[653] ثُمَّ قَالَ «الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ: الْمَطْعُونُ، وَالْمَبْطُونُ، وَالْغَرِيقُ، وَصَاحِبُ الْهَدْمِ، وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ». وَقَالَ: «لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلاَّ أَنْ يَسْتَهِمُوا لاَسْتَهَمُوا عَلَيْهِ». [الحديث أطرافه في: 720، 2829، 5733].
(ثم قال) عليه الصلاة والسلام: (الشهداء خمسة:) جمع شهيد، سمي بذلك لأن الملائكة يشهدون موته فهو مشهود، فعيل بمعنى مفعول، ولأبي ذر عن الحموي خمس بغير تاء بتأويل الأنفس أو النسمات، أو المميز غير مذكور فيجوز الأمران (المطعون) أي الذي يموت في الطاعون، أي الوباء، (والمبطون): صاحب الإسهال أو الاستسقاء، أو الذي يموت بداء بدنه: (والغريق) بالياء بعد الغين المعجمة والراء وللأصيلي الغرق في الماء، (وصاحب الهدم) بفتح الهاء وسكون الدال، أي الذي مات تحت الهدم، (والشهيد) القتيل (في سبيل الله) أي الذي حكمه أن لا يغسل ولا يصلّى عليه، بخلاف الأربعة السابقة.
فالحقيقة الأخير والذي قبله مجاز، فهم شهداء في الثواب كثواب الشهيد.
وجوّز الشافعي الجمع بينهما، واستشكل التعبير بالشهيد في سبيل الله، مع قوله: الشهداء خمسة، فإنه يلزم منه حمل الشيء على نفسه، فكأنه قال: الشهيد هو الشهيد. وأجيب بأنه من باب: أنا أبو النجم وشعري شعري، أو معنى، الشهيد القتيل.
وزاد في الموطأ صاحب ذات الجنب، والحريق، والمرأة تموت بجمع.
وعند ابن ماجة من حديث ابن عباس: موت الغريب شهادة، وإسناده ضعيف.
وعند ابن عساكر من حديث ابن عباس أيضًا الشريق، ومن أكله السبع.
ويأتي مزيد لذلك في محاله إن شاء الله تعالى.
(وقال:) عليه الصلاة والسلام.
(لو يعلم الناس ما في النداء) التأذين للصلاة (والصف الأوّل، ثم لم يجدوا) شيئًا (إلا أن يستهموا، لاستهموا عليه) أي إلا أن يقترعوا عليه لاقترعوا، ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر: إلا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه.
654 - وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لاَسْتَبَقُوا إِلَيْهِ وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا».
(ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه، ولو يعلمون ما في الحتمة والصبح لأتوهما ولو) كان إتيانًا (حبوًا) وفي هذا المتن كما ترى ثلاثة أحاديث وكأن قتيبة حدث بذلك مجموعًا من مالك فلم يتصرف فيه المصنف كعادته في الاختصار.
ورواته الخمسة كلهم مدنيون إلا قتيبة فبلخي، وفيه التحديث والعنعنة.
وأخرج المؤلّف حديث: بينما رجل في الصلاة، ومسلم في الأدب، والترمذي في البرّ، وقال: حسن صحيح. وحديث: الشهداء. في الجهاد، وقوله: لو يعلم الناس ما في النداء، أخرجه المؤلّف في الصلاة، والشهادة. وكذا النسائي.
وبقية مباحث ذلك تأتي، إن شاء الله تعالى، في محالها بعون الله وقوّته.
33 - باب احْتِسَابِ الآثَارِ
(باب احتساب الآثار) أي الخطوات إلى المسجد للصلاة.
655 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوْشَبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَا بَنِي سَلِمَةَ أَلاَ تَحْتَسِبُونَ آثَارَكُمْ». وَقَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ: {{وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ}} قَالَ: خُطَاهُمْ. [الحديث 655 - طرفاه في: 656، 1887].
وبالسند قال (حدّثنا محمد بن عبد الله بن حوشب) بفتح الحاء المهملة وسكون الواو وفتح الشين المعجمة آخره موحدة، الطائفي (قال: حدّثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي (قال: حدّثنا) بالجمع وفي بعض الأصول: حدّثني (حميد) الطويل (عن أنس) وللأصيلي: أنس بن مالك (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(يا بني سلمة) بفتح السين وكسر اللام بطن كبير من الأنصار (ألا تحتسبون آثاركم) بفتح الهمزة وتخفيف اللام للتنبيه، أي: ألا تعدون خطاكم عند مشيكم إلى المسجد، فإن بكل خطوة إليه درجة، وإنما خاطبهم عليه الصلاة والسلام بذلك حين أرادوا النقلة إلى قرب المسجد.
ورواة هذا الحديث ما بين طائفي وبصري، وفيه التحديث والعنعنة والقول.
(وقال مجاهد في) تفسير (قوله) تعالى ({{ونكتب ما قدموا وآثارهم}} قال: خطاهم) رواه ابن أبي نجيح وغيره عن مجاهد مما ذكره في تفسيره وللأصيلي وأبي ذر وقال: قال مجاهد: خطاكم، آثار المشي بأرجلكم في الأرض. ولابن عساكر، قال مجاهد: خطاهم: آثارهم، هي المشي في الأرض بأرجلهم.
656 - وَقَالَ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ حَدَّثَنِي أَنَسٌ: "أَنَّ بَنِي سَلِمَةَ أَرَادُوا أَنْ يَتَحَوَّلُوا عَنْ مَنَازِلِهِمْ فَيَنْزِلُوا قَرِيبًا مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يُعْرُوا الْمَدِينَةَ فَقَالَ: أَلاَ تَحْتَسِبُونَ آثَارَكُمْ". قَالَ مُجَاهِدٌ: خُطَاهُمْ: آثَارُهُمْ، أَنْ يُمْشَى فِي الأَرْضِ بِأَرْجُلِهِمْ.
وبه قال (حدّثنا) بواو العطف، ولغير أبي ذر، وقال (ابن أبي مريم) سعيد بن الحكم بن محمد بن أبي مريم الجمحي البصري (أخبرنا يحيى بن أيوب) الغافقي المصري (قال:حدّثني) بالإفراد (حميد) الطويل (قال: حدّثني) بالإفراد أيضًا (أنس) هو ابن مالك رضي الله عنه، ولأبي ذر: عن أنس (أن بني سلمة) بكسر اللام (أرادوا أن يتحوّلوا عن منازلهم) لكونها كانت بعيدة من المسجد (فينزلوا) منزلاً (قريبًا من النبي) أي من مسجده (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال) أنس: (فكره رسول الله) ولأبي ذرّ: النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يعروا المدينة) بضم المثناة التحتية وسكون العين المهملة وضم الراء أي: يتركوها خالية، وللكشميهني: أن يعروا منازلهم، فأراد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن تبقى جهات المدينة عامرة بساكنيها، (فقال)(لا تحتسبون أثاركم) أي: ألا تعدون خطاكم عند مشيكم إلى المسجد، زاد في رواية الفزاري: في الحج، فأقاموا. ولمسلم، من حديث جابر، فقالوا: ما يسرنا أنّا كنّا تحوّلنا (قال مجاهد: خطاكم: آثارهم، أن يُمشى بضم أوّله وفتح ثالثه، وفي رواية: أن يمشوا. وفي رواية لأبي ذر: (والمشي في الأرض بأرجلهم).
وزاد قتادة فقال: لو كان الله عز وجل مغفلاً شيئًا من شأنك يا ابن آدم، اغفل ما تعفي الرياح من هذه الآثار، ولكن أحصى على ابن آدم أثره وعمله كله حتى أحصى عليه هذا الأثر فيما هو من طاعة الله تعالى، أو من معصيته. فمن استطاع منكم أن يكتب أثره في طاعة الله فليفعل.
وأشار المؤلّف بهذا التعليق، المسوق مرتين، إلى أن قصة بني سلمة كانت سبب نزول هذه الآية، وقد ورد مصرحًا به عند ابن ماجة بإسناد قوي، وكذا عند ابن أبي حاتم، قال الحافظ ابن كثير: وفيه غرابة من حيث ذكر نزول هذه الآية والسورة بكمالها مكية اهـ.
قلت قال أبو حيان: السورة كلها مكية، لكن زعمت فرقة أن قوله: {{ونكتب ما قدّموا وآثارهم}} نزل في بني سلمة من الأنصار، وليس هذا زعمًا صحيحًا. اهـ. لكن يترجح الأوّل بقوّة إسناده.
ورواة هذا الحديث ما بين طائفي وبصري، وفيه التحديث والقول.
34 - باب فَضْلِ الْعِشَاءِ فِي الْجَمَاعَةِ
(باب فضل صلاة العشاء). حال كونها (في الجماعة) وسقط لفظ صلاة لابن عساكر.