَعْنِي خيرا) ، أَي: كَانَ لفظ خيرا محذوفا من كَلَام رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلكنه أَرَادَهُ.قَوْله: (وَقَالَ سُلَيْمَان بن بِلَال) ، أَبُو أَيُّوب، وَيُقَال: أَبُو مُحَمَّد الْقرشِي التَّيْمِيّ مولى عبد الله بن أبي عَتيق، واسْمه: مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر الصّديق، وَيُقَال: مولى الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَهَذَا تَعْلِيق وَصله أَبُو عَليّ بن خُزَيْمَة فِي (فَوَائده) قَالَ: حَدثنَا أَبُو إِسْمَاعِيل التِّرْمِذِيّ حَدثنَا أَيُّوب بن سُلَيْمَان، أَي: ابْن بِلَال، حَدثنِي أَبُو بكر بن أبي أويس عَن سُلَيْمَان بن بِلَال، فَذكره، وأوله: (أَقبلنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى إِذا دنا من الْمَدِينَة أَخذ طَرِيق غراب لِأَنَّهَا أقرب طَرِيق إِلَى الْمَدِينَة، وَترك الْأُخْرَى) فساق الحَدِيث وَلم يذكر أَوله. قَوْله: (حَدثنِي عَمْرو) ، هُوَ عَمْرو بن يحيى الْمَذْكُور فِي إِسْنَاد الحَدِيث. قَوْله: (وَقَالَ سُلَيْمَان) ، هُوَ ابْن بِلَال الْمَذْكُور. قَوْله: (سعيد بن سعيد) ، هُوَ الْأنْصَارِيّ أَخُو يحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ. قَوْله: (عَن عمَارَة) ، بِضَم الْعين ابْن غزيَّة، بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَكسر الزَّاي وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف: الْمَازِني الْأنْصَارِيّ. قَوْله: (عَن عَبَّاس) هُوَ عَبَّاس بن سهل وَأَبوهُ سهل ابْن سعد، وَهُوَ آخر من مَاتَ من الصَّحَابَة بِالْمَدِينَةِ.ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: الْخرص الَّذِي ذكرنَا تَفْسِيره، وَاخْتلف الْعلمَاء فِيهِ. فَذهب الزُّهْرِيّ وَعَطَاء وَالْحسن وَعمر بن دِينَار وَعبد الْكَرِيم بن أبي الْمخَارِق ومروان وَالقَاسِم بن مُحَمَّد وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَأَبُو ثَوْر وَأَبُو عبيد إِلَى جَوَاز الْخرص فِي النخيل وَالْأَعْنَاب حِين يَبْدُو إصلاحها. وَقَالَ ابْن رشد: جُمْهُور الْعلمَاء على إجَازَة الْخرص فِيهَا، ويخلى بَينهَا وَبَين أَهلهَا يَأْكُلُونَهُ رطبا. وَقَالَ دَاوُد: لَا خرص إلاَّ فِي النخيل فَقَط، وَقَالَ الشَّافِعِي: إذابدا صَلَاح ثمار النّخل وَالْكَرم فقد تعلق وجوب الزَّكَاة بهما وَوَجَب خرصهما للْعلم بِمِقْدَار زكاتهما، فيخرصهما رطبا. وَينظر الخارض كم يصير تَمرا، ثمَّ يخبر رب المَال فِيهَا، فَإِن شَاءَ كَانَت مَضْمُونَة فِي يَده وَله التَّصَرُّف فِيهَا، فَإِذا تصرف فِيهَا ضمنهَا، وَيُسْتَفَاد بالخرص الْعلم بِقدر الزَّكَاة فِيهَا واستباحة رب المَال التَّصَرُّف فِي الثَّمَرَة، بِشَرْط الضَّمَان. قَالَ الْمَاوَرْدِيّ: وَبِه قَالَ أَبُو بكر، وَعمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا. وَقَالَ الشَّافِعِي: وَهُوَ سنة فِي الرطب وَالْعِنَب، وَلَا خرص فِي الزَّرْع، وَهُوَ قَول أَحْمد. وَذكر ابْن بزيزة، قَالَ الْجُمْهُور: يَقع الْخرص فِي النّخل وَالْكَرم.وَاخْتلف مَذْهَب مَالك: هَل يخرص الزَّيْتُون أم لَا؟ فِيهِ قَولَانِ: الْجَوَاز قِيَاسا على الْكَرم، وَالْمَنْع لوَجْهَيْنِ: الأول: لِأَن أوراقه تستره. وَالثَّانِي: أَن أَهله لَا يَحْتَاجُونَ إِلَى أَن يأكلوه رطبا، فَلَا معنى لخرصه وَقد اخْتلفُوا هَل هُوَ وَاجِب أَو مُسْتَحبّ، فَحكى الضميري عَن الشَّافِعِيَّة وَجها بِوُجُوبِهِ، وَقَالَ الْجُمْهُور: هُوَ مُسْتَحبّ إلاَّ أَن تعلق بِهِ حق لمحجور مثلا، أَو كَانَ شركاؤه غير مؤتمنين، فَيجب لحفظ مَال الْغَيْر. وَاخْتلفُوا أَيْضا: هَل يخْتَص بِالنَّخْلِ أَو يلْحق بِهِ الْعِنَب أَو يعم كل مَا ينْتَفع بِهِ رطبا وجافا؟ وبالأول قَالَ
    شُرَيْح القَاضِي وَبَعض الظَّاهِرِيَّة. وَالثَّانِي: قَول الْجُمْهُور، وَإِلَى الثَّالِث نحى البُخَارِيّ، وَهل يمْضِي قَول الخارص أَو يرجع مَا آل إِلَيْهِ الْحَال بعد الْجَفَاف؟ الأول: قَول مَالك وَطَائِفَة. وَالثَّانِي: قَول الشَّافِعِي وَمن تبعه. وَهل يَكْفِي خارص وَاحِد عَارِف ثِقَة أم لَا بُد من اثْنَيْنِ؟ وهما قَولَانِ للشَّافِعِيّ وَالْجُمْهُور على الأول، وَاخْتلف أَيْضا هَل هُوَ اعْتِبَار أَو تضمين، وهما قَولَانِ للشَّافِعِيّ أظهرهمَا الثَّانِي، وَفَائِدَته جَوَاز التَّصَرُّف فِي جَمِيع الثَّمَرَة، وَلَو أتلف الْمَالِك الثَّمَرَة بعد الْخرص أخذت مِنْهُ الزَّكَاة بِحِسَاب مَا خرص.وَاخْتلفُوا فِي الْخرص هَل هُوَ شَهَادَة أَو حكم؟ فَإِن كَانَ شَهَادَة لم يكتف بخارص وَاحِد، وَإِن كَانَ حكما اكْتفى بِهِ، وَكَذَلِكَ اخْتلفُوا فِي الْقَائِف والطبيب يشْهد فِي الْعُيُوب، وحاكم الْجَزَاء فِي الصَّيْد، وَاخْتلفُوا: هَل يُحَاسب أَصْحَاب الزَّرْع وَالثِّمَار بِمَا أكلُوا قبل التصفية والجذاذ أم لَا؟ وَكَذَلِكَ اخْتلفُوا: هَل يُؤْخَذ قدر العواري والضيف وَمَا فِي مَعْنَاهُ أم لَا؟ وَاخْتلفُوا أَيْضا إِذا غلط الخارص.ومحصل الْأَمر فِيهِ أَنه: إِن لم يكن من أهل الْمعرفَة بالخرص فالرجوع إِلَى الْخَارِج لَا إِلَى قَوْله، وَإِن كَانَ من أهل الْمعرفَة ثمَّ تبين أَنه أَخطَأ فَهَل يُؤْخَذ بقوله أَو بِمَا تبين؟ فِيهِ خلاف على اخْتلَافهمْ فِي الْمُجْتَهد يخطيء هَل ينْقض حكمه أم لَا؟ قَالَ ابْن قدامَة: وَيلْزم الخارص أَن يتْرك الثُّلُث أَو الرّبع فِي الْخرص توسعة على أَرْبابُُ الْأَمْوَال، وَبِه قَالَ إِسْحَاق وَاللَّيْث لحَدِيث سهل بن أبي خَيْثَمَة، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا خرصتم فَخُذُوا ودعوا الثُّلُث فَإِن لم تدعوا الثُّلُث فدعوا الرّبع، رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ، وَاسْتدلَّ من يرى الْخرص فِي النّخل وَالْكَرم بِمَا رَوَاهُ ابْن الْمسيب عَن عتاب بن أسيد، قَالَ: (أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يخرص الْعِنَب كَمَا يخرص النّخل، وَتُؤْخَذ زَكَاته زبيبا كَمَا تُؤْخَذ صَدَقَة النّخل تَمرا) ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ، وَقَالَ: حسن غَرِيب، وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ: الدَّلِيل على جَوَاز الْخرص وُرُود السّنة قولا وفعلاً وامتثالاً: أما القَوْل فَحَدِيث عتاب، وَأما الْفِعْل فَحَدِيث البُخَارِيّ فِي هَذَا الْبابُُ، وَأما الِامْتِثَال فَمَا رُوِيَ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ لَهُ خراصون، كَأَنَّهُ يَعْنِي مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يبْعَث عبد الله بن رَوَاحَة إِلَى يهود فيخرص حِين يطيب قبل أَن يُؤْكَل. وَعَن ابْن عمر فِي (صَحِيح ابْن حبَان) : أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غلب أهل خَيْبَر على الأَرْض وَالزَّرْع وَالنَّخْل فَصَالَحُوهُ، وَفِيه: فَكَانَ ابْن رَوَاحَة يَأْتِيهم فيخرصها عَلَيْهِم ثمَّ يضمنهم الشّطْر. وَفِي (المُصَنّف) بِسَنَد صَحِيح عَن جَابر قَالَ: خرصها عَلَيْهِم ابْن رَوَاحَة يَعْنِي: خيبرا أَرْبَعِينَ ألف وسق.وَاسْتدلَّ من يرى الْخرص مُطلقًا فِي النخيل وَغَيره بِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث جَعْفَر بن برْقَان عَن مَيْمُون بن مهْرَان عَن مقسم عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين افْتتح خَيْبَر الحَدِيث، وَفِيه: (فَلَمَّا كَانَ حِين يصرم النّخل بعث إِلَيْهِم ابْن رَوَاحَة فحرز النّخل، وَهُوَ الَّذِي يُسَمِّيه أهل الْمَدِينَة الْخرص) . الحَدِيث. وَبِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث الصائت بن زبيد عَن أَبِيه عَن جده: (أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اسْتَعْملهُ على الْخرص، فَقَالَ: اثْبتْ لنا النّصْف وأبقِ لَهُم النّصْف فَإِنَّهُم يسرفون، وَلَا تصل إِلَيْهِم) الحَدِيث.وَقَالَ الشّعبِيّ وَالثَّوْري وَأَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد: الْخرص مَكْرُوه. وَقَالَ الشّعبِيّ: الْخرص بِدعَة. وَقَالَ الثَّوْريّ خرص الثِّمَار لَا يجوز. وَفِي (أَحْكَام ابْن بزيزة) : قَالَ أَبُو حنيفَة وصاحباه: الْخرص بَاطِل. وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ: احْتج أَبُو حنيفَة بِمَا رَوَاهُ جَابر مَرْفُوعا: (نهى عَن الْخرص) ، وَبِمَا رَوَاهُ جَابر بن سَمُرَة: (أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن بيع كل ثَمَرَة بخرص) ، وَبِأَنَّهُ تخمين، وَقد يخطىء، وَلَو جَوَّزنَا لجوزنا خرص الزَّرْع، وخرص الثِّمَار بعد جذاذها أقرب إِلَى الإبصار من خرص مَا على الأشحار، فَلَمَّا لم يجز فِي الْقَرِيب لم يجز فِي الْبعيد، وَلِأَنَّهُ تضمين رب المَال بِقدر الصَّدَقَة، وَذَلِكَ غير جَائِز لِأَنَّهُ بيع رطب بِتَمْر، وَأَنه بيع حَاضر بغائب، وَأَيْضًا فَهُوَ من الْمُزَابَنَة الْمنْهِي عَنْهَا وَهُوَ بيع التَّمْر فِي رُؤُوس النّخل بِالتَّمْرِ كَيْلا، وَهُوَ أَيْضا من: بابُُ بيع الرطب بِالتَّمْرِ نَسِيئَة، فيدخله الْمَنْع بَين التَّفَاضُل وَبَين النَّسِيئَة. وَقَالُوا: الْخرص مَنْسُوخ بنسخ الرِّبَا. وَقَالَ الْخطابِيّ: أنكر أَصْحَاب الرَّأْي الْخرص، وَقَالَ بَعضهم: إِنَّمَا كَانَ يفعل تخويفا للمزارعين لِئَلَّا يخونوا، لَا ليلزم بِهِ الحكم، لِأَنَّهُ تخمين وغرور، أَو كَانَ يجوز قبل تَحْرِيم الرِّبَا والقمار ثمَّ تعقبه الْخطابِيّ بِأَن تَحْرِيم الرِّبَا وَالْميسر مُتَقَدم، والخرص عمل بِهِ فِي حَيَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى مَاتَ ثمَّ أَبُو بكر وَعمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، فَمن بعدهمْ، وَلم ينْقل عَن أحد مِنْهُم وَلَا من التَّابِعين تَركه إلاَّ الشّعبِيّ، قَالَ: وَأما قَوْلهم إِنَّه تخمين وغرور فَلَيْسَ، كَذَلِك، بل هُوَ اجْتِهَاد فِي معرفَة مِقْدَار التَّمْر وإدراكه بالخرص الَّذِي هُوَ نوع من الْمَقَادِير. قلت: قَوْله: تَحْرِيم الرِّبَا وَالْميسر مُتَقَدم، يحْتَاج إِلَى معرفَة التَّارِيخ، وَعِنْدنَا مَا يدل على صِحَة النّسخ
    وَهُوَ مَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ من حَدِيث جَابر: (أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن الْخرص، وَقَالَ: أَرَأَيْتُم إِن هلك التَّمْر أَيُحِبُّ أحدكُم أَن يَأْكُل مَال أَخِيه بِالْبَاطِلِ؟) والحظر بعد الْإِبَاحَة عَلامَة النّسخ. وَقَوله: والخرص عمل بِهِ ... إِلَى قَوْله: إلاَّ الشّعبِيّ، مُسلم لكنه لَيْسَ على الْوَجْه الَّذِي ذَكرُوهُ، وَإِنَّمَا وَجهه أَنهم فعلوا ذَلِك ليعلم مِقْدَار مَا فِي أَيدي النَّاس من الثِّمَار فَيُؤْخَذ مثله بِقَدرِهِ فِي أَيَّام الصرام لَا أَنهم يملكُونَ شَيْئا مَا يجب لله فِيهِ بِبَدَل لَا يَزُول ذَلِك الْبَدَل. وَأما قَوْلهم: إِنَّه تخمين ... إِلَى آخِره، لَيْسَ بِكَلَام موجه لِأَنَّهُ لَا شكّ أَنه تخمين وَلَيْسَ بتحقيق، وعيان، وَكَيف يُقَال لَهُ: هُوَ اجْتِهَاد، والمجتهد فِي الْأُمُور الشَّرْعِيَّة قد يخطىء؟ فَفِي مثل هَذَا أَجْدَر بالْخَطَأ، ثمَّ الْجَواب عَن حَدِيث الْبابُُ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرَادَ بذلك معرفَة مِقْدَار مَا فِي نخل تِلْكَ الْمَرْأَة خَاصَّة، ثمَّ يَأْخُذ مِنْهَا الزَّكَاة وَقت الصرام على حسب مَا تجب فِيهَا، وَأَيْضًا فقد خرص حديقتها وأمرها أَن تحصي، وَلَيْسَ فِيهِ أَنه جعل زَكَاته فِي ذمَّتهَا وأمرها أَن تتصرف فِي ثَمَرهَا كَيفَ شَاءَت، وَإِنَّمَا كَانَ يفعل ذَلِك تخويفا لِئَلَّا يخونوا، وَأَن يعرفوا مِقْدَار مَا فِي النّخل ليأخذوا الزَّكَاة وَقت الصرام هَذَا معنى الْخرص، فَأَما أَنه يلْزم بِهِ حكم شَرْعِي، فَلَا.وَأما حَدِيث عتاب بن أسيد، فَإِن الَّذِي رَوَاهُ سعيد بن الْمسيب، فعتاب توفّي سنة ثَلَاث عشرَة وَسَعِيد ولد فِي سنة خمس عشرَة، وَقيل: سنة عشْرين، وَقَالَ أبي: عَليّ بن السكن لم يرو هَذَا الحَدِيث عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من وَجه غير هَذَا، وَهُوَ من رِوَايَة عبد الله بن نَافِع عَن مُحَمَّد بن صَالح عَن ابْن شهَاب عَن سعيد، وَكَذَا رَوَاهُ عبد الرَّحْمَن بن إِسْحَاق عَن الزُّهْرِيّ، وَخَالَفَهُمَا صَالح بن كيسَان فَرَوَاهُ عَن الزُّهْرِيّ عَن سعيد: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر عتابا، وَلم يقل: عَن عتاب، وَسُئِلَ أَبُو حَاتِم وَأَبُو زرْعَة الرازيان فِيمَا ذكره أَبُو مُحَمَّد الرَّازِيّ عَنهُ، فَقَالَا: هُوَ خطأ. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: الصَّحِيح: عَن سعيد أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ... مُرْسلا. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: الصَّحِيح عِنْدِي: عَن الزُّهْرِيّ: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ... وَلَا أعلم أحدا تَابع عبد الرَّحْمَن بن إِسْحَاق فِي هَذِه الرِّوَايَة. فَإِن قلت: زعم الدَّارَقُطْنِيّ أَن الْوَاقِدِيّ رَوَاهُ عَن عبد الرَّحْمَن بن عبد الْعَزِيز عَن الزُّهْرِيّ عَن سعيد عَن الْمسور بن مخرمَة عَن عتاب، قَالَ: أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يخرص أعناب الثقيف كخرص النّخل، ثمَّ يُؤدى زبيبا كَمَا تُؤَدّى زَكَاة النّخل تَمرا، فَهَذَا لَيْسَ فِيهِ انْقِطَاع؟ قلت: سُبْحَانَ الله، إِذا كَانَ الْوَاقِدِيّ فِيمَا يحتجون بِهِ يسكتون عَنهُ، وَإِذا كَانَ فِيمَا يحْتَج بِهِ عَلَيْهِم يشنعون بأنواع الطعْن، وَمَعَ هَذَا قَالَ أَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ: لم يَصح حَدِيث سعيد، وَلَا حَدِيث سهل بن أبي خَيْثَمَة، وَلَا فِي الْخرص حَدِيث صَحِيح إلاَّ حَدِيث البُخَارِيّ. قَالَ: ويليه حَدِيث ابْن رَوَاحَة.قلت: قد مر الْجَواب عَن حَدِيث البُخَارِيّ، وَأما حَدِيث ابْن رَوَاحَة الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث عَائِشَة فَفِي إِسْنَاده رجل مَجْهُول، لِأَن أَبَا دَاوُد قَالَ: حَدثنَا يحيى بن معِين أخبرنَا حجاج عَن ابْن جريج، قَالَ: أخْبرت عَن ابْن شهَاب عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة أَنَّهَا قَالَت، وَهِي تذكر شَأْن خَيْبَر: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يبْعَث عبد الله بن رَوَاحَة إِلَى يهود فيخرص النّخل حَتَّى يطيب قبل أَن يُؤْكَل مِنْهُ. وَأما حَدِيث ابْن عَبَّاس الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَحَدِيث الصَّلْت بن زبيد الَّذِي رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ وَغَيرهمَا، فداخل تَحت قَول ابْن الْعَرَبِيّ: وَلَا فِي الْخرص حَدِيث صَحِيح، وَيُقَال: إِن قصَّة خَيْبَر مَخْصُوصَة لِأَن الأَرْض أرضه وَالْعَبِيد عبيده، فَأَرَادَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يعلم مَا بِأَيْدِيهِم من الثِّمَار فَيتْرك لَهُم مِنْهَا قدر نفقاتهم، وَلِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أقرهم مَا أقرهم الله، فَلَو كَانَ على وَجه الْمُسَاقَاة لوَجَبَ ضرب الْأَجَل وَالتَّقْيِيد بِالزَّمَانِ، لِأَن الْإِجَارَة المجهولة مُحرمَة. وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: قَالَ الَّذين لَا يرَوْنَ بالخرص: أَن لَيْسَ فِي شَيْء من الْآثَار الَّتِي وَردت فِيهِ أَن الثَّمَرَة كَانَت رطبا فِي وَقت مَا خرصت، وَكَيف يجوز أَن يكون رطبا حِينَئِذٍ فَيجْعَل لصَاحِبهَا حق الله فِيهَا بكيله ذَلِك تَمرا يكون عَلَيْهِ نسيئه؟ وَقد نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن بيع التَّمْر فِي رُؤُوس النّخل بِالتَّمْرِ كَيْلا، وَنهى عَن بيع الرطب بِالتَّمْرِ نَسِيئَة، وَقد يجوز أَن يُصِيب الثَّمَرَة بعد ذَلِك آفَة فتتلفها، أَو نَار فتحرقها، فَيكون مَا يُؤْخَذ من صَاحبهَا بَدَلا من حق الله مأخوذا مِنْهُ بَدَلا مِمَّا لم يسلم لَهُ، وَاعْترض عَلَيْهِ بِأَن الْقَائِلين بِهِ لَا يضمنُون أَرْبابُُ الْأَمْوَال مَا تلف بعد الْخرص. قَالَ ابْن الْمُنْذر: أجمع من يحفظ عَنهُ الْعلم أَن المخروص إِذا أَصَابَته جَائِحَة قبل الْجذاذ فَلَا ضَمَان. قلت: إِذا لم يكن ضَمَان بعد تلف المخروص فَلَا فَائِدَة فِي الْخرص حِينَئِذٍ، وَالْأَظْهَر عِنْد الشَّافِعِي: أَن الْخرص تضمين حَتَّى لَو أتلف الْمَالِك الثَّمَرَة بعد الْخرص أخذت مِنْهُ الزَّكَاة بِحِسَاب مَا خرص، فَإِذا كَانَ نفس الْخرص تضمينا يَنْبَغِي أَن لَا يُفَارق الْأَمر بَين التّلف والإتلاف، وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ: لم يثبت عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرص النّخل إلاَّ على الْيَهُود، لأَنهم كَانُوا شُرَكَاء وَكَانُوا غير أُمَنَاء، وَأما الْمُسلمُونَ فَلم يخرص عَلَيْهِم.
    وَمن الَّذِي يُسْتَفَاد من حَدِيث الْبابُُ: ظُهُور معْجزَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي إخْبَاره عَن الرّيح الَّتِي تهب، وَمَا ذكر فِي تِلْكَ الْقِصَّة. وَفِيه: تدريب الأتباع وتعليمهم وَأخذ الحذر مِمَّا يتَوَقَّع الْخَوْف مِنْهُ. وَفِيه: فضل الْمَدِينَة. وَفِيه: فضل أحد. وَفِيه: فضل الْأَنْصَار، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم. وَفِيه: قبُول هَدِيَّة الْكفَّار. وَفِيه: جَوَاز الإهداء لملك الْكفَّار وَجَوَاز إقطاع أَرض لَهُم. وَفِيه: أَن الْمُخَالفَة لما قَالَه الرَّسُول تورث شدَّة وبلاء.قَالَ أبُو عَبْدِ الله كُلُّ بُسْتَانٍ عَلَيْهِ حائِطٌ فَهْوَ حدِيقَةٌ وَما لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حائِطٌ لَمْ يُقَلْ حَدِيقَةٌأَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ نَفسه، وَفِي بعض النّسخ: قَالَ أَبُو عبيد الله، هُوَ الْقَاسِم بن سَلام الإِمَام الْمَشْهُور صَاحب (الْغَرِيب) وَقد ذكر هَذَا فِيهِ، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى عَن قريب.

    حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ بَكَّارٍ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى، عَنْ عَبَّاسٍ السَّاعِدِيِّ، عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، قَالَ غَزَوْنَا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ غَزْوَةَ تَبُوكَ فَلَمَّا جَاءَ وَادِيَ الْقُرَى إِذَا امْرَأَةٌ فِي حَدِيقَةٍ لَهَا فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ لأَصْحَابِهِ ‏"‏ اخْرُصُوا ‏"‏‏.‏ وَخَرَصَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَشَرَةَ أَوْسُقٍ فَقَالَ لَهَا ‏"‏ أَحْصِي مَا يَخْرُجُ مِنْهَا ‏"‏‏.‏ فَلَمَّا أَتَيْنَا تَبُوكَ قَالَ ‏"‏ أَمَا إِنَّهَا سَتَهُبُّ اللَّيْلَةَ رِيحٌ شَدِيدَةٌ فَلاَ يَقُومَنَّ أَحَدٌ، وَمَنْ كَانَ مَعَهُ بَعِيرٌ فَلْيَعْقِلْهُ ‏"‏‏.‏ فَعَقَلْنَاهَا وَهَبَّتْ رِيحٌ شَدِيدَةٌ فَقَامَ رَجُلٌ فَأَلْقَتْهُ بِجَبَلِ طَيِّئٍ ـ وَأَهْدَى مَلِكُ أَيْلَةَ لِلنَّبِيِّ ﷺ بَغْلَةً بَيْضَاءَ، وَكَسَاهُ بُرْدًا وَكَتَبَ لَهُ بِبَحْرِهِمْ ـ فَلَمَّا أَتَى وَادِيَ الْقُرَى قَالَ لِلْمَرْأَةِ ‏"‏ كَمْ جَاءَ حَدِيقَتُكِ ‏"‏‏.‏ قَالَتْ عَشَرَةَ أَوْسُقٍ خَرْصَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ ‏"‏ إِنِّي مُتَعَجِّلٌ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَمَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَعَجَّلَ مَعِي فَلْيَتَعَجَّلْ ‏"‏‏.‏ فَلَمَّا ـ قَالَ ابْنُ بَكَّارٍ كَلِمَةً مَعْنَاهَا ـ أَشْرَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ قَالَ ‏"‏ هَذِهِ طَابَةُ ‏"‏‏.‏ فَلَمَّا رَأَى أُحُدًا قَالَ ‏"‏ هَذَا جُبَيْلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ، أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ دُورِ الأَنْصَارِ ‏"‏‏.‏ قَالُوا بَلَى‏.‏ قَالَ ‏"‏ دُورُ بَنِي النَّجَّارِ، ثُمَّ دُورُ بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ، ثُمَّ دُورُ بَنِي سَاعِدَةَ، أَوْ دُورُ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، وَفِي كُلِّ دُورِ الأَنْصَارِ ـ يَعْنِي ـ خَيْرًا ‏"‏‏.‏ وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ حَدَّثَنِي عَمْرٌو، ‏"‏ ثُمَّ دَارُ بَنِي الْحَارِثِ، ثُمَّ بَنِي سَاعِدَةَ ‏"‏‏.‏ وَقَالَ سُلَيْمَانُ عَنْ سَعْدِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ، عَنْ عَبَّاسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ ‏"‏ أُحُدٌ جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ ‏"‏‏.‏ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ كُلُّ بُسْتَانٍ عَلَيْهِ حَائِطٌ فَهْوَ حَدِيقَةٌ، وَمَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حَائِطٌ لَمْ يَقُلْ حَدِيقَةٌ‏.‏

    Narrated Abu Humaid As-Sa`idi:We took part in the holy battle of Tabuk in the company of the Prophet (ﷺ) and when we arrived at the Wadi-al-Qura, there was a woman in her garden. The Prophet (ﷺ) asked his companions to estimate the amount of the fruits in the garden, and Allah's Messenger (ﷺ) estimated it at ten Awsuq (One Wasaq = 60 Sa's) and 1 Sa'= 3 kg. approximately). The Prophet (ﷺ) said to that lady, "Check what your garden will yield." When we reached Tabuk, the Prophet (ﷺ) said, "There will be a strong wind tonight and so no one should stand and whoever has a camel, should fasten it." So we fastened our camels. A strong wind blew at night and a man stood up and he was blown away to a mountain called Taiy, The King of Aila sent a white mule and a sheet for wearing to the Prophet (ﷺ) as a present, and wrote to the Prophet (ﷺ) that his people would stay in their place (and will pay Jizya taxation.) (1) When the Prophet (ﷺ) reached Wadi-al- Qura he asked that woman how much her garden had yielded. She said, "Ten Awsuq," and that was what Allah's Messenger (ﷺ) had estimated. Then the Prophet (ﷺ) said, "I want to reach Medina quickly, and whoever among you wants to accompany me, should hurry up." The sub-narrator Ibn Bakkar said something which meant: When the Prophet (p.b.u.h) saw Medina he said, "This is Taba." And when he saw the mountain of Uhud, he said, "This mountain loves us and we love it. Shall I tell you of the best amongst the Ansar?" They replied in the affirmative. He said, "The family of Bani-n-Najjar, and then the family of Bani Sa`ida or Bani Al-Harith bin Al-Khazraj. (The above-mentioned are the best) but there is goodness in all the families of Ansar

    Telah menceritakan kepada kami [Sahal bin Bakkar] telah menceritakan kepada kami [Wuhaib] dari ['Amru bin Yahya] dari ['Abbas As Sa'adiy] dari [Abu Humaid As Sa'adiy] berkata; Kami mengikuti perang Tabuk bersama Nabi shallallahu 'alaihi wasallam. Ketika sampai di lembah perkampungan suatu kaum, disana ada seorang wanita yang sedang berada di kebunnya. Maka Nabi shallallahu 'alaihi wasallam berkata, kepada para sahabatnya: "Taksirlah buah pohon kurma ini?". Maka Rasulullah shallallahu 'alaihi wasallam menaksir pohon kurma itu sekitar sepuluh wasaq. Lalu Beliau berkata, kepada wanita itu: "Hitunglah berapa kira-kira yang harus kamu keluarkan zakat dari kebun kurmamu itu". Ketika kami sampai di Tabuk, Beliau bersabda: "Malam ini akan berhembus angin yang sangat kencang. Oleh karena itu jangan ada yang keluar seorangpun dari kalian yang berdiri dan bagi yang membawa unta agar mengikatnya". Kamipun mengikat unta-unta kami dan kemudian angin berhembus. Tiba-tiba ada seseorang berdiri hingga angin menerbangkanya ke gunung Thoy'i. Kemudian raja negeri Ailah menghadiahkan seekor baghol putih kepada Nabi shallallahu 'alaihi wasallam dan memberi Beliau pakaian burdah (pakaian selimut untuk melindungi Beliau dari udara dingin) dan Beliau menulis surat untuknya di negeri mereka. Ketika Beliau kembali ke perkampungan kaum, Beliau berkata, kepada wanita tadi: "Berapa banyak kurma kebunmu?". Wanita itu menjawab: "Sepuluh wasaq sesuai taksiran Rasulullah shallallahu 'alaihi wasallam. Lalu Nabi shallallahu 'alaihi wasallam bersabda: "Aku ingin segera kembali ke Madinah. Siapa yang mau segera kembalike Madinah bersamaku, maka berkemaslah". Ketika Ibnu Bakkar mengucapkan sesuatu kalimat yang maknanya memuji Madinah, Beliau berkata: "Ini adalah Thabah" (sebutan untuk kota Madinah). Ketika melihat gunung Uhud, Beliau berkata: "Ini adalah sebuah gunung yang kita mencintainya dan diapun mencintai kita. Maukah kalian aku beritahu tentang rumah orang Anshar yang paling baik?". Mereka menjawab: "Mau". Maka Beliau berkata: "Rumah Bani An-Najjar, kemudian Bani 'Abdul Ashal kemudian Bani Sa'adah atau Bani Al Harits bin Al Khazraj dan untuk setiap rumah Anshar ada kebaikan padanya". Dan berkata [Sulaiman bin Bilal]; dari ['Amru]; "kemudian rumah Bani Al Harits, kemudian Bani Sa'idah." Dan berkata [Sulaiman]; dari [Sa'ad bin Sa'id] dari ['Umarah bin Ghoziyah] dari ['Abbas] dari [bapaknya] dari Nabi shallallahu 'alaihi wasallam berkata: "Uhud adalah gunung yang mencintai kami dan kamipun mencintainya". Berkata, Abu 'Abdullah Al Bukhariy: "Setiap kebun yang ada pagar pembatasnya disebut hadiqah. Sedang yang tidak memiliki pagar pembatas tidak disebut hadiqah

    Ebu Humeyd es-Saidî şöyle anlatır: Resûlullah Sallallahu Aleyhi ve Sellem ile Tebuk gazvesinde bulunmuştuk. Vadi'l-Kura adlı yere geldiğimizde bahçesinde bulunan bir kadına rastladık. Nebi Sallallahu Aleyhi ve Sellem sahabîlere, "Ne kadar hurma olduğunu tahmin edin" buyurdu ve kendisi de on vesk olacağı yönünde tahminde bulundu. Kadına da, "Çıkacak olan mahsulü ölç" buyurdu. Tebuk'e geldiğimizde, "Bu gece çok şiddetli bir fırtına olacak. Sakın hiç bir kimse ayağa kalkmasın. Devesi olan da bağlasın" buyurdu. Biz de develerimizi bağladık. O gece şiddetli bir fırtına oldu. Bir kimse ayağa kalktı, fırtına onu Tay dağına attı. Eyle hükümdarı, Nebi Sallallahu Aleyhi ve Sellem'e beyaz bir katır hediye edip ona bir bürde giydirmişti. Resûlullah Sallallahu Aleyhi ve Sellem da deniz kenarında bulunan halk için bir mektup yazıp gönderdi. Vadi'l-Kura'ya geldikleri zaman kadına, "Bahçen ne kadar ürün verdi?" diye sordu. O, "Resûlullah'ın tahmin ettiği gibi on vesk" dedi. Nebi Sallallahu Aleyhi ve Sellem, "Ben Medine'ye biraz hızlı gideceğim. İçinizden benimle beraber gelmek isteyenler hızlı davransın" buyurdu. Ravi, "İbn Bekkar burada şu anlamda bir şey söyledi" demiştir: Nebi Sallallahu Aleyhi ve Sellem Medine'yi teşrif ettiği zaman, "İşte bu Tabe (güzel şehir)'dir" buyurdu. Uhud dağını görünce, "Bu bir dağaktır, o bizi sever biz de onu severiz. Size en hayırlı ensar bölgelerini söyleyeyim mi!?" buyurdu. Sahabîler, "Evet" diye cevap verince, "Benî Neccar, sonra Benî Abdi'l-Eşhel, sonra Benî Saide veya Ben-l-Haris İbnü'l-Hazrec bölgesidir. Bütün ensar bölgelerinde hayır vardır" buyurmuştur. Tekrar:

    সাহল ইবনু বাক্কার (রহ.) সুলায়মান ইবনু বিলাল সূত্রে ‘আমর (রহ.) হতে বর্ণনা করেনঃ এরপর বনূ হারিস ইবনু খাযরাজ গোত্র, এরপর বনূ সা‘য়িদা গোত্র এবং সুলায়মান (রহ.)...নবী সাল্লাল্লাহু আলাইহি ওয়াসাল্লাম হতে বর্ণিত। তিনি বলেন, উহুদ পর্বত আমাদেরকে ভালবাসে, আমরাও তাকে ভালবাসি। আবূ ‘আবদুল্লাহ (রহ.) বলেন, যে বাগান দেয়াল দ্বারা বেষ্টিত তাকে বলা হয় حَدِيْقَةٌ এবং যা দেয়াল দ্বারা বেষ্টিত নয় তাকে حَدِيْقَةٌ বলা হয় না। (আধুনিক প্রকাশনীঃ নাই, ইসলামিক ফাউন্ডেশনঃ)

    அபூஹுமைத் அஸ்ஸாஇதீ (ரலி) அவர்கள் கூறியதாவது: நாங்கள் நபி (ஸல்) அவர்களுடன் தபூக் போருக்குச் சென்றோம். அப்பயணத் தில் நபியவர்கள் ‘வாதில் குரா’ எனும் இடத்தை அடைந்தபோது, ஒரு பெண் தன் தோட்டத்தில் இருந்தாள். அப்போது நபி (ஸல்) அவர்கள் தம் தோழர்களிடம், “(இத்தோட்டத்தில்) எவ்வளவு பழங்கள் தேறும், கணித்துக் கூறுங்கள்” என்றார்கள். (தோழர்கள் மதிப்பிட்டார்கள்.) அல்லாஹ்வின் தூதர் (ஸல்) அவர்கள், பத்து ‘வஸ்க்’ அளவு (தேறும்) எனக் கணித்தார்கள். பின்பு அப்பெண்ணிடம் “இதில் கிடைப்பதைக் கணக்கிட்டுவை” எனக் கூறினார்கள். நாங்கள் தபூக்கை அடைந்தபோது “இன்றிரவு கடும் காற்று வீசும்; எனவே, யாரும் எழுந்திருக்க வேண்டாம். ஒட்டகம் வைத்திருப்பவர் அதை நன்கு கட்டிவைக்கட்டும்” என நபி (ஸல்) அவர்கள் கட்டளை யிட்டார்கள். நாங்களும் ஒட்டகங்களைக் கட்டிப்போட்டோம். கடும் காற்று வீசத் தொடங்கிற்று. (நபி (ஸல்) அவர்களின் கட்டளையை மீறியவராக) ஒரு மனிதர் எழுந்து வந்தார். உடனே காற்று அவரை ‘தய்யி’ என்ற மலையில் கொண்டுபோய் போட்டது. (வழியில்,) ‘அய்லா’ என்ற ஊரின் மன்னர் நபி (ஸல்) அவர்களுக்கு ஒரு வெள்ளை நிறக் கோவேறுக் கழுதையை அன்பளிப்பாகக் கொடுத்த(னுப்பின)ôர். நபியவர்கள் அவருக்கு சால்வையொன் றைக் கொடுத்த(னுப்பின)ôர்கள். மேலும், (காப்புவரி கட்டுவதாக அரசர் எழுதி யிருந்த கடிதத்திற்கு) அக்கடற்கரைவாசி களைக் கொண்டே (பதில்) எழுதினார்கள். (போரிலிருந்து) திரும்பி, ‘வாதில் குராவை’ அடைந்தபோது நபி (ஸல்) அவர்கள் அந்தப் பெண்ணிடம், “உனது தோட்டத்தில் எவ்வளவு தேறியது?” எனக் கேட்டார்கள். அதற்கு அப்பெண், அல்லாஹ்வின் தூதர் (ஸல்) அவர்கள் கணித்த பத்து ‘வஸ்க்’தான் எனக் கூறினார். பின்பு நபி (ஸல்) அவர்கள், “நான் விரைவாக மதீனா செல்ல வேண்டும். எனவே, உங்களில் யாரேனும் என்னோடு விரைவாக மதீனா வர நாடினால் உடனே புறப்படுங்கள்” என்றார்கள். மதீனா நெருங்கியபோது, “இது ‘தாபா’ (தூய நகரம்)” என்றார்கள். பின்பு உஹுத் மலையைப் பார்த்தபோது, “இது (அழகிய) குட்டி மலை; இது நம்மை நேசிக்கிறது; நாம் அதை நேசிக்கிறோம்” என்று கூறிவிட்டு, “அன்சாரிகளின் சிறந்த கிளைக் குடும்பங்களை நான் அறிவிக்கட்டுமா?” எனக் கேட்க, தோழர்களும் ‘ஆம்’ என்றனர். நபி (ஸல்) அவர்கள், “பனுந் நஜ்ஜார் குடும்பம்; பின்பு பனூ அப்தில் அஷ்ஹல், பிறகு பனூ சாஇதா அல்லது பனுல் ஹாரிஸ் பின் அல்கஸ்ரஜ் குடும்பம்; இன்னும் அன்சாரிகளின் ஒவ்வொரு கிளைக் குடும்பங்களிலும் நன்மை உண்டு” என்றார்கள். இந்த ஹதீஸ் இரு அறிவிப்பாளர் தொடர்களில் வந்துள்ளது. அவற்றில் ஒன்றில், பனுல் ஹாரிஸ் குடும்பத்தார், அடுத்து பனு சாஇதா குடும்பத்தார் என்று நபி (ஸல்) அவர்கள் கூறினார்கள் எனக் காணப்படுகிறது. இதே ஹதீஸ் சஹ்ல் பின் சஅத் (ரலி) அவர்களிடமிருந்தும் அறிவிக்கப்பட்டுள் ளது. அதில், “உஹுத் மலை நம்மை நேசிக்கிறது; அதை நாம் நேசிக்கிறோம்” என்று நபி (ஸல்) அவர்கள் கூறியதாக அறிவிக்கப்பட்டுள்ளது. அபூஅப்தில்லாஹ் (புகாரீ ஆகிய நான்) கூறுகிறேன்: (இங்கு மூலத்தில் ‘தோட்டம்’ என்பதைக் குறிக்க ‘ஹதீகா’ எனும் சொல் ஆளப்பட்டுள்ளது.) சுற்றுச் சுவர் உள்ள தோட்டத்திற்கே ‘ஹதீகா’ என்பர். சுற்றுச் சுவர் இல்லாத தோட்டத் திற்கு ‘ஹதீகா’ எனப்படுவதில்லை. அத்தியாயம் :