• 263
  • عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِامْرَأَةٍ تَبْكِي عِنْدَ قَبْرٍ ، فَقَالَ : " اتَّقِي اللَّهَ وَاصْبِرِي " قَالَتْ : إِلَيْكَ عَنِّي ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَبْ بِمُصِيبَتِي ، وَلَمْ تَعْرِفْهُ ، فَقِيلَ لَهَا : إِنَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَتَتْ بَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَمْ تَجِدْ عِنْدَهُ بَوَّابِينَ ، فَقَالَتْ : لَمْ أَعْرِفْكَ ، فَقَالَ : " إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى "

    حَدَّثَنَا آدَمُ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : مَرَّ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِامْرَأَةٍ تَبْكِي عِنْدَ قَبْرٍ ، فَقَالَ : اتَّقِي اللَّهَ وَاصْبِرِي قَالَتْ : إِلَيْكَ عَنِّي ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَبْ بِمُصِيبَتِي ، وَلَمْ تَعْرِفْهُ ، فَقِيلَ لَهَا : إِنَّهُ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَأَتَتْ بَابَ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَلَمْ تَجِدْ عِنْدَهُ بَوَّابِينَ ، فَقَالَتْ : لَمْ أَعْرِفْكَ ، فَقَالَ : إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى

    لا توجد بيانات
    اتَّقِي اللَّهَ وَاصْبِرِي قَالَتْ : إِلَيْكَ عَنِّي ، فَإِنَّكَ
    حديث رقم: 1206 في صحيح البخاري كتاب الجنائز باب قول الرجل للمرأة عند القبر: اصبري
    حديث رقم: 1253 في صحيح البخاري كتاب الجنائز باب الصبر عند الصدمة الأولى
    حديث رقم: 6772 في صحيح البخاري كتاب الأحكام باب ما ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن له بواب
    حديث رقم: 1585 في صحيح مسلم كِتَابُ الْجَنَائِزِ بَابٌ فِي الصَّبْرِ عَلَى الْمُصِيبَةِ عِنْدَ أَوَّلِ الصَّدْمَةِ
    حديث رقم: 1586 في صحيح مسلم كِتَابُ الْجَنَائِزِ بَابٌ فِي الصَّبْرِ عَلَى الْمُصِيبَةِ عِنْدَ أَوَّلِ الصَّدْمَةِ
    حديث رقم: 2766 في سنن أبي داوود كِتَاب الْجَنَائِزِ بَابُ الصَّبْرِ عِنْدَ الصَّدْمَةِ
    حديث رقم: 970 في جامع الترمذي أبواب الجنائز باب ما جاء أن الصبر في الصدمة الأولى
    حديث رقم: 971 في جامع الترمذي أبواب الجنائز باب ما جاء أن الصبر في الصدمة الأولى
    حديث رقم: 1862 في السنن الصغرى للنسائي كتاب الجنائز الأمر بالاحتساب والصبر عند نزول المصيبة
    حديث رقم: 1590 في سنن ابن ماجة كِتَابُ الْجَنَائِزِ بَابُ مَا جَاءَ فِي الصَّبْرِ عَلَى الْمُصِيبَةِ
    حديث رقم: 12099 في مسند أحمد ابن حنبل مُسْنَدُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ
    حديث رقم: 13045 في مسند أحمد ابن حنبل مُسْنَدُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ
    حديث رقم: 12234 في مسند أحمد ابن حنبل مُسْنَدُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ
    حديث رقم: 2957 في صحيح ابن حبان كِتَابُ الْجَنَائِزِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مُقَدَّمًا أَوْ مُؤَخَّرًا بَابُ مَا جَاءَ فِي الصَّبْرِ وَثَوَابِ الْأَمْرَاضِ وَالْأَعْرَاضِ
    حديث رقم: 1975 في السنن الكبرى للنسائي كِتَابُ الْجَنَائِزِ الْأَمْرُ بِالِاحْتِسَابِ ، وَالصَّبْرِعِنْدَ نُزُولِ الْمُصِيبَةِ
    حديث رقم: 10474 في السنن الكبرى للنسائي كِتَابُ عَمَلِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ مَا يَقُولُ إِذَا أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ
    حديث رقم: 11875 في مصنّف بن أبي شيبة كِتَابُ الْجَنَائِزِ فِي الصَّبْرِ مَنْ قَالَ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى
    حديث رقم: 11878 في مصنّف بن أبي شيبة كِتَابُ الْجَنَائِزِ فِي الصَّبْرِ مَنْ قَالَ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى
    حديث رقم: 6357 في المعجم الأوسط للطبراني بَابُ الْمِيمِ بَابُ الْمِيمِ مَنِ اسْمُهُ : مُحَمَّدٌ
    حديث رقم: 6733 في السنن الكبير للبيهقي كِتَابُ الْجَنَائِزِ جُمَّاعُ أَبْوَابِ الْبُكَاءِ عَلَى الْمَيِّتِ
    حديث رقم: 6732 في السنن الكبير للبيهقي كِتَابُ الْجَنَائِزِ جُمَّاعُ أَبْوَابِ الْبُكَاءِ عَلَى الْمَيِّتِ
    حديث رقم: 18865 في السنن الكبير للبيهقي كِتَابُ آدَابِ الْقَاضِي بَابُ مَا يُسْتَحَبُّ لِلْقَاضِي مِنْ أَنْ يَقْضِيَ فِي مَوْضِعٍ بَارِزٍ لِلنَّاسِ
    حديث رقم: 936 في السنن الصغير للبيهقي كِتَابُ الْجَنَائِزِ
    حديث رقم: 442 في الأحاديث المرفوعة من التاريخ الكبير للبخاري الأحاديث المرفوعة من التاريخ الكبير للبخاري
    حديث رقم: 2140 في مسند الطيالسي وَمَا أَسْنَدَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيُّ ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ
    حديث رقم: 1115 في الجعديات لأبي القاسم البغوي الجدعيات لأبي القاسم البغوي شُعْبَةُ ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ أَسْلَمَ الْبُنَانِيِّ
    حديث رقم: 1207 في المنتخب من مسند عبد بن حميد المنتخب من مسند عبد بن حميد مُسْنَدُ أَنَسِ بْنِ مَالْكٍ
    حديث رقم: 53 في الصبر و الثواب عليه لابن أبي الدنيا الصبر و الثواب عليه لابن أبي الدنيا
    حديث رقم: 142 في الأوائل لابن أبي عاصم الأوائل لابن أبي عاصم
    حديث رقم: 143 في الأوائل لابن أبي عاصم الأوائل لابن أبي عاصم
    حديث رقم: 145 في الأوائل لابن أبي عاصم الأوائل لابن أبي عاصم
    حديث رقم: 3364 في مسند أبي يعلى الموصلي مسند أبي يعلى الموصلي ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ عَنْ أَنَسٍ
    حديث رقم: 3410 في مسند أبي يعلى الموصلي مسند أبي يعلى الموصلي ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ عَنْ أَنَسٍ

    [1283] قَوْلُهُ فَقَالَ اتَّقِي اللَّهَ فِي رِوَايَةِ أَبِي نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ فَقَالَ يَا أَمَةَ اللَّهِ اتَّقِي اللَّهَ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ كَانَ فِي بُكَائِهَا قَدْرٌ زَائِدٌ مِنْ نَوْحٍ أَوْ غَيْرِهِ وَلِهَذَا أَمَرَهَا بِالتَّقْوَى قُلْتُ يُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي مُرْسَلِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ الْمَذْكُورِ فَسَمِعَ مِنْهَا مَا يُكْرَهُ فَوَقَفَ عَلَيْهَا وَقَالَ الطِّيبِيُّ قَوْلُهُ اتَّقِي اللَّهَ تَوْطِئَةٌ لِقَوْلِهِ وَاصْبِرِي كَأَنَّهُ قِيلَ لَهَا خَافِي غَضَبَ اللَّهِ إِنْ لَمْ تَصْبِرِي وَلَا تَجْزَعِي لِيَحْصُلَ لَكِ الثَّوَابُ قَوْلُهُ إِلَيْكَ عَنِّي هُوَ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَفْعَالِ وَمَعْنَاهَا تَنَحَّ وَابْعُدْ قَوْلُهُ لَمْ تُصَبْ بِمُصِيبَتِي سَيَأْتِي فِي الْأَحْكَامِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ شُعْبَةَ بِلَفْظِ فَإِنَّكَ خِلْوٌ مِنْ مُصِيبَتِي وَهُوَ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَلِمُسْلِمٍ مَا تُبَالِي بِمُصِيبَتِي وَلِأَبِي يَعْلَى مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهَا قَالَتْ يَا عَبْدَ اللَّهِ إِنِّي أَنَا الْحَرَّى الثَّكْلَى وَلَوْ كُنْتَ مُصَابًا عَذَرْتَنِي قَوْلُهُ وَلَمْ تَعْرِفْهُ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ أَيْ خَاطَبَتْهُ بِذَلِكَ وَلَمْ تَعْرِفْ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ قَوْلُهُ فَقِيلَ لَهَا فِي رِوَايَةِ الْأَحْكَامِ فَمَرَّ بِهَا رَجُلٌ فَقَالَ لَهَا إِنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَتْ مَا عَرَفْتُهُ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي يَعْلَى الْمَذْكُورَةِ قَالَ فَهَلْ تَعْرِفِينَهُ قَالَتْ لَا وَلِلطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ طَرِيقِ عَطِيَّةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ الَّذِي سَأَلَهَا هُوَ الْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ وَزَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةٍ لَهُ فَأَخَذَهَا مِثْلُ الْمَوْتِ أَيْ مِنْ شِدَّةِ الْكَرْبِ الَّذِي أَصَابَهَا لَمَّا عَرَفَتْ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَجَلًا مِنْهُ وَمَهَابَةً قَوْلُهُ فَلَمْ تَجِدْ عِنْدَهُ بَوَّابِينَ فِي رِوَايَةِ الْأَحْكَامِ بَوَّابًا بِالْإِفْرَادِ قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ فَائِدَةُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ مِنْ هَذَا الْخَبَرِ بَيَانُ عُذْرِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ فِي كَوْنِهَا لَمْ تَعْرِفْهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ لَا يَتَّخِذَ بَوَّابًا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى ذَلِكَ تَوَاضُعًا وَكَانَ من شَأْنه أَنه لَا يَسْتَتْبِعُ النَّاسَ وَرَاءَهُ إِذَا مَشَى كَمَا جَرَتْ عَادَةُ الْمُلُوكِ وَالْأَكَابِرُ فَلِذَلِكَ اشْتَبَهَ عَلَى الْمَرْأَةِ فَلَمْ تَعْرِفْهُ مَعَ مَا كَانَتْ فِيهِ مِنْ شَاغِلِ الْوَجْدِ وَالْبُكَاءِ وَقَالَ الطِّيبِيُّ فَائِدَةُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ أَنَّهُ لَمَّا قِيلَ لَهَا إِنَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَشْعَرَتْ خَوْفًا وَهَيْبَةً فِي نَفْسِهَا فَتَصَوَّرَتْ أَنَّهُ مِثْلُ الْمُلُوكِ لَهُ حَاجِبٌ وَبَوَّابٌ يَمْنَعُ النَّاسَ مِنَ الْوُصُولِ إِلَيْهِ فَوَجَدَتِ الْأَمْرَ بِخِلَافِ مَا تَصَوَّرَتْهُ قَوْلُهُ فَقَالَتْ لَمْ أَعْرِفْكَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَتْ وَاللَّهِ مَا عَرَفْتُكَ قَوْلُهُ إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى فِي رِوَايَةِ الْأَحْكَامِ عِنْدَ أَوَّلِ صَدْمَةٍ وَنَحْوُهُ لِمُسْلِمٍ وَالْمَعْنَى إِذَا وَقَعَ الثَّبَاتُ أَوَّلَ شَيْءٍ يَهْجُمُ عَلَى الْقَلْبِ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْجَزَعِ فَذَلِكَ هُوَ الصَّبْرُ الْكَامِلُ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْأَجْرُ وَأَصْلُ الصَّدْمِ ضَرْبُ الشَّيْءِ الصُّلْبِ بِمِثْلِهِ فَاسْتُعِيرَ لِلْمُصِيبَةِ الْوَارِدَةِ عَلَى الْقَلْبِ قَالَ الْخطابِيّالْمَعْنَى أَنَّ الصَّبْرَ الَّذِي يُحْمَدُ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ مَا كَانَ عِنْدَ مُفَاجَأَةِ الْمُصِيبَةِ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ عَلَى الْأَيَّامِ يَسْلُو وَحَكَى الْخَطَّابِيُّ عَنْ غَيْرِهِ أَنَّ الْمَرْءَ لَا يُؤْجَرْ عَلَى الْمُصِيبَةِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ صُنْعِهِ وَإِنَّمَا يُؤْجَرْ عَلَى حُسْنِ تَثَبُّتِهِ وَجَمِيلِ صَبْرِهِ وَقَالَ بن بَطَّالٍ أَرَادَ أَنْ لَا يَجْتَمِعَ عَلَيْهَا مُصِيبَةُ الْهَلَاكِ وَفَقْدُ الْأَجْرِ وَقَالَ الطِّيبِيُّ صَدَرَ هَذَا الْجَوَابُ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَوْلِهَا لَمْ أَعْرِفْكَ عَلَى أُسْلُوبِ الْحَكِيمِ كَأَنَّهُ قَالَ لَهَا دَعِي الِاعْتِذَارَ فَإِنِّي لَا أَغْضَبُ لِغَيْرِ اللَّهِ وَانْظُرِي لِنَفْسِكِ وَقَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ فَائِدَةُ جَوَابِ الْمَرْأَةِ بِذَلِكَ أَنَّهَا لَمَّا جَاءَتْ طَائِعَةً لِمَا أَمَرَهَا بِهِ مِنَ التَّقْوَى وَالصَّبْرِ مُعْتَذِرَةً عَنْ قَوْلِهَا الصَّادِرِ عَنِ الْحُزْنِ بَيَّنَ لَهَا أَنَّ حَقَّ هَذَا الصَّبْرِ أَنْ يَكُونَ فِي أَوَّلِ الْحَالِ فَهُوَ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الثَّوَابُ انْتَهَى وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورَةِ فَقَالَتْ أَنَا أَصْبِرُ أَنَا أَصْبِرُ وَفِي مُرْسَلِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ الْمَذْكُورِ فَقَالَ اذْهَبِي إِلَيْكِ فَإِنَّ الصَّبْرَ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى وَزَادَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِيهِ مِنْ مُرْسل الْحسن وَالْعبْرَة لَا يملكهَا بن آدَمَ وَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي زِيَارَةِ الْقُبُورِ مَعَ احْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ الْمَذْكُورَةُ تَأَخَّرَتْ بَعْدَ الدَّفْنِ عِنْدَ الْقَبْرِ وَالزِّيَارَةُ إِنَّمَا تُطْلَقُ عَلَى مَنْ أَنْشَأَ إِلَى الْقَبْرِ قَصْدًا مِنْ جِهَةِ اسْتِوَاءِ الْحُكْمِ فِي حَقِّهَا حَيْثُ أَمَرَهَا بِالتَّقْوَى وَالصَّبْرِ لِمَا رَأَى مِنْ جَزَعهَا وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهَا الْخُرُوجَ مِنْ بَيْتِهَا فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ جَائِزٌ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ خُرُوجُهَا لِتَشْيِيعِ مَيِّتِهَا فَأَقَامَتْ عِنْدَ الْقَبْرِ بَعْدَ الدَّفْنِ أَوْ أَنْشَأَتْ قَصْدَ زِيَارَتِهِ بِالْخُرُوجِ بِسَبَبِ الْمَيِّتِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ مَا كَانَ فِيهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنَ التَّوَاضُعِ وَالرِّفْقِ بِالْجَاهِلِ وَمُسَامَحَةُ الْمُصَابِ وَقَبُولُ اعْتِذَارِهِ وَمُلَازَمَةُ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ وَفِيهِ أَنَّ الْقَاضِي لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَّخِذَ مَنْ يَحْجُبُهُ عَنْ حَوَائِجِ النَّاسِ وَأَنَّ مَنْ أُمِرَ بِمَعْرُوفٍ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَقْبَلَ وَلَوْ لَمْ يَعْرِفِ الْآمِرَ وَفِيهِ أَنَّ الْجَزَعَ مِنَ الْمَنْهِيَّاتِ لِأَمْرِهِ لَهَا بِالتَّقْوَى مَقْرُونًا بِالصَّبْرِ وَفِيهِ التَّرْغِيبُ فِي احْتِمَالِ الْأَذَى عِنْدَ بَذْلِ النَّصِيحَةِ وَنَشْرِ الْمَوْعِظَةِ وَأَنَّ الْمُوَاجَهَةَ بِالْخِطَابِ إِذَا لَمْ تُصَادِفِ الْمَنْوِيَّ لَا أَثَرَ لَهَا وَبَنَى عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ مَا إِذَا قَالَ يَا هِنْدُ أَنْتِ طَالِقٌ فَصَادَفَ عَمْرَةَ أَنَّ عَمْرَةَ لَا تُطَلَّقُ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ زِيَارَةِ الْقُبُورِ سَوَاءٌ كَانَ الزَّائِرُ رَجُلًا أَوِ امْرَأَةً كَمَا تَقَدَّمَ وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَزُورُ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا لِعَدَمِ الِاسْتِفْصَالِ فِي ذَلِكَ قَالَ النَّوَوِيُّ وَبِالْجَوَازِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي لَا تَجُوزُ زِيَارَةُ قَبْرِ الْكَافِرِ وَهُوَ غَلَطٌ انْتَهَى وَحُجَّةُ الْمَاوَرْدِيِّ قَوْلُهُ تَعَالَى وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبره وَفِي الِاسْتِدْلَالِ بِهِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى تَنْبِيهٌ قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ قَدَّمَ الْمُصَنِّفُ تَرْجَمَةَ زِيَارَةِ الْقُبُورِ عَلَى غَيْرِهَا مِنْ أَحْكَامِ تَشْيِيعِ الْجِنَازَةِ وَمَا بَعْدَ ذَلِكَ مِمَّا يَتَقَدَّمُ الزِّيَارَةَ لِأَنَّ الزِّيَارَةَ يَتَكَرَّرُ وُقُوعُهَا فَجَعَلَهَا أَصْلًا وَمِفْتَاحًا لِتِلْكَ الْأَحْكَامِ انْتَهَى مُلَخَّصًا وَأَشَارَ أَيْضًا إِلَى أَنَّ مُنَاسَبَةَ تَرْجَمَةِ زِيَارَةِ الْقُبُورِ تُنَاسِبُ اتِّبَاعَ النِّسَاءِ الْجَنَائِزَ فَكَأَنَّهُ أَرَادَ حَصْرَ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِخُرُوج النِّسَاء مُتَوَالِيَة وَالله أعلم(قَوْلُهُ بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَذَّبُ الْمَيِّتُ بِبَعْضِ بُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ إِذَا كَانَ النَّوْحُ مِنْ سُنَّتِهِ) هَذَا تَقْيِيدٌ مِنَ الْمُصَنِّفِ لِمُطْلَقِ الْحَدِيثِ وَحمْلٌ مِنْهُ لِرِوَايَةِ بن عَبَّاس الْمقيدَة بالبعضية على رِوَايَة بن عُمَرَ الْمُطْلَقَةِ كَمَا سَاقَهُ فِي الْبَابِ عَنْهُمَا وَتَفْسِير مِنْهُ للْبَعْض الْمُبْهم فِي رِوَايَة بن عَبَّاسٍ بِأَنَّهُ النَّوْحُ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْمَحْذُورَ بَعْضُ الْبُكَاءِ لَا جَمِيعُهُ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ وقَوْلُهُ إِذَا كَانَ النَّوْحُ مِنْ سُنَّتِهِ يُوهِمُ أَنَّهُ بَقِيَّة الحَدِيث الْمَرْفُوع وَلَيْسَ كَذَلِك بل هُوَ كَلَام الْمُصَنِّفُ قَالَهُ تَفَقُّهًا وَبَقِيَّةُ السِّيَاقِ يُرْشِدُ إِلَى ذَلِكَ وَهَذَا الَّذِي جَزَمَ بِهِ هُوَ أَحَدُ الْأَقْوَالِ فِي تَأْوِيلِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ وَاخْتُلِفَ فِي ضَبْطِ قَوْلِهِ مِنْ سُنَّتِهِ فَلِلْأَكْثَرِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ أَيْ طَرِيقَتُهُ وَعَادَتُهُ وَضَبَطَهُ بَعْضُهُمْ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَتَانِ الْأُولَى مَفْتُوحَةٌ أَيْ مِنْ أَجْلِهِ قَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ حُكِيَ عَنْ أَبِي الْفَضْلِ بْنِ نَاصِرٍ أَنَّهُ رَجَّحَ هَذَا وَأَنْكَرَ الْأَوَّلَ فَقَالَ وَأَيُّ سُنَّةٍ لِلْمَيِّتِ انْتَهَى وَقَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ بَلِ الْأَوَّلُ أَوْلَى لِإِشْعَارِهِ بِالْعِنَايَةِ بِذَلِكَ إِذْ لَا يُقَالُ مِنْ سُنَّتِهِ إِلَّا عِنْدَ غَلَبَةِ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَاشْتِهَارِهِ بِهِ قُلْتُ وَكَأَنَّ الْبُخَارِيَّ أُلْهِمَ هَذَا الْخِلَافَ فَأَشَارَ إِلَى تَرْجِيحِ الْأَوَّلِ حَيْثُ اسْتَشْهَدَ بِالْحَدِيثِ الَّذِي فِيهِ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ فَإِنَّهُ يُثْبِتُ مَا استبعده بن نَاصِرٍ بِقَوْلِهِ وَأَيُّ سُنَّةٍ لِلْمَيِّتِ وَأَمَّا تَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِالنَّوْحِ فَمُرَادُهُ مَا كَانَ مِنَ الْبُكَاءِ بِصِيَاحٍ وَعَوِيلٍ وَمَا يَلْتَحِقُ بِذَلِكَ مِنْ لَطْمِ خَدٍّ وَشَقِّ جَيْبٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَنْهِيَّاتِ قَوْلُهُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارا وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ لِمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ عَامٌّ فِي جِهَاتِ الْوِقَايَةِ وَمِنْ جُمْلَتِهَا أَنْ لَا يَكُونَ الْأَصْلُ مُولَعًا بِأَمْرٍ مُنْكَرٍ لِئَلَّا يَجْرِيَ أَهْلُهُ عَلَيْهِ بَعْدَهُ أَوْ يَكُونَ قَدْ عَرَفَ أَنَّ لِأَهْلِهِ عَادَةٌ بِفِعْلِ أَمْرٍ مُنْكَرٍ وَأَهْمَلَ نَهْيَهَمْ عَنْهُ فَيَكُونَ لَمْ يَقِ نَفْسَهُ وَلَا أَهْلَهُ قَوْلُهُ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّكُمْ رَاعٍ الْحَدِيثَ هُوَ طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ لِابْنِ عُمَرَ تَقَدَّمَ مَوْصُولًا فِي الْجُمُعَةِ وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ مِنْهُ مَا تَقَدَّمَ لِأَنَّ مِنْ جُمْلَةِ رِعَايَتِهِ لَهُمْ أَنْ يَكُونَ الشَّرُّ مِنْ طَرِيقَتِهِ فَيَجْرِيَ أَهْلُهُ عَلَيْهِ أَوْ يَرَاهُمْ يَفْعَلُونَ الشَّرَّ فَلَا ينهاهمعَنهُ فيسئل عَنْ ذَلِكَ وَيُؤَاخَذُ بِهِ وَقَدْ تُعُقِّبَ اسْتِدْلَالُ الْبُخَارِيِّ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مِنْ حَمْلِ حَدِيثِ الْبَابِ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْحَدِيثَ نَاطِقٌ بِأَنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ وَالْآيَةُ وَالْحَدِيثُ يَقْتَضِيَانِ أَنَّهُ يُعَذَّبُ بِسُنَّتِهِ فَلَمْ يَتَّحِدِ الْمَوْرِدَانِ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا مَانِعَ فِي سُلُوكِ طَرِيقِ الْجَمْعِ مِنْ تَخْصِيصِ بَعْضِ الْعُمُومَاتِ وَتَقْيِيدِ بَعْضِ الْمُطْلَقَاتِ فَالْحَدِيثُ وَإِنْ كَانَ دَالًّا عَلَى تَعْذِيبِ كُلِّ مَيِّتٍ بِكُلِّ بُكَاءٍ لَكِنْ دَلَّتْ أَدِلَّةٌ أُخْرَى عَلَى تَخْصِيصِ ذَلِكَ بِبَعْضِ الْبُكَاءِ كَمَا سَيَأْتِي تَوْجِيهُهُ وَتَقْيِيدُ ذَلِكَ بِمَنْ كَانَتْ تِلْكَ سُنَّتُهُ أَوْ أَهْمَلَ النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ فَالْمَعْنَى عَلَى هَذَا أَنَّ الَّذِي يُعَذَّبُ بِبَعْضِ بُكَاءِ أَهْلِهِ مَنْ كَانَ رَاضِيًا بِذَلِكَ بِأَنْ تَكُونَ تِلْكَ طَرِيقَتُهُ إِلَخْ وَلِذَلِكَ قَالَ الْمُصَنِّفُ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ سُنَّتِهِ أَيْ كَمَنْ كَانَ لَا شُعُورَ عِنْدَهُ بِأَنَّهُمْ يَفْعَلُونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَدَّى مَا عَلَيْهِ بِأَنْ نَهَاهُمْ فَهَذَا لَا مُؤَاخَذَةَ عَلَيْهِ بِفِعْلِ غَيره وَمن ثمَّ قَالَ بن الْمُبَارَكِ إِذَا كَانَ يَنْهَاهُمْ فِي حَيَاتِهِ فَفَعَلُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بَعْدَ وَفَاتِهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ قَوْلُهُ فَهُوَ كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ أَيْ كَمَا اسْتَدَلَّتْ عَائِشَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى أَيْ وَلَا تَحْمِلْ حَامِلَةً ذَنْبًا ذَنْبَ أُخْرَى عَنْهَا وَهَذَا حُمِلَ مِنْهُ لِإِنْكَارِ عَائِشَةَ عَلَى أَنَّهَا أَنْكَرَتْ عُمُومَ التَّعْذِيبِ لِكُلِّ مَيِّتٍ بُكِيَ عَلَيْهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ وَهُوَ كَقَوْلِهِ وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ فَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَحْدَهُ وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ ذُنُوبًا إِلَى حِمْلِهَا وَلَيْسَتْ ذُنُوبًا فِي التِّلَاوَةِ وَإِنَّمَا هُوَ فِي تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ فَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ وَمَوْقِعُ التَّشْبِيهِ فِي قَوْلِهِ أَنَّ الْجُمْلَةَ الْأُولَى دَلَّتْ عَلَى أَنَّ النَّفْسَ الْمُذْنِبَةَ لَا يُؤَاخَذُ غَيْرُهَا بِذَنْبِهَا فَكَذَلِكَ الثَّانِيَةُ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ النَّفْسَ الْمُذْنِبَةَ لَا يَحْمِلُ عَنْهَا غَيْرُهَا شَيْئًا مِنْ ذُنُوبِهَا وَلَوْ طَلَبَتْ ذَلِكَ وَدَعَتْ إِلَيْهِ وَمَحَلُّ ذَلِكَ كُلُّهُ إِنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ تَسَبُّبٌ وَإِلَّا فَهُوَ يُشَارِكُهُ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ واثقالا مَعَ أثقالهم وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ إِثْمُ الْأَرِيسِيِّينَ قَوْلُهُ وَمَا يُرَخَّصُ مِنَ الْبُكَاءِ فِي غَيْرِ نَوْحٍ هَذَا مَعْطُوفٌ عَلَى أَوَّلِ التَّرْجَمَةِ وَكَأَنَّهُ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى حَدِيثِ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ وَقَرَظَةَ بْنِ كَعْبٍ قَالَا رُخِّصَ لَنَا فِي الْبُكَاءِ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ فِي غَيْرِ نَوْحٍ أخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ وَالطَّبَرَانِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ لَكِنْ لَيْسَ إِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ فَاكْتَفَى بِالْإِشَارَةِ إِلَيْهِ وَاسْتَغْنَى عَنْهُ بِأَحَادِيثِ الْبَابِ الدَّالَّةِ عَلَى مُقْتَضَاهُ قَوْلُهُ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا الْحَدِيثَ هُوَ طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ لِابْنِ مَسْعُودٍ وَصَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الدِّيَاتِ وَغَيْرِهَا وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ أَنَّ الْقَاتِلَ الْمَذْكُورَ يُشَارِكُ مَنْ صَنَعَ صَنِيعَهُ لِكَوْنِهِ فَتَحَ لَهُ الْبَابَ وَنَهَجَ لَهُ الطَّرِيقَ فَكَذَلِكَ مَنْ كَانَتْ طَرِيقَتُهُ النَّوْحَ عَلَى الْمَيِّتِ يَكُونُ قَدْ نَهَجَ لِأَهْلِهِ تِلْكَ الطَّرِيقَةَ فَيُؤَاخَذُ عَلَى فِعْلِهِ الْأَوَّلِ وَحَاصِلُ مَا بَحَثَهُ الْمُصَنِّفُ فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ أَنَّ الشَّخْصَ لَا يُعَذَّبُ بِفِعْلِ غَيْرِهِ إِلَّا إِذَا كَانَ لَهُ فِيهِ تَسَبُّبٌ فَمَنْ أَثْبَتَ تَعْذِيبَ شَخْصٍ بِفِعْلِ غَيْرِهِ فَمُرَادُهُ هَذَا وَمَنْ نَفَاهُ فَمُرَادُهُ مَا إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِ تَسَبُّبٌ أَصْلًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدِ اعْتَرَضَ بَعْضُهُمْ عَلَى اسْتِدْلَالِ الْبُخَارِيِّ بِهَذَا الْحَدِيثِ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ الْوِزْرَ يَخْتَصُّ بِالْبَادِئِ دُونَ مَنْ أَتَى بَعْدَهُ فَعَلَى هَذَا يَخْتَصُّ التَّعْذِيبُ بِأَوَّلِ مَنْ سَنَّ النَّوْحَ عَلَى الْمَوْتَى وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَنْفِي الْإِثْمَ عَنْ غَيْرِ الْبَادِئِ فَيُسْتَدَلُّ عَلَى ذَلِكَ بِدَلِيلٍ آخَرَ وَإِنَّمَا أَرَادَ الْمُصَنِّفُ بِهَذَا الْحَدِيثِ الرَّدَّ عَلَى مَنْ يَقُولُ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُعَذَّبُ إِلَّا بِذَنْبٍ بَاشَرَهُ بِقَوْلِهِ أَوْ فِعْلِهِ فَأَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّهُ قَدْ يُعَذَّبُ بِفِعْلِ غَيْرِهِ إِذَا كَانَ لَهُ فِيهِ تَسَبُّبٌ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَسْأَلَةِ تَعْذِيبِ الْمَيِّتِ بِالْبُكَاءِ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَهُوَ بَيِّنٌ مِنْ قِصَّةِ عُمَرَ مَعَ صُهَيْبٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي ثَالِثِ أَحَادِيثِ هَذَا الْبَابِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عُمَرُ كَانَ يَرَى أَنَّ الْمُؤَاخَذَةَ تَقَعُ عَلَى الْمَيِّتِ إِذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى النَّهْيِ وَلَمْ يَقَعْ مِنْهُ فَلِذَلِكَ بَادَرَ إِلَى نَهْيِ صُهَيْبٍ وَكَذَلِكَ نَهْيِ حَفْصَةَ كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ من طَرِيق نَافِع عَن بن عُمَرَ عَنْهُ وَمِمَّنْ أَخَذَ بِظَاهِرِهِ أَيْضًا عَبْدُ اللهبْنُ عُمَرَ فَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ طَرِيقِهِ أَنَّهُ شَهِدَ جِنَازَةَ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ فَقَالَ لِأَهْلِهِ إِنَّ رَافِعًا شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا طَاقَةَ لَهُ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ وَيُقَابِلُ قَوْلَ هَؤُلَاءِ قَوْلُ مَنْ رَدَّ هَذَا الْحَدِيثَ وَعَارَضَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ الْإِنْكَارُ مُطْلَقًا أَبُو هُرَيْرَةَ كَمَا رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى مِنْ طَرِيقِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ قَالَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَاللَّهِ لَئِنِ انْطَلَقَ رَجُلٌ مُجَاهِدٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاسْتُشْهِدَ فَعَمَدَتِ امْرَأَتُهُ سَفَهًا وَجَهْلًا فَبَكَتْ عَلَيْهِ لَيُعَذَّبَنَّ هَذَا الشَّهِيدُ بِذَنْبِ هَذِهِ السَّفِيهَةِ وَإِلَى هَذَا جَنَحَ جَمَاعَةٌ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ مِنْهُمْ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ وَمِنْهُمْ مَنْ أَوَّلَ قَوْلَهُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ عَلَى أَنَّ الْبَاءَ لِلْحَالِ أَيْ أَنَّ مَبْدَأَ عَذَابِ الْمَيِّتِ يَقَعُ عِنْدَ بُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ وَذَلِكَ أَنَّ شِدَّةَ بُكَائِهِمْ غَالِبًا إِنَّمَا تَقَعُ عِنْدَ دَفْنِهِ وَفِي تِلْكَ الْحَالَةِ يُسْأَلُ وَيُبْتَدَأُ بِهِ عَذَابُ الْقَبْرِ فَكَأَنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ حَالَةَ بُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ بُكَاؤُهُمْ سَبَبًا لِتَعْذِيبِهِ حَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنَ التَّكَلُّفِ وَلَعَلَّ قَائِلَهُ إِنَّمَا أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِ عَائِشَةَ إِنَّمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهُ لَيُعَذَّبُ بِمَعْصِيَتِهِ أَوْ بِذَنْبِهِ وَإِنَّ أَهْلَهُ لَيَبْكُونَ عَلَيْهِ الْآنَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْهَا وَعَلَى هَذَا يَكُونُ خَاصًّا بِبَعْضِ الْمَوْتَى وَمِنْهُمْ مَنْ أَوَّلَهُ عَلَى أَنَّ الرَّاوِيَ سَمِعَ بَعْضَ الْحَدِيثِ وَلَمْ يَسْمَعْ بَعْضَهُ وَأَنَّ اللَّامَ فِي الْمَيِّتِ لِمَعْهُودٍ مُعَيَّنٍ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ وَغَيْرُهُ وَحُجَّتُهُمْ مَا سَيَأْتِي فِي رِوَايَةِ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ فِي رَابِعِ أَحَادِيثِ الْبَابِ وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي أَخْرَجَهُ مِنْهُ الْبُخَارِيُّ وَزَادَ فِي أَوَّلِهِ ذُكِرَ لِعَائِشَةَ أَن بن عُمَرَ يَقُولُ إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الْحَيِّ فَقَالَتْ عَائِشَةُ يَغْفِرُ اللَّهُ لِأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَمَا إِنَّهُ لَمْ يَكْذِبْ وَلَكِنَّهُ نَسِيَ أَوْ أَخْطَأَ إِنَّمَا مَرَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى يَهُودِيَّةٍ فَذَكَرَتِ الْحَدِيثَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَوَّلَهُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مُخْتَصٌّ بِالْكَافِرِ وَأَنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يُعَذَّبُ بِذَنْبِ غَيْرِهِ أَصْلًا وَهُوَ بَين من رِوَايَة بن عَبَّاسٍ عَنْ عَائِشَةَ وَهُوَ ثَالِثُ أَحَادِيثِ الْبَابِ وَهَذِهِ التَّأْوِيلَاتُ عَنْ عَائِشَةَ مُتَخَالِفَةٌ وَفِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّهَا لَمْ تَرُدَّ الْحَدِيثَ بِحَدِيثٍ آخَرَ بَلْ بِمَا اسْتَشْعَرَتْهُ مِنْ مُعَارَضَةِ الْقُرْآنِ قَالَ الدَّاوُدِيُّ رِوَايَة بن عَبَّاسٍ عَنْ عَائِشَةَ أَثْبَتَتْ مَا نَفَتْهُ عَمْرَةُ وَعُرْوَةُ عَنْهَا إِلَّا أَنَّهَا خَصَّتْهُ بِالْكَافِرِ لِأَنَّهَا أَثْبَتَتْ أَنَّ الْمَيِّتَ يَزْدَادُ عَذَابًا بِبُكَاءِ أَهْلِهِ فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ أَنْ يَزْدَادَ بِفِعْلِ غَيْرِهِ أَوْ يُعَذَّبَ ابْتِدَاءً وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ إِنْكَارُ عَائِشَةَ ذَلِكَ وَحُكْمُهَا عَلَى الرَّاوِي بِالتَّخْطِئَةِ أَوِ النِّسْيَانِ أَوْ عَلَى أَنَّهُ سَمِعَ بَعْضًا وَلَمْ يَسْمَعْ بَعْضًا بَعِيدٌ لِأَنَّ الرُّوَاةَ لِهَذَا الْمَعْنَى مِنَ الصَّحَابَةِ كَثِيرُونَ وَهُمْ جَازِمُونَ فَلَا وَجْهَ لِلنَّفْيِ مَعَ إِمْكَانِ حَمْلِهِ عَلَى مَحْمَلٍ صَحِيحٍ وَقَدْ جَمَعَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بَيْنَ حَدِيثَيْ عُمَرَ وَعَائِشَةَ بِضُرُوبٍ مِنَ الْجَمْعِ أَوَّلُهَا طَرِيقَةُ الْبُخَارِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ تَوْجِيهُهَا ثَانِيهَا وَهُوَ أَخَصُّ مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ مَا إِذَا أَوْصَى أَهْلَهُ بِذَلِكَ وَبِهِ قَالَ الْمُزَنِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ وَآخَرُونَ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرُهُمْ حَتَّى قَالَ أَبُو اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيُّ إِنَّهُ قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَكَذَا نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ عَنِ الْجُمْهُورِ قَالُوا وَكَانَ مَعْرُوفًا لِلْقُدَمَاءِ حَتَّى قَالَ طَرَفَةُ بْنُ الْعَبْدِ إِذَا مِتُّ فَانْعِينِي بِمَا أَنَا أَهْلُهُ وَشُقِّي عَلَيَّ الْجَيْبَ يَا ابْنَةَ مَعْبَدِ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ التَّعْذِيبَ بِسَبَبِ الْوَصِيَّةِ يُسْتَحَقُّ بِمُجَرَّدِ صُدُورِ الْوَصِيَّةِ وَالْحَدِيثُ دَالٌّ عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا يَقَعُ عِنْدَ وُقُوعِ الِامْتِثَالِ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي السِّيَاقِ حَصْرٌ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُقُوعِهِ عِنْدَ الِامْتِثَالِ أَنْ لَا يَقَعَ إِذَا لَمْ يَمَتَثِلُوا مَثَلًا ثَالِثُهَا يَقَعُ ذَلِكَ أَيْضًا لِمَنْ أَهْمَلَ نَهْيَ أَهْلِهِ عَنْ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ دَاوُدَ وَطَائِفَةٍ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَحَلَّهُ مَا إِذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ أَنَّهُ لَيْسَتْ لَهُمْ بِذَلِكَ عَادَةٌ وَلَا ظَنَّ أَنهم يَفْعَلُونَ ذَلِك قَالَ بن الْمُرَابِطِ إِذَا عَلِمَ الْمَرْءُ بِمَا جَاءَ فِي النَّهْيِ عَنِ النَّوْحِ وَعَرَفَ أَنَّ أَهْلَهُ مِنْ شَأْنِهِمْ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ وَلَمْ يُعْلِمْهُمْ بِتَحْرِيمِهِ وَلَا زَجَرَهُمْ عَنْ تَعَاطِيهِ فَإِذَا عُذِّبَ عَلَى ذَلِكَ عذب بِفعلنَفْسِهِ لَا بِفِعْلِ غَيْرِهِ بِمُجَرَّدِهِ رَابِعُهَا مَعْنَى قَوْلِهِ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ أَيْ بِنَظِيرِ مَا يَبْكِيهِ أَهْلُهُ بِهِ وَذَلِكَ أَنَّ الْأَفْعَالَ الَّتِي يُعَدِّدُونَ بِهَا عَلَيْهِ غَالِبًا تَكُونُ مِنَ الْأُمُورِ الْمَنْهِيَّةِ فَهُمْ يَمْدَحُونَهُ بِهَا وَهُوَ يُعَذَّبُ بِصَنِيعِهِ ذَلِكَ وَهُوَ عَيْنُ مَا يَمْدَحُونَهُ بِهِ وَهَذَا اخْتِيَار بن حزم وَطَائِفَة وَاسْتدلَّ لَهُ بِحَدِيث بن عُمَرَ الْآتِي بَعْدَ عَشَرَةِ أَبْوَابٍ فِي قِصَّةِ موت إِبْرَاهِيم بن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِ وَلَكِنْ يعذب بِهَذَا وَأَشَارَ إِلَى لِسَانه قَالَ بن حَزْمٍ فَصَحَّ أَنَّ الْبُكَاءَ الَّذِي يُعَذَّبُ بِهِ الْإِنْسَانُ مَا كَانَ مِنْهُ بِاللِّسَانِ إِذْ يَنْدُبُونَهُ برياسته الَّتِي جَار فِيهَا وشجاعته الَّتِي صرفا فِي غَيْرِ طَاعَةِ اللَّهِ وَجُودِهِ الَّذِي لَمْ يَضَعْهُ فِي الْحَقِّ فَأَهْلُهُ يَبْكُونَ عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْمَفَاخِرِ وَهُوَ يُعَذَّبُ بِذَلِكَ وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ كَثُرَ كَلَامُ الْعُلَمَاءِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَقَالَ كُلُّ مُجْتَهدا عَلَى حَسَبِ مَا قُدِّرَ لَهُ وَمِنْ أَحْسَنِ مَا حَضَرَنِي وَجْهٌ لَمْ أَرَهُمْ ذَكَرُوهُ وَهُوَ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُغِيرُونَ وَيَسبُونَ وَيَقْتُلُونَ وَكَانَ أَحَدُهُمْ إِذَا مَاتَ بَكَتْهُ بَاكِيَتُهُ بِتِلْكَ الْأَفْعَالِ الْمُحَرَّمَةِ فَمَعْنَى الْخَبَرِ أَنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ بِذَلِكَ الَّذِي يَبْكِي عَلَيْهِ أَهْلُهُ بِهِ لِأَنَّ الْمَيِّتَ يُنْدَبُ بِأَحْسَنِ أَفْعَالِهِ وَكَانَتْ مَحَاسِنُ أَفْعَالِهِمْ مَا ذُكِرَ وَهِيَ زِيَادَةُ ذَنْبٍ مِنْ ذُنُوبِهِ يَسْتَحِقُّ الْعَذَابَ عَلَيْهَا خَامِسُهَا مَعْنَى التَّعْذِيبِ تَوْبِيخُ الْمَلَائِكَةِ لَهُ بِمَا يَنْدُبُهُ أَهْلُهُ بِهِ كَمَا رَوَى أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى مَرْفُوعًا الْمَيِّتُ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الْحَيِّ إِذَا قَالَتِ النَّائِحَةُ وَا عضداه وَا ناصراه وَا كاسياه جُبِذَ الْمَيِّتُ وَقِيلَ لَهُ أَنْتَ عَضُدُهَا أَنْتَ ناصرها أَنْت كاسيها وَرَوَاهُ بن مَاجَهْ بِلَفْظِ يُتَعْتِعُ بِهِ وَيُقَالُ أَنْتَ كَذَلِكَ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِلَفْظِ مَا مِنْ مَيِّتٍ يَمُوتُ فَتَقُومُ نَادِبَتُهُ فَتَقُولُ وَاجَبَلَاهْ وَاسَنَدَاهْ أَوْ شِبْهُ ذَلِكَ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا وُكِّلَ بِهِ مَلَكَانِ يَلْهَزَانِهِ أَهَكَذَا كُنْتَ وَشَاهِدُهُ مَا رَوَى الْمُصَنِّفُ فِي الْمَغَازِي مِنْ حَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ أُغْمِيَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ فَجَعَلَتْ أُخْتُهُ تَبْكِي وَتَقُولُ وَاجَبَلَاهْ وَاكَذَا وَاكَذَا فَقَالَ حِينَ أَفَاقَ مَا قُلْتِ شَيْئًا إِلَّا قِيلَ لِي أَنْتَ كَذَلِكَ سَادِسُهَا مَعْنَى التَّعْذِيبِ تَأَلُّمُ الْمَيِّتِ بِمَا يَقَعُ مِنْ أَهْلِهِ مِنَ النِّيَاحَةِ وَغَيْرِهَا وَهَذَا اخْتِيَارُ أَبِي جَعْفَرٍ الطَّبَرِيِّ من الْمُتَقَدِّمين وَرجحه بن المرابط وعياض وَمن تبعه وَنَصره بن تَيْمِيَّةَ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ وَاسْتَشْهَدُوا لَهُ بِحَدِيثِ قَيْلَةَ بِنْتِ مَخْرَمَةَ وَهِيَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ وَأَبُوهَا بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ ثَقَفِيَّةٌ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ وَلَدْتُهُ فَقَاتَلَ مَعَكَ يَوْمَ الرَّبَذَةِ ثُمَّ أَصَابَتْهُ الْحُمَّى فَمَاتَ وَنَزَلَ عَلَيَّ الْبُكَاءُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَغْلِبُ أَحَدَكُمْ أَنْ يُصَاحِبَ صُوَيْحِبَهُ فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَإِذَا مَاتَ اسْتَرْجَعَ فو الَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَبْكِي فَيَسْتَعْبِرُ إِلَيْهِ صُوَيْحِبُهُ فَيَا عِبَادَ اللَّهِ لَا تَعَذِّبُوا مَوْتَاكُمْ وَهَذَا طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ حَسَنِ الْإِسْنَاد أخرجه بن أبي خَيْثَمَة وبن أَبِي شَيْبَةَ وَالطَّبَرَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ أَطْرَافًا مِنْهُ قَالَ الطَّبَرِيُّ وَيُؤَيِّدُ مَا قَالَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ أَعْمَالَ الْعِبَادِ تُعْرَضُ عَلَى أَقْرِبَائِهِمْ مِنْ مَوْتَاهُمْ ثُمَّ سَاقَهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إِلَيْهِ وَشَاهِدُهُ حَدِيثُ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ مَرْفُوعًا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ قَالَ بن الْمُرَابِطِ حَدِيثُ قَيْلَةَ نَصٌّ فِي الْمَسْأَلَةِ فَلَا يعدل عَنهُ وَاعْتَرضهُ بن رَشِيدٍ بِأَنَّهُ لَيْسَ نَصًّا وَإِنَّمَا هُوَ مُحْتَمَلٌ فَإِنَّ قَوْلَهُ فَيَسْتَعْبِرُ إِلَيْهِ صُوَيْحِبُهُ لَيْسَ نَصًّا فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمَيِّتُ بَلْ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ صَاحِبُهُ الْحَيُّ وَأَنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ حِينَئِذٍ بِبُكَاءِ الْجَمَاعَةِ عَلَيْهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ هَذِهِ التَّوْجِيهَاتِ فَيُنْزَلَ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ بِأَنْ يُقَالَ مَثَلًا مَنْ كَانَتْ طَرِيقَتُهُ النَّوْحَ فَمَشَى أَهْلُهُ عَلَى طَرِيقَتِهِ أَوْ بَالَغَ فَأَوْصَاهُمْ بِذَلِكَ عُذِّبَ بِصُنْعِهِ وَمَنْ كَانَ ظَالِمًا فَنُدِبَ بِأَفْعَالِهِ الْجَائِرَةِ عُذِّبَ بِمَا نُدِبَ بِهِ وَمَنْ كَانَ يَعْرِفُ مِنْ أَهْلِهِ النِّيَاحَةَ فَأَهْمَلَ نَهْيَهُمْ عَنْهَا فَإِنْ كَانَ رَاضِيًا بِذَلِكَ الْتَحَقَ بِالْأَوَّلِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ رَاضٍ عُذِّبَ بِالتَّوْبِيخِ كَيْفَ أَهْمَلَ النَّهْيَ وَمَنْ سَلِمَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ وَاحْتَاطَ فَنَهَى أَهْلَهُ عَنِ الْمَعْصِيَةِ ثُمَّ خَالَفُوهُ وَفَعَلُوا ذَلِكَ كَانَ تَعْذِيبُهُ تَأَلُّمَهُ بِمَا يَرَاهُ مِنْهُمْ مِنْ مُخَالَفَةِ أَمْرِهِ وَإِقْدَامِهِمْ عَلَى مَعْصِيَةِ رَبِّهِمْ وَاللَّهُتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَحَكَى الْكَرْمَانِيُّ تَفْصِيلًا آخَرَ وَحَسَّنَهُ وَهُوَ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ حَالِ الْبَرْزَخِ وَحَالِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَيُحْمَلُ قَوْلُهُ تَعَالَى وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى عَلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهَذَا الْحَدِيثُ وَمَا أَشْبَهَهُ عَلَى الْبَرْزَخِ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ يَقَعُ فِي الدُّنْيَا وَالْإِشَارَةُ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً فَإِنَّهَا دَالَّةٌ عَلَى جَوَازِ وُقُوعِ التَّعْذِيبِ عَلَى الْإِنْسَانِ بِمَا لَيْسَ لَهُ فِيهِ تَسَبُّبٌ فَكَذَلِكَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْحَالُ فِي الْبَرْزَخِ بِخِلَافِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ أَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ خَمْسَةَ أَحَادِيثَ الْأَوَّلُ حَدِيثُ أُسَامَة

    باب زِيَارَةِ الْقُبُورِ(باب) مشروعية (زيارة القبور) وسقط الباب والترجمة لابن عساكر.
    [ رقم الحديث عند عبدالباقي:1236 ... ورقمه عند البغا: 1283 ]
    - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "مَرَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِامْرَأَةٍ تَبْكِي عِنْدَ قَبْرٍ فَقَالَ: اتَّقِي اللَّهَ وَاصْبِرِي. قَالَتْ: إِلَيْكَ عَنِّي، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَبْ بِمُصِيبَتِي وَلَمْ تَعْرِفْهُ. فَقِيلَ لَهَا: إِنَّهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَأَتَتْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمْ تَجِدْ عِنْدَهُ بَوَّابِينَ، فَقَالَتْ: لَمْ أَعْرِفْكَ. فَقَالَ: إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى".وبالسند قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس، قال (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا ثابت) البناني (عن أنس بن مالك، رضي الله عنه، قال):(مر النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بامرأة تبكي عند قبر) زاد في رواية يحيى بن أبي كثير، عند عبد الرزاق: فسمع منها ما يكره، أي: من نوح أو غيره، ولم تعرف المرأة ولا صاحب القبر، لكن في روايةلمسلم ما يشعر بأنه ولدها، ولفظه تبكي على صبي لها، وصرح به في مرسل يحيى بن أبي كثير المذكور، ولفظه قد أصيبت بولدها. (فقال) لها
    يا أمة الله.(اتقي الله واصبري) قال الطيبي: أي: خافي غضب الله إن لم تصبري ولا تجزعي، ليحصل لك الثواب.(قالت: إليك عني) أي: تنح وابعد، فهو من أسماء الأفعال: (فإنك لم تصب بمصيبتي) بضم المثناة الفوقية، وفتح الصاد في تصب مبنيًّا للمفعول، وعند المصنف في الأحكام، من وجه آخر عن شعبة: فإنك خلو من مصيبتي، بكسر الخاء المعجمة وسكون اللام، خاطبته بذلك (و) الحال أنها (لم تعرفه) إذ لو عرفته لم تخاطبه بهذا الخطاب. (فقيل لها:) وللحموي، وللمستملي: لم تصب بمصيبتي فقيل لها (إنه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وعند المؤلّف في الأحكام: فأمر بها رجل، فقال لها: إنه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وفي رواية أبي يعلى، من حديث أبي هريرة قال: فهل تعرفينه، قالت له: لا.وللطبراني في الأوسط، من طريق عطية، عن أنس: إن الذي سألها هو الفضل بن العباس، وزاد مسلم في رواية له: فأخذها مثل الموت، أي من شدة الكرب الذي أصابها لما عرفت أنه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وإنما اشتبه عليها -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأنه من تواضعه لم يكن يستتبع الناس وراءه إذا مشى كعادة الملوك والكبراء، مع ما كانت فيه من شاغل الوجد والبكاء.(فأتت) باب (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فلم تجد عنده بوابين) يمنعون الناس من الدخول عليه، وفي رواية الأحكام بوابًا بالإفراد.فإن قلت: ما فائدة هذه الجملة؟ أجاب شارح المسماة. بأنه لما قيل لها إنه النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- استشعرت خوفًا وهيبة في نفسها، فتصورت أنه مثل الملوك له حاجب أو بوّاب يمنع الناس من الوصول إليه، فوجدت الأمر بخلاف ما تصوّرته.(فقالت) معتذرة عما سبق منها، حيث قالت: إليك عني: (لم أعرفك) فاعذرني من تلك الردة وخشونتها (فقال) لها عليه الصلاة والسلام:(إنما الصبر) الكامل (عند الصدمة الأولى) الواردة على القلب، أي: دعي الاعتذار فإن من شيمتي أن لا أغضب إلا لله، وانظري، إلى تفويتك من نفسك الجزيل من الثواب بالجزع، وعدم الصبر أوّل فجأة المصيبة، فاغتفر لها عليه الصلاة والسلام تلك الجفوة لصدورها منها في حال مصيبتها، وعدم معرفتها به، وبين لها أن حق هذا الصبر أن يكون في أول الحال، فهو الذي يترتب عليه الثواب بخلاف ما بعد ذلك، فإنه على طول الأيام يسلو. كما يقع لكثير من أهل المصائب، بخلاف أوّل وقوع المصيبة، فإنه يصدم القلب بغتةوقد قيل: إن المرء لا يؤجر على المصيبة لأنها ليست من صنعه، وإنما يؤجر على حسن نيته، وجميل صبره. ومبحث ذلك يأتي إن شاء الله تعالى، في موضعه.فإن قلت: من أين تؤخذ مطابقة الحديث للترجمة؟ أجيب: من حيث أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لم ينه المرأة المذكورة عن زيارة قبر ميتها، وإنما أمرها بالصبر والتقوى، لما رأى من جزعها، فدلّ على الجواز، واستدلّ به على زيارة القبور، سواء كان الزائر رجلاً أو امرأة، وسواء كان المزور مسلمًا أو كافرًا لعدم الاستفصال في ذلك.قال النووي: وبالجواز قطع الجمهور، وقال صاحب الحاوي، أي: الماوردي: لا تجوز زيارة قبر الكافر وهو غلط. اهـ. وحجة الماوردي قوله تعالى: {{وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ}} [التوبة: 84] وفي الاستدلال بذلك نظر لا يخفى.وبالجملة: فتستحب زيارة قبور المسلمين للرجال، لحديث مسلم: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكر الآخرة".وسئل مالك عن زيارة القبور فقال: قد كان نهى عنه، ثم أذن فيه، فلو فعل ذلك إنسان ولم يقل إلا خيرًا لم أبي بذلك بأسًا.وعن طاوس: كانوا يستحبون أن لا يتفرقوا عن الميت سبعة أيام، لأنهم يفتنون ويحاسبون في قبورهم، سبعة أيام.وتكره للنساء لجزعهن، وأما حديث أبي هريرة المروي عند الترمذي، وقال حسن صحيح: "لعن الله زوّارات القبور"، فمحمول على ما إذا كانت زيارتهن للتعديد والبكاء والنوح على ما جرت به عادتهن، قال القرطبي: وحمل بعضهم حديث الترمذي في المنع على من تكثر الزيارة لأن زوارات للمبالغة. اهـ.ولو قيل بالحرمة في حقهن، في هذا الزمان، لا سيما نساء مصر، لما بعد لما في خروجهن من الفساد، ولا يكره لهن زيارة قبر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بل تندب وينبغي كما قال ابن الرفعة، والقمولي، أن تكون قبور سائر الأنبياء والأولياء كذلك.وفي الحديث:
    التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه في: الجنائز، والأحكام ومسلم في: الجنائز، وكذا أبو داود، والترمذي والنسائي.

    (بابُُ زِيَارَةِ القُبُورِ)أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم زِيَارَة الْقُبُور، وَلم يُصَرح بالحكم لما فِيهِ من الْخلاف بَين الْعلمَاء، وَيَأْتِي بَيَانه عَن قريب، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
    [ رقم الحديث عند عبدالباقي:1236 ... ورقمه عند البغا:1283 ]
    - حدَّثنا آدَمُ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ قَالَ حدَّثنا ثابِتٌ عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ مرَّ النبيُّ بامْرَأةٍ تَبْكِي عِنْدَ قَبْرٍ فقالَ اتَّقِي الله واصْبِرِي قالَتْ إلَيْكَ عَنِّي فإنَّكَ لَمْ تُصَبْ بِمُصِيبَتِي وَلَمْ تَعْرِفْهُ فَقِيلَ لَهَا إنَّهُ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأتَتْ بابَُ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمْ تَجِدْ عِنْدَهُ بَوَّابِينَ فقَالَتْ لَمْ أعْرِفْكَ فَقَالَ إنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأوُلَى..مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم ينْه الْمَرْأَة الْمَذْكُورَة عَن زيارتها قبر ميتها، وَإِنَّمَا أمرهَا بِالصبرِ، فَدلَّ على الْجَوَاز من هَذِه الْحَيْثِيَّة، فلعدم التَّصْرِيح بِهِ لم يُصَرح البُخَارِيّ أَيْضا بالحكم. وَقد مر هَذَا الحَدِيث بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد فِي: بابُُ قَول الرجل للْمَرْأَة عِنْد الْقَبْر: (اصْبِرِي) ، غير أَن هُنَا زِيَادَة من قَوْله: (قَالَت إِلَيْك عني. .) إِلَى آخِره.ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: القَوْل فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
    ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْجَنَائِز عَن بنْدَار عَن غنْدر وَفِي الْأَحْكَام عَن إِسْحَاق ابْن مَنْصُور. وَأخرجه مُسلم فِي الْجَنَائِز عَن بنْدَار عَن غنْدر وَعَن أبي مُوسَى وَعَن عقبَة بن مكرم وَعَن أَحْمد بن إِبْرَاهِيم وَزُهَيْر بن حَرْب. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن أبي مُوسَى مُحَمَّد بن الْمثنى. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن بنْدَار بِهِ مُخْتَصرا. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن عَمْرو بن عَليّ عَن غنْدر بِهِ وَفِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة عَن عَمْرو بن عَليّ عَن أبي دَاوُد عَنهُ بِهِ.ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (بِامْرَأَة) ، لم يُوقف على اسْمهَا. قَوْله: (عِنْد قبر) ، وَلَفظ مُسلم: (أَتَى على امْرَأَة تبْكي على صبي لَهَا فَقَالَ لَهَا: اتقِي الله واصبري، فَقَالَت: وَمَا تبالي؟ مصيبتي. فَلَمَّا ذهب قيل لَهَا: إِنَّه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَأَخذهَا مثل الْمَوْت فَأَتَت بابُُه فَلم تَجِد على بابُُه بوابين، فَقَالَت: يَا رَسُول الله لم أعرفك، فَقَالَ: إِنَّمَا الصَّبْر عِنْد أول صدمة. أَو قَالَ: عِنْد أول الصدمة) . وَفِي رِوَايَة عبد الرَّزَّاق: (قد أُصِيبَت بِوَلَدِهَا) . قَوْله: اتقِي الله) قَالَ الْقُرْطُبِيّ: الظَّاهِر أَنَّهَا كَانَت تنوح وَهِي تبْكي، فَلهَذَا أمرهَا بالتقوى، وَهُوَ الْخَوْف من الله تَعَالَى، وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: (اتقِي الله) تَوْطِئَة لقَوْله: (واصبري) كَأَنَّهُ قَالَ لَهَا: خافي غضب الله إِن لم تصبري وَلَا تجزعي ليحصل لَك الثَّوَاب، وَفِي رِوَايَة أبي نعيم فِي (الْمُسْتَخْرج) : (فَقَالَ: يَا أمة الله اتقِي الله) . قَوْله: (إِلَيْك) من أَسمَاء الْأَفْعَال وَمَعْنَاهَا: تَنَح عني وَأبْعد. قَوْله: (فَإنَّك لم تصب) ، على صِيغَة الْمَجْهُول، وَفِي لفظ للْبُخَارِيّ فِي الْأَحْكَام من وَجه آخر عَن شُعْبَة: (فَإنَّك خلو من مصيبتي) ، والخلو بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون اللَّام. وَفِي لفظ لمُسلم: (مَا تبالي مصيبتي) . وَفِي رِوَايَة أبي يعلى الْموصِلِي من حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَنَّهَا قَالَت: (يَا عبد الله أَنا الحراء الثكلاء، وَلَو كنت مصابا عذرتني) ، وَفِي بعض النّسخ بعد قَوْله: (فَإنَّك لم تصب بمصيبتي، وَلم تعرفه) . الْوَاو فِيهِ للْحَال أَي: قَالَت للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذَا القَوْل وَالْحَال أَنَّهَا لم تعرف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ لَو عَرفته لما خاطبته بِهَذَا الْخطاب. قَوْله: (فَقيل لَهَا) أَي: للْمَرْأَة الْمَذْكُورَة، فَكَأَن الْقَائِل لَهَا وَاحِد مِمَّن كَانَ هُنَاكَ، وَفِي رِوَايَة الْأَحْكَام: (فَمر بهَا رجل فَقَالَ لَهَا: إِنَّه رَسُول الله) . وَفِي رِوَايَة أبي يعلى: (قَالَ: فَهَل تعرفينه؟ قَالَت: لَا) وَفِي رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ فِي (الْأَوْسَط) من طَرِيق عَطِيَّة عَن أنس أَن الَّذِي سَأَلَهَا هُوَ الْفضل بن عَبَّاس، وَقد مر فِي رِوَايَة مُسلم: (فَأَخذهَا مثل الْمَوْت) أَي: من شدَّة الكرب الَّذِي أَصَابَهَا لما عرفت أَنه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خجلاً مِنْهُ ومهابة. قَوْله: (فَلم تَجِد عِنْده) أَي: لم تَجِد هَذِه الْمَرْأَة عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (بوابين) يمْنَعُونَ النَّاس، وَفِي رِوَايَة الْأَحْكَام: (بوابا) بِالْإِفْرَادِ. قَالَ الطَّيِّبِيّ: فَائِدَة هَذِه الْجُمْلَة أَنه لما قيل لَهَا: إِنَّه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم استشعرت خوفًا وهيبة فِي نَفسهَا، فتصورت أَنه مثل الْمُلُوك لَهُ صَاحب أَو بواب يمْنَع النَّاس من الْوُصُول إِلَيْهِ، فَوجدت الْأَمر بِخِلَاف مَا تصورته. قَوْله: (فَقَالَت: لم أعرفك) ، وَفِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة (فَقَالَت: وَالله مَا عرفتك) . قَوْله: (إِنَّمَا الصَّبْر) أَي: إِنَّمَا الصَّبْر الْكَامِل، ليَصِح معنى الْحصْر على الصدمة الأولى، وَفِي رِوَايَة الْأَحْكَام: (عِنْد أول صدمة) . وأصل الصدم لُغَة: الضَّرْب فِي الشَّيْء الصلب، ثمَّ استعير لكل أَمر مَكْرُوه، وَحَاصِل الْمَعْنى: أَن الصَّبْر الَّذِي يكون عِنْد الصدمة الأولى هُوَ الَّذِي يكون صبرا على الْحَقِيقَة، وَأما السّكُون بعد فَوَات الْمُصِيبَة رُبمَا لَا يكون صبرا، بل قد يكون سلواه، كَمَا يَقع لكثير من أهل المصائب، بِخِلَاف أول وُقُوع الْمُصِيبَة، فَإِنَّهُ يصدم الْقلب بَغْتَة فَلَا يكون السّكُون عِنْد ذَلِك، والرضى بالمقدور إلاَّ صبرا على الْحَقِيقَة. وَقَالَ الْخطابِيّ: الْمَعْنى أَن الصَّبْر الَّذِي يحمد عَلَيْهِ صَاحبه مَا كَانَ عِنْد مفاجأة الْمُصِيبَة، بِخِلَاف مَا بعد ذَلِك، فَإِنَّهُ على الْأَيَّام يسلو. وَقيل: إِن الْمَرْء لَا يُؤجر على الْمُصِيبَة لِأَنَّهَا لَيست من صنعه، وَإِنَّمَا يُؤجر على حسن نِيَّته وَجَمِيل صبره، وَقَالَ ابْن بطال: أَرَادَ أَن لَا يجْتَمع عَلَيْهَا مُصِيبَة الْهَلَاك وفقد الْأجر.ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: مَا كَانَ عَلَيْهِ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، من التَّوَاضُع والرفق بالجاهل، وَترك مُؤَاخذَة الْمُصَاب وَقبُول اعتذاره. وَفِيه: إِن الْحَاكِم لَا يَنْبَغِي لَهُ أَن يتَّخذ من يَحْجُبهُ عَن حوائج النَّاس. وَفِيه: أَن من أَمر بِمَعْرُوف يَنْبَغِي لَهُ أَن يقبل وَإِن لم يعرف الْآمِر. وَفِيه: أَن الْجزع من المنهيات لأَمره، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لَهَا بالتقوى مَقْرُونا بِالصبرِ. وَفِيه: التَّرْغِيب فِي احْتِمَال الْأَذَى عِنْد بذل النَّصِيحَة وَنشر الموعظة. وَفِيه: أَن المواجهة بِالْخِطَابِ إِذا لم تصادف الْمَنوِي لَا أثر لَهَا. وَبنى عَلَيْهِ بَعضهم مَا إِذا قَالَ: يَا هِنْد أَنْت طَالِق، فصادف عمْرَة أَن عمْرَة لَا تطلق. وَفِيه: جَوَاز زِيَارَة الْقُبُور مُطلقًا، سَوَاء كَانَ الزائر رجلا أَو امْرَأَة، وَسَوَاء كَانَ المزور مُسلما أَو كَافِرًا لعدم الْفَصْل فِي ذَلِك. وَقَالَ النَّوَوِيّ: وبالجواز قطع الْجُمْهُور، وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ: لَا يجوز زِيَارَة قبر الْكَافِر، مستدلاً بقوله تَعَالَى: وَلَا تقم على قَبره} (التَّوْبَة: 48) . وَهَذَا غلط. وَفِي الِاسْتِدْلَال
    بِالْآيَةِ الْمَذْكُورَة نظر لَا يخفى.وَاعْلَم أَن النَّاس اخْتلفُوا فِي زِيَارَة الْقُبُور، فَقَالَ الْحَازِمِي: أهل الْعلم قاطبة على الْإِذْن فِي ذَلِك للرِّجَال. وَقَالَ ابْن عبد الْبر: الْإِبَاحَة فِي زِيَارَة الْقُبُور إِبَاحَة عُمُوم، كَمَا كَانَ النَّهْي عَن زيارتها نهي عُمُوم، ثمَّ ورد النّسخ فِي الْإِبَاحَة على الْعُمُوم، فَجَائِز للرِّجَال وَالنِّسَاء زِيَارَة الْقُبُور، وروى فِي الْإِبَاحَة أَحَادِيث كَثِيرَة. مِنْهَا: حَدِيث بُرَيْدَة أخرجه مُسلم قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (نَهَيْتُكُمْ عَن زِيَارَة الْقُبُور، فزوروها. .) الحَدِيث، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ أَيْضا وَلَفظه: (قد كنت نَهَيْتُكُمْ عَن زِيَارَة الْقُبُور فقد أذن لمُحَمد فِي زِيَارَة قبر أمه فزوروها فَإِنَّهَا تذكر بِالآخِرَة) . وَمِنْهَا: حَدِيث ابْن مَسْعُود أخرجه ابْن مَاجَه عَنهُ: أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: (كنت نَهَيْتُكُمْ عَن زِيَارَة الْقُبُور، فزوروا الْقُبُور، فَإِنَّهَا تذكر فِي الدُّنْيَا وتذكر الْآخِرَة) . وَمِنْهَا: حَدِيث أنس أخرجه ابْن أبي شيبَة عَنهُ، قَالَ: (نهى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَن زِيَارَة الْقُبُور، ثمَّ قَالَ: زوروها وَلَا تَقولُوا هجرا) يَعْنِي سوأً. وَمِنْهَا: حَدِيث أبي هُرَيْرَة أخرجه أَبُو دَاوُد عَنهُ، قَالَ: (زار النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبر أمه فَبكى وأبكى من حوله، فَقَالَ: اسْتَأْذَنت رَبِّي فِي أَن اسْتغْفر لَهَا فَلم يَأْذَن لي واستأذنته فِي أَن أزورها فَأذن لي، فزوروا الْقُبُور فَإِنَّهَا تذكر الْمَوْت) . وَرَوَاهُ أَيْضا مُخْتَصرا. وَمِنْهَا: حَدِيث عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، أخرجه ابْن مَاجَه عَنْهَا: (أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، رخص فِي زِيَارَة الْقُبُور) . وَمِنْهَا: حَدِيث حَيَّان الْأنْصَارِيّ أخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) قَالَ: (خطب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم خَيْبَر. .) الحَدِيث، وَفِيه: (وَأحل لَهُم ثَلَاثَة أَشْيَاء كَانَ ينهاهم عَنْهَا: أحل لَهُم لُحُوم الْأَضَاحِي وزيارة الْقُبُور والأوعية) . وَمِنْهَا: حَدِيث أبي ذَر، أخرجه الْحَاكِم عَنهُ قَالَ: (قَالَ لي رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: زر الْقُبُور تذكر بهَا الْآخِرَة) . وَمِنْهَا: حَدِيث عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أخرجه أَحْمد عَنهُ: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: (إِنِّي كنت نَهَيْتُكُمْ عَن زِيَارَة الْقُبُور فزوروها فَإِنَّهَا تذكركم الْآخِرَة) . وَمِنْهَا: حَدِيث ابْن عَبَّاس، أخرجه أَحْمد عَنهُ: (مر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقبور فَأقبل عَلَيْهِم بِوَجْهِهِ فَقَالَ: السَّلَام عَلَيْكُم) . وَمِنْهَا: حَدِيث مجمع بن جَارِيَة، أخرجه ابْن أبي الدُّنْيَا: (أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انْتهى إِلَى الْمقْبرَة، فَقَالَ: السَّلَام على أهل الْقُبُور. .) الحَدِيث، وَفِيه: إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش.وَعَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، (أَنه أَتَى الْمقْبرَة فَسلم عَلَيْهِم، وَقَالَ رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسلم عَلَيْهِم) وَعند ابْن عبد الْبر، بِسَنَد صَحِيح: (مَا من أحد يمر بِقَبْر أَخِيه الْمُؤمن كَانَ يعرفهُ فِي الدُّنْيَا فَيسلم عَلَيْهِ إلاَّ عرفه ورد عَلَيْهِ السَّلَام) . وَلما أخرج التِّرْمِذِيّ حَدِيث بُرَيْدَة، قَالَ: وَالْعَمَل على هَذَا عِنْد أهل الْعلم: لَا يرَوْنَ بزيارة الْقُبُور بَأْسا. وَهُوَ قَول ابْن الْمُبَارك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق. وَلما روى حَدِيث أبي هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: (أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لعن الله زوارات الْقُبُور) ، قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح، ثمَّ قَالَ: وَقد رأى بعض أهل الْعلم أَن هَذَا كَانَ قبل أَن يرخص النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي زِيَارَة الْقُبُور، فَلَمَّا رخص دخل فِي رخصته الرِّجَال وَالنِّسَاء، وَقَالَ بَعضهم: إِنَّمَا تكره زِيَارَة الْقُبُور للنِّسَاء لقلَّة صبرهن وَكَثْرَة جزعهن. وروى أَبُو دَاوُد عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: (لعن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زائرات الْقُبُور والمتخذين عَلَيْهَا الْمَسَاجِد والسرج) ، وَاحْتج بِهَذَا الحَدِيث قوم، فَقَالُوا: إِنَّمَا اقْتَضَت الْإِبَاحَة فِي زِيَارَة الْقُبُور للرِّجَال دون النِّسَاء، وَقَالَ ابْن عبد الْبر: يُمكن أَن يكون هَذَا قبل الْإِبَاحَة. قَالَ: وتوقي ذَلِك للنِّسَاء المتجملات أحب إِلَيّ، وَإِمَّا الشواب فَلَا يُؤمن من الْفِتْنَة عَلَيْهِنَّ وبهن حَيْثُ خرجن، وَلَا شَيْء للْمَرْأَة أحسن من لُزُوم قَعْر بَيتهَا. وَلَقَد كره أَكثر الْعلمَاء خروجهن إِلَى الصَّلَوَات فَكيف إِلَى الْمَقَابِر؟ وَمَا أَظن سُقُوط فرض الْجُمُعَة عَلَيْهِنَّ إلاَّ دَلِيلا على إمساكهن عَن الْخُرُوج فِيمَا عَداهَا. قَالَ: وَاحْتج من أَبَاحَ زِيَارَة الْقُبُور للنِّسَاء، بِحَدِيث عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، رَوَاهُ فِي (التَّمْهِيد) من رِوَايَة بسطَام بن مُسلم عَن أبي التياح (عَن عبد الله بن أبي مليكَة: أَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، أَقبلت ذَات يَوْم من الْمَقَابِر، فَقلت لَهَا: يَا أم الْمُؤمنِينَ، من أَيْن أَقبلت؟ قَالَت: من قبر أخي عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَقلت لَهَا: أَلَيْسَ كَانَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ينْهَى عَن زِيَارَة الْقُبُور؟ قَالَت: نعم، كَانَ ينْهَى عَن زيارتها ثمَّ أَمر بزيارتها) ، وَفرق قوم بَين قَوَاعِد النِّسَاء وَبَين شبابُهن، وَبَين أَن ينفردن بالزيارة أَو يخالطن الرِّجَال، فَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: أما الشواب فَحَرَام عَلَيْهِنَّ الْخُرُوج، وَأما الْقَوَاعِد فمباح لَهُنَّ ذَلِك، قَالَ: وَجَائِز ذَلِك لجميعهن إِذا انفردن بِالْخرُوجِ عَن الرِّجَال. قَالَ: وَلَا يخْتَلف فِي هَذَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ أَيْضا: حمل بَعضهم حَدِيث التِّرْمِذِيّ فِي الْمَنْع على من يكثر
    الزِّيَارَة لِأَن زوارات للْمُبَالَغَة، وَيُمكن أَن يُقَال: إِن النِّسَاء إِنَّمَا يمنعن من إكثار الزِّيَارَة لما يُؤَدِّي إِلَيْهِ الْإِكْثَار من تَضْييع حُقُوق الزَّوْج والتبرج والشهرة والتشبه بِمن يلازم الْقُبُور لتعظيمها، وَلما يخَاف عَلَيْهَا من الصُّرَاخ وَغير ذَلِك من الْمَفَاسِد، وعَلى هَذَا يفرق بَين الزائرات والزوارات.وَفِي (التَّوْضِيح) : وَحَدِيث بُرَيْدَة صَرِيح فِي نسخ نهي زِيَارَة الْقُبُور، وَالظَّاهِر أَن الشّعبِيّ وَالنَّخَعِيّ لم يبلغهما أَحَادِيث الْإِبَاحَة.وَكَانَ الشَّارِع يَأْتِي قُبُور الشُّهَدَاء عِنْد رَأس الْحول فَيَقُول: السَّلَام عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ، فَنعم عُقبى الدَّار، وَكَانَ أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، يَفْعَلُونَ ذَلِك، وزار الشَّارِع قبر أمه، يَوْم الْفَتْح فِي ألف مقنع ذكره ابْن أبي الدُّنْيَا، وَذكر ابْن أبي شيبَة عَن عَليّ وَابْن مَسْعُود وَأنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، إجَازَة الزِّيَارَة، وَكَانَت فَاطِمَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، تزور قبر حَمْزَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، كل جُمُعَة. وَكَانَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، يزور قبر أَبِيه فيقف عَلَيْهِ وَيَدْعُو لَهُ، وَكَانَت عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، تزور قبر أَخِيهَا عبد الرَّحْمَن وقبره بِمَكَّة، ذكره أجمع عبد الرَّزَّاق. وَقَالَ ابْن حبيب: لَا بَأْس بزيارة الْقُبُور وَالْجُلُوس إِلَيْهَا وَالسَّلَام عَلَيْهَا عِنْد الْمُرُور بهَا، وَقد فعل ذَلِك رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَسُئِلَ مَالك عَن زِيَارَة الْقُبُور؟ فَقَالَ: قد كَانَ نهى عَنهُ ثمَّ أذن فِيهِ، فَلَو فعل ذَلِك إِنْسَان وَلم يقل إلاَّ خيرا لم أر بذلك بَأْسا. وَفِي (التَّوْضِيح) أَيْضا: وَالْأمة مجمعة على زِيَارَة قبر نَبينَا، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأبي بكر وَعمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا. وَكَانَ ابْن عمر إِذا قدم من سفر أُتِي قَبره المكرم فَقَالَ: السَّلَام عَلَيْك يَا رَسُول الله، السَّلَام عَلَيْك يَا أَبَا بكر، السَّلَام عَلَيْك يَا أبتاه. وَمعنى النَّهْي عَن زِيَارَة الْقُبُور إِنَّمَا كَانَ فِي أول الْإِسْلَام عِنْد قربهم بِعبَادة الْأَوْثَان واتخاذ الْقُبُور مَسَاجِد، فَلَمَّا استحكم الْإِسْلَام وَقَوي فِي قُلُوب النَّاس وَأمنت عبَادَة الْقُبُور وَالصَّلَاة إِلَيْهَا نسخ النَّهْي عَن زيارتها لِأَنَّهَا تذكر الْآخِرَة وتزهد فِي الدُّنْيَا وَعَن طَاوُوس: كَانُوا يستحبون أَن لَا يتفرقوا عَن الْمَيِّت سَبْعَة أَيَّام لأَنهم يفتنون ويحاسبون فِي قُبُورهم سَبْعَة أَيَّام، وَحَاصِل الْكَلَام من هَذَا كُله أَن زِيَارَة الْقُبُور مَكْرُوهَة للنِّسَاء، بل حرَام فِي هَذَا الزَّمَان، وَلَا سِيمَا نسَاء مصر لِأَن خروجهن على وَجه فِيهِ الْفساد والفتنة، وَإِنَّمَا رخصت الزِّيَارَة لتذكر أَمر الْآخِرَة وللاعتبار بِمن مضى وللتزهد فِي الدُّنْيَا.

    حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ـ رضى الله عنه ـ قَالَ مَرَّ النَّبِيُّ ﷺ بِامْرَأَةٍ تَبْكِي عِنْدَ قَبْرٍ فَقَالَ ‏"‏ اتَّقِي اللَّهَ وَاصْبِرِي ‏"‏‏.‏ قَالَتْ إِلَيْكَ عَنِّي، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَبْ بِمُصِيبَتِي، وَلَمْ تَعْرِفْهُ‏.‏ فَقِيلَ لَهَا إِنَّهُ النَّبِيُّ ﷺ‏.‏ فَأَتَتْ باب النَّبِيِّ ﷺ فَلَمْ تَجِدْ عِنْدَهُ بَوَّابِينَ فَقَالَتْ لَمْ أَعْرِفْكَ‏.‏ فَقَالَ ‏"‏ إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى ‏"‏‏.‏

    Narrated Anas bin Malik:The Prophet (ﷺ) passed by a woman who was weeping beside a grave. He told her to fear Allah and be patient. She said to him, "Go away, for you have not been afflicted with a calamity like mine." And she did not recognize him. Then she was informed that he was the Prophet (ﷺ) . so she went to the house of the Prophet (ﷺ) and there she did not find any guard. Then she said to him, "I did not recognize you." He said, "Verily, the patience is at the first stroke of a calamity

    Telah menceritakan kepada kami [Adam] telah menceritakan kepada kami [Syu'bah] telah menceritakan kepada kami [Tsabit] dari [Anas bin Malik radliallahu 'anhu] berkata,: Nabi Shallallahu'alaihiwasallam pernah berjalan melewati seorang wanita yang sedang menangis di sisi kubur. Maka Beliau berkata,: "Bertakwalah kepada Allah dan bersabarlah". Wanita itu berkata,: "Kamu tidak mengerti keadaan saya, karena kamu tidak mengalami mushibah seperti yang aku alami". Wanita itu tidak mengetahui jika yang menasehati itu Nabi Shallallahu'alaihiwasallam. Lalu diberi tahu: "Sesungguhnya orang tadi adalah Nabi Shallallahu'alaihiwasallam. Spontan wanita tersebut mendatangi rumah Nabi Shallallahu'alaihiwasallam namun dia tidak menemukannya. Setelah bertemu dia berkata; "Maaf, tadi aku tidak mengetahui anda". Maka Beliau bersabda: "Sesungguhnya sabar itu pada kesempatan pertama (saat datang mushibah)

    Enes İbn-İ Malik r.a. şöyle demiştir: Nebi Sallallahu Aleyhi ve Sellem bir kabrin başında ağlayan bir kadının yanına uğradı ve ona "Allah'tan kork ve sabret" dedi. Kadın: "Ben'den uzak dur. Benim başıma gelen musibet senin başına gelmiş değildir" dedi. Kadın'a "O Nebi idi" denilince kadın derhal Nebi (Sallallahu aleyhi ve Sellem)'in evine geldi. Nebi Sallallahu Aleyhi ve Sellem'in evinde kapıcıların (kapıda bekleyen hiç kimsenin) bulunmadığını gördü. (Onun huzuruna girerek) şöyle dedi: "Ben seni tanıyamadım (Ey Allah'ın Resulü!)." Nebi Sallallahu Aleyhi ve Sellem de ona şöyle buyurdu: "Sabır, musibet'in darbesini ilk yediğin anda göstereceğin davranıştır

    ہم سے آدم بن ابی ایاس نے بیان کیا ‘ کہا کہ ہم سے شعبہ نے بیان کیا ‘ ان سے ثابت نے بیان کیا اور ان سے انس بن مالک رضی اللہ عنہ نے کہ نبی کریم صلی اللہ علیہ وسلم کا گزر ایک عورت پر ہوا جو قبر پر بیٹھی رو رہی تھی۔ آپ صلی اللہ علیہ وسلم نے فرمایا کہ اللہ سے ڈر اور صبر کر۔ وہ بولی جاؤ جی پرے ہٹو۔ یہ مصیبت تم پر پڑی ہوتی تو پتہ چلتا۔ وہ آپ صلی اللہ علیہ وسلم کو پہچان نہ سکی تھی۔ پھر جب لوگوں نے اسے بتایا کہ یہ نبی کریم صلی اللہ علیہ وسلم تھے، تو اب وہ ( گھبرا کر ) نبی کریم صلی اللہ علیہ وسلم کے دروازہ پر پہنچی۔ وہاں اسے کوئی دربان نہ ملا۔ پھر اس نے کہا کہ میں آپ کو پہچان نہ سکی تھی۔ ( معاف فرمائیے ) تو آپ صلی اللہ علیہ وسلم نے فرمایا کہ صبر تو جب صدمہ شروع ہو اس وقت کرنا چاہیے ( اب کیا ہوتا ہے ) ۔

    আনাস ইবনু মালিক (রাঃ) হতে বর্ণিত। তিনি বলেন, নবী সাল্লাল্লাহু আলাইহি ওয়াসাল্লাম এক মহিলার পার্শ্ব দিয়ে যাচ্ছিলেন, যিনি কবরের পার্শ্বে ক্রন্দন করছিলেন। নবী সাল্লাল্লাহু আলাইহি ওয়াসাল্লাম বললেনঃ তুমি আল্লাহ্‌কে ভয় কর এবং ধৈর্য ধারণ কর। মহিলাটি বললেন, আমার নিকট থেকে প্রস্থান করুন। আপনার উপর তো আমার মত বিপদ উপস্থিত হয়নি। তিনি নবী সাল্লাল্লাহু আলাইহি ওয়াসাল্লাম -কে চিনতে পারেননি। পরে তাকে বলা হল, তিনি তো নবী সাল্লাল্লাহু আলাইহি ওয়াসাল্লাম। তখন তিনি নবী সাল্লাল্লাহু আলাইহি ওয়াসাল্লাম -এর দরজায় উপস্থিত হলেন, তাঁর কাছে কোন প্রহরী ছিল না। তিনি নিবেদন করলেন, আমি আপনাকে চিনতে পারিনি। তিনি বললেনঃ ধৈর্য তো বিপদের প্রাথমিক অবস্থাতেই (ধারণ করতে হয়)। [1] (১২৫২) (আধুনিক প্রকাশনীঃ ১২০০, ইসলামিক ফাউন্ডেশনঃ)

    அனஸ் பின் மாலிக் (ரலி) அவர்கள் கூறியதாவது: ஓர் அடக்கத் தலம் (கப்று) அருகில் அழுதுகொண்டிருந்த ஒரு பெண்ணை நபி (ஸல்) அவர்கள் கடந்து சென்றபோது, “அல்லாஹ்வை அஞ்சிக்கொள்! பொறுமையாக இரு” என்றார்கள். அதற்கு அப்பெண், “என்னைவிட்டு அகன்று செல்வீராக! எனக்கேற்பட்ட இத்துயரம் உமக்கு ஏற்படவில்லை” என்று -நபி (ஸல்) அவர்கள் யாரென அறியாமல்- கூறினார். அ(வரிடம் உரையாடிய)வர் நபி (ஸல்) அவர்கள் எனக் கூறப்பட்டதும் அப்பெண் நபி (ஸல்) அவர்கள் இருக்குமிடத்திற்கு வந்தார். -அங்கே நபியவர் களுக்குக் காவலாளிகள் யாரும் இருக்கவில்லை- நான் உங்களை (யாரென) அறியவில்லை” என நபி (ஸல்) அவர்களிடம் கூறினார். அப்போது “பொறுமை என்பது, துன்பம் தாக்கிய ஆரம்பத்தில் (கை கொள்வது)தான்” என நபி (ஸல்) அவர்கள் கூறினார்கள்.15 அத்தியாயம் :