• 2364
  • حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ ، قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْكُتُ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَبَيْنَ القِرَاءَةِ إِسْكَاتَةً - قَالَ أَحْسِبُهُ قَالَ : هُنَيَّةً - فَقُلْتُ : بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِسْكَاتُكَ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالقِرَاءَةِ مَا تَقُولُ ؟ قَالَ : " أَقُولُ : اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ ، كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ ، اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنَ الخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ ، اللَّهُمَّ اغْسِلْ خَطَايَايَ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالبَرَدِ "

    حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بْنُ القَعْقَاعِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ ، قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَسْكُتُ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَبَيْنَ القِرَاءَةِ إِسْكَاتَةً - قَالَ أَحْسِبُهُ قَالَ : هُنَيَّةً - فَقُلْتُ : بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِسْكَاتُكَ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالقِرَاءَةِ مَا تَقُولُ ؟ قَالَ : أَقُولُ : اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ ، كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ ، اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنَ الخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ ، اللَّهُمَّ اغْسِلْ خَطَايَايَ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالبَرَدِ

    هنية: الهنية : القليل من الزمان .
    الدنس: الدنس : الوسخ
    والبرد: البَرَدُ : الماء الجامد ينزل من السحاب قطعا صغارا ويسمى حب الغمام وحب المزن
    اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ ، كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ
    حديث رقم: 972 في صحيح مسلم كِتَابُ الْمَسَاجِدِ وَمَوَاضِعِ الصَّلَاةَ بَابُ مَا يُقَالُ بَيْنَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَالْقِرَاءَةِ
    حديث رقم: 685 في سنن أبي داوود كِتَاب الصَّلَاةِ أَبْوَابُ تَفْرِيعِ اسْتِفْتَاحِ الصَّلَاةِ
    حديث رقم: 334 في السنن الصغرى للنسائي كتاب المياه باب الوضوء بماء الثلج والبرد
    حديث رقم: 60 في السنن الصغرى للنسائي كتاب الطهارة باب الوضوء بالثلج
    حديث رقم: 890 في السنن الصغرى للنسائي كتاب الافتتاح باب الدعاء بين التكبيرة والقراءة
    حديث رقم: 802 في سنن ابن ماجة كِتَابُ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ ، وَالسُّنَّةُ فِيهَا بَابُ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ
    حديث رقم: 451 في صحيح ابن خزيمة كِتَابُ الصَّلَاةِ بَابُ إِبَاحَةِ الدُّعَاءِ بَعْدَ التَّكْبِيرِ وَقَبْلَ الْقِرَاءَةِ بِغَيْرِ مَا ذَكَرْنَا فِي
    حديث رقم: 1494 في صحيح ابن خزيمة كِتَابُ الْإِمَامَةِ فِي الصَّلَاةِ ، وَمَا فِيهَا مِنَ السُّنَنِ جُمَّاعُ أَبْوَابِ قِيَامِ الْمَأْمُومِينَ خَلْفَ الْإِمَامِ وَمَا فِيهِ مِنَ السُّنَنِ
    حديث رقم: 1541 في صحيح ابن خزيمة كِتَابُ الْإِمَامَةِ فِي الصَّلَاةِ ، وَمَا فِيهَا مِنَ السُّنَنِ جُمَّاعُ أَبْوَابِ قِيَامِ الْمَأْمُومِينَ خَلْفَ الْإِمَامِ وَمَا فِيهِ مِنَ السُّنَنِ
    حديث رقم: 7005 في مسند أحمد ابن حنبل مُسْنَدُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
    حديث رقم: 9591 في مسند أحمد ابن حنبل مُسْنَدُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
    حديث رقم: 10201 في مسند أحمد ابن حنبل مُسْنَدُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
    حديث رقم: 1807 في صحيح ابن حبان كِتَابُ الصَّلَاةِ بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ
    حديث رقم: 1805 في صحيح ابن حبان كِتَابُ الصَّلَاةِ بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ
    حديث رقم: 1806 في صحيح ابن حبان كِتَابُ الصَّلَاةِ بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ
    حديث رقم: 1808 في صحيح ابن حبان كِتَابُ الصَّلَاةِ بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ
    حديث رقم: 59 في السنن الكبرى للنسائي كِتَابُ الطَّهَارَةِ الْوُضُوءَ بِالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ
    حديث رقم: 952 في السنن الكبرى للنسائي الْعَمَلُ فِي افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ الدُّعَاءُ بَيْنَ التَّكْبِيرِ ، وَالْقِرَاءَةِ
    حديث رقم: 2812 في مصنّف بن أبي شيبة كِتَابُ الصَّلَاةِ
    حديث رقم: 28613 في مصنّف بن أبي شيبة كِتَابُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَهِّرْنِي بِالثَّلْجِ
    حديث رقم: 2172 في سنن الدارمي كِتَابُ الصَّلَاةِ
    حديث رقم: 2863 في السنن الكبير للبيهقي كِتَابُ الصَّلَاةِ
    حديث رقم: 309 في المنتقى لابن جارود كِتَابُ الصَّلَاةِ بَابُ السُّكُوتِ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ
    حديث رقم: 1100 في سنن الدارقطني كِتَابُ الصَّلَاةِ
    حديث رقم: 419 في السنن الصغير للبيهقي كِتَابُ الصَّلَاةِ بَابُ سَكْتَتَيِ الْإِمَامِ
    حديث رقم: 475 في المطالب العالية للحافظ بن حجر كِتَابُ الصَّلَاةِ صِفَةُ الصَّلَاةِ
    حديث رقم: 5975 في مسند أبي يعلى الموصلي مسند أبي يعلى الموصلي مُسْنَدُ أَبِي هُرَيْرَةَ
    حديث رقم: 1271 في مستخرج أبي عوانة بَابٌ فِي الصَّلَاةِ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ وَغَيْرِهِ بَابُ مَا يُقَالُ فِي السَّكْتَةِ لِتَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ وَالْقِرَاءَةِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى
    حديث رقم: 14149 في حلية الأولياء وطبقات الأصفياء حلية الأولياء وطبقات الأصفياء إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ
    حديث رقم: 5946 في مسند أبي يعلى الموصلي مسند أبي يعلى الموصلي مُسْنَدُ أَبِي هُرَيْرَةَ
    حديث رقم: 5963 في مسند أبي يعلى الموصلي مسند أبي يعلى الموصلي مُسْنَدُ أَبِي هُرَيْرَةَ
    حديث رقم: 1270 في مستخرج أبي عوانة بَابٌ فِي الصَّلَاةِ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ وَغَيْرِهِ بَابُ مَا يُقَالُ فِي السَّكْتَةِ لِتَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ وَالْقِرَاءَةِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى
    حديث رقم: 35 في شعار أصحاب الحديث لأبي أحمد الحاكم شعار أصحاب الحديث لأبي أحمد الحاكم بَابُ ذِكْرِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ السَّكْتَتَيْنِ فِي الصَّلَاةِ سُنَّةٌ
    حديث رقم: 1232 في الأوسط لابن المنذر كِتَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ ذِكْرُ سُؤَالِ الْعَبْدِ رَبَّهُ جَلَّ ثناؤُهُ مِنْ فَضْلِهِ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ
    حديث رقم: 1222 في الأوسط لابن المنذر كِتَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ وَجْهٌ رَابِعٌ مِمَّا يُدْعَا بِهِ بَعْدَ التَّكْبِيرِ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ
    حديث رقم: 1291 في الأوسط لابن المنذر كِتَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ ذِكْرُ اسْتِحْبَابِ سُكُوتِ الْإِمَامِ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ ؛ لَيَقْرَأَ مَنْ خَلْفَهُ فِي

    [744] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا أَبُو زرْعَة هُوَ بن عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ الْبَجَلِيِّ قَوْلُهُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْكُتُ ضَبَطْنَاهُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ مِنَ السُّكُوتِ وَحَكَى الْكِرْمَانِيُّ عَنْ بَعْضِ الرِّوَايَاتِ بِضَمِّ أَوَّلِهِ مِنَ الْإِسْكَاتِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ يُقَالُ تَكَلَّمَ الرَّجُلُ ثُمَّ سَكَتَ بِغَيْرِ أَلِفٍ فَإِذَا انْقَطَعَ كَلَامُهُ فَلَمْ يَتَكَلَّمْ قُلْتُ أَسْكَتَ قَوْلُهُ إِسْكَاتَةً بِكَسْرِ أَوَّلِهِ بِوَزْنِ إِفْعَالَةٍ مِنَ السُّكُوتِ وَهُوَ مِنَ الْمَصَادِرِ الشَّاذَّةِ نَحْوُ أُثْبِتُهُ إِثْبَاتَةً قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ سُكُوتٌ يَقْتَضِي بَعْدَهُ كَلَامًا مَعَ قِصَرِ الْمُدَّةِ فِيهِ وَسِيَاقُ الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ السُّكُوتَ عَنِ الْجَهْرِ لَا عَنْ مُطْلَقِ الْقَوْلِ أَوِ السُّكُوتَ عَنِ الْقِرَاءَةِ لَا عَنِ الذِّكْرِ قَوْلُهُ قَالَ أَحْسِبُهُ قَالَ هُنَيَّةً هَذِهِ رِوَايَةُ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زِيَادٍ بِالظَّنِّ وَرَوَاهُ جَرِيرٌ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَغَيره وبن فُضَيْل عِنْد بن مَاجَهْ وَغَيْرِهِ بِلَفْظِ سَكَتَ هُنَيَّةً بِغَيْرِ تَرَدُّدٍ وَإِنَّمَا اخْتَارَ الْبُخَارِيُّ رِوَايَةَ عَبْدِ الْوَاحِدِ لِوُقُوعِ التَّصْرِيحِ بِالتَّحْدِيثِ فِيهَا فِي جَمِيعِ الْإِسْنَادِ وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ الْمُرَادُ أَنَّهُ قَالَ بَدَلَ إِسْكَاتَةٍ هُنَيَّةً قُلْتُ وَلَيْسَ بِوَاضِحٍ بَلِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ شَكَّ هَلْ وَصَفَ الْإِسْكَاتَةَ بِكَوْنِهَا هُنَيَّةً أَمْ لَا وَهُنَيَّةٌ بِالنُّونِ بِلَفْظِ التَّصْغِيرِ وَهُوَ عِنْدَ الْأَكْثَرِ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَذَكَرَ عِيَاضٌ وَالْقُرْطُبِيُّ أَنَّ أَكْثَرَ رُوَاةِ مُسْلِمٍ قَالُوهُ بِالْهَمْزَةِ وَأَمَّا النَّوَوِيُّ فَقَالَ الْهَمْزُ خَطَأٌ قَالَ وَأَصْلُهُ هَنْوَةٌ فَلَمَّا صُغِّرَ صَارَ هُنَيْوَةً فَاجْتَمَعَتْ وَاوٌ وَيَاءٌ وَسُبِقَتْ إِحْدَاهُمَا بِالسُّكُونِ فَقُلِبَتِ الْوَاوُ يَاءً ثُمَّ أُدْغِمَتْ قَالَ غَيْرُهُ لَا يَمْنَعُ ذَلِكَ إِجَازَةَ الْهَمْزِ فَقَدْ تُقْلَبُ الْيَاءُ هَمْزَةً وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ هُنَيْهَةً بِقَلْبِهَا هَاءً وَهِيَ رِوَايَةُ إِسْحَاقَ وَالْحُمَيْدِيِّ فِي مُسْنَدَيْهِمَا عَنْ جَرِيرٍ قَوْلُهُ بِأَبِي وَأُمِّي الْبَاءُ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفِ اسْمٍ أَوْ فِعْلٍ وَالتَّقْدِيرُ أَنْتَ مَفْدِيٌّ أَوْ أَفْدِيكَ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ قَوْلِ ذَلِكَ وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ مِنْ خَصَائِصِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ إِسْكَاتُكَ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَهُوَ بِالرَّفْعِ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَقَالَ الْمُظَهَّرِيُّ شَارِحُ الْمَصَابِيحِ هُوَ بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ بِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ أَيْ أَسْأَلُكُ إسْكَاتَكَ أَوْ عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ انْتَهَى وَالَّذِي فِي رِوَايَتِنَا بِالرَّفْعِ لِلْأَكْثَرِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي وَالسَّرَخْسِيِّ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَضَمِّ السِّينِ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ وَفِي رِوَايَةِ الْحُمَيْدِيِّ مَا تَقُولُ فِي سَكْتَتِكَ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ وَلِمُسْلِمٍ أَرَأَيْتَ سُكُوتَكَ وَكُلُّهُ مُشْعِرٌ بِأَنَّ هُنَاكَ قَوْلًا لِكَوْنِهِ قَالَ مَا تَقُولُ وَلَمْ يَقُلْ هَلْ تَقُولُ نَبَّهَ عَلَيْهِ بن دَقِيقِ الْعِيدِ قَالَ وَلَعَلَّهُ اسْتَدَلَّ عَلَى أَصْلِ الْقَوْلِ بِحَرَكَةِ الْفَمِ كَمَا اسْتَدَلَّ غَيْرُهُ عَلَى الْقِرَاءَةِ بِاضْطِرَابِ اللِّحْيَةِ قُلْتُ وَسَيَأْتِي مِنْ حَدِيثِ خباب بعد بَاب وَنقل بن بَطَّالٍ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ سَبَبَ هَذِهِ السَّكْتَةِ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْرَأَالْمَأْمُومُ فِيهَا الْفَاتِحَةَ ثُمَّ اعْتَرَضَهُ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَقَالَ فِي الْجَوَابِ أَسْكُتُ لِكَيْ يقْرَأ من خَلْفي ورده بن الْمُنِيرِ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ أَخْبَرَهُ بِصِفَةِ مَا يَقُولُ أَنْ لَا يَكُونَ سَبَبُ السُّكُوتِ مَا ذَكَرَ انْتَهَى وَهَذَا النَّقْلُ مِنْ أَصْلِهِ غَيْرُ مَعْرُوفٍ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَلَا عَنْ أَصْحَابِهِ إِلَّا أَنَّ الْغَزَالِيَّ قَالَ فِي الْإِحْيَاءِ إِنَّ الْمَأْمُومَ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ إِذَا اشْتَغَلَ الْإِمَامُ بِدُعَاءِ الِافْتِتَاحِ وَخُولِفَ فِي ذَلِكَ بَلْ أَطْلَقَ الْمُتَوَلِّيُّ وَغَيْرُهُ كَرَاهَةَ تَقْدِيمِ الْمَأْمُومِ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ عَلَى الْإِمَامِ وَفِي وَجْهٍ إِنْ فَرَغَهَا قَبْلَهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَالْمَعْرُوفُ أَنَّ الْمَأْمُومَ يَقْرَؤُهَا إِذَا سَكَتَ الْإِمَامُ بَيْنَ الْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ وَهُوَ الَّذِي حَكَاهُ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّ الْمَأْمُومَ يَقُولُ دُعَاءَ الِافْتِتَاحِ كَمَا يَقُولُهُ الْإِمَامُ وَالسَّكْتَةُ الَّتِي بَيْنَ الْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ ثَبَتَ فِيهَا حَدِيثُ سَمُرَةَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ قَوْلُهُ بَاعِدْ الْمُرَادُ بِالْمُبَاعَدَةِ مَحْوُ مَا حَصَلَ مِنْهَا وَالْعِصْمَةُ عَمَّا سَيَأْتِي مِنْهَا وَهُوَ مَجَازٌ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْمُبَاعَدَةِ إِنَّمَا هِيَ فِي الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَمَوْقِعُ التَّشْبِيهِ أَنَّ الْتِقَاءَ الْمشرق وَالْمغْرب مُسْتَحِيل فَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَن لَا يَبْقَى لَهَا مِنْهُ اقْتِرَابٌ بِالْكُلِّيَّةِ وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ كَرَّرَ لَفْظَ بَيْنَ لِأَنَّ الْعَطْفَ عَلَى الضَّمِيرِ الْمَجْرُورِ يُعَادُ فِيهِ الْخَافِضُ قَوْلُهُ نَقِّنِي مَجَازٌ عَنْ زَوَالِ الذُّنُوبِ وَمَحْوِ أَثَرِهَا وَلَمَّا كَانَ الدَّنَسُ فِي الثَّوْبِ الْأَبْيَضِ أَظْهَرَ مِنْ غَيْرِهِ مِنَ الْأَلْوَانِ وَقَعَ التَّشْبِيهُ بِهِ قَالَهُ بن دَقِيقِ الْعِيدِ قَوْلُهُ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ ذِكْرُ الثَّلْجِ وَالْبَرَدَ تَأْكِيدٌ أَوْ لِأَنَّهُمَا مَا آن لَمْ تَمَسَّهُمَا الْأَيْدِي وَلَمْ يَمْتَهِنْهُمَا الِاسْتِعْمَالُ وَقَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ عَبَّرَ بِذَلِكَ عَنْ غَايَةِ الْمَحْوِ فَإِنَّ الثَّوْبَ الَّذِي يَتَكَرَّرُ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ مُنَقِّيَةٌ يَكُونُ فِي غَايَةِ النَّقَاءِ قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مَجَازٌ عَنْ صِفَةٍ يَقَعُ بِهَا الْمَحْوُ وَكَأَنَّهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لنا وارحمنا وَأَشَارَ الطِّيبِيُّ إِلَى هَذَا بَحْثًا فَقَالَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمَطْلُوبُ مِنْ ذِكْرِ الثَّلْجِ وَالْبَرَدِ بَعْدَ الْمَاءِ شُمُولَ أَنْوَاعِ الرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ بَعْدَ الْعَفْوِ لِإِطْفَاءِ حَرَارَةِ عَذَابِ النَّارِ الَّتِي هِيَ فِي غَايَةِ الْحَرَارَةِ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ بَرَّدَ اللَّهُ مَضْجَعَهُ أَيْ رَحِمَهُ وَوَقَاهُ عَذَابَ النَّارِ انْتَهَى وَيُؤَيِّدُهُ وُرُودُ وَصْفِ الْمَاءِ بِالْبُرُودَةِ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى عِنْدَ مُسْلِمٍ وَكَأَنَّهُ جَعَلَ الْخَطَايَا بِمَنْزِلَةِ جَهَنَّمَ لِكَوْنِهَا مُسَبَّبَةً عَنْهَا فَعَبَّرَ عَنْ إِطْفَاءِ حَرَارَتِهَا بِالْغَسْلِ وَبَالَغَ فِيهِ بِاسْتِعْمَالِ الْمُبَرِّدَاتِ تَرَقِّيًا عَنِ الْمَاءِ إِلَى أَبْرَدِ مِنْهُ وَقَالَ التُّورِبِشْتِيُّ خَصَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهَا مُنَزَّلَةٌ مِنَ السَّمَاءِ وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي الدَّعَوَاتِ الثَّلَاثِ إِشَارَةٌ إِلَى الْأَزْمِنَةِ الثَّلَاثَةِ فَالْمُبَاعَدَةُ لِلْمُسْتَقْبَلِ وَالتَّنْقِيَةُ لِلْحَالِ وَالْغَسْلُ لِلْمَاضِي انْتَهَى وَكَأَنَّ تَقْدِيمَ الْمُسْتَقْبَلِ لِلِاهْتِمَامِ بِدَفْعِ مَا سَيَأْتِي قَبْلَ رَفْعِ مَا حَصَلَ وَاسْتُدِلَّ بِالْحَدِيثِ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الدُّعَاءِ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ خِلَافًا لِلْمَشْهُورِ عَنْ مَالِكٍ وَوَرَدَ فِيهِ أَيْضًا حَدِيثُ وَجَّهْتُ وَجْهِيَ إِلَخْ وَهُوَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ لَكِنْ قَيَّدَهُ بِصَلَاةِ اللَّيْل وَأخرجه الشَّافِعِي وبن خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُمَا بِلَفْظِ إِذَا صَلَّى الْمَكْتُوبَةَ وَاعْتَمَدَهُ الشَّافِعِي فِي الْأُم وَفِي التِّرْمِذِيّ وصحيح بن حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الِافْتِتَاحُ بِسُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَنَقَلَ السَّاجِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ اسْتِحْبَابَ الْجَمْعِ بَين التَّوْجِيه وَالتَّسْبِيح وَهُوَ اخْتِيَار بن خُزَيْمَةَ وَجَمَاعَةٍ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَصَحُّ مَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ الدُّعَاءِ فِي الصَّلَاةِ بِمَا لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ ثُمَّ هَذَا الدُّعَاءُ صَدَرَ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ فِي إِظْهَارِ الْعُبُودِيَّةِ وَقِيلَ قَالَهُ عَلَى سَبِيلِ التَّعْلِيمِ لِأُمَّتِهِ وَاعْتُرِضَ بِكَوْنِهِ لَوْ أَرَادَ ذَلِكَ لَجَهَرَ بِهِ وَأُجِيبَ بِوُرُودِ الْأَمْرِ بِذَلِكَ فِي حَدِيثِ سَمُرَةَ عِنْدَ الْبَزَّارِ وَفِيهِ مَا كَانَ الصَّحَابَةُ عَلَيْهِ مِنَ الْمُحَافَظَةِ عَلَى تَتَبُّعِ أَحْوَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَرَكَاتِهِ وَسَكَنَاتِهِ وإِسْرَارِهِ وَإِعْلَانِهِ حَتَّى حَفِظَ اللَّهُ بِهِمُ الدِّينَ وَاسْتَدَلَّبِهِ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى أَنَّ الثَّلْجَ وَالْبَرَدَ مطهران واستبعده بن عَبْدِ السَّلَامِ وَأَبْعَدُ مِنْهُ اسْتِدْلَالُ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ بِهِ عَلَى نَجَاسَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ (قَوْلُهُ بَابٌ) كَذَا فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ وَكَرِيمَةَ بِلَا تَرْجَمَةٍ وَكَذَا قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ بَابٌ بِلَا تَرْجَمَةٍ وَسَقَطَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَأَبِي الْوَقْتِ وَكَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ أَبُو نُعَيْمٍ وَعَلَى هَذَا فَمُنَاسَبَةُ الْحَدِيثِ غَيْرُ ظَاهِرَةٍ لِلتَّرْجَمَةِ وَعَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِ لَفْظِ بَابٍ فَهُوَ كَالْفَصْلِ مِنَ الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ كَمَا قَرَّرْنَاهُ غَيْرَ مَرَّةٍ فَلَهُ بِهِ تَعَلُّقٌ أَيْضًا قَالَ الْكِرْمَانِيُّ وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ أَنَّ دُعَاءَ الِافْتِتَاحِ مُسْتَلْزِمٌ لِتَطْوِيلِ الْقِيَامِ وَحَدِيثُ الْكُسُوفِ فِيهِ تَطْوِيلُ الْقِيَامِ فَتَنَاسَبَا وَأَحْسَنُ مِنْهُ مَا قَالَ بن رَشِيدٍ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْمُنَاسَبَةُ فِي قَوْلِهِ حَتَّى قُلْتَ أَيْ رَبِّ أَوْ أَنَا مَعَهُمْ لِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ دُعَاءٌ فَفِيهِ مُنَاجَاةٌ وَاسْتِعْطَافٌ فَيَجْمَعُهُ مَعَ الَّذِي قَبْلَهُ جَوَازُ دُعَاءِ اللَّهِ وَمُنَاجَاتِهِ بِكُلِّ مَا فِيهِ خُضُوعٌ وَلَا يَخْتَصُّ بِمَا وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ خِلَافًا لبَعض الْحَنَفِيَّة قَوْله أَو أَنا مَعَهُمْ كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ بَعْدَهَا وَاوٌ عَاطِفَةٌ وَهِيَ عَلَى مُقَدَّرٍ وَفِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ بِحَذْفِ الْهَمْزَةِ وَهِيَ مُقَدَّرَةٌ

    [744] حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بْنُ الْقَعْقَاعِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْكُتُ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَبَيْنَ الْقِرَاءَةِ إِسْكَاتَةً -قَالَ أَحْسِبُهُ قَالَ هُنَيَّةً- فَقُلْتُ: بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِسْكَاتُكَ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ مَا تَقُولُ؟ قَالَ: أَقُولُ اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَاىَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنَ الْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْ خَطَايَاىَ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ». وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري التبوذكي (قال: حدّثنا عبد الواحد بن زياد) العبدي البصري (قال: حدّثنا عمارة بن القعقاع (قال: حدّثنا أبو زرعة) هرم، أو عبد الرحمن، أو عمرو، أو جرير بن عمرو البجلي، (قال: حدّثنا أبو هريرة قال: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يسكت) بفتح أوله (بين التكبير وبين القراءة إسكاتة) بكسر الهمزة بوزن إفعالة، وهو من المصادر الشاذة إذ القياس سكوتًا، وهو منصوب مفعولاً مطلقًا، أي سكوتًا يقتضي كلامًا بعده. (قال) أبو زرعة (أحسبه) أي أظن أبا هريرة (قال: هنية) بضم الهاء وفتح النون وتشديد المثناة التحتية من غير همز -كذا عند الأكثر أي: يسيرًا وللكشميهني والأصيلي: هنيهة بهاء بعد المثناة الساكنة. وفي نسخة: هنيئة بهمزة مفتوحة بعد المثناة الساكنة، قال عياض والقرطبي: وأكثر رواة مسلم قالوه بالهمز، لكن قال النووي: إنه خطأ، قال: وأصله هنوة، فلما صغرت صارت هنيوة، فاجتمعت واو وياء وسبقت إحداهما بالسكون، فقلبت الواو ثم أدغمت. وتعقب بأنه لا يمنع ذلك إجازة الهمزة، فلقد تقلب الواو همزة. (فقلت بأبي وأمي) أي أنت مفدى أو أفديك بهما (يا رسول الله إسكاتك) بكسر الهمزة وسكون السين والرفع، قال في الفتح: وهو الذي في رواية الأكثرين، وأعربه مبتدأ، لكنه لم يذكر خبره، أو هو منصوب على ما قاله المظهري، أي أسألك إسكاتك، أو في إسكاتك وللمستملي والسرخسي: أسكاتك؟ بفتح الهمزة وضم السين على الاستفهام، ولهما في نسخة أسكوتك؟ (بين التكبير والقراءة) ولأبي ذر، والأصيلي، وأبي الوقت، وابن عساكر: وبين القراءة (ما تقول) فيه؟ (قال) عليه الصلاة والسلام: (أقول) فيه (اللهمّ باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت) أي كتبعيدك (بين المشرق والمغرب) هذا من المجاز لأن حقيقة المباعدة إنما هي في الزمان والمكان، أي: امح ما حصل من خطاياي، خل بيني وبين ما يخاف من وقوعه حتى لا يبقى لها مني اقتراب بالكلية. وهذا الدعاء صدر منه عليه الصلاة والسلام على سبيل المبالغة في إظهار العبودية، وقيل: إنه على سبيل التعليم لأمته، وعورض بكونه: لو أراد ذلك لجهر به، وأجيب بورود الأمر بذلك في حديث سمرة عند البزار وأعاد لفظ: بين هنا ولم يقل: وبين المغرب لأن العطف على الضمير المخفوض يعاد معه العامل بخلاف الظاهر، كذا قرره الكرماني، لكن يرد عليه قوله: بين التكبير وبين القراءة. (اللهمَّ نقني من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس) أي الوسخ وقاف نقني بالتشديد في الموضعين. وهذا مجاز عن إزالة الذنوب ومحو أثرها. وشبه بالثوب الأبيض لأن الدنس فيه أظهر من غيره من الألوان (اللهمّ اغسل خطاياي بالماء والثلج) بالمثلثة وسكون اللام، وفي اليونينية بفتحها (والبرد) بفتح الراء. وذكر الأخيرين بعد الأول للتأكيدأو لأنهما ماءان لم تمسّهما الأيدي ولم يمتهنهما الاستعمال قاله الخطابي. واستدلّ بالحديث على مشروعية دعاء الافتتاح بعد التحرم بالفرض أو النفل خلافًا للمشهور عن مالك. وفي مسلم حديث عليّ: وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفًا وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله ربّ العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين. زاد ابن حبان: لكن قيده بصلاة الليل. وأخرجه الشافعي وابن خزيمة وغيرهما بلفظ: إذا صلّى المكتوبة، واعتمده الشافعي في الأم. وفي الترمذي وصحيح ابن حبّان من حديث أبي سعيد: الافتتاح بسبحانك اللهمّ وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدّك، ولا إله غيرك. ونقل الساجي عن الشافعي استحباب الجمع بين التوجيه والتسبيح، وهو اختيار ابن خزيمة وجماعة من الشافعية، ويسنّ الإسرار في السرية والجهرية. ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين كوفي وبصري، وفيه التحديث والقول، وأخرجه ابن ماجة. 90 - باب وزاد الأصيلي هنا (باب) بالتنوين من غير ترجمة، وسقط من رواية أبوي ذر والوقت وابن عساكر. ووجه مناسبة الحديث الآتي للسابق في قوله: حتى قلت: أي رب وأنا معهم. لأنه وإن لم يكن فيه دعاء ففيه مناجاة واستعطاف، فيجمعه مع السابق جواز دعاء الله تعالى ومناجاته بكل ما فيه خضوع، ولا يختص بما ورد في القرآن لبعض الحنفية. قاله ابن رشيد فيما نقله في فتح الباري.


    [ رقم الحديث عند عبدالباقي:723 ... ورقمه عند البغا:744 ]
    - حَدَّثَنَا موسى بن إِسْمَاعِيل: ثنا عَبْد الواحد بن زياد: ثنا عمارة بن القعقاع: ثنا أبو زُرْعَة: ثنا أبو هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يسكت بَيْن التكبير وبين القراءة إسكاتة - قَالَ: أحسبه قَالَ: هنية -، فَقُلْت: بأبي وأمي يَا رَسُول الله، إسكاتك بَيْن التكبير وبين القراءة، مَا تَقُول: ((أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بَيْن المشرق والمغرب، اللهم نقني من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسل خطاياي بالماء والثلج والبرد)) .قَالَ الخطابي: قوله: ((إسكاتة)) وزن إفعالة، من السكوت، ومعناه: سكوت يقتضي بعده كلاماً، أو قراءة مَعَ قصر المدة فِيهِ، وإنما أراد ترك رفع الصوت، ألا تراه يَقُول: مَا تَقُول فِي إسكاتك.
    قَالَ: وقوله: ((اللهم اغسل خطاياي بالماء والثلج والبرد)) ، فإنها أمثال، ولم يرد أعيان هذه المسميات، وإنما أراد التوكيد فِي التطهير، والثلج والبرد ماءان، لَمْ تمسهما الأيدي، ولم يمرس ولم يمتهن.قَالَ: وفيه مستدل لمن منع من الماء المستعمل؛ لأنه يَقُول: إن منزلة الخطايا المغسولة بالماء بمنزلة الأوضار الحالة فِي الماء والغسولات المانعة من التطهير.قَالَ: وعندي فِي قوله: ((اغسل خطاياي)) عجائب. انتهى مَا ذكره.وكأنه يشير إلى مسألة العصمة، ولا حاجة إلى ذكرها.ولما كَانَتْ الذنوب تؤثر فِي القلب دنساً، وَهُوَ المذكور فِي قوله تعالى: {{كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}} [المطففين:14] وتوجب للقلب احترافاً؛ طلب فِي هَذَا الدعاء المباعدة بينه وبينها عَلَى أقصى وجوه المباعدة، والمراد: المباعدة من تأثيراتها وعقوباتها الدنيوية والأخروية.وربما دَخَلَ فِيهِ المباعدة بَيْن مَا قدر مِنْهَا ولم يعلمه بعد، فطلب مباعدته مِنْهُ، عَلَى نحو قوله: ((أعوذ بك من شر مَا عملت وما لَمْ أعمل)) .وطلب - أَيْضاً - أن ينقي قلبه من دنسها كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس.وطلب - أَيْضاً - إطفاء حرارتها وحريقها للقلب بأعظم مَا يوجد فِي الدنيا إنقاء وتبريداً، وَهُوَ الماء والثلج والبرد.وفي حَدِيْث عَائِشَة، أن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُول فِي دعائه: ((اللهم اغسل
    خطاياي بالثلج والبرد، وأنق قلبي من الخطايا كما أنقيت الثوب الأبيض من الدنس، وباعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بَيْن المشرق والمغرب)
    ) .وقد خرجه البخاري فِي موضع آخر، وخرجه مُسْلِم - أَيْضاً.وإنما كَانَ يدعو فِي افتتاح الصلاة المكتوبة بهذا - والله أعلم -؛ لأن الصلوات الخمس تكفر الذنوب والخطايا، كما قَالَ تعالى: {{وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}} [هود: 114] ، فإقامة الصلوات المفروضات عَلَى وجهها يوجب مباعدة الذنوب، ويوجب - أَيْضاً - إنقاءها وتطهيرها؛ فإن((مثل الصلوات الخمس كمثل نهر جار، يغتسل فِيهِ كل يوم خمس مرات)) وقد تقدم الحَدِيْث فِي ذَلِكَ، ويوجب - أَيْضاً - تبريد الحريق الَّذِي تكسبه الذنوب وإطفاءه.وخرج الطبراني من حَدِيْث ابن مَسْعُود - مرفوعاً -: ((تحترقون [تحترقون] حَتَّى إذا صليتم الفجر غسلتها، ثُمَّ تحترقون تحترقون حَتَّى إذا صليتم الظهر غسلتها، ثُمَّ تحترقون تحترقون حَتَّى إذا صليتم العصر غسلتها، ثُمَّ تحترقون تحترقون فإذا صليتم المغرب غسلتها، ثُمَّ تحترقون تحترقون فإذا صليتم العشاء غسلتها)) .
    وقد روي موقوفاً، وَهُوَ أشبه.وخرج - أَيْضاً - من حَدِيْث أَنَس - مرفوعاً -: ((إن الله ملكاً ينادي عِنْدَ كل صلاة ك يَا بني آدم، قوموا إلى نيرانكم الَّتِيْ أوقدتموها عَلَى أنفسكم فأطفئوها)) .وخرج الإسماعيلي من حَدِيْث عُمَر بْن الخَطَّاب - مرفوعاً -: ((يجرقون، فإذا صلوا الصبح غسلت الصلاة مَا كَانَ قبلها)) حَتَّى ذكر الصلوات الخمس.ولما كَانَتْ الصلاة صلة بَيْن العبد وربه، وكان المصلي يناجي ربه، وربه يقربه مِنْهُ، لَمْ يصلح للدخول فِي الصلاة إلا من كَانَ طاهراً فِي ظاهره وباطنه؛ ولذلك شرع للمصلي أن يتطهر بالماء، فيكفر ذنوبه بالوضوء، ثُمَّ يمشي إلى المساجد فيكفر ذنوبه بالمشي، فإن بقي من ذنوبه شيء كفرته الصلاة.قَالَ سُلَيْمَان الفارسي: الوضوء يكفر الجراحات الصغار، والمشي إلى المسجد يكفر أكثر من ذَلِكَ، والصلاة تكفر أكثر من ذَلِكَ.خرجه مُحَمَّد بْن نصر المروزي وغيره.فإذا قام المصلي بَيْن يدي ربه فِي الصلاة وشرع فِي مناجاته، شرع لَهُ أول مَا يناجي ربه أن يسأل ربه أن يباعد بينه وبين مَا يوجب لَهُ البعد من ربه، وَهُوَ الذنوب، وأن يطهره مِنْهَا؛ ليصلح حينئذ للتقريب والمناجاة،
    فيستكمل فوائد الصلاة وثمراتها من المعرفة والأنس والمحبة والخشية، فتصير صلاته ناهية لَهُ عَن الفحشاء والمنكر، وهي الصلاة النافعة.وقد روي، أَنَّهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يستعيذ من صلاة لا تنفع.خرجه أبو داود.وخرجه البزار فِي ((مسنده)) بإسناد فِيهِ ضعف، عَن سمرة بْن جندب، أن رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُول لنا: ((إذا صلى أحدكم فليقل: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بيني وبين المشرق والمغرب، اللهم إني أعوذ بك أن تصد عني وجهك يوم القيامة، اللهم نقني من خطاياي كما ينقي الثوب الأبيض من الدنس، اللهم أحيني مسلماً وتوفني مسلماً)) .وهذا حَدِيْث غريب.والاستعاذة من الإعراض مناسبة لهذا المقام؛ فإن المصلي قائم بَيْن يدي اللهلمناجاته، فيحسن أن يستعيذ بِهِ من أن يعرض بوجهه عَنْهُ.وفي حَدِيْث أَبِي هُرَيْرَةَ جواز التفدية بالأبوين، وفيه كلام يذكر فِي موضع آخر ذو القعدة إن شاء الله تعالى.وحديث أَبِي هُرَيْرَةَ استدل بِهِ من يَقُول: إنه يستحب استفتاح [الصلاة] بذكر قَبْلَ الشروع فِي القراءة، وَهُوَ قَوْلِ أكثر العلماء، ثُمَّ اختلفوا:فَقَالَ كثير منهم: يستحب استفتاح الصلاة بقول:
    ((سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك)) .صح هَذَا عَن عُمَر بْن الخَطَّاب، روي عَنْهُ من وجوه كثيرة، وعن ابن مَسْعُود، وروي عَن أَبِي بَكْر الصديق وعثمان بْن عَفَّانَ، وعن الْحَسَن وقتادة والنخعي، وَهُوَ قَوْلِ الأوزاعي والثوري وأبي حنيفة وابن المبارك وأحمد وإسحاق - فِي رِوَايَة.وقد روي فِي ذَلِكَ أحاديث مرفوعة من وجوه متعددة، أجودها: من حَدِيْث أَبِي سَعِيد وعائشة.
    وَقَالَ الإمام أحمد: نذهب فِيهِ إلى حَدِيْث [عُمَر] ، وقد روي فِيهِ من وجوه ليست بذاك - فذكر حَدِيْث عَائِشَة وأبي هُرَيْرَةَ.فصرح بأن الأحاديث المرفوعة
    ليست قوية، وأن الاعتماد عَلَى الموقوف عَن الصَّحَابَة؛ لصحة مَا روي عَن عُمَر.وروي عَن أَبِي إِسْحَاق، عَن عَبْد الله بْن أَبِي الخليل، قالَ: سَمِعْت علياً حِينَ افتتح الصلاة قَالَ: لا إله إلا أنت سبحانك إني قَدْ ظلمت نفسي ظلماً كثيراً، فاغفر ذنوبي، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت.وروي عَن ابن عُمَر، أَنَّهُ افتتح الصلاة، فَقَالَ: الله أكبر كبيراً، وسبحان الله وبحمده بكرة وأصيلاً، اللهم اجعلك أحب شيء إلي، واخشى شيء عندي. وذهب طائفة إلى الاستفتاح بقول: ((وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً)) - الآيات، وما بعده من الدعاء.وقد خرجه مُسْلِم من حَدِيْث عَلِيّ بْن أَبِي طالب، أن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يستفتح بذلك، خرجه فِي ((أبواب: صلاة الليل)) .وخرجه الترمذي، وعنده: أن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يستفتح بِهِ فِي الصلاة المكتوبة.وفي إسناده مقال.وخرجه الطبراني من وجه آخر كذلك.وخرجه النسائي من رِوَايَة مُحَمَّد بْن مسلمة، أن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذا قام يصلي تطوعاً يَقُول ذَلِكَ.
    وممن ذهب إلى الاستفتاح بهذا: الشَّافِعِيّ وأصحابه وإسحاق - فِي رِوَايَة.وروي عَن عَلِيّ، أَنَّهُ كَانَ يستفتح بِهِ من وجه منقطع.وظاهر كلام الشَّافِعِيّ وبعض أصحابه: أَنَّهُ يستفتح بِهِ كله الإمام وغيره.وَقَالَ كثير من أصحابه: يقتصر الإمام عَلَى قوله: ((وأنا من المُسْلِمِين)) .وقالت طائفة: يجمع بَيْن قوله: ((سبحانك اللهم وبحمدك)) وقوله: ((وجهت وجهي)) .وَهُوَ قَوْلِ أَبِي يوسف وإسحاق - فِي رِوَايَة - وطائفة من الشافعية، ومنهم: أبو إِسْحَاق المروزي، وطائفة قليلة من أصحابنا.وقد ورد فِي الجمع بَيْنَهُمَا أحاديث غير قوية الأسانيد.وكل هَذَا عَلَى وجه الاستحباب، فلو لَمْ يستفتح الصلاة بذكر، بل بدأ بالقراءة صحت صلاته، ولو استفتح بشيء مِمَّا ورد حصلت بِهِ سَنَة الاستفتاح عِنْدَ الإمام أحمد وغيره من العلماء، ولو كَانَ الأفضل عِنْدَ بعضهم غيره.وَقَالَ أحمد فِي رِوَايَة الميموني: مَا أحسن حَدِيْث أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الاستفتاح - يعني: الحَدِيْث الَّذِي خرجه البخاري هاهنا - فَقِيلَ لَهُ: فإن بعض النَّاس يَقُول: هَذَا كلام؟ فَقَالَ - متعجباً -: وهل الدعاء إلا كلام فِي الصلاة ويجوز.والمنكر لهذا هُوَ من يَقُول من الكوفيين: إنه لا يجوز الدعاء فِي الصلاة إلا بلفظ القرآن، فأما الثناء عَلَى الله فمتفق عَلَى جوازه فِي الصلاة.وهذا مِمَّا يرجح
    بِهِ الاستفتاح بـ ((سبحانك اللهم وبحمدك)) ؛ لاشتماله عَلَى أفضل الكلام، فإنه إذا جمع مَعَ التكبير صار متضمناً لقول: ((سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر)) ، وقد قَالَ النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيهن: ((إنهن أفضل الكلام بعد القرآن)) .وذهبت طائفة قليلة: إلى أن من ترك الاستفتاح عمداً أعاد صلاته، منهم: ابن بطة وغيره من أصحابنا، وربما حكي رِوَايَة عَن أحمد.وَقَالَ الحكم: إذا قَالَ: سبحان الله حِينَ يفتتح الصلاة والحمد لله أجزأه.وهذا يشعر بوجوبه.وَقَالَ إِسْحَاق: إن تركه عمداً فهو مسيء، ولا يتبين لِي إيجاب الإعادة؛ لما ذكر فِي غير حَدِيْث، أن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذا كبر قرأ فاتحة الكتاب.وحكي الترمذي عَن بعض أهل الكوفة: أن حَدِيْث عَلِيّ بْن أَبِي طالب يعمل بِهِ فِي التطوع دون الفريضة.وكذلك خرجه مُسْلِم فِي ((أبواب قيام الليل)) .وَقَالَ أحمد - فِي رِوَايَة ابن منصور -: أنا أذهب إلى قَوْلِ ابن عُمَر، وإن قَالَ كما روي عَن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلا بأس، وعامة مَا قَالَ فِي صلاة الليل.وَقَالَ الوليد بْن مُسْلِم: ذكرت ذَلِكَ لسعيد بْن عَبْد العزيز، فأخبرني
    عَن المشيخة، أنهم كانوا يقولون: هؤلاء الكلمات حِينَ يقبلون بوجوههم إلى القبلة، قَبْلَ تكبيرة الاستفتاح - يعني: ((وجهت وجهي)) - قَالَ: ثُمَّ يتبعون تكبيرة الاستفتاح بـ ((سبحانك وبحمدك)) إلى آخره.وذهب مَالِك إلى أَنَّهُ لا يشرع الاستفتاح فِي الصلاة، بل يتبع التكبير بقراءة الفاتحة.وحكاه الإمام أحمد - فِي رِوَايَة حَنْبل - عَن ابن مَسْعُود وأصحابه.وهذا غريب.واستدل لمن ذهب إلى هَذَا القول بظاهر حَدِيْث أَنَس الَّذِي خرجه البخاري هاهنا فِي أول الباب.وقد تقدم عَن إِسْحَاق، أَنَّهُ استدل بِهِ عَلَى أن الاستفتاح غير واجب.وحمله آخرون عَلَى أن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يتركه أحياناً؛ ليبين أَنَّهُ غير واجب.وحمله آخرون عَلَى أن المراد بِهِ: أن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يبدأ بقراءة الفاتحة قَبْلَ السورة، ولم يرد بِهِ نفي الاستفتاح والتعوذ، فالمراد بِهِ - حينئذ - استفتاح قراءة الصلاة بالفاتحة.وعلى هَذَا حمله الشَّافِعِيّ وأصحابه.ويدل عَلِيهِ: أن الترمذي خرج هَذَا الحَدِيْث من رِوَايَة أَبِي عوانة، عَن قتادة، عَن أَنَس، قَالَ: كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبو بَكْر وعمر وعثمان يفتتحون القراءة بـ{{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}} ، ولو كَانَتْ رِوَايَة شعبة الَّتِيْ خرجها البخاري عَلَى ظاهرها فِي افتتاح الصلاة لذلت عَلَى أن الصلاة
    تفتتح بكلمة: {{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}} دون التكبير، ولم يقل أحد: إن هَذَا هُوَ المراد من هَذَا الحَدِيْث.وَقَالَ آخرون: المراد من حَدِيْث أَنَس: أن القراءة فِي الصلاة الجهرية تفتتح بكلمة {{الْحَمْدُ لِلَّهِ}} دون البسملة.واستدلوا لذلك بما خرجه مُسْلِم فِي ((صحيحه)) من طريق غندر، عَن شعبة، قَالَ: سَمِعْت قتادة يحدث، عَن أَنَس، قَالَ: صليت مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبي بَكْر وعمر وعثمان فَلَمْ أسمع أحداً منهم يقرأ ((بسم الله الرحمن الرحيم)) .وخرجه - أَيْضاً - من طريق أَبِي داود، عَن شعبة، وزاد: قَالَ شعبة: فَقُلْت لقتادة: أسمعته من أنس؟ قَالَ: نَعَمْ، نحن سألناه عَنْهُ.ففي هذه الرواية: تصريح قتادة بسماعه لَهُ من أَنَس، فبطل بذلك [تخيل] من أعل الحَدِيْث بتدليس قتادة.وخرجه مُسْلِم - أَيْضاً - من طريق الأوزاعي، عَن عبدة، أن عُمَر بْن الخَطَّاب كَانَ يجهر بهؤلاء الكلمات، يَقُول: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك.وعن قتادة، أَنَّهُ كتب إليه يخبره عَن أَنَس بْن مَالِك، أَنَّهُ حدثه، قَالَ: صليت خلف النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبي بَكْر وعمر وعثمان، فكانوا يستفتحون بـ {{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}} لا يذكرون ((بسم الله الرحمن الرحيم)) ، لا فِي أول قراءة ولا آخرها.
    وعن الأوزاعي، قَالَ: أخبرني إِسْحَاق بْن عَبْد الله بْن أَبِي طلحة، أَنَّهُ سَمِعَ أَنَس بْن مَالِك يذكر ذَلِكَ.فهذه الرواية صحيحة، متصلة الإسناد بالسماع المُتَّصِل عَن قتادة، وإسحاق عَن أَنَس.وقد روي حَدِيْث شعبة، عَن قتادة بالفاظ آخر.فرواه وكيع، عَن شعبة، عَن قتادة، عَن أَنَس، قَالَ: صليت خلف النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وخلف أَبِي بَكْر وعمر وعثمان، فكانوا لا يجهرون بـ ((بسم الله الرحمن الرحيم)) .خرجه الإمام أحمد، عَن وكيع.وخرجه الدارقطني من طرق، عَن شعبة - بنحوه.ومن طريق شيبان وهمام عَن قتادة - أَيْضاً - بنحوه.ومن طريق زيد بْن الحباب، عَن شعبة، وَقَالَ فِي حديثه: فَلَمْ أسمع ـحد منهم يجهر بـ ((بسم الله الرحمن الرحيم)) .وكذا رواه سَعِيد بْن أَبِي عروبة وحجاج، عَن قتادة، عَن أَنَس.وخرجه النسائي من رِوَايَة سَعِيد بْن أَبِي عروبة وشعبة، كلاهما عَن قتادة، ولفظه: فَلَمْ أسمع أحداً منهم يجهر بِهَا.وخرجه أبو يعلى الموصلي من طريق غندر، عَن شعبة، ولفظه: لَمْ يكونوا يستفتحون الصلاة بـ ((بسم الله الرحمن الرحيم)) . قُلتُ لقتادة:
    أسمعته من أَنَس؟ قَالَ: نَعَمْ، ونحن سألناه عَنْهُ.ورواه الأعمش، عَن شعبة، فَقَالَ: عَن ثابت، عَن أَنَس - بنحو هَذَا اللفظ.وأخطأ فر قوله: ((ثابت)) ، إنما هُوَ: ((عَن قتادة)) -: قاله أبو حاتم الرَّازِي والترمذي فِي ((كِتَاب العلل)) .وقيل: إن الخطأ من عمار بْن رزيق، رِوَايَة عَن الأعمش.وقد روي عَن شعبة، عَن قتادة وحميد وثابت، عَن أنس من وجه آخر فِيهِ نظر.ورواه يزيد بْن هارون، عَن حماد، عَن قتادة وثابت، عَن أَنَس.وخرجه الإمام أحمد عَن أَبِي كامل، عَن حماد بْن سَلَمَة، عَن ثابت وقتادة وحميد، عَن أَنَس، أن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبا بَكْر وعمر كانوا يفتتحون القراءة بـ {{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}} .ورواه حماد بْن سَلَمَة فِي ((كتابه)) كذلك، [إلا] أَنَّهُ قَالَ: لَمْ يذكر حميد فِي روايته: النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.يعني: أن حميداً وحده وقفه، ولم يرفعه.وقد رواه مَالِك فِي ((الموطإ)) عَن حميد، عَن أَنَس، قَالَ: قمت وراء أَبِي بَكْر وعمر وعثمان، فكلهم لا يقرأ: ((بسم الله الرحمن الرحيم))
    إذا افتتح الصلاة.وقد رفعه عَن مَالِك الوليد بْن مُسْلِم وأبو قرة الزبيدي وإسماعيل بْن موسى السدي وابن وهب - من رِوَايَة ابن أخيه عَنْهُ.والصحيح عَن مَالِك: ليس فِيهِ ذكر النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكذا الصحيح عَن حميد.قَالَ أحمد: حميد لَمْ يرفعه.وذكر الدارقطني جماعة رووه عَن حميد ورفعوه، منهم: معمر وابن عُيَيْنَة والثقفي وأبو بَكْر بْن عياش ومروان بْن معاوية وغيرهم.ثُمَّ قَالَ: والمحفوظ: أن حميداً رواه عَن أَنَس، وشك فِي رفعه، وأخذه عَن قتادة، عَن أنس مرفوعاً.وخرج النسائي من رِوَايَة أَبِي حَمْزَة، عَن منصور بْن زاذان، عَن أَنَس، قَالَ: صلى بنا رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يسمعنا قراءة ((بسم الله الرحمن الرحيم)) ، وصلى بنا أبو بَكْر وعمر فَلَمْ نسمعها منهما.وروى مُحَمَّد بْن أَبِي السري، عَن معتمر بْن سُلَيْمَان، عَن أَبِيه، عَن الْحَسَن، عَن أَنَس، أن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يسر ((بسم الله الرحمن الرحيم)) وأبو بَكْر وعمر.خرجه الطبراني.وروي من وجه آخر، عَن الْحَسَن، عَن أَنَس.وروي عَن أَنَس من وجوه أخر، مِنْهَا: عَن أَبِي قلابة وثمامة وعائذ بْن شريح وغيرهم.
    وقد اعترض طائفة من العلماء عَلَى هَذَا، بأن حَدِيْث أَنَس اختلفت ألفاظه، والمحفوظ من ذَلِكَ رِوَايَة من قَالَ: كَانَ يفتتح الصلاة - أو القراءة - بـ {{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}} ، كما هِيَ الرواية الَّتِيْ خرجها البخاري، وهذه الرواية تحتمل أن المراد: افتتاح القراءة بقراءة سورة الفاتحة دون غيرها من السور.وزعم الدارقطني: أن عامة أصْحَاب قتادة رووه عَنْهُ كذلك، منهم: أيوب وحميد، وأنه المحفوظ عَن قتادة وغيره، عَن أَنَس.وكذلك رواه جماعة عَن شعبة كما خرجه البخاري، عَن أَبِي عُمَر الحوضي، عَنْهُ، كذا رواه يَحْيَى القطان ويزيد بْن هارون، عَن شعبة.وكذلك ذكر الشَّافِعِيّ: أن أصْحَاب حميد خالفوا مالكاً فِي لفظ حديثه الَّذِي خرجه فِي ((الموطإ)) ، وقالوا: كانوا يفتتحون قراءتهم بـ {{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّالْعَالَمِينَ}} وذكر منهم سبعة أو ثمانية، منهم: ابن عُيَيْنَة والفزاري والثقفي.والجواب عَن ذَلِكَ: أن مَا ذكروه من اخْتِلاَف ألفاظ الرواية يدل عَلَى أنهم كانوا يروون الحَدِيْث بالمعنى، ولا يراعون اللفظ، فإذا كَانَ أحد الألفاظ محتملاً، والآخر صريحاً لا احتمال فِيهِ، علم أنهم أرادوا باللفظ المحتمل هُوَ مَا دل عَلَيْهَا اللفظ الصريح الَّذِي لا احتمال فِيهِ، وأن معناهما عندهم واحد، وإلا لكان الرواة قَدْ رووا الحَدِيْث الواحد بألفاظ مختلفة متناقضة، ولا يظن ذَلِكَ بهم مَعَ علمهم وفقههم وعدالتهم وورعهم.لا سيما وبعضهم قَدْ زاد فِي الحَدِيْث زيادة تنفي كل احتمال وشك، وهي
    عدم ذكر قراءة البسملة فِي القراءة، وهذه زيادة من ثقات عدول حفاظ، تقضي عَلَى كل لفظ محتمل، فكيف لا تقبل؟ لا سيما وممن زاد هذه الزيادة الأوزاعي فقيه أهل الشام وإمامهم وعالمهم، مَعَ مَا اشتهر من بلاغته وفصاحته وبلوغه الذروة العليا من ذَلِكَ.والذي رَوَى نفي قراءة البسملة من أصْحَاب حميد هُوَ مَالِك، ومالك مَالِك فِي فقهه وعلمه وورعه وتحريه فِي الرواية، فكيف ترد روايته المصرحة بهذا المعنى برواية شيوخ ليسوا فقهاء لحديث حميد بلفظ محتمل؟فالواجب فِي هَذَا ونحوه: أن تجعل الرواية الصريحة مفسرة للرواية المحتملة؛ فإن هَذَا من بَاب عرض المتشابه عَلَى المحكم، فأما رد الروايات الصريحة للرواية المحتملة فغير جائز، كما لا يجوز رد المحكم للمتشابه.ومن زعم: أن ألفاظ الحَدِيْث متناقضة فلا يجوز الاحتجاج بِهِ فَقَدْ أبطل، وخالف مَا عَلِيهِ أئمة الإسلام قديماً وحديثاً فِي الاحتجاج بهذا الحَدِيْث والعمل بِهِ.وأيضاً؛ فأي فائدة فِي رِوَايَة أَنَس أو غيره: أن القراءة تفتتح بفاتحة الكتاب، فتقرأ الفاتحة قَبْلَ السورة، وهذا أمر معلوم من عمل الأمة، لَمْ يخالف فِيهِ منهم أحد، ولا اختلف فِيهِ اثنان، لا يحتاج إلى الإخبار بِهِ، كما أن أحداً من الصَّحَابَة لَمْ يرو فِي أمور الصلاة مَا كَانَ مقرراً عِنْدَ الأمة، لا يحتاج إلى الإخبار بِهِ، مثل عدد الركعات بعد استقرارها أربعاً، ومثل الجهر فيما يجهر بِهِ والإسرار فيما يسر، ونحو ذَلِكَ مِمَّا لا فائدة فِي الإخبار بِهِ.فكذلك ابتداء القراءة بالفاتحة، لا يحتاج إلى الإخبار بِهِ، ولا إلى السؤال عَنْهُ، وقد كَانَ أَنَس يسأل عَن هَذَا - كما قَالَ قتادة: نحن سألناه عَنْهُ، وقد تقدم - وكان يَقُول - أحياناً -: مَا سألني عَن هَذَا أحد.
    وروي عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: مَا أحفظه.وهذا يدل عَلَى أَنَّهُ مِمَّا يخفى عَلَى السائل والمسئول، ولو كَانَ السؤال عَن الابتداء بقراءة الفاتحة لَمْ يخف عَلَى سائل ولا مسئول عَنْهُ.فخرج الإمام أحمد من طريق شعبة: قَالَ قتادة: سألت أَنَس بْن مَالِك: بأي شيء كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يستفتح القراءة؟ قَالَ: إنك لتسألني عَن شيء مَا سألني عَنْهُ أحد.ومن طريق سَعِيد، عَن قتادة، قَالَ: قُلتُ لأنس - فذكره.قَالَ: وحدثنا إِسْمَاعِيل - يعني: ابن علية -: ثنا سَعِيد بْن يزيد: أنا قتادة - أبو مسلمة -، قَالَ: قُلتُ لأنس.قَالَ أحمد: وحدثنا غسان بْن مضر، عَن أَبِي مسلمة سَعِيد بْن يزيد، قَالَ: سألت أَنَس بْن مَالِك: أكان رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقرأ ((بسم الله الرحمن الرحيم)) أو{{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}} ؟ فَقَالَ: إنك تسألني عَن شيء مَا أحفظه، أو مَا سألني عَنْهُ أحد قبلك.وخرجه من هَذَا الوجه ابن خزيمة والدارقطني، وصحح إسناده.
    وقد ذكرنا أَنَّهُ مختلف فِيهِ، وعلى تقدير أن يكون محفوظاً، فالمراد: هَلْ كَانَ يقرأ البسملة فِي نفسه، أم لا؟ فَلَمْ يكن عنده مِنْهُ علم؛ لأنه لَمْ يسمع قراءتها، فلا يدري: هَلْ كَانَ يسرها، أم لا؟وأيضاً؛ فَقَدْ شك الرَّاوي: هَلْ قَالَ: ((لا أحفظه)) ، أو ((مَا سألني عَنْهُ أحد قبلك)) ، فالظاهر: أَنَّهُ إنما قَالَ: ((مَا سألني عَنْهُ أحد قبلك)) ، كما رواه شعبة وغيره عَن قتادة، كما تقدم.وعلى تقدير: أن يكون قَالَ: ((مَا أحفظه)) ، فيجوز أن يكون نسي مَا أخبر بِهِ قتادة وغيره من قَبْلَ ذَلِكَ، ويكون قَالَ ذَلِكَ عِنْدَ كبره وبعد عهده بما سئل عَنْهُ.قَالَ ابن عَبْد البر: من حفظ عَنْهُ حجة عَلَى من سأله فِي حال نسيانه. واللهأعلم.فإن قيل: فَقَدْ رَوَى الأوزاعي، عَن إِسْحَاق بْن عَبْد الله بْن أَبِي طلحة، عَن أَنَس، أن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبا بَكْر وعمر وعثمان كانوا يستفتحون بأم القرآن، فيما يجهر فِيهِ.خرجه ابن جوصة والدارقطني.وهذا صريح فِي أن المراد ابتداء القراءة بفاتحة الكتاب.قيل: ليس المراد الإخبار بأنهم كانوا يقرءون أم القرآن قَبْلَ سور سواها؛ فإن هذه لا فائدة فِيهِ إنما المراد: أنهم كانوا لا يقرءون قَبْلَ أم القرآن شيئاً يجهرون بِهِ فِي الصلاة، فتدخل فِي ذَلِكَ البسملة؛ فإنها ليست من أم القرآن.ويدل على هَذَا شيئان:
    أحدهما: أن رِوَايَة الأوزاعي الَّتِيْ فِي ((صحيح مُسْلِم)) : لا يذكرون ((بسم الله الرحمن الرحيم)) فِي أول قراءة ولا آخرها.والأوزاعي إمام فقيه عندما يروي، فرواياته كلها متفقة. أن الأوزاعي كَانَ يأخذ بهذا الحَدِيْث الَّذِي رواه، ولا يرى قراءة البسملة قَبْلَ الفاتحة من أولا جهراً، وسنذكر قوله فِي ذَلِكَ فيما بعد - إن شاء الله - سبحانه وتعالى -.وقد عارض بعضهم حَدِيْث أَنَس هَذَا بما خرجه البخاري فِي ((فضل القرآن)) من ((صحيحه)) هَذَا: حَدَّثَنَا عَمْرِو بْن عاصم: ثنا همام، عَن قتادة، قَالَ: سئل أَنَس: كَيْفَ كَانَتْ قراءة رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قَالَ: كَانَتْ مداً، ثُمَّ قرأ: ((بسم الله الرحمن الرحيم)) ، يمد بـ ((بسم الله)) ، ويمد بـ ((الرحمن)) ويمد بـ ((الرحيم)) .وخرجه - أَيْضاً - من طريق جرير بْن حَازِم، عَن قتادة - إلى قوله: ((مداً)) ، ولم يذكر: ((ثُمَّ قرأ)) وما بعده.وقد ذكر ابن أَبِي خيثمة فِي ((كتابه)) : أن يَحْيَى بْن معين سئل عَن حَدِيْث جرير هَذَا، فَقَالَ: ليس بشيء.قُلتُ: وروايات جرير بْن حَازِم عَنْ قتادة فيها مناكير -: قاله الإمام أحمد ويحيى وغير واحد.وقد تابعه عَلَى هَذَا: همام.قَالَ: وروي عَن قتادة مرسلاً، وَهُوَ أشبه -: ذكره فِي ((العلل)) .
    قُلتُ: وقد روي بإسناد فِيهِ لين، عَن حرب بْن شداد، عَن قتادة، قَالَ: سألت أَنَس بْن مَالِك: كَيْفَ كَانَتْ قراءة النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قَالَ: كَانَ إذا قرأ مد صوته مداً.خرجه الطبراني.وفي الجملة؛ فتفرد عَمْرِو بْن عاصم عَن همام بذكر البسملة فِي هَذَا الحَدِيْث.وقد روي عَن شعبة، عَن همام بدون هذه الزيادة.خرجه أبو الحسين بن المظفر فِي ((غرائب شعبة)) .وعلى تقدير أن تكون محفوظة، فليس فِي الحَدِيْث التصريح بقراءته فِي الصلاة، فَقَدْ يكون وصف قراءته فِي غير الصلاة، ويحتمل - وَهُوَ أشبه -: أن يكون أَنَس أو قتادة قرأ: ((بسم الله الرحمن الرحيم)) عَلَى هَذَا الوجه، وأراد تمثيل قراءته بالمد، ولم يرد بِهِ حكاية عين قراءته للبسملة.ويشهد بهذا: مَا خرجه أبو داود من حَدِيْث ابن جُرَيْج، عَن ابن أَبِي مليكة، عَن أم سَلَمَة، ذكرت قراءة رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((بسم الله الرحمن الرحيم)) . {{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}} ، يقطع قراءته آية آية.وخرجه الترمذي ولم يذكر فِي أوله البسملة، وزاد: وكان يقرأها {{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}} .وقراءة هذه الآيات عَلَى هَذَا الوجه إنما هُوَ من حكاية ابن جُرَيْج
    لحديث أم سَلَمَة، وقولها: كَانَ النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقطع قراءته آية آية، كذلك قاله النسائي وأبو داود السجستاني، حكاه عنهما أبو بَكْر بْن أَبِي داود فِي كتابه ((المصاحف)) .وكذا قَالَ الإمام أحمد فِي رِوَايَة ابن الْقَاسِم، وقالوا: ابن جُرَيْج هُوَ الَّذِي قرأ{{ملِكِ}} ، وليس ذَلِكَ فِي حَدِيْث أم سَلَمَة.يدل على صحة هَذَا: مَا خرجه الإمام أحمد من طريق نَافِع، عَن ابن أَبِي مليكة، عَن بعض أزواج النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ نَافِع: أراها حَفْصَةَ -، أنها سئلت عَن قراءة النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فَقَالَتْ: إنكم لا تستطيعونها، فَقِيلَ: أخبرينا بِهَا، فقرأت قراءة ترسلت فيها. قَالَ نَافِع: فحكى لنا ابن أَبِي مليكة: {{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}} ، ثُمَّ قطع {{الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}} ، ثُمَّ قطع {{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}} .ففي هذه الرواية: تصريح ابن جُرَيْج بأن هذه القراءة إنما هِيَ حكاية مَا قرأ لهم ابن أَبِي مليكة.وفي لفظ الحَدِيْث اختلاف فِي ذكر البسملة وإسقاطها.وفي إسناده - أَيْضاً - اخْتِلاَف؛ فَقَدْ أدخل الليث بْن سعد فِي روايته عَن ابن أَبِي مليكة بينه وبين أم سليمة: يعلى بْن مملك، وصحح روايته الترمذي وغيره.وَقَالَ النسائي فِي يعلى هَذَا: ليس بمشهور.وَقَالَ بعضهم: عَن يعلى، عَن عَائِشَة.وقد ذكر الاختلاف فِيهِ الدارقطني فِي ((علله)) ، وذكر أن عُمَر بْن
    هارون زاد فِيهِ: عَن ابن جُرَيْج، وعد: ((بسم الله الرحمن الرحيم)) آية.وعمر بْن هارون، لا يلتفت إلى تفرد بِهِ.وقد يكون ابن جُرَيْج عدها آية - أو ابن أَبِي مليكة.ومن زعم: أَنَّهُ صحيح؛ لتخريج ابن خزيمة لَهُ، فَقَدْ وهم.ومن زعم من متقدمي الفقهاء أن حفص بْن غياث رواه عَن ابن جُرَيْج كذلك وأنه أخبره بِهِ عَنْهُ غير واحد، فَقَدْ وهم، ورواه بالمعنى الَّذِي فهمه هُوَ، وَهُوَ وأمثاله من الفقهاء يروون بالمعنى الَّذِي يفهمونه، فيغيرون معنى الحَدِيْث.وحديث حفص مشهور، مخرج فِي المسانيد والسنن باللفظ المشهور.وقد ادعى طائفة: أن حَدِيْث قتادة وإسحاق بْن أَبِي طلحة ومن تابعهما عَن أَنَس كما تقدم معارض بروايات أخر عَن أَنَس، تدل عَلَى الجهر بالبسملة، فإما أن تتعارض الروايات وتسقط، أو ترجح رِوَايَة الجهر؛ لأن الإثبات مقدم عَلَى النفي.فروى الشَّافِعِيّ: نا عَبْد المجيد بْن عَبْد العزيز، عَن ابن جُرَيْج، قَالَ: أخبرني عَبْد الله بْن عُثْمَان بْن خثيم، أن أَبَا بَكْر بْن حفص بْن عُمَر أخبره، أن أنس بْن مَالِك قَالَ: صلى معاوية بالمدينة صلاة، فجهر فيها بالقراءة، فقرأ: ((بسم الله الرحمن الرحيم)) لأم القرآن، ولم يقرأ بِهَا للسورة الَّتِيْ بعدها حَتَّى قضى تلك القراءة، ولم يكبر حَتَّى قضى تلك، فلما سلم ناداه من شهد ذَلِكَ من المهاجرين من كل مكان: يَا معاوية: أسرقت
    الصلاة، أم نسيت؟ فلما صلى بعد ذَلِكَ قرأ ((بسم الله الرحمن الرحيم)) للسورة الَّتِيْ بعد أم القرآن، وكبر حِينَ يهوي ساجداً.ورواه عَبْد الرزاق عَن ابن جُرَيْج بهذا الإسناد، وَقَالَ فِيهِ: فَلَمْ يقرأ ((بسم الله الرحمن الرحيم)) لأم القرآن، ولم يقرأ بِهَا للسورة التي بعدها.وخرجه الشافعي - أيضا - عن إبراهيم بن محمد - هو: ابن أبي يحيى -: حدثني عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة، عن أبيه، أن معاوية قدم المدينة فصلى بهم، ولم يقرأ: ((بسم الله الرحمن الرحيم)) ، ولم يكبر إذا رفع.ورواه - أَيْضاً - عَن يَحْيَى بْن سليم، عَن عَبْد الله بْن عُثْمَان بْن خثيم، عَن إِسْمَاعِيل بْن عُبَيْدِ بن رِفَاعَة، عَن أَبِيه - فذكر بنحوه.قَالَ الشَّافِعِيّ: وأحسب هَذَا الإسناد أحفظ من الإسناد الأول.قَالَ البيهقي: ورواه إِسْمَاعِيل بْن عياش، عَن ابن خثيم، عَن
    إِسْمَاعِيل ابن عُبَيْدِ بْن رِفَاعَة، عن أبيه، عَن جده، أن معاوية قدم المدينة.قَالَ: ويحتمل أن يكون ابن خثيم سمعه منهما، والله أعلم. انتهى.فعلى طريقة الشَّافِعِيّ فِي ترجيح الإسناد الثاني عَلَى الحَدِيْث، ليس هَذَا الحَدِيْث من رِوَايَة أَنَس بْن مَالِك بالكلية، فلا يكون معارضاً لروايات أَنَس الصحيحة الثابته.وعلى التقدير الآخر، فليس هَذَا الحَدِيْث مرفوعاً، وإنما فِيهِ إنكار من كَانَ حاضراً تلك الصلاة من المهاجرين، وإنما حضر ذَلِكَ قليل منهم؛ فإن أكابرهم توفوا قَبْلَ ذَلِكَ، فغاية هَذَا: أن يكون موقوفاً عَلَى جماعة من الصَّحَابَة، فكيف ترد بِهِ الرواية المرفوعة، وليس فِيهِ تصريح بإنكار ترك الجهر بالبسملة، بل يحتمل أنهم إنما أنكروا قراءتها فِي الجملة، وذلك محتمل بأن يكون معاوية وصل تكبيرة الإحرام بقراءة {{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}} من غير سكوت بَيْنَهُمَا يتسع للبسملة، ثُمَّ وصل الفاتحة بقراءة سورة من غير سكوت يتسع للبسملة.ورواية ابن جُرَيْج صريحة فِي أن معاوية لَمْ يقرأ البسملة مَعَ الفاتحة - ?? أَيْضاً -، فيدل هَذَا عَلَى اتفاقهم عَلَى أن البسملة ليست من الفاتحة، وإلا لأمروه بإعادة الصلاة، أو لأعادوا هم صلاتهم خلفه.وبكل حال؛ المضطرب إسناده وألفاظه لا يجوز أن يكون معارضاً لأحاديث أَنَس الصحيحة الصريحة.وقد تفرد بهذا الحَدِيْث عَبْد الله بْن عُثْمَان بْن خثيم، وليس بالقوي؛ ترك حديثه يَحْيَى القطان وابن مهدي.ومن العجب، قَوْلِ بعضهم: يكفي أن مسلماً خرج لَهُ، مَعَ طعنه
    فِي حَدِيْث الأوزاعي الَّذِي خرجه مُسْلِم فِي ((صحيحه)) من حَدِيْث أنس المصرح بنفي قراءة البسملة.وقوله: إنه معلول غير ثابت، بغير حجة ولا برهان، نعوذ بالله من اتباع الهوى.فإن قيل: فَقَدْ روي عَن أَنَس أحاديث صريحة فِي الجهر بالبسملة:فروى حاتم بْن إِسْمَاعِيل، عَن شريك بن عَبْد الله بن أَبِي نمر، عَن أَنَس، قَالَ: سَمِعْت النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يجهر بـ ((بسم الله الرحمن الرحيم)) .خرجه الحَاكِم فِي ((المستدرك)) من طريق أصبع بْن الفرج، عَن حاتم، بِهِ.وَقَالَ: رواته ثقات.قُلتُ: هَذَا لا يثبت؛ فَقَدْ خرجه الدارقطني من طريق آخر عَن حاتم بْنإِسْمَاعِيل، عَن شريك بْن عَبْد الله، عَن إِسْمَاعِيل المكي، عَن قتادة، عَن أَنَس - فذكره.فتبين بهذه الرواية أَنَّهُ سقط من رِوَايَة الحَاكِم من إسناده رجلان: أحدهما إِسْمَاعِيل المكي، وَهُوَ: ابن مُسْلِم، متروك الحَدِيْث، لا يجوز الاحتجاج بِهِ.وخرج الدارقطني - أَيْضاً - من طريق معتمر بْن سُلَيْمَان، عَن أَبِيه، عَن أَنَس، قَالَ: كَانَ النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يجهر بـ ((بسم الله الرحمن الرحيم)) .وفي إسناده مجاهيل لا يعرفون.وخرج - أَيْضاً - بإسناد منقطع وجادة وجدها فِي كِتَاب عَن مُحَمَّد بْن المتوكل بْن أَبِي السري العسقلاني، أَنَّهُ صلى خلف المعتمر بْن
    سُلَيْمَان، فكان يجهر بـ ((بسم الله الرحمن الرحيم)) ، وَقَالَ: إني مَا آلو أن اقتدي بصلاة المعتمر، وَقَالَ أَنَس: مَا آلو أن اقتدي بصلاة رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.وهذا لا يثبت؛ لوجوه:مِنْهَا: انقطاع أول إسناده.ومنها: أَنَّهُ ليس فِيهِ تصريح برواية معتمر للجهر بالبسملة بهذا الإسناد، وإنما فِيهِ اقتداء كلي فِي الصلاة، ومثل هَذَا لا يثبت به نقل تفاصيل أحكام الصلاة الخاصة.ومنها: أن المعتمر بْن سُلَيْمَان إنما كَانَ يروي حَدِيْث البسملة بإسناد آخر عَن إِسْمَاعِيل بْن حماد، عَن أَبِي خَالِد، عَن ابن عَبَّاس، أن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يفتتح صلاته بـ ((بسم الله الرحمن الرحيم)) .خرجه من طريقه كذلك أبو داود، وَقَالَ: هَذَا حَدِيْث ضَعِيف.والترمذي، وَقَالَ: إسناده ليس بذاك. وقال: إِسْمَاعِيل بْن حماد، هُوَ: ابن أَبِي سُلَيْمَان، وأبو خالد، هُوَ: الوالبي، كذا قَالَ.وَقَالَ الإمام أحمد - فِي رِوَايَة حَنْبل -: إِسْمَاعِيل بْن حماد: ليس بِهِ بأس، ولا أعرف أبا خَالِد - يعني: أَنَّهُ غير الوالبي.
    كذا قَالَ العقيلي، قَالَ: إِسْمَاعِيل بْن حماد بْن أَبِي سليمان حديثه غير محفوظ- يعني: هَذَا الحَدِيْث -، ويحكيه عَن مجهول كوفي.وخرجه ابن عدي فِي ((كتابه)) من طريق معتمر، كما خرجه أبو داود وغيره.وخرج - أَيْضاً - من طريق آخر عَن معتمر، قَالَ: سَمِعْت ابن حماد، عَن عمران بْن خَالِد، عَن ابن عَبَّاس.ثُمَّ قَالَ: هَذَا الحَدِيْث لا يرويه غير معتمر، وَهُوَ غير محفوظ، سواء قَالَ: عَن أَبِي خَالِد، أو عمران بْن خَالِد؛ جميعاً مجهولان.وَقَالَ ابن عَبْد البر: هَذَا الحَدِيْث - والله أعلم - إنه روي عَن ابن عَبَّاس من فعله لا مرفوعاً إلى النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.ومنها: أن مُحَمَّد بْن المتوكل لَمْ يخرج لَهُ فِي ((الصحيح)) ، وقد تكلم فِيهِ أبو حاتم الرَّازِي وغيره ولينوه، وَهُوَ كثير الوهم.وقد روي عَنْهُ هَذَا الحَدِيْث عَلَى وجه آخر:خرجه الطبراني عَن عَبْد الله بْن وهيب الغزي، عَن مُحَمَّد بْن أَبِي السري، عَن معتمر بْن سُلَيْمَان، عَن أَبِيه، عَن الْحَسَن، عَن أَنَس، أن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يسر بـ ((بسم الله الرحمن الرحيم)) وأبو بَكْر وعمر.فهذه الرواية المتصلة الإسناد أولى من تلك المنقطعة.وأعجب من هَذَا: مَا خرجه الحَاكِم من طريق سيف بْن عَمْرِو أَبِي
    جابر، عَن مُحَمَّد بْن أَبِي السري، عَن إِسْمَاعِيل بْن أَبِي أويس، عَن مَالِك، عَن حميد، عَن أَنَس، قَالَ: صليت خلف النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وخلف أَبِي بَكْر وخلف عُمَر وخلف عُثْمَان وخلف عَلِيّ، فكلهم كانوا يجهرون بقراءة ((بسم الله الرحمن الرحيم)) .وتخريج هَذَا فِي ((المستدرك)) من المصائب، ومن يخفى عَلِيهِ أن هَذَا كذب عَلَى مَالِك، وأنه لَمْ يحدث بِهِ عَلَى هَذَا الوجه قط؛ إنما رَوَى عَن حميد، عَن أَنَس، أن أَبَا بَكْر وعمر وعثمان كانوا لا يقرأون: ((بسم الله الرحمن الرحيم)) .هكذا خرجه فِي ((الموطإ)) ، ورواه عَنْهُ جماعة، وذكروا فِيهِ النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْضاً - وقد سبق ذكر ذَلِكَ.فمن اتقى وأنصف علم أن حَدِيْث أنس الصحيح الثابت لا يدفع بمثل هذه المناكير والغرائب والشواذ الَّتِيْ لَمْ يرض بتخريجها أصْحَاب الصحاح، ولا أهل السنن مَعَ تساهل بعضهم فيما يخرجه، ولا أهل المسانيد المشهورة مَعَ تساهلهم فيما يخرجونه.وإنما جمعت هذه الطرق الكثيرة الغريبة والمنكرة لما اعتنى بهذه المسألة من اعتنى بِهَا، ودخل فِي ذَلِكَ نوع من الهوى والتعصب، فإن أئمة الإسلام المجتمع عليهم إنما قصدوا اتباع مَا ظهر لهم من الحق وسنة رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لَمْ يكن لهم قصد فِي غير ذَلِكَ - رضي الله عنهم -، ثُمَّ حدث بعدهم من كَانَ قصده أن تكون كلمة فلان وفلان هِيَ العليا، ولم يكن ذَلِكَ قصد أولئك المتقدمين، فجمعوا وكثروا الطرق والروايات
    الضعيفة والشاذة والمنكرة والغريبة، وعامتها موقوفات رفعها من ليس بحافظ، أو من هُوَ ضَعِيف لا يحتج بِهِ، أو مرسلات وصلها من لا يحتج بِهِ، مثلما وصل بعضهم مرسل الزُّهْرِيّ فِي هَذَا، فجعله عَنْهُ، عَن ابن المُسَيِّب، عَن أَبِي هُرَيْرَةَ، ووصله باطل قطعاً.والعجب ممن يعلل الأحاديث الصحيحة المخرجة فِي ((الصحيح)) بعلل لا تساوي شيئاً، إنما هِيَ تعنت محض، ثُمَّ يحتج بمثل هذه الغرائب الشاذة المنكرة، ويزعم أنها صحيحة لا علة لها.وقد اعتنى بهذه المسألة وأفرادها بالتصنيف كثير من المُحَدِّثِين، منهم: مُحَمَّد بْن نصر وابن خزيمة وابن حبان والدارقطني وأبو بَكْر الخَطِيْب والبيهقي وابن عَبْد البر وغيرهم من المتأخرين.ولولا خشية الإطالة لذكرنا كل حَدِيْث احتجوا بِهِ، وبيان أَنَّهُ لا حجة فِيهِ عَلَى الجهر؛ فإنها دائرة بَيْن أمرين: إما حَدِيْث صحيح غير صريح، أو حَدِيْث صريح غير صحيح.ومن أقوى مَا احتجوا بِهِ: حَدِيْث خَالِد بْن يزيد، عَن سَعِيد بْن أَبِي هلال، عَن نعيم المجمر، أَنَّهُ صلى وراء أَبِي هُرَيْرَةَ، فقرأ: ((بسم الله الرحمن الرحيم)) ، ثُمَّ قرأ بأم القرآن، ثُمَّ قَالَ لما سلم: إني لأشبهكم صلاة برسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
    خرجه النسائي وابن خزيمة والحاكم وغيرهم.وسعيد وخالد، وإن كانا ثقتين، لكن قَالَ أبو عُثْمَان البرذعي فِي ((علله عَن أَبِي زُرْعَة الرَّازِي)) ، أَنَّهُ قَالَ فيهما: ربما وقع فِي قلبي من حسن حديثهما.قَالَ: وَقَالَ أبو حاتم: أخاف أن يكون بعضها مراسيل، عَن ابن أبي فروة وابن سمعان.يعني: مدلسة عنهما.ثُمَّ هَذَا الحَدِيْث ليس بصريح فِي الجهر، إنما فِيهِ أَنَّهُ قرأ البسملة، وهذا يصدق بقراءتها سراً.وقد خرجه النسائي فِي ((باب: ترك الجهر بالبسملة)) .وعلى تقدير أن يكون جهر بِهَا، فيحتمل أن يكون جهر بِهَا ليعلم النَّاس استحباب قراءتها فِي الصلاة، كما جهر عُمَر بالتعوذ
    لذلك.وأيضاً؛ فإنه قَالَ: قرأ ((بسم الله الرحمن الرحيم)) ثُمَّ قرأ بأم القرآن، وهذا دليل عَلَى أنها ليست من أم القرآن، وإنما تقرأ قَبْلَ أم القرآن تبركاً بقراءتها.وأيضاً؛ فليس فِي الحَدِيْث تصريح بأن جميع مَا فعله أبو هُرَيْرَةَ فِي هذه الصلاة نقله صريحاً عَن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وإنما فِيهِ أن صلاته أشبه بصلاة النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من غيره.وخرج الدارقطني من حَدِيْث أَبِي أويس، عَن العلاء، عَن أَبِيه، عَن أَبِي هُرَيْرَةَ، عَن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كَانَ إذا أم النَّاس قرأ ((بسم الله الرحمن الرحيم)) .وهذا مِمَّا تفرد بِهِ أبو أويس، وقد تكلم فِيهِ، وإن خرج لَهُ مُسْلِم، ووثقه غير واحد.وليس - أَيْضاً - بصريح فِي الجهر، بل يحتمل أَنَّهُ كَانَ يقرأها سراً.وقد روي بهذا الإسناد بعينة، أن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لا يجهر بِهَا، وسنذكره.وخرج ابن عَبْد البر بهذا الإسناد: التصريح بالجهر بِهَا، بإسناد فِيهِ
    النضر ابن سَلَمَة شاذان، وَهُوَ متهم بالكذب.وخرج الدارقطني - أَيْضاً - من رِوَايَة أَبِي بَكْر الحنفي، عَن عَبْد الحميد بْن جَعْفَر، عَن نوح بْن أَبِي بلال، عَن سَعِيد المقبري، عَن أَبِي هُرَيْرَةَ، عَن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: ((إذا قرأتم {{الْحَمْدُ}} فاقرءوا: بسم الله الرحمن الرحيم؛ إنها أحد آياتها)) ، وذكر فِيهِ فضل الفاتحة. قَالَ الحنفي: لقيت نوحاً، فحدثني عَن سَعِيد، عَن أَبِي هُرَيْرَةَ - بمثله، ولم يرفعه.وذكر الدارقطني فِي ((علله)) : أن وقفه أشبه بالصواب.قُلتُ: ويدل عَلَى صحة قوله: أن ابن أَبِي ذئب رَوَى الحَدِيْث فِي فضل الفاتحة، عَن المقبري، عَن أَبِي هُرَيْرَةَ مرفوعاً، ولم يذكر فِيهِ: البسملة.وروى إِبْرَاهِيْم بْن إِسْحَاق السراج، عَن عقبة بْن مكرم، عَن يونس بْن بكير: ثنا مِسْعَر، عَن مُحَمَّد بْن قيس، عَن أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يجهربـ ((بسم الله الرحمن الرحيم)) .خرجه الدارقطني والحاكم.وظن بعضهم أَنَّهُ إسناد صحيح، وليس كذلك؛ فإن السراج وهم فِي قوله فِي إسناده: ((حَدَّثَنَا مِسْعَر)) ، إنما هُوَ ((أبو معشر)) ، كذا قَالَ الدارقطني والخطيب، وقبلهما أبو بَكْر الإسماعيلي فِي ((مسند مِسْعَر)) ، وحكاه عَن أَبِي بَكْر ابن عمير الحافظ.وَقَالَ البيهقي: الصواب أبو معشر.
    وأبو معشر، وَهُوَ نجيح السندي، ضَعِيف جداً.وخرج الدارقطني وغيره من حَدِيْث حميد، عَن الْحَسَن، عَن سمرة، قَالَ: كَانَتْ لرَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سكتتان: سكتة إذا قرأ ((بسم الله الرحمن الرحيم)) ، وسكتة إذا فرغ من القراءة، فأنكر ذَلِكَ عمران بْن حصين، فكتبوا إلى أَبِي بْن كعب، فكتب: أن صدق سمرة.ورواة هَذَا الحَدِيْث كلهم ثقات، كما ذكره غير واحد، لكن سماع الْحَسَن من سمرة مختلف فِيهِ.وإن ثبت فهو دليل عَلَى الإسرار بالبسملة، لا عَلَى الجهر؛ لأنه صرح بأن سكتته الأولى كَانَتْ إذا قرأ البسملة، ومراده: إذا أراد قراءتها، فدل عَلَى أَنَّهُ كَانَ يقرأها فِي السكتة الأولى، وإلا فلا يَقُول أحد: إن السنة أن يقرأ ((بسم الله الرحمن الرحيم)) جهزاً، ثُمَّ يسكت بعد ذَلِكَ سكتة، ثُمَّ يقرأ الفاتحة، ولا نقل هَذَا أحد عَن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولا عَن أحد من أصحابه، ولا قَالَ بِهِ قائل.وقد رَوَى هَذَا الحَدِيْث قتادة، عَن الْحَسَن، عَن سمرة، وفسر قتادة السكتتين: إذا دَخَلَ فِي الصلاة، وإذا فرغ من القراءة.وفي رِوَايَة قَالَ: سكتة إذا كبر، وسكتة إذا فرغ.خرجه أبو داود وغيره.وخرج - أَيْضاً - من حَدِيْث يونس، عَن الْحَسَن، عَن سمرة، قَالَ: حفظت سكتتين فِي الصلاة: سكتة إذا كبر الإمام حَتَّى يقرأ، وسكتة إذا فرغ.
    ففي هذه الروايات كلها: تصريح بأن السكتة كَانَتْ بَيْن التكبير والقرءاة، كما فِي حَدِيْث أَبِي هُرَيْرَةَ.وخرج الحَاكِم من طريق عَبْد الله بْن عَمْرِو بْن حسان، عَن شريك، عَن سَالِم الأفطس، عَن سَعِيد بْن جبير، عَن ابن عَبَّاس، قَالَ: كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يجهربـ ((بسم الله الرحمن الرحيم)) .وَقَالَ: صحيح، ليس لَهُ علة.وهذه زلة عظيمة؛ فإن عَبْد الله بْن عَمْرِو بْن حسان هَذَا هُوَ الواقعي، نسبه ابن المديني إلى الوضع. وَقَالَ الدارقطني: كَانَ يكذب. وَقَالَ أبو حاتم الرَّازِي: كَانَ لا يصدق.وخرج الدارقطني هَذَا الحَدِيْث من طريق أَبِي الصلت الهروي، عَن عباد ابن العَوَّامِ، عَن شريك، وَقَالَ فِيهِ: يجهر فِي الصلاة.وأبو الصلت هَذَا، متروك.وخرجه الطبراني فِي ((أوسطه)) من طريق يَحْيَى بْن طلحة اليربوعي، عَن عباد بْن العَوَّامِ بهذا الإسناد، ولفظ حديثه: كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا قرأ ((بسم الله الرحمن الرحيم)) هزأ مِنْهُ المشركون، وقالوا: مُحَمَّد يذكر إله اليمامة، وكان مسيلمة يتسمى الرحمن، فلما نزلت هذه الآية أمر النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن لا يجهر بِهَا.
    وهذا لَوْ صح لدل عَلَى نسخ الجهر بِهَا، ولكن الصحيح أَنَّهُ مرسل، وكذلك رواه يَحْيَى بْن معين، عَن عباد بْن العَوَّامِ: ثنا شريك بْن عَبْد الله بْن سنان، عَن سَالِم الأفطس، عَن سَعِيد بْن جبير، فِي قوله تعالى: {{وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْبِهَا}} [الاسراء:110] قَالَ: نَزَلَتْ فِي ((بسم الله الرحمن الرحيم)) - وذكر الحَدِيْث بمعناه مرسلاً.كذا خرجه عَنْهُ المفضل الغلابي فِي ((تاريخه)) .وكذا خرجه أبو داود فِي ((المراسيل)) عَن عباد بْن موسى، عَن عباد بْن العَوَّامِ، وعنده: فأمر رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بإخفائها، فما جهر بِهَا حَتَّى مات.وكذا رواه يَحْيَى بْن آدم، عَن شريك، عَن سَالِم، عَن سَعِيد - مرسلاً.وَهُوَ أصح.وقد روي عَن إِسْحَاق بْن راهويه، [عَن إِسْحَاق]- موصولاً، ولا يصح.ذكره البيهقي فِي ((المعرفة)) .وروى عُبَيْدِ الله بْن عَمْرِو الرقي، عَن عَبْد الكريم الجزري، عَن أَبِي الزُّبَيْر، عَن ابن عُمَر، عَن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَنَّهُ كَانَ إذا قام إلى الصلاة، فأراد أن يقرأ قَالَ: ((بسم الله الرحمن الرحيم)) .قَالَ ابن عَبْد البر: قَدْ رفعه غيره - أَيْضاً -، عَن ابن عُمَر، ولا يصح؛
    لأنه موقوف عَلَى ابن عُمَر من فعله، كذلك رواه سَالِم ونافع ويزيد الفقير، عَن ابن عُمَر.وَقَالَ البيهقي: الصواب موقوف.وقد قَالَ العقيلي فِي ((كتابه)) : لا يصح فِي الجهر بالبسملة حَدِيْث مسند.يعني: مرفوعاً إلى النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.وحكي مثله عَن الدارقطني.وما ينقل عَنْهُ فِي ((سننه)) من تصحيح احاديث فِي هَذَا الباب، فلا توجد فِي جميع النسخ، بل فِي بعضها، ولعله من زيادة بعض الرواة.وفي ترك الجهر بِهَا: حَدِيْث عَبْد الله بْن مغفل، وَهُوَ شاهد لحديث أَنَس الَّذِي خرجه مُسْلِم، وَهُوَ من رِوَايَة أَبِي نعامة الحنفي، عَن ابن عَبْد الله بْن مغفل، قَالَ: سمعني أَبِي وأنا فِي الصلاة أقول: ((بسم الله الرحمن الرحيم)) .فَقَالَ: أي بني، محدث، إياك والحدث. قَالَ: ولم أرأحداً من أصْحَاب النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أبغض إليهى الحدث فِي الإسلام - يعني: مِنْهُ -
    قَالَ: وقد صليت مَعَ النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ومع أَبِي بَكْر ومع عُمَر ومع عُثْمَان، فَلَمْ أسمع أحداً منهم يقولها، إذا أنت صليت فقل: {{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}} .خرجه الإمام أحمد وابن ماجه والترمذي، وَقَالَ: حَدِيْث حسن.وخرجه النسائي مختصراً.وأبو نعامة هَذَا، بصري، قَالَ ابن معين: ثقة.قَالَ ابن عَبْد البر: هُوَ ثقة عِنْدَ جميعهم.وله رِوَايَة عَن عَبْد الله بْن مغفل فِي الاعتداء فِي الدعاء والطهور.وأما هَذَا الحديث، فَقَدْ رواه عَن ابن عَبْد الله بْن مغفل، عَن أَبِيه.وابن عَبْد الله بْن مغفل، يقال: اسمه: يزيد.وقد رَوَى هَذَا الحَدِيْث أبو حنيفة، عَن أَبِي سُفْيَان، عَن يزيد بْن عبد الله ابن مغفل، عَن أَبِيه.وكذلك خرجه أبو بَكْر عَبْد العزيز بن جَعْفَر فِي ((كِتَاب الشافي)) لَهُ من طريق حَمْزَة الزيات، عَن أَبِي سُفْيَان، عَن يزيد بْن عَبْد الله بْن مغفل، قَالَ: صلى بنا إمام فجهر بـ ((بسم الله الرحمن الرحيم)) ، فَقَالَ لَهُ أَبِي: تأخر عَن مصلانا، تجنب عنا هَذَا الحرف الَّذِي أراك تجهر بِهِ؛ فإني صليت خلف النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبي بَكْر وعمر فَلَمْ يجهروا بِهَا. قَالَ لَهُ رَجُل: وعثمان؟ فسكت.ويزيد هَذَا، لَمْ نعلم فِيهِ جرحاً، وقد حسن حديثه الترمذي.وما قاله
    طائفة من المتأخرين: إنه مجهول، كابن خزيمة وابن عَبْد البر، فَقَدْ علله ابن عَبْد البر، بأنه لَمْ يرو عَنْهُ إلاّ واحد فيكون مجهولاً؛ يجاب عَنْهُ: بأنه قَدْ رَوَى عَنْهُ اثنان، فخرج بذلك عَن الجهالة عِنْدَ كثير من أهل الحَدِيْث.وقد رَوَى سُفْيَان الثوري، عَن خَالِد الحذاء، عَن أَبِي نعامة، عَن أَنَس، أن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يكن ولا أبو بَكْر ولا عُمَر يجهرون بـ ((بسم الله الرحمن الرحيم)) .كذا رواه غير واحد عَن سُفْيَان.وخالفهم يَحْيَى بْن آدم، فرواه عَن سُفْيَان، عَن خَالِد، عَن أَبِي قلابة، عَن أنس.ووهم فِيهِ، إنما هُوَ أبو نعامة -: قاله الإمام أحمد.ثُمَّ اختلف الحفاظ:فمنهم من قَالَ: الأشبه بالصواب رِوَايَة من رواه عَن أَبِي نعامة، عَن ابنَ مغفل، عَن أَبِيه، ومنهم: الدارقطني، وكلام أحمد يدل عَلِيهِ - أَيْضاً -، قالوا: لأنه رواه ثَلاَثَة عَن أَبِي نعامة بهذا الإسناد، وهم: الجريري وعثمان بْن غياث وراشد الحراني، فقولهم أولى من قَوْلِ خَالِد الحذاء وحده.ومنهم من قَالَ: يجوز أن يكون القولان عَن أَبِي نعامة صحيحين.
    ومن العجائب تأويل بعضهم لحديث ابن مغفل عَلَى مثل تأويله لحديث أَنَس، وأن المراد افتتاحهم بالفاتحة.وهذا إسقاط لفائدة أول الحَدِيْث وآخره، والسبب الَّذِي لأجله رواه ابن مغفل، وإنما الصواب عكس هَذَا، وَهُوَ حمل حَدِيْث أَنَس عَلَى مثل مَا رواه ابن مغفل.وروى عُبَيْدِ الله بْن عَمْرِو الرقي، عَن زيد بْن أَبِي أنيسة، عَن عَمْرِو بْن مرة، عَن نَافِع بْن جبير بْن مطعم، عَن أَبِيه، أن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يجهر فِي صلاته بـ ((بسم الله الرحمن الرحيم)) .ذكره الدارقطني، فِي ((علله)) .وهذا الإسناد، رجاله كلهم ثقات مشهورون، ولكن لَهُ علة، وهي: أن هَذَا الحَدِيْث قطعة من حَدِيْث جبير بْن مطعم فِي صفة تكبير النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وتعوذه فِي الصلاة، وقد رواه الثقات عَن عَمْرِو بْن مرة، عَن عاصم العنزي، عَنْ نَافِع بْن جبير، عَن أَبِيه بدون هذه الزيادة؛ فإنه تفرد بِهَا الرقي عَن زيد.وروى الحافظ أبو أحمد العسال: ثنا عَبْد الله بن العباس الطيالسي: ثناعَبْد الرحيم بْن زياد السكري: ثنا عَبْد الله بْن إدريس، عَن عُبَيْدِ الله بْن عُمَر، عَن نَافِع، عَن ابن عُمَر، قَالَ: صليت خلف رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبي بَكْر وعمر وعثمان، فَلَمْ يقنتوا ولم يجهروا.وهذا الإسناد - أَيْضاً - كلهم ثقات مشهورون.
    وهذا والذي قلبه خير من كثير من أحاديث الجهر الَّتِيْ يصححها الحَاكِم وأمثاله، ويحتجون بِهَا، ولكن لا نستحل كتمان مَا ذكر فِي تعليله.فذكر الدارقطني فِي ((العلل)) أَنَّهُ تفرد بِهِ السكري، عَن ابن إدريس مرفوعاً.قَالَ: ورواه زائدة والقطان ومحمد بْن بشر وابن نمير، عَن عُبَيْدِ الله، عَن نَافِع، عَن ابن عُمَر - موقوفاً.قَالَ: وكذلك رواه مَالِك فِي ((الموطإ)) عَن نَافِع، عَن ابن عُمَر - موقوفاً.قَالَ: وَهُوَ الصواب.وفي ((صحيح مُسْلِم)) عَن عَائِشَة، أن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يستفتح الصلاة بالتكبير، والقراءة بـ {{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}} .وفيه: عَن أَبِي هُرَيْرَةَ، أن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذا نهض فِي الثانية استفتح بـ{{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}} ، ولم يسكت.وروى منصور بْن مزاحم - وَهُوَ صدوق -: ثنا أبو أويس، عَن العلاء بنعَبْد الرحمن، عَن أَبِيه، عَن أَبِي هُرَيْرَةَ، أن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لا يجهر بـ ((بسم الله الرحمن الرحيم)) .ذكره ابن عَبْد البر وغيره.وهذا إسناد جيد.وقد عضده: أن مسلماً خرج بهذا الإسناد بعينة حَدِيْث: ((قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين)) ، وذكر سورة الفاتحة بكمالها، فَلَمْ يذكر فيها البسملة.
    وروى عمار بْن زربي، عَن المعتمر بْن سُلَيْمَان، عَن أَبِيه، عَن أَبِي عُثْمَان النهدي، عَن عُمَر بْن الخَطَّاب، قَالَ: كَانَ قراءة رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مداً {{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ - الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}} حَتَّى يختم السورة.عمار هَذَا، تكلم فِيهِ.وليست هذه الأحاديث بدون الأحاديث الَّتِيْ يستدل بِهَا الحَاكِم وأمثاله عَلَى الجهر، بل إما أن تكون مساوية لها، أو أقوى مَعَ اعتضادها بالأحاديث الصحيحة والحسنة المخرجة فِي الصحاح والسنن، وتلك لا تعتضد بشيء من ذَلِكَ.وفي الباب: أحاديث أخر، تركناها اختصاراً، وبعضها مخرج فِي بعض السنن - أَيْضاً.وأما الآثار الموقوفة فِي المسألة فكثيرة جداً.وإلى ذَلِكَ ذهب أكثر أهل العلم من أصْحَاب النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، منهم: أبو بَكْر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم، ومن بعدهم من التابعين، وبه يَقُول سُفْيَان الثوري وابن المبارك وأحمد وإسحاق، لا يرون أن يجهر بـ ((بسم الله الرحمن الرحيم)) . قالوا: ويقولها فِي نفسه. انتهى.وحكى ابن المنذر هَذَا القول عَن سُفْيَان وأهل الرأي وأحمد وأبي عُبَيْدِ، قَالَ: ورويناه عَن عُمَر وعلي وابن مَسْعُود وعمار بْن ياسر
    وابن الزُّبَيْر والحكم وحماد.قَالَ: وَقَالَ الأوزاعي: الإمام يخفيها.وحكاه ابن شاهين عَن عامة أهل السنة، قَالَ: وهم السواد الأعظم.وروى شعبة، عَن حصين، عَن أَبِي وائل، قَالَ: كانوا لا يجهرون بـ ((بسم الله الرحمن الرحيم)) .وروى الأثرم بإسناده، عَن عُرْوَةَ بْن الزُّبَيْر، قَالَ: أدركت الأئمة وما يستفتحون القراءة إلاّ بـ {{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}} .وعن الأعرج - مثله.وعن النخعي، قَالَ: مَا أدركت أحداً يجهر بـ ((بسم الله الرحمن الرحيم)) .وعنه، قَالَ: الجهر بِهَا بدعة.وعن عَكْرِمَة، قَالَ: أنا أعرابي إن جهرت بـ ((بسم الله الرحمن الرحيم)) .وروى وكيع فِي ((كتابه)) عَن همام، عَن قتادة، قَالَ: الجهر بـ ((بسم الله الرحمن الرحيم)) أعرابية.وعن سُفْيَان، عَن عَبْد الملك بْن أَبِي بشير، عَن عَكْرِمَة، عَن ابن عَبَّاس، قَالَ: الجهر بـ ((بسم الله الرحمن الرحيم)) قراءة الأعراب.وعن إسرائيل، عَن جابر، عَن أَبِي جَعْفَر مُحَمَّد بْن عَلِيّ، قَالَ: لا يجهر بـ ((بسم الله الرحمن الرحيم)) .وهذه الرواية تدل عَلَى أَنَّهُ لا يصح مَا حكي عَن أَبِي جَعْفَر وأهل البيت من الجهر بِهَا، ولعل الشيعة تفتري ذَلِكَ عليهم.
    وممن روي عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ لا يجهر بِهَا: بَكْر المزني والحسن وابن سيرين والشعبي وأبو إِسْحَاق السبيعي وعمر بْن عَبْد العزيز - فِي رِوَايَة عَنْهُ، رواها الوليد ابن مُسْلِم، عَن عَبْد الله بْن العلاء، عَنْهُ -، وقتادة وابن أَبِي ليلى وابن شبرمة والحسن بْن حي.وَقَالَ الْحَسَن: الجهر بِهَا أعرابية.خرجه حرب الكرماني.وروي عَنْهُ من وجه آخر، قَالَ: الجهر بِهَا قراءة الأعراب.وأكثر هؤلاء يكرهون الجهر، كما أنكره عَبْد الله بْن مغفل، وكما أنكره من قَالَ: ذَلِكَ قراءة الأعراب، ومن قَالَ: هُوَ بدعة، ونص أحمد عَلَى كراهته.وروي عَن طائفة، أَنَّهُ يخير بَيْن الجهر والإسرار، ولا يكره الجهر وإن كَانَ الإسرار أفضل، وحكي هَذَا عَن ابن أَبِي ليلى وإسحاق، ورجحه طائفة من أهل الحَدِيْث.ومنهم من قَالَ: الجهر أفضل.وقالت طائفة: يجهر بِهَا وَهُوَ السنة، وَهُوَ قَوْلِ الشَّافِعِيّ وأصحابه وأبي ثور، وروي عَن الليث بْن سعد.قَالَ ابن المنذر: وروينا عَن عُمَر وابن عَبَّاس أنهما كانا يستفتحان بـ ((بسم الله الرحمن الرحيم)) . انتهى.وليس عَن ابن عُمَر تصريح بالجهر، بل بقراءة البسملة.وأما المروي عَن عُمَر، فَقَدْ ثبت عَنْهُ فِي ((صحيح مُسْلِم)) من حَدِيْث أَنَس، أَنَّهُ لَمْ
    يكن يجهر بِهَا، فلعله جهر بِهَا مرة ليبين جواز ذَلِكَ.وخرج ابن أَبِي شيبة بإسناد جيد، عَن الأسود، قَالَ: صليت خلف عُمَر سبعين صلاة، فَلَمْ يجهر فيها بـ ((بسم الله الرحمن الرحيم)) .قَالَ ابن عَبْد البر: روي عَن عُمَر وعلي وعمار بْن ياسر، أنهم كانوا يجهرون بـ ((بسم الله الرحمن الرحيم)) ، والطرق ليست بالقوية، وقد قدمنا الاختلاف عنهم فِي ذَلِكَ.قَالَ: وروي عَن عُمَر فيها ثلاث روايات: أحدها: أَنَّهُ كَانَ لا يَقْرَؤُهَا.والثانية: أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا سراً. والثالثة: أَنَّهُ جهر بِهَا.وكذلك اختلف عَن أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الجهر والإسرار، وعن ابن عَبَّاس - أَيْضاً -، والأكثر عَنْهُ الجهر بِهَا، وعليه جماعة أصحابه.وذكر ابن عَبْد البر جماعة ممن كَانَ يرى الجهر بِهَا، منهم: مكحول وعمر ابن عَبْد العزيز ومحمد بْن كعب القرظي، قَالَ: وَهُوَ أحد قولي ابن وهب، إلا أَنَّهُ رجع عَنْهُ إلى الإسرار بِهَا.وعن عَطَاء الخراساني، قَالَ: الجهر بِهَا حسن.وَقَالَ الزُّهْرِيّ: من سَنَة الصلاة أن يقرأ: ((بسم الله الرحمن الرحيم)) ثُمَّ فاتحة الكتاب، ثُمَّ يقرأ ((بسم الله الرحمن الرحيم)) ثُمَّ يقرأ بسورة. وكان يَقُول: أول من قرأ ((بسم الله الرحمن الرحيم) سراً بالمدينة عَمْرِو بْن سَعِيد بْن العاص.
    خرجه البيهقي.ومراسيل الزُّهْرِيّ من أردإ المراسيل.وإنما عنى أول من أسر بِهَا ممن أدركه، فَقَدْ ثبت عَن أَبِي بَكْر وعمر وعثمان الإسرار بِهَا، فلا عبرة بمن حدث بعدهم وبعد انتقال عَلِيّ بْن أَبِي طالب من المدينة؛ فإن هؤلاء هم الخُلَفَاء الراشدون الذين أمرنا رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - باتباع سنتهم، وهم كانوا لا يجهرون بِهَا.قَالَ البيهقي: وروينا الجهر بِهَا عَن فقهاء مكة: عَطَاء وطاوس ومجاهد وسعيد بْن جبير.وَقَالَ الإمام أحمد - فِي رِوَايَة مهنا -: عامة أهل المدينة يجهر بِهَا: الزُّهْرِيّوربيعة، وذكر ابن عَبَّاس وابن الزُّبَيْر.وأما مَا ذكره الخَطِيْب فِي كتابه فِي الجهر بالبسملة من الآثار الكثيرة فِي المسألة حَتَّى اعتقد بعض من وقف عَلِيهِ أَنَّهُ قَوْلِ الجمهور، فغالب آثاره أو كثير مِنْهَا معلول لا يصح عِنْدَ التحقيق.وكثير منهم يروي الجهر والإسرار، وقد حكي عَن الدارقطني، أَنَّهُ قَالَ فِي المنقول عَن الصَّحَابَة [ ... ] منهم: عَمْرِو بْن دينار وابن جُرَيْج ومسلم بْن خَالِد، وعن بعض أهل المدينة دون سائر الأمصار، ولقلة من كَانَ يجهر بِهَا اعتقد بعضهم أن الجهر بِهَا بدعة، وأنه من شعار أهل الأهواء كالشيعة، حَتَّى تركه بعض أئمة الشافعية، منهم: ابن أَبِي هُرَيْرَةَ لهذا المعنى.
    وكان سُفْيَان الثوري وغيره من أئمة الأمصار يعدون الإسرار بالبسملة من جملة مسائل أصول الدين الَّتِيْ يتميز بِهَا أهل السنة عَن غيرهم، كالمسح عَلَى الخفين ونحوه، حَتَّى قَالَ سُفْيَان لشعيب بْن حرب: لا ينفعك مَا كتبت حَتَّى ترى أن إخفاء: ((بسم الله الرحمن الرحيم)) أفضل من الجهر بِهَا.وَقَالَ وكيع: لا يصلى خلف من يجهر بِهَا.وَقَالَ أحمد فِي الصلاة خلف من يجهر بِهَا: إن كَانَ يتأول فلا بأس بِهِ، وإن كَانَ غير ذَلِكَ فلا يصلى خلفه.يشير إلى أَنَّهُ يصلي خلف من جهر بِهَا من أهل العلم والحديث، دون من يجهر بِهَا من أهل الأهواء، فإنهم المعروفون بالجهر بِهَا.ونقل أبو طالب، عَن أحمد، وسأله: يجهر بـ ((بسم الله الرحمن الرحيم)) ؟ قَالَ: بالمدينة نَعَمْ، وهاهنا من كَانَ يرى أنها آية من كِتَاب الله مثلما قَالَ ابن عَبَّاس وأبو هُرَيْرَةَ وابن الزُّبَيْر كانوا يجهرون بِهَا، ويتأولونها من كِتَاب الله.قَالَ القاضي أبو يعلى: ظاهر هَذَا أَنَّهُ أجاز الجهر لمن كَانَ بالمدينة دون غيرها من البلاد. قَالَ: ولعله ذهب فِي هَذَا إلى أن أهل المدينة يرون الجهر بِهِا، فإذا خافت استنكروا فعله، وامتنعوا من الصلاة خلفه.قُلتُ: إنما مراد أحمد الإخبار عَن الجهر بِهَا أَنَّهُ سائغ لمثل أهل المدينة ومن يتأول من غيرهم من أهل الحَدِيْث والعلم، وليس مراده أَنَّهُ يرى الجهر بِهَا بالمدينة.وقد حكى أبو حفص العكبري رِوَايَة أَبِي طالب عَن أحمد، بلفظ صريح فِي هَذَا المعنى، وَهُوَ أَنَّهُ قَالَ: سئل أحمد: هَلْ
    يصلي الرَّجُلُ خلف من يجهر بـ ((بسم الله الرحمن الرحيم)) ؟ قَالَ: بالمدينة نَعَمْ، وهاهنا من كَانَ يتأول - وذكر بقية الرواية.وهذا تصريح بالمعنى الَّذِي ذكرناه، وَهُوَ أَنَّهُ إنما يسوغ الخلاف فِي هذه المسألة من مثل هؤلاء العلماءالمجتهدين، دون أهل الأهواء الذين كَانَتْ هذه المسألأة مشهورة عنهم.ولذلك نقل مهنا عَن أحمد، أن عامة أهل المدينة يرون الجهر بالبسملة.ونقل صالح بْن أحمد، عَن أَبِيه، قَالَ: نحن لا نرى الجهر ولا نقنت؛ فإن جهر رَجُل - وليس بصاحب بدعة، يتبع مَا روي عَن ابن عَبَّاس وابن عُمَر - فلا بأس بالصلاة خلفه والقنوت هكذا.ونقل عَنْهُ يعقوب بْن بختان، قَالَ: يصلى خلف من يجهر من الكوفيين، إلا أن يكون رافضياً.واختلفت الرواية عَن أحمد فِي قراءة البسملة بَيْن السورتين فِي قيام رمضان: فروي عَنْهُ، أَنَّهُ يسر بِهَا ولا يجهر.وروي عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: أرجو.وظاهر هذه الرواية: يدل عَلَى أَنَّهُ لا يكره الجهر بِهَا فِي هَذَا الموطن خاصة؛ فإن النفل يسامح فِيهِ وخصوصاً قيام الليل؛ فإنه لا يكره الجهر بالقراءة فِيهِ للمنفرد.وإلى هَذَا القول ذهب أبو عُبَيْدِ وعلي بْن المديني -: حكاه عنهما الأثرم.وذهبت طائفة إلى أَنَّهُ لا يقرأ ((بسم الله الرحمن الرحيم)) فِي الصلاة سراً ولا جهراً، هَذَا قَوْلِ مَالِك وأصحابه، ورخص فِيهِ فِي السور بعد الفاتحة فِي قيام رمضان خاصة.وحكي عَنْهُ إجازته فِي اول الفاتحة وغيرها للمتهجدين، وفي النوافل.وروي عَنْهُ، أَنَّهُ لا بأس بقراءتها فِي الفرائض والنوافل -: ذكره القاضي إِسْمَاعِيل فِي
    ((مبسوطه)) من طريق ابن نَافِع، عَن مَالِك.قَالَ ابن عَبْد البر: لا يصح هَذَا عندنا عَن مَالِك، إنما هُوَ عَن صاحبه عَبْد الله بْن نَافِع.وكذلك روي عَن عُمَر بْن عَبْد العزيز، أَنَّهُ لا يَقْرَؤُهَا سراً ولا جهراً من وجه فِيهِ نظر -: ذكره ابن سعد فِي ((طبقاته)) .وكذلك قَالَ الأوزاعي: لا يقرأ بِهَا سراً ولا جهراً -: نقله عَنْهُ الوليد بْن مُسْلِم.قَالَ الوليد: فذكرت ذَلِكَ لخليد، فأخبرني أن الْحَسَن كَانَ لا يَقْرَؤُهَا. فَقَالَ الَّذِي سأله: أكان رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يسرها؟ فَقَالَ الْحَسَن: لَوْ أسر قراءتها فيما يسر بِهَا لجهر بِهَا فيما يجهر، ولكنها أعرابية.قَالَ الوليد: وأقول أنا: إن قرأتها فحسن، وذلك لما أخبرنا بِهِ عَبْد الله بْن عُمَر بْن حفص، عَن نَافِع، عَن ابن عُمَر، أَنَّهُ كَانَ لا يدع قراءة ((بسم الله الرحمن الرحيم)) حِينَ يستفتح الحمد والسورة الَّتِيْ بعدها.خرجه حرب الكرماني.واختاره ابن جرير الطبري، وَهُوَ مذهب مَالِك والأوزاعي.وبهذا المروي عَن ابن عُمَر استدل أحمد عَلَى قراءتها ـ وبالمروي عَن ابن عَبَّاس وابن الزُّبَيْر وأبي هُرَيْرَةَ.ومالك ومن وافقه تأولوا ظاهر حَدِيْث أَنَس، وعند التحقيق فِي التأمل إنما يدل عَلَى نفي الجهر لا عَلَى قراءتها
    سراً، وبذلك تجتمع ألفاظ الحَدِيْث وعامة الأدلة فِي هذه المسألة. والله أعلم.وأكثر من يرى قراءتها فِي الصلاة يرى قراءتها فِي الفاتحة والسورة الَّتِيْ بعدها.وقالت طائفة قليلة منهم: إنما يقرأ بِهَا فِي ابتداء الفاتحة دون السورة الَّتِيْ بعدها، روي عَن طاوس، وَهُوَ قَوْلِ سُفْيَان الثوري وسليمان بْن داود الهاشمي، وَهُوَ رِوَايَة عَن أَبِي حنيفة.وروى يوسف بْن أسباط، عَن الثوري، قَالَ: من قرأ ((بسم الله الرحمن الرحيم)) فِي أول القرآن أجزأه لكل القرآن.وأعلم: أن الجهر بقراءة البسملة مَعَ الفاتحة ليس مبنياً عَلَى القول بأن البسملة آية من سورة الفاتحة وغيرها، كما ظنه طائفة من النَّاس من أصحابنا وغيرهم، وإنما الصحيح عِنْدَ المحققين من أصحابنا وأصحاب الشَّافِعِيّ وغيرهم أَنَّهُ غير مبني عَلَى ذَلِكَ.ولهذا اختلفت الرواية عَن أحمد: هَلْ البسملة آية من الفاتحة، أو لا؟ وأكثر الروايات عَنْهُ عَلَى أنها ليست من الفاتحة، وَهُوَ قَوْلِ أكثر أصحابه.ولم تختلف عَنْهُ فِي أَنَّهُ لا يجهر بِهَا، وكذا قَالَ الجوزجاني وغيره من فقهاء الحَدِيْث.واختلف قَوْلِ الشَّافِعِيّ: هَلْ البسملة آية من كل سورة سوى الفاتحة، وَهُوَ يرى الجهر بِهَا فِي السور - أَيْضاً.
    وحينئذ؛ فلا يصح أن يؤخذ الجهر بِهَا من القول بأنها آية من الفاتحة، كما يفعله كثير من النَّاس؛ فإنهم يحكون عمن قَالَ: هِيَ آية من الفاتحة: الجهر بِهَا، وليس ذَلِكَ بلازم.ومما يستحب الإتيان بِهِ قَبْلَ القراءة فِي الصلاة: التعوذ، عِنْدَ جمهور العلماء.واستدلوا بقوله تعالى: {{فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}} [النحل:98] والمعنى: إذا أردت القراءة، هكذا فسر الآية الجمهور، وحكي عَن بعض المتقدمين، منهم: أبو هُرَيْرَةَ وابن سيرين وعطاء: التعوذ بعد القراءة.والمروي عَن ابن سيرين: قَبْلَ قراءة أم القرآن وبعدها، فلعله كَانَ يستعيذ لقراءة السورة، كما يقرأ البسملة لها - أَيْضاً.وقد جاءت الأحاديث بأن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يتعوذ قَبْلَ القراءة فِي الصلاة:فروى عَمْرِو بْن مرة، عَن عاصم العنزي، عَن [ابن] جبير بْن مطعم، عَن أَبِيه، أَنَّهُ رأى النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي صلاة، قَالَ: ((الله أكبر كبيراً، والله أكبر كبيراً، والله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، سبحان الله بكرة وأصيلاً)) - ثلاثاً - ((أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، من نفخه ونفثه وهمزه)) . قَالَ: نفثه الشعر، ونفخه الكبر، وهمزه الموتة.خرجه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه وابن حبان فِي
    ((صحيحه)) والحاكم، وصححه.وابن جبير، هُوَ: نَافِع، وقع مسمى فِي رِوَايَة كذلك. وعاصم العنزي، قَالَ أحمد: لا يعرف. وَقَالَ غيره: رَوَى عَنْهُ غير واحد. ذكره ابن حبان فِي ((ثقاته)) .وروى عَطَاء بْن السائب، عَن أَبِي عَبْد الرحمن السلمي، عَن ابن مَسْعُود، عَن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَنَّهُ كَانَ إذا دَخَلَ فِي الصلاة يَقُول: ((اللهم إني أعوذ بك من الشيطان وهمزه ونفخه ونفثه)) .خرجه ابن ماجه والحاكم، وهذا لفظه.وَقَالَ: صحيح الإسناد؛ فَقَدْ استشهد البخاري بعطاء بْن السائب.وروى عَلِيّ بْن عَلِيّ الرفاعي، عَن أَبِي المتوكل، عَن أَبِي سَعِيد الْخُدرِيَّ، قَالَ: كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا قام إلى الصلاة بالليل كبر، ثُمَّ يَقُول: ((أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، من همزه ونفخه ونفثه)) .خرجه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي.وَقَالَ: كَانَ يَحْيَى بْن سَعِيد يتكلم فِي عَلِيّ بْن عَلِيّ. وَقَالَ أحمد: لا يصح هَذَا الحَدِيْث.
    كذا قَالَ، وإنما تكلم فِيهِ يَحْيَى بْن سَعِيد من جهة أَنَّهُ رماه بالقدر، وقد وثقه وكيع ويحيى بْن معين وأبو زُرْعَة.وَقَالَ أحمد: لا بأس بِهِ، إلا أَنَّهُ رفع أحاديث.وَقَالَ أبو حاتم: ليس بِهِ بأس، ولا يحتج بحديثه.وإنما تكلم أحمد فِي هَذَا الحَدِيْث؛ لأنه روي عَن عَلِيّ بْن عَلِيّ، عَن الْحَسَن - مرسلاً -، وبذلك أعله أبو داود، وخرج فِي ((مراسيله)) من طريق عمران بْن مُسْلِم، عَن الْحَسَن، أن رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذا قام من الليل يريد أن يتهجد، يَقُول - قَبْلَ أن يكبر: ((لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، والله أكبر كبيراً الله أكبر كبيراً، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، من همزه ونفخه ونفثه)) ، ثُمَّ يَقُول: ((الله أكبر)) .وفي الباب أحاديث أخر مرفوعة، فيها ضعف.واعتماد الإمام أحمد عَلَى المروي عَن الصَّحَابَة فِي ذَلِكَ؛ فإنه روي التعوذ قَبْلَ القراءة فِي الصلاة عَن عُمَر بْن الخَطَّاب وابن مَسْعُود وابن عُمَر وأبي هُرَيْرَةَ، وَهُوَ قَوْلِ جمهور العلماء كما تقدم.والجمهور عَلَى أَنَّهُ غير واجب، وحكي وجوبه عَن عَطَاء والثوري وبعض الظاهرية، وَهُوَ قَوْلِ ابن بطة من أصحابنا.والجمهور عَلَى أَنَّهُ يسره فِي الصلاة الجهرية، وَهُوَ قَوْلِ ابن عُمَر وابن مَسْعُود والأكثرين.وروي عَن أَبِي هُرَيْرَةَ الجهر بِهِ.وللشافعي قولان.وعن ابن أَبِي ليلى: الإسرار والجهر سواء.
    واختلفوا: هَلْ يختص التعوذ بالركعة الأولى، أم يستحب فِي كل ركعة؟ عَلَى قولين:أحدهما: يستحب فِي كل ركعة، وَهُوَ قَوْلِ ابن سيرين والحسن والشافعي وأحمد - فِي رِوَايَة. أَنَّهُ يختص بالركعة الأولى، وَهُوَ قَوْلِ عَطَاء والحسن والنخعي والثوري وأبي حنيفة وأحمد - فِي رِوَايَة عَنْهُ.وَقَالَ هِشَام بْن حسان: كَانَ الْحَسَن يتعوذ فِي كل ركعة، وكان ابن سيرين يتعوذ فِي كل ركعتين.وذهب مَالِك وأصحابه إلى أَنَّهُ لا يتعوذ فِي الصلاة المكتوبة، بل يفتتح بعد التكبير بقراءة الفاتحة من غير استعاذة ولا بسملة، واستدلوا بظاهر حَدِيْث أَنَس: كَانَ النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يفتتح الصلاة بـ {{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}} ، وَهُوَ الحَدِيْث الَّذِي خرجه البخاري فِي أول هَذَا الباب.ويجاب عَنْهُ؛ بأنه إنما أراد أَنَّهُ يفتتح قراءة الصَّلاة بالتكبير والقراءة بـ {{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}} ، وافتتاح القراءة بـ {{الْحَمْدُ لِلَّهِ}} إما أن يراد بِهِ افتتاحها بقراءة الفاتحة كما يَقُول الشَّافِعِيّ، أو افتتاح قراءة الصلاة الجهرية بكلمة {{الْحَمْدُ}} من غير بسملة كما يقوله الآخرون.ودل عَلِيهِ: حَدِيْث أَنَس الَّذِي خرجه مُسْلِم صريحاً.وعلى التقديرين، فلا ينفي ذَلِكَ أن يكون يَقُول قَبْلَ القراءة ذكراً، أو دعاء، أو استفتاحاً، أو تعوذاً، أو بسملةً؛ فإنه لا يخرج بذلك عَن أن يكون افتتح القراءة بالفاتحة، أو افتتح الجهر بالقراءة بكلمة {{الْحَمْدُ}} .ولا
    يمكن حمل الحَدِيْث عَلَى أَنَّهُ كَانَ أول مَا يفتتح بِهِ الصلاة قراءة كلمة{{الْحَمْدُ}} ؛ فإنه لَوْ كَانَ كذلك لكان لا يفتتح الصلاة بالتكبير، وهذا باطل غير مراد قطعاً. والله أعلم.


    [ رقم الحديث عند عبدالباقي:723 ... ورقمه عند البغا:744 ]
    - حدَّثنا مُوسَى بنُ إسْمَاعِيلَ قَالَ حدَّثنا عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ زِيَادٍ قَالَ حدَّثنا عُمَارَةُ بنُ القَعْقَاعِ. قَالَ حدَّثنا أبُو زُرْعَةَ قَالَ حدَّثنا أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ كانَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَسْكُتُ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وبَيْنَ القِرَاءَةِ إسْكَاتَةً قَالَ أحْسِبُهُ قَالَ هُنَيَّةً فَقُلْتُ بِأبِي وَأُمِّي يَا رسولَ الله إسْكَاتُكَ بَيْنَ التَّكْبِيرِ والقِرَاءَةِ مَا تَقُولُ قَالَ أقُولُ اللَّهُمَّ باعِدْ بَيْنِي وبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا باعَدْتَ بَيْنَ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنَ الخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ اللَّهُمَّ اغْسِلْ خَطَايايَ بالماءِ وَالثَّلْجِ والبَرَدِ.مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الحَدِيث يتَضَمَّن أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول بَين التَّكْبِير وَالْقِرَاءَة هَذَا الدُّعَاء الْمَذْكُور، فَيصدق عَلَيْهِ القَوْل: بعد التَّكْبِير، وَهَذَا ظَاهر فِي رِوَايَة: مَا يَقُول بعد التَّكْبِير، وَأما على رِوَايَة مَا يقْرَأ بعد التَّكْبِير فَيحمل على معنى مَا يجمع بَين الدُّعَاء وَالْقِرَاءَة بعد التَّكْبِير، لِأَن أصل هَذَا اللَّفْظ الْجمع، وكل شَيْء جمعته فقد قرأته، وَمِنْه سمي الْقُرْآن قُرْآنًا لِأَنَّهُ جمع بَين الْقَصَص وَالْأَمر وَالنَّهْي والوعد والوعيد. والآيات والسور بَعْضهَا إِلَى بعض، وَقَول من قَالَ: لما كَانَ الدُّعَاء وَالْقِرَاءَة يقْصد بهما التَّقَرُّب إِلَى الله تَعَالَى، اسْتغنى بِذكر أَحدهمَا عَن الآخر كَمَا جَاءَ:علفتها تبنا وَمَاء بَارِدًاغير سديد، وَكَذَا قَول من قَالَ: دُعَاء الِافْتِتَاح يتَضَمَّن مُنَاجَاة الرب والإقبال عَلَيْهِ بالسؤال، وَقِرَاءَة الْفَاتِحَة تَتَضَمَّن هَذَا الْمَعْنى، فظهرت الْمُنَاسبَة بَين الْحَدِيثين غير موجه، لِأَن الْمَقْصُود وجود الْمُنَاسبَة بَين التَّرْجَمَة وَحَدِيث الْبابُُ لَا وجود الْمُنَاسبَة بَين الْحَدِيثين.ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: مُوسَى بن إِسْمَاعِيل أَبُو سَلمَة الْمنْقري الْمَعْرُوف بالتبوذكي. الثَّانِي: عبد الْوَاحِد ابْن زِيَاد الْعَبْدي أَبُو بشر الْبَصْرِيّ. الثَّالِث: عمَارَة، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْمِيم: ابْن الْقَعْقَاع بن شبْرمَة الضَّبِّيّ الْكُوفِي.
    الرَّابِع: أَبُو زرْعَة، هُوَ عَمْرو بن جرير البَجلِيّ، وَاخْتلف فِي اسْمه فَقيل: هرم، وَقيل: عبد الله، وَقيل: عبد الرَّحْمَن، وَقيل: عَمْرو، وَقيل: جرير. الْخَامِس: أَبُو هُرَيْرَة.ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي جَمِيع الْإِسْنَاد، وَهَذَا نَادِر فَلذَلِك اخْتَار البُخَارِيّ رِوَايَة عبد الْوَاحِد. وَفِيه: القَوْل فِي خَمْسَة مَوَاضِع. وَفِيه: الإثنان الْأَوَّلَانِ من الروَاة بصريان، وَاثْنَانِ بعدهمَا كوفيان.ذكر من أخرجه غَيره: أخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة أَيْضا عَن زُهَيْر بن حَرْب، وَعَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَعَن مُحَمَّد ابْن عبد الله بن نمير، وَعَن أبي كَامِل، وَأخرجه أَبُو دَاوُد عَن أبي كَامِل الجحدري بِهِ، وَعَن أَحْمد بن أبي شُعَيْب الْخُزَاعِيّ. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن مَحْمُود بن غيلَان عَن سُفْيَان عَنهُ مُخْتَصرا، وَفِي الطَّهَارَة عَن عَليّ بن حجر عَن جرير بِتَمَامِهِ. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الصَّلَاة عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَعلي بن مُحَمَّد الطنافسي، وروى الْبَزَّار بِسَنَد جيد من حَدِيث خبيب بن سُلَيْمَان بن سَمُرَة عَن أَبِيه عَن جده أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (إِذا صلى أحدكُم فَلْيقل: اللَّهُمَّ باعد بيني وَبَين خطاياي كَمَا باعدت بَين الْمشرق وَالْمغْرب، اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك أَن تصدعني بِوَجْهِك يَوْم الْقِيَامَة، اللَّهُمَّ نقني من الْخَطَايَا كَمَا ينقى الثَّوْب الْأَبْيَض من الدنس، اللَّهُمَّ أحيني مُسلما وأمتني مُسلما) . وخبيب، بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة: وَثَّقَهُ ابْن حبَان، وَكَذَلِكَ وثق أَبَاهُ سُلَيْمَان، ورد ابْن الْقطَّان هَذَا الحَدِيث بِجَهْل حَالهمَا غير جيد، وَقَالَ الإشبيلي: الصَّحِيح فِي هَذَا فعل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَعْنِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة لَا أمره.ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (يسكت) ، بِفَتْح الْيَاء من: سكت يسكت سكُوتًا، ويروى: يسكت، بِضَم الْيَاء من أسكت يسكت إسكاتا. قَالَ الْكرْمَانِي: الْهمزَة للصيرورة. قلت: مَعْنَاهَا: صيرورة الشَّيْء إِلَى مَا اشتق مِنْهُ الْفِعْل، كأغد الْبَعِير أَي: صَار ذَا غُدَّة، وَمَعْنَاهُ هُنَا: يصير ذَا سكُوت، وَيجوز أَن يكون بِمَعْنى الدُّخُول فِي الشَّيْء، تَقْدِيره: كَانَ يدْخل فِي السُّكُوت بَين التَّكْبِير وَبَين الْقِرَاءَة. قَوْله: (إسكاته) بِكَسْر الْهمزَة على وزن: إفعالة، قَالَ بَعضهم: إسكاتة من السُّكُوت. قلت: لَا بل من أسكت، وَالسُّكُوت من سكت، وَهَذَا الْوَزْن للمرة وَالنَّوْع من الثلاثي الْمَزِيد فِيهِ، وَمن الْمُجَرّد يَجِيء على: سكتة، بِالْفَتْح للمرة، وبالكسر للنوع، وَالْأَصْل فِي الْمَزِيد فِيهِ من الثلاثي والرباعي الْمُجَرّد والمزيد أَن مصدرها إِذا كَانَ بِالتَّاءِ فالمرة وَالنَّوْع على مصدرها الْمُسْتَعْمل والفارق الْقَرَائِن نَحْو: استقامة ودحرجة وَاحِدَة أَو حَسَنَة، وَإِن لم يكن بِالتَّاءِ فلبناء على مصدره مزبدا فِيهِ التَّاء، نَحْو: انطلاقة وتدحرجة وَاحِدَة أَو حَسَنَة. وشذ قَوْلهم: أَتَيْته إتيانة، ولقيته لِقَاء، لِأَنَّهُمَا من الثلاثي الْمُجَرّد الَّذِي لَا تَاء فِي مصدره، إِذْ مصدرهما إتْيَان ولقاء. وَالْقِيَاس: إتية ولقية، وَقَالَ الْخطابِيّ: مَعْنَاهُ سكُوتًا يَقْتَضِي بعده كلَاما أَو قِرَاءَة مَعَ قصر الْمدَّة، وَأُرِيد بِهَذَا النَّوْع من السُّكُوت ترك رفع الصَّوْت بالْكلَام. ألاَ ترَاهُ يَقُول: مَا تَقول فِي إسكاتك؟ وانتصاب إسكاته على أَنه مفعول مُطلق أما على رِوَايَة: يسكت، بِضَم الْيَاء فَظَاهر لِأَنَّهُ على الأَصْل، وَأما على رِوَايَة: يسكت، بِفَتْح الْيَاء فعلى خلاف الْقيَاس، لِأَن الْقيَاس سكُوتًا كَمَا جَاءَ بِالْعَكْسِ فِي قَوْله تَعَالَى: {{وَالله أنبتكم من الأَرْض نباتا}} (نوح: 17) . وَالْقِيَاس: إنباتا. قَوْله: (أَحْسبهُ قَالَ هنيَّة) أَي: قَالَ أَبُو زرْعَة: قَالَ أَبُو هُرَيْرَة بدل إسكاته: هنيَّة، هَذِه رِوَايَة عبد الْوَاحِد بن زِيَاد بِالظَّنِّ، وَرَوَاهُ جرير عِنْد مُسلم وَغَيره وَابْن فُضَيْل عِنْد ابْن مَاجَه وَغَيره بِلَفْظ: (سكت هنيَّة) ، بِغَيْر تردد وَإِنَّمَا اخْتَار البُخَارِيّ رِوَايَة عبد الْوَاحِد لوُقُوع التَّصْرِيح بِالتَّحْدِيثِ فِيهَا فِي جَمِيع وَأما هنيئة فَفِيهِ أوجه: الأول: بِضَم الْهَاء وَفتح النُّون وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح الْهمزَة، وَقَالَ ابْن قرقول: كَذَا عِنْد الطَّبَرِيّ، وَلَا وَجه لَهُ، وَقَالَ: وَعند الْأصيلِيّ وَابْن الْحذاء وَابْن السكن: هنيهة، بِالْهَاءِ الْمَفْتُوحَة مَوضِع الْهمزَة، وَهُوَ الْوَجْه الثَّانِي: قلت: هُوَ رِوَايَة الْكشميهني، وَرِوَايَة إِسْحَاق والْحميدِي فِي مسنديهما عَن جرير. الْوَجْه الثَّالِث: قَالَه النَّوَوِيّ، هنيَّة، بِضَم الْهَاء وَفتح النُّون وَتَشْديد الْيَاء بِغَيْر همزَة، وَمن همزها فقد أَخطَأ قلت: ذكر عِيَاض والقرطبي أَن أَكثر رُوَاة مُسلم بِالْهَمْزَةِ، وَقَالَ النَّوَوِيّ أَصْلهَا: هنوة، فَلَمَّا صغرت صَارَت: هنيوة، فاجتمعت الْوَاو وَالْيَاء وسبقت إِحْدَاهمَا بِالسُّكُونِ فقلبت الْوَاو يَاء، وأدغمت الْيَاء فِي الْيَاء. وَفِي (الموعب) لِابْنِ التياني: هنيَّة هِيَ الْيَسِيرَة من الشَّيْء مَا كَانَ.قَوْله: (بِأبي وَأمي) الْبَاء تتَعَلَّق بِمَحْذُوف إِمَّا إسم: فَيكون تَقْدِيره: أَنْت مفدرى بِأبي وَأمي، وَإِمَّا فعل:
    فالتقدير: فديتك بِأبي، وَحذف تَخْفِيفًا لِكَثْرَة الِاسْتِعْمَال، وَعلم الْمُخَاطب بِهِ، وَفِيه تفدية الشَّارِع بِالْآبَاءِ والأمهات. وَهل يجوز تفدية غَيره من الْمُؤمنِينَ؟ فِيهِ مَذَاهِب أَصَحهَا: نعم بِلَا كَرَاهَة. وَثَانِيها: الْمَنْع، وَذَلِكَ خَاص بِهِ. وَثَالِثهَا: يجوز تفدية الْعلمَاء الصَّالِحين الأخيار دون غَيرهم. قَوْله: (إسكاتك) بِكَسْر الْهمزَة، قَالَ بَعضهم: وَهُوَ بِالرَّفْع على الِابْتِدَاء وَلم يبين خَبره، وَالصَّحِيح أَنه بِالنّصب على أَنه مفعول: فعل، مُقَدّر أَي: أَسأَلك إسكاتك مَا تَقول فِيهِ؟ ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أَو مَنْصُوب بِنَزْع الْخَافِض، أَي: مَا تَقول فِي إسكاتك؟ وَوَقع فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي والسرخسي بِفَتْح الْهمزَة وَضم السِّين على الِاسْتِفْهَام، وَفِي رِوَايَة الْحميدِي: (مَا تَقول فِي سكتتك بَين التَّكْبِير وَالْقِرَاءَة؟) وَلمُسلم: (أَرَأَيْت سكوتك؟) وَكَذَا فِي رِوَايَة أبي دَاوُد، وَمَعْنَاهُ: أَخْبرنِي سكوتك. قَوْله: (مَا تَقول؟) أَي: فِيهَا. قيل: السُّكُوت منَاف، لِلْقَوْلِ، فَكيف يَصح أَن يُقَال مَا تَقول فِي سكوتك؟ وَأجِيب: بِأَنَّهُ يحْتَمل أَنه اسْتدلَّ على أصل القَوْل بحركة الْفَم، كَمَا اسْتدلَّ بِهِ على قِرَاءَة الْقُرْآن فِي الظّهْر وَالْعصر باضطراب اللِّحْيَة. قَوْله: (باعد) بِمَعْنى: أبعد، قَالَ الْكرْمَانِي: أخرجه إِلَى صِيغَة المفاعلة للْمُبَالَغَة. قلت: لم يقل أهل التصريف إلاّ للتكثير، نَحْو: ضاعفت، بِمَعْنى ضعفت. . وَفِي الْمُبَالغَة معنى التكثير. قَوْله: (خطاياي) ، جمع خطية كالعطايا جمع عَطِيَّة، يُقَال: خطأ فِي دينه خطأ إِذا أَثم فِيهِ، وَالْخَطَأ بِالْكَسْرِ الذَّنب وَالْإِثْم، وأصل خَطَايَا خطايىء، فقلبوا الْيَاء همزَة كَمَا فِي قبائل جمع قَبيلَة، فَصَارَ خطأيء بهمزتين، فقلبوا الثَّانِيَة يَاء فَصَارَ: خطائي، ثمَّ قلبت الْهمزَة يَاء مَفْتُوحَة فَصَارَت: خطايي، فقلبت الْيَاء فَصَارَ: خَطَايَا: إِن كَانَ يُرَاد بهَا اللاحقة فَمَعْنَاه إِذا قدر لي ذَنْب فباعد بيني وَبَينه، وَإِن كَانَ يُرَاد بهَا السَّابِقَة فَمَعْنَاه المحو والغفران، وَيُقَال: المُرَاد بالمباعدة محو مَا حصل مِنْهَا والعصمة عَمَّا سَيَأْتِي مِنْهَا، وَهَذَا مجَاز، لِأَن حَقِيقَة المباعدة إِنَّمَا هِيَ فِي الزَّمَان وَالْمَكَان. قَوْله: (كَمَا باعدت) كلمة: مَا، مَصْدَرِيَّة تَقْدِيره: كتبعيدك بَين الْمشرق وَالْمغْرب، وَوجه الشّبَه أَن التقاء الْمشرق وَالْمغْرب لما كَانَ مستحيلاً شبه أَن يكون اقترابه من الذَّنب كاقتراب الْمشرق وَالْمغْرب. وَقَالَ الْكرْمَانِي: كرر لفظ: الْبَين، فِي قَوْله: (وباعد بيني وَبَين خطاياي) ، وَلم يُكَرر: بَين الْمشرق وَالْمغْرب، لِأَنَّهُ إِذا عطف على الْمُضمر الْمَجْرُور أُعِيد الْخَافِض. قلت: يرد عَلَيْهِ قَوْله: بَين التَّكْبِير وَبَين الْقِرَاءَة. قَوْله: (نقني) بتَشْديد الْقَاف وَهُوَ أَمر من: نقى ينقي تنقية، وَهُوَ مجَاز عَن إِزَالَة الذُّنُوب ومحو أَثَرهَا. قَوْله: (من الدنس) بِفَتْح النُّون وَهُوَ: الْوَسخ. قَوْله: (كَمَا ينقى الثَّوْب الْأَبْيَض) ، وَإِنَّمَا شبه بِهِ لِأَن الثَّوْب الْأَبْيَض أظهر من غَيره من الألوان. قَوْله: (وَالْبرد) بِفَتْح الرَّاء، وَهُوَ حب الْغَمَام. قَالَ الْكرْمَانِي: الْغسْل الْبَالِغ إِنَّمَا يكون بِالْمَاءِ الْحَار، فَلم ذكر كَذَلِك؟ فَأجَاب نَاقِلا عَن مُحي السّنة: مَعْنَاهُ طهرني من الذُّنُوب، وذكرهما مُبَالغَة فِي التَّطْهِير، وَقَالَ الْخطابِيّ: هَذِه أَمْثَال، وَلم يرد بهَا أَعْيَان هَذِه المسميات، وَإِنَّمَا أَرَادَ بهَا التوكيد فِي التَّطْهِير من الْخَطَايَا وَالْمُبَالغَة فِي محوها عَنهُ، والثلج وَالْبرد مَا أَن لم تمسهما الْأَيْدِي وَلم يمتهنهما اسْتِعْمَال، فَكَانَ ضرب الْمثل بهما أوكد فِي بَيَان معنى مَا أَرَادَهُ من تَطْهِير الثَّوْب. وَقَالَ التوربشتي: ذكر أَنْوَاع المطهرات الْمنزلَة من السَّمَاء الَّتِي لَا يُمكن حُصُول الطَّهَارَة الْكَامِلَة إلاّ بأحدها، بَيَانا لأنواع الْمَغْفِرَة الَّتِي لَا تخلص من الذُّنُوب إلاّ بهَا، أَي: طهرني بأنواع مغفرتك الَّتِي هِيَ فِي تمحيص الذُّنُوب بِمَثَابَة هَذِه الْأَنْوَاع الثَّلَاثَة فِي إِزَالَة الأرجاس وَرفع الْأَحْدَاث. وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: يُمكن أَن يُقَال: ذكر الثَّلج وَالْبرد بعد ذكر المَاء لطلب شُمُول الرَّحْمَة بعد الْمَغْفِرَة والتركيب من بابُُ: رَأَيْته مُتَقَلِّدًا سَيْفا ورمحا، أَي: إغسل خطاياي بِالْمَاءِ أَي: اغفرها، وزد على الغفران شُمُول الرَّحْمَة. طلب أَولا المباعدة بَينه وَبَين الْخَطَايَا، ثمَّ طلب تنقية مَا عَسى أَن يبْقى مِنْهَا شَيْء تنقية تَامَّة، ثمَّ سَأَلَ ثَالِثا بعد الغفران غَايَة الرَّحْمَة عَلَيْهِ بعد التَّخْلِيَة. وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَالْأَقْرَب أَن يَقُول: جعل الْخَطَايَا بِمَنْزِلَة نَار جَهَنَّم لِأَنَّهَا مستوجبة لَهَا بِحَسب وعد الشَّارِع، قَالَ تَعَالَى: {{وَمن يعْص الله وَرَسُوله فَإِن لَهُ نَار جَهَنَّم}} (الْجِنّ: 23) . فَعبر عَن إطفاء حَرَارَتهَا بِالْغسْلِ تَأْكِيدًا فِي الإطفاء، وَبَالغ فِيهِ بِاسْتِعْمَال المبردات ترقيا عَن المَاء إِلَى أبرد مِنْهُ، وَهُوَ الثَّلج ثمَّ إِلَى أبرد من الثَّلج وَهُوَ الْبرد، بِدَلِيل جموده لِأَن مَا هُوَ أبرد فَهُوَ أجمد. وَأما تثليث الدَّعْوَات فَيحْتَمل أَن يكون نظرا إِلَى الْأَزْمِنَة الثَّلَاثَة، فالمباعدة للمستقبل والتنقية للْحَال وَالْغسْل للماضي.ذكر مَا يستنبط مِنْهُ: ذكر البُخَارِيّ لهَذَا الحَدِيث فِي هَذَا الْبابُُ دَلِيل على أَنه يرى الاستفتاح بِهَذَا، وَقد اخْتلف النَّاس فِيمَا يستفتح بِهِ الصَّلَاة. فَأَبُو حنيفَة وَأحمد يريان الاستفتاح بِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه. فَأَبُو دَاوُد
    عَن حُسَيْن بن عِيسَى: حَدثنَا طلق بن غَنَّام حَدثنَا عبد السَّلَام بن حَرْب الْملَائي عَن بديل بن ميسرَة عَن أبي الجوراء عَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، قَالَت: (كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا استفتح الصَّلَاة قَالَ: (سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك وتبارك اسْمك وَتَعَالَى جدك وَلَا إِلَه غَيْرك)) . وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه من حَدِيث حَارِثَة بن أبي الرِّجَال: عَن عمْرَة عَن عَائِشَة؛ (أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا استفتح الصَّلَاة قَالَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ) إِلَى آخِره، نَحوه، وَأَبُو الجوراء، بِالْجِيم وَالرَّاء: واسْمه أَوْس بن عبد الله الربعِي الْبَصْرِيّ. فَإِن قلت: قَالَ أَبُو دَاوُد: هَذَا الحَدِيث لَيْسَ بالمشهور عَن عبد السَّلَام بن حَرْب، وَلم يروه إلاّ طلق بن غَنَّام، وَقد روى قصَّة الصَّلَاة جمَاعَة غير وَاحِد عَن بديل لم يذكرُوا فِيهِ شَيْئا من هَذَا. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث لَا نعرفه إلاّ من هَذَا الْوَجْه، وحارثة قد تكلم فِيهِ قلت: قد أخرجه الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك بِالْإِسْنَادِ: أَعنِي إِسْنَاد أبي دَاوُد وَإسْنَاد التِّرْمِذِيّ. وَقَالَ: صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ، وَلَا أحفظ فِي قَوْله: (سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك) فِي الصَّلَاة أصح من هَذَا الحَدِيث. وَقد صَحَّ عَن عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنه كَانَ يَقُوله. ثمَّ أخرجه عَن الْأَعْمَش عَن الْأسود عَن عمر قَالَ: وَقد أسْندهُ بَعضهم عَن عمر وَلَا يَصح. وَأخرجه مُسلم فِي (صَحِيحه) عَن عَبدة وَهُوَ ابْن أبي لبابَُُة: أَن عمر بن الْخطاب كَانَ يجْهر بهؤلاء الْكَلِمَات يَقُول: (سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك وتبارك اسْمك وَتَعَالَى جدك وَلَا إِلَه غَيْرك) . وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ وَعَبدَة: لَا يعرف لَهُ سَماع من عمر، وَإِنَّمَا سمع من ابْنه عبد الله، وَيُقَال: إِنَّه رأى عمر رُؤْيَة. وَقَالَ صَاحب (التَّنْقِيح) : وَإِنَّمَا أخرجه مُسلم فِي (صَحِيحه) لِأَنَّهُ سَمعه مَعَ غَيره. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي كِتَابه (الْعِلَل) : وَقد رَوَاهُ إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش عَن عبد الْملك بن حميد بن أبي غنية عَن أبي إِسْحَاق السبيعِي عَن الْأسود عَن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَخَالفهُ إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ فَرَوَاهُ عَن الْأسود عَن عمر. قَوْله: وَهُوَ الصَّحِيح، وروى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ، قَالَ: (كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا قَامَ إِلَى الصَّلَاة كبر ثمَّ يَقُول: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك وتبارك اسْمك وَتَعَالَى جدك وَلَا إِلَه غَيْرك، ثمَّ يَقُول: الله أكبر كَبِيرا، ثمَّ يَقُول: أعوذ بِاللَّه السَّمِيع الْعَلِيم من الشَّيْطَان الرَّجِيم من همزَة ونفخه ونفثه) . ثمَّ قَالَ: وَفِي الْبابُُ عَن عَليّ وَعبد الله بن مَسْعُود وَعَائِشَة وَجَابِر وَجبير بن مطعم وَابْن عمر، ثمَّ قَالَ، وَحَدِيث أبي سعيد أشهر حَدِيث فِي هَذَا الْبابُُ. وَقد أَخذ قوم من أهل الْعلم بِهَذَا الحَدِيث. وَأما أَكثر أهل الْعلم فَقَالُوا: إِنَّمَا رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ يَقُول: (سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك وتبارك اسْمك وَتَعَالَى جدك وَلَا إِلَه غَيْرك) ، وَهَكَذَا رُوِيَ عَن عمر بن الْخطاب وَعبد الله بن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَالْعَمَل على هَذَا عِنْد أَكثر أهل الْعلم من التَّابِعين وَغَيرهم.قلت: أما حَدِيث عَليّ فَأخْرجهُ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه فِي أول كتاب (الْجَامِع) عَن اللَّيْث بن سعد عَن سعيد بن يزِيد عَن الْأَعْرَج عَن عبيد الله بن أبي رَافع عَن عَليّ بن أبي طَالب عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ يجمع فِي أول صلَاته بَين: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، وَبَين وجهت وَجْهي إِلَى آخرهما. قَالَ إِسْحَاق: وَالْجمع بَينهمَا أحب إِلَيّ. وَفِي كتاب (الْعِلَل) لِابْنِ أبي حَاتِم: سُئِلَ أَحْمد بن سَلمَة، أَي: عَن هَذَا الحَدِيث، فَقَالَ: حَدِيث مَوْضُوع بَاطِل لَا أصل لَهُ، أرى أَن هَذَا من رِوَايَة خَالِد بن الْقَاسِم المدايني، وَقد كَانَ خرج إِلَى مصر فَسمع من اللَّيْث وَرجع إِلَى الْمَدَائِن فَسمع مِنْهُ النَّاس، فَكَانَ يُوصل الْمَرَاسِيل وَيَضَع لَهَا أَسَانِيد. فَخرج رجل من أهل الحَدِيث إِلَى مصر فَكتب، كتب اللَّيْث هُنَالك، ثمَّ قدم بهَا بَغْدَاد فعارضوا بِتِلْكَ الْأَحَادِيث، فَبَان لَهُم أَن أَحَادِيث خَالِد مفتعلة. وَقد روى مُسلم حَدِيث عَليّ مُنْفَردا بقوله: (وجهت وَجْهي) ، فَقَط أخرجه فِي التَّهَجُّد من رِوَايَة عبيد الله بن أبي رَافع عَن عَليّ بن أبي طَالب: (أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا قَامَ إِلَى الصَّلَاة قَالَ: وجهت وَجْهي للَّذي فطر السَّمَوَات وَالْأَرْض حَنِيفا مُسلما وَمَا أَنا من الْمُشْركين إِن صَلَاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب الْعَالمين لَا شرك لَهُ، وَبِذَلِك أمرت وَأَنا من الْمُسلمين) . وَفِي رِوَايَة لمُسلم: (وَأَنا أول الْمُسلمين) ، اللَّهُمَّ أَنْت الْملك لَا إِلَه إلاّ أَنْت) . الحَدِيث.وَأما حَدِيث عبد الله بن مَسْعُود فَأخْرجهُ الطَّبَرَانِيّ فِي مُعْجَمه من حَدِيث أبي الأحوض عَن عبد الله قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا افْتتح الصَّلَاة قَالَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك ... إِلَى آخِره.وَأما حَدِيث عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، فقد ذَكرْنَاهُ عَن قريب.وَأما حَدِيث جَابر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَأخْرجهُ الدَّارَقُطْنِيّ عَنهُ: (كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يستفتح الصَّلَاة، بسبحانك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك) إِلَى آخِره، وَبعده ابْن قدامَة: رجال إِسْنَاده كلهم ثِقَات، وَطعن فِيهِ
    أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ.وَأما حَدِيث جُبَير بن مطعم فَأخْرجهُ أَبُو دَاوُد عَن ابْن جُبَير بن مطعم عَن أَبِيه أَنه: رأى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي صَلَاة، قَالَ عمر: وَلَا أَدْرِي أَي صَلَاة هِيَ، قَالَ: الله أكبر كَبِيرا الله أكبر كَبِيرا الله أكبر كَبِيرا وَالْحَمْد لله حمدا كثيرا وَسُبْحَان الله بكرَة وَأَصِيلا ثَلَاثًا، أعوذ بِاللَّه من الشَّيْطَان الرَّجِيم من نفخه ونفثه وهمزه) .وَأما حَدِيث ابْن عمر فَأخْرجهُ الطَّبَرَانِيّ فِي (مُعْجَمه) من حَدِيث مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر: عَن عبد الله بن عمر، قَالَ: (كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا افْتتح الصَّلَاة قَالَ: وجهت وَجْهي للَّذي فطر السَّمَوَات وَالْأَرْض حَنِيفا. وَمَا أَنا من الْمُشْركين، سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، وتبارك اسْمك وَتَعَالَى جدك وَلَا إِلَه غَيْرك، إِن صَلَاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب الْعَالمين لَا شريك لَهُ، وَبِذَلِك أمرت وَأَنا أول الْمُسلمين) . وَقد ذكرنَا عَن مُسلم أَنه أخرج عَن عَليّ: (وجهت وَجْهي) إِلَى آخِره.قلت: وَفِي الْبابُُ أَيْضا عَن أنس أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث حميد عَن أنس، قَالَ: (كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا افْتتح الصَّلَاة كبر ثمَّ رفع يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِي بإبهاميه أُذُنَيْهِ ثمَّ يَقُول: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، وتبارك اسْمك وَتَعَالَى جدك وَلَا إِلَه غَيْرك) . ثمَّ قَالَ: وَرِجَال إِسْنَاده كلهم ثِقَات. وَعَن الحكم بن عُمَيْر الثمالِي أخرجه الطَّبَرَانِيّ عَنهُ، قَالَ: (كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعلمنَا: إِذا قُمْتُم إِلَى الصَّلَاة فارفعوا أَيْدِيكُم وَلَا تخَالف آذانكم. ثمَّ قُولُوا: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك وتبارك اسْمك وَتَعَالَى جدك وَلَا إِلَه غَيْرك، وَإِن لم تَزِيدُوا على التَّكْبِير أجزاكم) وَعَن وَاثِلَة أخرجه الطَّبَرَانِيّ عَنهُ: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (كَانَ يَقُول إِذا افْتتح الصَّلَاة: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك. .) إِلَى آخِره. وَعَن عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ عَن نَافِع عَن ابْن عمر عَن عمر بن الْخطاب: كَانَ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِذا كبر للصَّلَاة قَالَ: (سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك. .) إِلَى آخِره، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ، وَالْمَحْفُوظ أَنه مَوْقُوف على عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى عَن قريب. وَاسْتحبَّ الشَّافِعِي الاستفتاح بِحَدِيث عَليّ من عِنْد مُسلم، وَقد مضى عَن قريب. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: كَانَ ذَلِك فِي أول الْأَمر أَو النَّافِلَة. قلت: كَانَ فِي النَّافِلَة، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ من حَدِيث مُحَمَّد بن مسلمة: (أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا قَامَ يُصَلِّي تَطَوّعا قَالَ: وجهت وَجْهي) إِلَى آخِره. وَلَكِن فِي (صَحِيح ابْن حبَان) : كَانَ إِذا قَامَ إِلَى الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة. .) قَالَه، وَقَالَ ابْن قدامَة: الْعَمَل بِهِ مَتْرُوك، فَإنَّا لَا نعلم أحدا استفتح بِالْحَدِيثِ كُله، وَإِنَّمَا يستفتحون بأوله. وَقَالَ ابْن الْأَثِير فِي (شرح الْمسند) : الَّذِي ذهب إِلَيْهِ الشَّافِعِي فِي (الْأُم) أَنه يَأْتِي بِهَذِهِ الْأَذْكَار جَمِيعًا من أَولهَا إِلَى آخرهَا فِي الْفَرِيضَة والنافلة، وَأما الْمُزنِيّ فروى عَنهُ أَنه يَقُول: وجهت وَجْهي ... إِلَى قَوْله: من الْمُسلمين. قَالَ أَبُو يُوسُف: يجمع بَين قَول: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، وَبَين قَول: وجهت وَجْهي، وَهُوَ قَول أبي إِسْحَاق الْمروزِي وَأبي حَامِد الشافعيين. وَفِي (الْمُحِيط) : يسْتَحبّ قَول: وجهت وَجْهي قبل التَّكْبِير، وَقيل: لَا يسْتَحبّ لتطويل الْقيام مُسْتَقْبل الْقبْلَة من غير صَلَاة. وَقَالَ ابْن بطال: إِن الشَّافِعِي قَالَ: أحب للْإِمَام إِن يكون لَهُ سكتة بَين التَّكْبِير وَالْقِرَاءَة ليقْرَأ الْمَأْمُوم فِيهَا، ثمَّ قَالَ: وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة يرد الْعلَّة الَّتِي علل بهَا الشَّافِعِي هَذِه السكتة، لِأَن أَبَا هُرَيْرَة سَأَلَ الشَّارِع عَنْهَا، فَقَالَ: أَقُول: اللَّهُمَّ باعد ... إِلَى آخِره، وَلَو كَانَ ليقْرَأ من وَرَاء الإِمَام فِيهَا لذكر ذَلِك، فَبين أَن السكتة لغير مَا قَالَه الشَّافِعِي. وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : هَذَا الَّذِي قَالَه عَن الشَّافِعِي غلط من أَصله، فَإِن الَّذِي استحبه الشَّافِعِي السكتة فِيهَا لأجل قِرَاءَة الْمَأْمُوم الْفَاتِحَة إِنَّمَا هِيَ السكتة الثَّالِثَة بعد قَوْله: آمين، ورده ابْن الْمُنِير أَيْضا بِأَنَّهُ: لَا يلْزم من كَونه أخبرهُ بِصفة مَا يَقُول أَن لَا يكون سَبَب السُّكُوت مَا ذكر، وَقيل: هَذَا النَّقْل من أَصله غير مَعْرُوف عَن الشَّافِعِي وَلَا عَن أَصْحَابه، إلاّ أَن الْغَزالِيّ قَالَ فِي (الْإِحْيَاء) : إِن الْمَأْمُوم يقْرَأ الْفَاتِحَة إِذا اشْتغل الإِمَام بِدُعَاء الِافْتِتَاح، وخولف فِي ذَلِك، بل أطلق الْمُتَوَلِي وَغَيره تَقْدِيم الْمَأْمُوم قِرَاءَة الْفَاتِحَة على الإِمَام. وَفِي وَجه إِن فرغها قبله بطلت صلَاته، وَالْمَعْرُوف أَن الْمَأْمُوم يقْرؤهَا إِذا سكت الإِمَام بَين الْفَاتِحَة وَالسورَة، وَهُوَ الَّذِي حَكَاهُ عِيَاض وَغَيره عَن الشَّافِعِي.وَقد نَص الشَّافِعِي على أَن الْمَأْمُوم يَقُول دُعَاء الِافْتِتَاح كَمَا يَقُوله الإِمَام قلت: قَالَ الْمُزنِيّ: وَهُوَ فِي حق الإِمَام فَقَط، وَقَالَ بَعضهم: والسكتة الَّتِي بَين الْفَاتِحَة وَالسورَة ثَبت فِيهَا حَدِيث سَمُرَة عِنْد أبي دَاوُد وَغَيره. قلت: قَالَ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم حَدثنَا إِسْمَاعِيل عَن يُونُس عَن الْحسن قَالَ: قَالَ سَمُرَة: حفظت سكتتين فِي الصَّلَاة، سكتة إِذا كبر الإِمَام حِين يقْرَأ، وسكتة إِذا فرغ من فَاتِحَة الْكتاب، وَسورَة عِنْد الرُّكُوع. قَالَ: فَأنْكر ذَلِك عَلَيْهِ عمرَان بن الْحصين، قَالَ: فَكَتَبُوا فِي ذَلِك إِلَى الْمَدِينَة، إِلَى أبي، فَصدق سَمُرَة. قَوْله: (سكتة إِذا كبر الإِمَام)
    فِيهِ دَلِيل لأبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد بن حَنْبَل، وَالْجُمْهُور إِنَّه يسْتَحبّ دُعَاء الِافْتِتَاح. وَقَالَ مَالك: لَا يسْتَحبّ دُعَاء الِافْتِتَاح بعد تَكْبِيرَة الإفتتاح. قَوْله: (وسكتة إِذا فرغ) ، أَي: عِنْد فرَاغ الإِمَام التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضعمام من فَاتِحَة الْكتاب وَسورَة، وَقَالَ الْخطابِيّ: وَهَذِه السكتة ليقْرَأ من خلف الإِمَام وَلَا ينازعه فِي الْقِرَاءَة، وَهُوَ مَذْهَب الشَّافِعِي، وَعند أَصْحَابنَا: لَا يقْرَأ الْمُقْتَدِي خلف الإِمَام، فَتحمل هَذِه السكتة عندنَا على الْفَصْل بَين الْقِرَاءَة وَالرُّكُوع بالتأني وَترك الاستعجال بِالرُّكُوعِ بعد الْفَرَاغ من الْقِرَاءَة، وَلَكِن حد هَذِه السكتة قدر مَا يَقع بِهِ الْفَصْل بَين الْقِرَاءَة وَالرُّكُوع، حَتَّى إِذا طَال جدا، فَإِن كَانَ عمدا يكره، وَإِن كَانَ سَهوا يجب عَلَيْهِ سَجْدَة السَّهْو، لِأَن فِيهِ تَأْخِير الرُّكْن. وَقَالَ أَبُو دَاوُد: وَكَذَا قَالَ حميد: وسكتة إِذا فرغ من الْقِرَاءَة، وَقد حمل الْبَعْض هَذِه السكتة على ترك رفع الصَّوْت بِالْقِرَاءَةِ دون السُّكُوت عَن الْقِرَاءَة، وَقَالَ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا القعْنبِي، قَالَ مَالك: لَا بَأْس بِالدُّعَاءِ فِي الصَّلَاة فِي أَوله وَفِي أوسطه وَفِي آخِره فِي الْفَرِيضَة وَغَيرهَا. قلت: وَكَذَا رُوِيَ عَن الشَّافِعِي، وَقَالَ الْبَغَوِيّ: وَبِأَيِّ دُعَاء من الْأَدْعِيَة الْوَارِدَة فِي هَذَا الْبابُُ استفتح حصلت سنة الِافْتِتَاح، وَعِنْدنَا: لَا يستفتح إلاّ بسبحانك اللَّهُمَّ. . إِلَى آخِره، وَأما الْأَدْعِيَة الْمَذْكُورَة فِي هَذَا الْبابُُ فَإِن أَرَادَ يَدْعُو بهَا فِي آخر صلَاته بعد الْفَرَاغ من التَّشَهُّد فِي الْفَرْض، وَأما بابُُ النَّفْل فواسع، وكل مَا جَاءَ فِي هَذِه الْأَدْعِيَة فَمَحْمُول على صَلَاة اللَّيْل. وَقَالَ ابْن بطال: لَو كَانَت هَذِه السكتة فِيمَا واظب عَلَيْهِ الشَّارِع لنقلها أهل الْمَدِينَة عيَانًا وَعَملا، فَيحْتَمل أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فعلهَا فِي وَقت ثمَّ تَركهَا، فَتَركهَا وَاسع. وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : الحَدِيث ورد بِلَفْظ: (كَانَ إِذا قَامَ إِلَى الصَّلَاة) وبلفظ: (كَانَ إِذا قَامَ يُصَلِّي تَطَوّعا) . وبلفظ: (كَانَ إِذا قَامَ إِلَى الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة قَالَه) . وَكَانَ، هُنَا يشْعر بالمداومة عَلَيْهِ قلت: إِذا ثبتَتْ المداومة يثبت الْوُجُوب، وَلم يقل بِهِ أحد.

    حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، قَالَ حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بْنُ الْقَعْقَاعِ، قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَسْكُتُ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَبَيْنَ الْقِرَاءَةِ إِسْكَاتَةً ـ قَالَ أَحْسِبُهُ قَالَ هُنَيَّةً ـ فَقُلْتُ بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِسْكَاتُكَ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ مَا تَقُولُ قَالَ ‏ "‏ أَقُولُ اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَاىَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنَ الْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْ خَطَايَاىَ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ ‏"‏‏.‏

    Narrated Abu Huraira:Allah's Messenger (ﷺ) used to keep silent between the Takbir and the recitation of Qur'an and that interval of silence used to be a short one. I said to the Prophet (ﷺ) "May my parents be sacrificed for you! What do you say in the pause between Takbir and recitation?" The Prophet (ﷺ) said, "I say, 'Allahumma, baa`id baini wa baina khatayaya kama baa`adta baina l-mashriqi wa l-maghrib. Allahumma, naqqini min khatayaya kama yunaqqa th-thawbu l-abyadu mina d-danas. Allahumma, ighsil khatayaya bi l-maa'i wa th-thalji wa l-barad (O Allah! Set me apart from my sins (faults) as the East and West are set apart from each other and clean me from sins as a white garment is cleaned of dirt (after thorough washing). O Allah! Wash off my sins with water, snow and hail

    Telah menceritakan kepada kami [Musa bin Isma'il] berkata, telah menceritakan kepada kami ['Abdul Wahid bin Ziyad] berkata, telah menceritakan kepada kami ['Umarah bin Al Qa'qa'] berkata, telah menceritakan kepada kami [Abu Zur'ah] berkata, telah menceritakan kepada kami [Abu Hurairah] berkata, "Rasulullah shallallahu 'alaihi wasallam berdiam antara takbir dan bacaan Al Qur'an." Abu Zur'ah berkata, Aku mengira Abu Hurairah berkata, 'Berhenti sebentar, lalu aku berkata, "Wahai Rasulullah, demi bapak dan ibuku! Tuan berdiam antara takbir dan bacaan. Apa yang tuan baca diantaranya?. Beliau bersabda: "Aku membaca; ALLAHUMMA BAA'ID BAINII WA BAINA KHATHAAYAAYA KAMAA BAA'ADTA BAINAL MASYRIQI WAL MAGHRIB. ALLAHUMMA NAQQINII MIN KHATHAAYAAYA KAMAA YUNAQQATS TSAUBUL ABYADLU MINAD DANAS. ALLAHUMMAGHSILNII MIN KHATHAAYAAYA BILMAA'I WATSTSALJI WAL BARAD (Ya Allah, jauhkanlah antara aku dan kesalahanku sebagaimana Engkau menjauhkan antara timur dan barat. Ya Allah, sucikanlah kesalahanku sebagaimana pakaian yang putih disucikan dari kotoran. Ya Allah, cucilah kesalahanku dengan air, salju dan es yang dingin)

    Ebu Zür'a Ebu Hureyre (r.a.)'in şöyle dediğini nakletmiştir: "Resulullah Sallallahu Aleyhi ve Sellem tekbir ile kıraat arasında bir süre Ravi şöyle demiştir; sanırım kısa bir süre demişti - ara verip susardı. Bir defasında; Anam babam sana feda olsun ey Allah'ın Resulü, tekbir ile kıraat arasında sustuğunuzda ne okuyorsunuz? diye zât-ı âlilerine sordum. Dediki: "Allahümme bâidnî ve beyne hatâyâye kemâ bâadte beyne Meştikı ve'l-Mağribi. Allahümme nekkınî mine'l-Hatâyâ kemâ yünakkâ's-Sevbu'l-Ebyadu min'd-Denesi. Allahümme'ğsil hatâ­yâye bi'l-Mâi ve's-Selci ve'l Berdî Dua’nın Meali: Allahım, doğu ile batı arasını nasıl birbirinden uzaklaştırdıysan benimle hatalarım arasını da öylece uzaklaştır. Allahım, beyaz bir elbise kirlerinden nasıl arındırılırsa beni de hatalarımdan öylece arındır. Allahım, hatalarımı su ile, kar ile ve dolu ile yıka

    ہم سے موسیٰ بن اسماعیل نے بیان کیا، انہوں نے کہا کہ ہم سے عبدالواحد بن زیاد نے بیان کیا، انہوں نے کہا کہ ہم سے عمارہ بن قعقاع نے بیان کیا، انہوں نے کہا کہ ہم سے ابوزرعہ نے بیان کیا، انہوں نے کہا کہ ہم سے ابوہریرہ رضی اللہ عنہ نے بیان کیا، انہوں نے فرمایا کہ رسول اللہ صلی اللہ علیہ وسلم تکبیر تحریمہ اور قرآت کے درمیان تھوڑی دیر چپ رہتے تھے۔ ابوزرعہ نے کہا میں سمجھتا ہوں ابوہریرہ رضی اللہ عنہ نے یوں کہا یا رسول اللہ! آپ پر میرے ماں باپ فدا ہوں۔ آپ اس تکبیر اور قرآت کے درمیان کی خاموشی کے بیچ میں کیا پڑھتے ہیں؟ آپ صلی اللہ علیہ وسلم نے فرمایا کہ میں پڑھتا ہوں «اللهم باعد بيني وبين خطاياى كما باعدت بين المشرق والمغرب،‏‏‏‏ ‏‏‏‏ اللهم نقني من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس،‏‏‏‏ ‏‏‏‏ اللهم اغسل خطاياى بالماء والثلج والبرد» اے اللہ! میرے اور میرے گناہوں کے درمیان اتنی دوری کر جتنی مشرق اور مغرب میں ہے۔ اے اللہ! مجھے گناہوں سے اس طرح پاک کر جیسے سفید کپڑا میل سے پاک ہوتا ہے۔ اے اللہ! میرے گناہوں کو پانی، برف اور اولے سے دھو ڈال۔

    আবূ হুরাইরাহ্ (রাযি.) হতে বর্ণিত। তিনি বলেন, আল্লাহর রাসূল সাল্লাল্লাহু আলাইহি ওয়াসাল্লাম তাকবীরে তাহরীমা ও কিরাআতের মধ্যে কিছুক্ষণ চুপ করে থাকতেন। আমি বললাম, হে আল্লাহর রাসূল! আমার মাতাপিতা আপনার উপর কুরবান হোক, তাকবীর ও কিরাআত এর মধ্যে চুপ থাকার সময় আপনি কী পাঠ করে থাকেন? তিনি বললেনঃ এ সময় আমি বলি- ‘‘হে আল্লাহ! আমার এবং আমার গুনাহের মধ্যে এমন ব্যবধান করে দাও যেমন ব্যবধান করেছ পূর্ব এবং পশ্চিমের মধ্যে। হে আল্লাহ আমাকে আমার গুনাহ হতে এমনভাবে পবিত্র কর যেমন সাদা কাপড় ময়লা থেকে পরিষ্কার হয়। হে আল্লাহ আমার গোনাহকে বরফ, পানি ও শিশির দ্বারা ধৌত করে দাও।’’ (মুসলিম ৫/২৭, হাঃ ৫৯৮, আহমাদ ৭১৬৭) (আধুনিক প্রকাশনীঃ ৭০০, ইসলামিক ফাউন্ডেশনঃ)

    அபூஹுரைரா (ரலி) அவர்கள் கூறியதாவது: அல்லாஹ்வின் தூதர் (ஸல்) அவர்கள் (முதல்) தக்பீருக்கும் கிராஅத்துக்கும் இடையே சிறிது நேரம் மௌனமாக இருப்பார்கள். -(இதன் இரண்டாவது அறிவிப்பாள ரான) அபூஸர்ஆ (ரஹ்) அவர்கள் கூறு கிறார்கள்: அபூஹுரைரா (ரலி) அவர்கள் ‘சிறிது நேரம்’ (ஹுனய்யத்) என்று சொன்ன தாகவே நான் கருதுகிறேன்.- (தொடர்ந்து) அபூஹுரைரா (ரலி) அவர்கள் கூறுகிறார்கள்: நான் (நபி (ஸல்) அவர்களிடம்), “அல்லாஹ்வின் தூதரே! என் தந்தையும் என் தாயும் தங்களுக்கு அர்ப்பணமாகட் டும்! தக்பீருக்கும் கிராஅத்துக்கும் இடையே நீங்கள் மௌனமாக இருக்கும் போது என்ன கூறுவீர்கள்?” என்று கேட்டேன். அதற்கு அவர்கள் “நான், ‘அல்லாஹும்ம பாஇத் பைனீ வ பைன கத்தாயாய கமா பாஅத்த பைனல் மஷ்ரிக்கி வல்மஃக்ரிப்; அல்லாஹும்ம நக்கினீ மினல் கத்தாயா கமா யுனக்கஸ் ஸவ்புல் அப்யளு மினத் தனஸ்; அல்லாஹும்மஃக்சில் கத்தாயாய பில்மாஇ வஸ்ஸல்ஜி வல்பர்த்’ என்று கூறுகிறேன்” என்றார்கள்.40 (பொருள்: இறைவா! கிழக்குக்கும் மேற்குக்கும் இடையே நீ ஏற்படுத்திய தூரத்தைப் போன்று, எனக்கும் என் தவறுகளுக்கும் இடையே நீ தூரத்தை ஏற்படுத்துவாயாக! இறைவா! வெண்மையான ஆடை, அழுக்கி-ருந்து தூய்மைப்படுத்தப்படு வதைப் போன்று என் தவறுகளைவிட்டு என்னைத் தூய்மைப்படுத்துவாயாக! தண்ணீராலும் பனிக்கட்டியாலும் ஆலங் கட்டியாலும் என் தவறுகளைக் கழுவு வாயாக!) அத்தியாயம் :