• 2166
  • عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَارِزًا يَوْمًا لِلنَّاسِ ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ : مَا الإِيمَانُ ؟ قَالَ : " الإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ ، وَكُتُبِهِ ، وَبِلِقَائِهِ ، وَرُسُلِهِ وَتُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ " . قَالَ : مَا الإِسْلاَمُ ؟ قَالَ : " الإِسْلاَمُ : أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ ، وَلاَ تُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا ، وَتُقِيمَ الصَّلاَةَ ، وَتُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ المَفْرُوضَةَ ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ " . قَالَ : مَا الإِحْسَانُ ؟ قَالَ : " أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ " ، قَالَ : مَتَى السَّاعَةُ ؟ قَالَ : " مَا المَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ ، وَسَأُخْبِرُكَ عَنْ أَشْرَاطِهَا : إِذَا وَلَدَتِ الأَمَةُ رَبَّهَا ، وَإِذَا تَطَاوَلَ رُعَاةُ الإِبِلِ البُهْمُ فِي البُنْيَانِ ، فِي خَمْسٍ لاَ يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ " ثُمَّ تَلاَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {{ إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ }} الآيَةَ ، ثُمَّ أَدْبَرَ فَقَالَ : " رُدُّوهُ " فَلَمْ يَرَوْا شَيْئًا ، فَقَالَ : " هَذَا جِبْرِيلُ جَاءَ يُعَلِّمُ النَّاسَ دِينَهُمْ "

    حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ ، قَالَ : حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، أَخْبَرَنَا أَبُو حَيَّانَ التَّيْمِيُّ ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بَارِزًا يَوْمًا لِلنَّاسِ ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ : مَا الإِيمَانُ ؟ قَالَ : الإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ ، وَكُتُبِهِ ، وَبِلِقَائِهِ ، وَرُسُلِهِ وَتُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ . قَالَ : مَا الإِسْلاَمُ ؟ قَالَ : الإِسْلاَمُ : أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ ، وَلاَ تُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا ، وَتُقِيمَ الصَّلاَةَ ، وَتُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ المَفْرُوضَةَ ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ . قَالَ : مَا الإِحْسَانُ ؟ قَالَ : أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ ، قَالَ : مَتَى السَّاعَةُ ؟ قَالَ : مَا المَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ ، وَسَأُخْبِرُكَ عَنْ أَشْرَاطِهَا : إِذَا وَلَدَتِ الأَمَةُ رَبَّهَا ، وَإِذَا تَطَاوَلَ رُعَاةُ الإِبِلِ البُهْمُ فِي البُنْيَانِ ، فِي خَمْسٍ لاَ يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ ثُمَّ تَلاَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : {{ إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ }} الآيَةَ ، ثُمَّ أَدْبَرَ فَقَالَ : رُدُّوهُ فَلَمْ يَرَوْا شَيْئًا ، فَقَالَ : هَذَا جِبْرِيلُ جَاءَ يُعَلِّمُ النَّاسَ دِينَهُمْ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : جَعَلَ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنَ الإِيمَانِ

    بالبعث: البعث : إحياء الخلق بعد الموت يوم القيامة
    أشراطها: الأشراط : العلامات
    الأمة: الأمة : الجارية المملوكة
    ربها: الرب : المالك والصاحب والسيد المتصرف
    تطاول: التطاول في البنيان : التفاضل في ارتفاعه وكثرته والتفاخر في حسنه وزينته
    مَا الإِيمَانُ ؟ قَالَ : الإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ
    حديث رقم: 4517 في صحيح البخاري كتاب تفسير القرآن باب قوله: {إن الله عنده علم الساعة} [لقمان: 34]
    حديث رقم: 35 في صحيح مسلم كِتَابُ الْإِيمَانَ بَابُ معرفة الْإِيمَانِ ، وَالْإِسْلَامِ ، والقَدَرِ وَعَلَامَةِ السَّاعَةِ
    حديث رقم: 36 في صحيح مسلم كِتَابُ الْإِيمَانَ بَابُ معرفة الْإِيمَانِ ، وَالْإِسْلَامِ ، والقَدَرِ وَعَلَامَةِ السَّاعَةِ
    حديث رقم: 4139 في سنن أبي داوود كِتَاب السُّنَّةِ بَابٌ فِي الْقَدَرِ
    حديث رقم: 4951 في السنن الصغرى للنسائي كتاب الإيمان وشرائعه صفة الإيمان والإسلام
    حديث رقم: 63 في سنن ابن ماجة الْمُقَدِّمَةُ بَابٌ فِي الْإِيمَانِ
    حديث رقم: 4041 في سنن ابن ماجة كِتَابُ الْفِتَنِ بَابُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ
    حديث رقم: 2055 في صحيح ابن خزيمة كِتَابُ الزَّكَاةِ بَابُ الْبَيَانِ أَنَّ إِيتَاءَ الزَّكَاةِ مِنَ الْإِسْلَامِ بِحُكْمِ الْأَمِينَيْنِ : أَمِينِ
    حديث رقم: 8945 في مسند أحمد ابن حنبل مُسْنَدُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
    حديث رقم: 9319 في مسند أحمد ابن حنبل مُسْنَدُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
    حديث رقم: 159 في صحيح ابن حبان كِتَابُ الْإِيمَانِ بَابُ فَرْضِ الْإِيمَانِ
    حديث رقم: 1497 في السنن الكبرى للنسائي مَوَاقِيتِ الصَّلَوَاتِ ذِكْرُ اخْتِلَافِ النَّاقِلِينَ لِلْأَخْبَارِ فِي آخِرِ وَقْتِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ
    حديث رقم: 5703 في السنن الكبرى للنسائي كِتَابُ الْعِلْمِ مَا يُسْتَحَبُّ لِلْعَالَمِ إِذَا سُئِلَ أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ فَيَكِلُ الْعِلْمَ إِلَى
    حديث رقم: 29695 في مصنّف بن أبي شيبة كِتَابُ الْإِيمَانِ وَالرُّؤْيَا مَا ذُكِرَ فِي الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ
    حديث رقم: 36879 في مصنّف بن أبي شيبة كِتَابُ الْفِتَنِ مَا ذُكِرَ فِي فِتْنَةِ الدَّجَّالِ
    حديث رقم: 3178 في سنن الدارقطني كِتَابُ النِّكَاحِ بَابُ الْمَهْرِ
    حديث رقم: 7980 في حلية الأولياء وطبقات الأصفياء حلية الأولياء وطبقات الأصفياء شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ
    حديث رقم: 185 في القدر للفريابي القدر للفريابي بَابُ : مَا رُوِيَ فِي أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ ، وَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى
    حديث رقم: 139 في القضاء والقدر للبيهقي القضاء والقدر للبيهقي بَابُ ذِكْرِ الْبَيَانِ أَنَّ الْقَدَرَ خَيْرَهُ وَشَرَّهُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
    حديث رقم: 140 في القضاء والقدر للبيهقي القضاء والقدر للبيهقي بَابُ ذِكْرِ الْبَيَانِ أَنَّ الْقَدَرَ خَيْرَهُ وَشَرَّهُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
    حديث رقم: 2519 في مُشكِل الآثار للطحاوي مُشكِل الآثار للطحاوي بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
    حديث رقم: 1136 في الضعفاء للعقيلي بَابُ الْعَيْنِ بَابُ عَبْدِ الْمَلِكِ

    [50] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ هُوَ الْبَصْرِيُّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ عُلَيَّةَ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو حَيَّانَ التَّمِيمِيُّ وَأَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ لُقْمَانَ مِنْ حَدِيثِ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ أَبِي حَيَّانَ الْمَذْكُورِ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ جَرِيرٍ أَيْضًا عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَرِيرٍ أَيْضًا عَنْ أَبِي فَرْوَةَ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ زَادَ أَبُو فَرْوَةَ وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ أَيْضًا وَسَاقَ حَدِيثَهُ عَنْهُمَا جَمِيعًا وَفِيهِ فَوَائِدُ زَوَائِدُ سَنُشِيرُ إِلَيْهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَمْ أَرَ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ إِلَّا عَنْ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ هَذَا عَنْهُ وَلَمْ يُخَرِّجْهُ الْبُخَارِيُّ إِلَّا مِنْ طَرِيقِ أَبِي حَيَّانَ عَنْهُ وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَفِي سِيَاقِهِ فَوَائِدُ زَوَائِدُ أَيْضًا وَإِنَّمَا لَمْ يُخَرِّجُهُ الْبُخَارِيُّ لِاخْتِلَافٍ فِيهِ عَلَى بَعْضِ رُوَاتِهِ فَمَشْهُورُهُ رِوَايَةُ كَهْمَسٍ بِسِينٍ مُهْمَلَةٍ قَبْلَهَا مِيمٌ مَفْتُوحَةٌ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ بِفَتْحِ الْمِيمِ أَوَّلُهُ يَاءٌ تَحْتَانِيَّةٌ مَفْتُوحَةٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَوَاهُ عَنْ كَهْمَسٍ جَمَاعَةٌمِنَ الْحُفَّاظِ وَتَابَعَهُ مَطَرٌ الْوَرَّاقُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ وَتَابَعَهُ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ وَكَذَا رَوَاهُ عُثْمَانُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ لَكِنَّهُ قَالَ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ وَحُمَيْدِ بْنِ عبد الرَّحْمَن مَعًا عَن بن عُمَرَ عَنْ عُمَرَ زَادَ فِيهِ حُمَيْدًا وَحُمَيْدٌ لَهُ فِي الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ ذِكْرٌ لَا رِوَايَةٌ وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ هَذِهِ الطُّرُقَ وَلَمْ يَسُقْ مِنْهَا إِلَّا مَتْنَ الطَّرِيقِ الْأُولَى وَأَحَالَ الْبَاقِيَ عَلَيْهَا وَبَيْنَهَا اخْتِلَافٌ كَثِيرٌ سَنُشِيرُ إِلَى بَعْضِهِ فَأَمَّا رِوَايَةُ مَطَرٍ فَأَخْرَجَهَا أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ وَغَيره وَأما رِوَايَة سُلَيْمَان التَّيْمِيّ فأخرجها بن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَغَيْرِهِ وَأَمَّا رِوَايَةُ عُثْمَانَ بْنِ غِيَاثٍ فَأَخْرَجَهَا أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَقَدْ خَالَفَهُمْ سُلَيْمَانُ بْنُ بُرَيْدَةَ أَخُو عَبْدِ اللَّهِ فَرَوَاهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلَهُ مِنْ مُسْند بن عُمَرَ لَا مِنْ رِوَايَتِهِ عَنْ أَبِيهِ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ أَيْضًا وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْية من طَرِيق عَطاء الخرساني عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ وَكَذَا رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَالْبُخَارِيُّ فِي خَلْقِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ وَعَنْ جَرِيرٍ الْبَجَلِيِّ أَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ وَفِي إِسْنَادِهِ خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ وَهُوَ الْعُمَرِيُّ وَلَا يَصْلُحُ للصحيح وَعَن بن عَبَّاسٍ وَأَبِي عَامِرٍ الْأَشْعَرِيِّ أَخْرَجَهُمَا أَحْمَدُ وَإِسْنَادُهُمَا حَسَنٌ وَفِي كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الطُّرُقِ فَوَائِدُ سَنَذْكُرُهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَثْنَاءِ الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ الْبَابِ وَإِنَّمَا جَمَعْتُ طُرُقَهَا هُنَا وَعَزَوْتُهَا إِلَى مُخَرِّجِيهَا لِتَسْهِيلِ الْحَوَالَةِ عَلَيْهَا فِرَارًا مِنَ التَّكْرَارِ الْمُبَايِنِ لِطَرِيقِ الِاخْتِصَارِ وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ قَوْلُهُ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَارِزًا يَوْمًا لِلنَّاسِ أَيْ ظَاهِرًا لَهُمْ غَيْرَ مُحْتَجِبٍ عَنْهُمْ وَلَا مُلْتَبِسٍ بِغَيْرِهِ وَالْبُرُوزُ الظُّهُورُ وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي فَرْوَةَ الَّتِي أَشَرْنَا إِلَيْهَا بَيَانُ ذَلِكَ فَإِنَّ أَوَّلَهُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْلِسُ بَيْنَ أَصْحَابِهِ فَيَجِيءُ الْغَرِيبُ فَلَا يَدْرِي أَيُّهُمْ هُوَ فَطَلَبْنَا إِلَيْهِ أَنْ نَجْعَلَ لَهُ مَجْلِسًا يَعْرِفُهُ الْغَرِيبُ إِذَا أَتَاهُ قَالَ فَبَنَيْنَا لَهُ دُكَّانًا مِنْ طِينٍ كَانَ يَجْلِسُ عَلَيْهِ انْتَهَى وَاسْتَنْبَطَ مِنْهُ الْقُرْطُبِيُّ اسْتِحْبَابَ جُلُوسِ الْعَالِمِ بِمَكَانٍ يَخْتَصُّ بِهِ وَيَكُونُ مُرْتَفِعًا إِذَا احْتَاجَ لِذَلِكَ لِضَرُورَةِ تَعْلِيمٍ وَنَحْوِهِ قَوْلُهُ فَأَتَاهُ رَجُلٌ أَيْ مَلَكٌ فِي صُورَةِ رَجُلٍ وَفِي التَّفْسِيرِ لِلْمُصَنِّفِ إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ يَمْشِي وَلِأَبِي فَرْوَةَ فَإِنَّا لَجُلُوسٌ عِنْدَهُ إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ أَحْسَنُ النَّاسِ وَجْهًا وَأَطْيَبُ النَّاسِ رِيحًا كَأَنَّ ثِيَابَهُ لَمْ يَمَسَّهَا دَنَسٌ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ كَهْمَسٍ فِي حَدِيثِ عُمَرَ بَيْنَمَا نَحْنُ ذَاتَ يَوْمٍ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ شَدِيد سَواد الشّعْر وَفِي رِوَايَة بن حِبَّانَ سَوَادِ اللِّحْيَةِ لَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ وَلَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ وَفِي رِوَايَةِ لِسُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ لَيْسَ عَلَيْهِ سَحْنَاءُ السَّفَرِ وَلَيْسَ مِنَ الْبَلَدِ فَتَخَطَّى حَتَّى بَرَكَ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا يَجْلِسُ أَحَدُنَا فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رُكْبَتَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَذَا فِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ وَأَبِي عَامِرٍ الْأَشْعَرِيِّ ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رُكْبَتَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَفَادَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ على فَخذيهِ يَعُودُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِهِ جَزَمَ الْبَغَوِيُّ وَإِسْمَاعِيلُ التَّيْمِيُّ لِهَذِهِ الرِّوَايَةِ وَرَجَّحَهُ الطِّيبِيُّ بَحْثًا لِأَنَّهُ نَسَقُ الْكَلَامِ خِلَافًا لِمَا جَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ وَوَافَقَهُ التُّورِبَشْتِيُّ لِأَنَّهُ حَمَلَهُ عَلَى أَنَّهُ جَلَسَ كَهَيْئَةِ الْمُتَعَلِّمِ بَيْنَ يَدَيْ مَنْ يَتَعَلَّمُ مِنْهُ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا مِنَ السِّيَاقِ لَكِنْ وَضْعُهُ يَدَيْهِ عَلَى فَخِذِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَنِيعٌ مُنَبِّهٌ لِلْإِصْغَاءِ إِلَيْهِ وَفِيهِ إِشَارَةٌ لِمَا يَنْبَغِي لِلْمَسْئُولِ مِنَ التَّوَاضُعِ وَالصَّفْحِ عَمَّا يَبْدُو مِنْ جَفَاءِ السَّائِلِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ الْمُبَالَغَةَ فِي تَعْمِيَةِ أَمْرِهِ لِيُقَوِّيَ الظَّنَّ بِأَنَّهُ مِنْ جُفَاةِ الْأَعْرَابِ وَلِهَذَا تَخَطَّى النَّاسَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا تَقَدَّمَ وَلِهَذَا اسْتَغْرَبَ الصَّحَابَةُ صَنِيعَهُ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ وَجَاءَ مَاشِيًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَثَرُ سَفَرٍ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ عَرَفَ عُمَرُ أَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ أُجِيبَ بِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ اسْتَنَدَ فِي ذَلِكَ إِلَى ظَنِّهِ أَوْ إِلَى صَرِيحِ قَوْلِ الْحَاضِرِينَ قُلْتُ وَهَذَا الثَّانِي أَوْلَى فَقَدْ جَاءَ كَذَلِكَ فِي رِوَايَةعُثْمَانَ بْنِ غِيَاثٍ فَإِنَّ فِيهَا فَنَظَرَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ فَقَالُوا مَا نَعْرِفُ هَذَا وَأَفَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةِ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ سَبَبَ وُرُودِ هَذَا الْحَدِيثِ فَعِنْدَهُ فِي أَوَّلِهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَلُونِي فَهَابُوا أَنْ يَسْأَلُوهُ قَالَ فَجَاءَ رَجُلٌ وَوَقع فِي رِوَايَة بن مَنْدَهْ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ عَنْ كَهْمَسٍ بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَكَأَنَّ أَمْرَهُ لَهُمْ بِسُؤَالِهِ وَقَعَ فِي خُطْبَتِهِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ مَجِيءَ الرَّجُلِ كَانَ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ وَافَقَ انْقِضَاءَهَا أَوْ كَانَ ذَكَرَ ذَلِكَ الْقَدْرَ جَالِسًا وَعَبَّرَ عَنْهُ الرَّاوِي بِالْخُطْبَةِ قَوْلُهُ فَقَالَ زَادَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّفْسِيرِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْإِيمَانُ فَإِنْ قِيلَ فَكَيْفَ بَدَأَ بِالسُّؤَالِ قَبْلَ السَّلَامِ أُجِيبَ بِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُبَالَغَةً فِي التَّعْمِيَةِ لِأَمْرِهِ أَوْ لِيُبَيِّنَ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ وَاجِبٍ أَوْ سَلَّمَ فَلَمْ يَنْقُلْهُ الرَّاوِي قُلْتُ وَهَذَا الثَّالِثُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ فَقَدْ ثَبَتَ فِي رِوَايَةِ أَبِي فَرْوَةَ فَفِيهَا بَعْدَ قَوْلِهِ كَأَنَّ ثِيَابَهُ لَمْ يَمَسَّهَا دَنَسٌ حَتَّى سَلَّمَ مِنْ طَرَفِ الْبِسَاطِ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ قَالَ أَدْنُو يَا مُحَمَّدُ قَالَ ادْنُ فَمَا زَالَ يَقُولُ أَدْنُو مِرَارًا وَيَقُولُ لَهُ ادن وَنَحْوه فِي رِوَايَة عَطاء عَن بن عُمَرَ لَكِنْ قَالَ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَفِي رِوَايَةِ مَطَرٍ الْوَرَّاقِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَدْنُو مِنْكَ قَالَ ادْنُ وَلَمْ يَذْكُرِ السَّلَامَ فَاخْتَلَفَتِ الرِّوَايَاتُ هَلْ قَالَ لَهُ يَا مُحَمَّدُ أَوْ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ سلم أَولا فَأَمَّا السَّلَامُ فَمَنْ ذَكَرَهُ مُقَدَّمٌ عَلَى مَنْ سَكَتَ عَنْهُ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ وَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ التَّعْمِيَةَ فَصَنَعَ صَنِيعَ الْأَعْرَابِ قُلْتُ وَيُجْمَعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنَّهُ بَدَأَ أَوَّلًا بِنِدَائِهِ بِاسْمِهِ لِهَذَا الْمَعْنَى ثُمَّ خَاطَبَهُ بِقَوْلِهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَوَقَعَ عِنْدَ الْقُرْطُبِيِّ أَنَّهُ قَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا مُحَمَّدُ فَاسْتَنْبَطَ مِنْهُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلدَّاخِلِ أَنْ يُعَمِّمَ بِالسَّلَامِ ثُمَّ يُخَصِّصَ مَنْ يُرِيدُ تَخْصِيصَهُ انْتَهَى وَالَّذِي وَقَفْتُ عَلَيْهِ مِنَ الرِّوَايَاتِ إِنَّمَا فِيهِ الْإِفْرَادُ وَهُوَ قَوْلُهُ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ قَوْلُهُ مَا الْإِيمَانُ قِيلَ قَدَّمَ السُّؤَالَ عَنِ الْإِيمَانِ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَثَنَّى بِالْإِسْلَامِ لِأَنَّهُ يُظْهِرُ مِصْدَاقَ الدَّعْوَى وَثَلَّثَ بِالْإِحْسَانِ لِأَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِهِمَا وَفِي رِوَايَةِ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ بَدَأَ بِالْإِسْلَامِ لِأَنَّهُ بِالْأَمْرِ الظَّاهِرِ وَثَنَّى بِالْإِيمَانِ لِأَنَّهُ بِالْأَمْرِ الْبَاطِنِ وَرَجَّحَ هَذَا الطِّيبِيُّ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّرَقِّي وَلَا شَكَّ أَنَّ الْقِصَّةَ وَاحِدَةٌ اخْتَلَفَ الرُّوَاةُ فِي تَأْدِيَتِهَا وَلَيْسَ فِي السِّيَاقِ تَرْتِيبٌ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ مَطَرٍ الْوَرَّاقِ فَإِنَّهُ بَدَأَ بِالْإِسْلَامِ وَثَنَّى بِالْإِحْسَانِ وَثَلَّثَ بِالْإِيمَانِ فَالْحَقُّ أَنَّ الْوَاقِعَ أَمْرٌ وَاحِدٌ وَالتَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ وَقَعَ مِنَ الرُّوَاةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْلُهُ قَالَ الْإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ إِلَخْ دَلَّ الْجَوَابُ أَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْ مُتَعَلِّقَاتِهِ لَا عَنْ مَعْنَى لَفْظِهِ وَإِلَّا لَكَانَ الْجَوَابُ الْإِيمَانُ التَّصْدِيقُ وَقَالَ الطِّيبِيُّ هَذَا يُوهِمُ التَّكْرَارَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ قَوْلَهُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ مُضَمَّنٌ مَعْنَى أَنْ تَعْتَرِفَ بِهِ وَلِهَذَا عَدَّاهُ بِالْبَاءِ أَيْ أَنْ تُصَدِّقَ مُعْتَرِفًا بِكَذَا قُلْتُ وَالتَّصْدِيقُ أَيْضًا يُعَدَّى بِالْبَاءِ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى دَعْوَى التَّضْمِينِ وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ لَيْسَ هُوَ تَعْرِيفًا لِلشَّيْءِ بِنَفْسِهِ بَلِ الْمُرَادُ مِنَ الْمَحْدُودِ الْإِيمَانُ الشَّرْعِيُّ وَمِنَ الْحَدِّ الْإِيمَانُ اللُّغَوِيُّ قُلْتُ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ إِنَّمَا أَعَادَ لَفْظَ الْإِيمَانِ لِلِاعْتِنَاءِ بِشَأْنِهِ تَفْخِيمًا لِأَمْرِهِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أول مرّة فِي جَوَابِ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ يَعْنِي أَنَّ قَوْلَهُ أَنْ تُؤْمِنَ يَنْحَلُّ مِنْهُ الْإِيمَانُ فَكَأَنَّهُ قَالَ الْإِيمَانُ الشَّرْعِيُّ تَصْدِيقٌ مَخْصُوصٌ وَإِلَّا لَكَانَ الْجَوَابُ الْإِيمَانُ التَّصْدِيقُ وَالْإِيمَانُ بِاللَّهِ هُوَ التَّصْدِيقُ بِوُجُودِهِ وَأَنَّهُ مُتَّصِفٌ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ مُنَزَّهٌ عَنْ صِفَاتِ النَّقْصِ قَوْلُهُ وَمَلَائِكَتِهِ الْإِيمَانُ بِالْمَلَائِكَةِ هُوَ التَّصْدِيقُ بِوُجُودِهِمْ وَأَنَّهُمْ كَمَا وَصَفَهُمُ الله تَعَالَى عباد مكرمون وَقَدَّمَ الْمَلَائِكَةَ عَلَى الْكُتُبِ وَالرُّسُلِ نَظَرًا لِلتَّرْتِيبِ الْوَاقِعِ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَرْسَلَ الْمَلَكَ بِالْكِتَابِ إِلَى الرَّسُولِ وَلَيْسَ فِيهِ مُتَمَسَّكٌ لِمَنْ فَضَّلَ الْمَلَكَ عَلَى الرَّسُولِ قَوْلُهُ وَكُتُبِهِ هَذِهِ عِنْدَ الْأَصِيلِيِّ هُنَا وَاتَّفَقَ الرُّوَاةُ عَلَى ذِكْرِهَا فِي التَّفْسِيرِ وَالْإِيمَانُ بِكُتُبِ اللَّهِ التَّصْدِيقُ بِأَنَّهَا كَلَامُ اللَّهِ وَأَنَّ مَا تَضَمَّنَتْهُحَقٌّ قَوْلُهُ وَبِلِقَائِهِ كَذَا وَقَعَتْ هُنَا بَيْنَ الْكُتُبِ وَالرُّسُلِ وَكَذَا لِمُسْلِمٍ مِنَ الطَّرِيقَيْنِ وَلَمْ تَقَعْ فِي بَقِيَّةِ الرِّوَايَاتِ وَقَدْ قِيلَ إِنَّهَا مُكَرَّرَةٌ لِأَنَّهَا دَاخِلَةٌ فِي الْإِيمَانِ بِالْبَعْثِ وَالْحَقُّ أَنَّهَا غَيْرُ مُكَرَّرَةٍ فَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْبَعْثِ الْقِيَامُ مِنَ الْقُبُورِ وَالْمُرَادُ بِاللِّقَاءِ مَا بَعْدَ ذَلِكَ وَقِيلَ اللِّقَاءُ يَحْصُلُ بِالِانْتِقَالِ مِنْ دَارِ الدُّنْيَا وَالْبَعْثُ بَعْدَ ذَلِكَ وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا رِوَايَةُ مَطَرٍ الْوَرَّاقِ فَإِنَّ فِيهَا وَبِالْمَوْتِ وَبِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْت وَكَذَا فِي حَدِيث أنس وبن عَبَّاسٍ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِاللِّقَاءِ رُؤْيَةُ اللَّهِ ذَكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ وَتَعَقَّبَهُ النَّوَوِيُّ بِأَنَّ أَحَدًا لَا يَقْطَعُ لِنَفْسِهِ بِرُؤْيَةِ اللَّهِ فَإِنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِمَنْ مَاتَ مُؤْمِنًا وَالْمَرْءُ لَا يَدْرِي بِمَ يُخْتَمُ لَهُ فَكَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ شُرُوطِ الْإِيمَانِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ الْإِيمَانُ بِأَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَهَذَا مِنَ الْأَدِلَّةِ الْقَوِيَّةِ لِأَهْلِ السُّنَّةِ فِي إِثْبَاتِ رُؤْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْآخِرَةِ إِذْ جُعِلَتْ مِنْ قَوَاعِدِ الْإِيمَانِ قَوْلُهُ وَرُسُلِهِ وَلِلْأَصِيلِيِّ وَبِرُسُلِهِ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ وبن عَبَّاسٍ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَكُلٌّ مِنَ السِّيَاقَيْنِ فِي الْقُرْآنِ فِي الْبَقَرَةِ وَالتَّعْبِيرُ بِالنَّبِيِّينَ يَشْمَلُ الرُّسُلَ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ وَالْإِيمَانُ بِالرُّسُلِ التَّصْدِيقُ بِأَنَّهُمْ صَادِقُونَ فِيمَا أَخْبَرُوا بِهِ عَنِ اللَّهِ وَدَلَّ الْإِجْمَالُ فِي الْمَلَائِكَةِ وَالْكُتُبِ وَالرُّسُلِ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِذَلِكَ فِي الْإِيمَانِ بِهِمْ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ إِلَّا مَنْ ثَبَتَ تَسْمِيَتُهُ فَيَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ عَلَى التَّعْيِينِ وَهَذَا التَّرْتِيبُ مُطَابِقٌ لِلْآيَةِ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَمُنَاسَبَةُ التَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ وَإِنْ كَانَتِ الْوَاوُ لَا ترَتّب بل المُرَاد من التَّقْدِيم أَنَّ الْخَيْرَ وَالرَّحْمَةَ مِنَ اللَّهِ وَمِنْ أَعْظَمِ رَحْمَتِهِ أَنْ أَنْزَلَ كُتُبَهُ إِلَى عِبَادِهِ وَالْمُتَلَقِّي لِذَلِكَ مِنْهُمُ الْأَنْبِيَاءُ وَالْوَاسِطَةُ بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَهُمُ الْمَلَائِكَة قَوْله وَتُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ زَادَ فِي التَّفْسِيرِ الْآخِرِ وَلِمُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ عُمَرَ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَأَمَّا الْبَعْثُ الْآخِرُ فَقِيلَ ذَكَرَ الْآخِرَ تَأْكِيدًا كَقَوْلِهِمْ أَمْسُ الذَّاهِبُ وَقِيلَ لِأَنَّ الْبَعْثَ وَقَعَ مَرَّتَيْنِ الْأُولَى الْإِخْرَاجُ مِنَ الْعَدَمِ إِلَى الْوُجُودِ أَوْ مِنْ بُطُونِ الْأُمَّهَاتِ بَعْدَ النُّطْفَةِ وَالْعَلَقَةِ إِلَى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالثَّانِيَةُ الْبَعْثُ مِنْ بُطُونِ الْقُبُورِ إِلَى مَحَلِّ الِاسْتِقْرَارِ وَأَمَّا الْيَوْمُ الْآخِرُ فَقِيلَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ آخِرُ أَيَّامِ الدُّنْيَا أَوْ آخِرُ الْأَزْمِنَةِ الْمَحْدُودَةِ وَالْمُرَادُ بِالْإِيمَانِ بِهِ وَالتَّصْدِيقِ بِمَا يَقَعُ فِيهِ مِنَ الْحِسَابِ وَالْمِيزَانِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَقَدْ وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِذِكْرِ الْأَرْبَعَةِ بَعْدَ ذِكْرِ الْبَعْثِ فِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ وَفِي حَدِيثِ بن عَبَّاسٍ أَيْضًا فَائِدَةٌ زَادَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي مُسْتَخْرَجِهِ هُنَا وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ وَهِيَ فِي رِوَايَةِ أَبِي فَرْوَةَ أَيْضًا وَكَذَا لِمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ وَأَكَّدَهُ بِقَوْلِهِ كُلِّهِ وَفِي رِوَايَةِ كَهْمَسٍ وَسُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ وَكَذَا فِي حَدِيث بن عَبَّاس وَهُوَ فِي رِوَايَة عَطاء عَن بن عُمَرَ بِزِيَادَةِ وَحُلْوِهِ وَمُرِّهِ مِنَ اللَّهِ وَكَأَنَّ الْحِكْمَة فِي إِعَادَة لفظ وتؤمن عِنْد ذكر الْبَعْثِ الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّهُ نَوْعٌ آخَرُ مِمَّا يُؤْمَنُ بِهِ لِأَنَّ الْبَعْثَ سَيُوجَدُ بَعْدُ وَمَا ذُكِرَ قَبْلَهُ مَوْجُودٌ الْآنَ وَلِلتَّنْوِيهِ بِذِكْرِهِ لِكَثْرَةِ مَنْ كَانَ يُنْكِرُهُ مِنَ الْكُفَّارِ وَلِهَذَا كَثُرَ تَكْرَارُهُ فِي الْقُرْآنِ وَهَكَذَا الْحِكْمَةُ فِي إِعَادَةِ لَفْظِ وَتُؤْمِنَ عِنْدَ ذِكْرِ الْقَدَرِ كَأَنَّهَا إِشَارَةٌ إِلَى مَا يَقَعُ فِيهِ مِنَ الِاخْتِلَافِ فَحَصَلَ الِاهْتِمَامُ بِشَأْنِهِ بِإِعَادَةِ تُؤْمِنَ ثُمَّ قَرَّرَهُ بِالْإِبْدَالِ بِقَوْلِهِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ وَحُلْوِهِ وَمُرِّهِ ثُمَّ زَادَهُ تَأْكِيدًا بِقَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأَخِيرَةِ مِنَ اللَّهِ وَالْقَدَرُ مَصْدَرٌ تَقُولُ قَدَرْتُ الشَّيْءَ بِتَخْفِيفِ الدَّالِ وَفَتْحِهَا أَقْدِرُهُ بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ قَدْرًا وَقَدَرًا إِذَا أَحَطْتُ بِمِقْدَارِهِ وَالْمُرَادُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلِمَ مَقَادِيرَ الْأَشْيَاءِ وَأَزْمَانَهَا قَبْلَ إِيجَادِهَا ثُمَّ أَوْجَدَ مَا سَبَقَ فِي عِلْمِهِ أَنَّهُ يُوجَدُ فَكُلُّ مُحْدَثٍ صَادِرٌ عَنْ عِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ وَإِرَادَتِهِ هَذَا هُوَ الْمَعْلُومُ مِنَ الدِّينِ بِالْبَرَاهِينِ الْقَطْعِيَّةِ وَعَلَيْهِ كَانَ السَّلَفُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَخِيَارِ التَّابِعِينَ إِلَى أَنْ حَدَثَتْ بِدْعَةُ الْقَدَرِ فِي أَوَاخِرِ زَمَنِ الصَّحَابَةِ وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ الْقِصَّةَ فِي ذَلِكَ من طَرِيق كهمس عَن بن بُرَيْدَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ قَالَ كَانَ أَوَّلَ مَنْ قَالَ فِي الْقَدَرِ بِالْبَصْرَةِ مَعْبَدٌ الْجُهَنِيُّ قَالَ فَانْطَلَقْتُأَنَا وَحُمَيْدٌ الْحِمْيَرِيُّ فَذَكَرَ اجْتِمَاعَهُمَا بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَأَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَأَخْبَرَهُ بِأَنَّهُ بَرِيءٌ مِمَّنْ يَقُولُ ذَلِكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ مِمَّنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِالْقَدَرِ عَمَلًا وَقَدْ حَكَى الْمُصَنِّفُونَ فِي الْمَقَالَاتِ عَنْ طَوَائِفَ مِنْ الْقَدَرِيَّةِ إِنْكَارَ كَوْنِ الْبَارِئِ عَالِمًا بِشَيْءٍ مِنْ أَعْمَالِ الْعِبَادِ قَبْلَ وُقُوعِهَا مِنْهُمْ وَإِنَّمَا يَعْلَمُهَا بَعْدَ كَوْنِهَا قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَغَيْرُهُ قَدِ انْقَرَضَ هَذَا الْمَذْهَبُ وَلَا نَعْرِفُ أَحَدًا يُنْسَبُ إِلَيْهِ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ قَالَ وَالْقَدَرِيَّةُ الْيَوْمُ مُطْبِقُونَ عَلَى أَنَّ اللَّهَ عَالِمٌ بِأَفْعَالِ الْعِبَادِ قَبْلَ وُقُوعِهَا وَإِنَّمَا خَالَفُوا السَّلَفَ فِي زَعْمِهِمْ بِأَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ مَقْدُورَةٌ لَهُمْ وَوَاقِعَةٌ مِنْهُمْ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِقْلَالِ وَهُوَ مَعَ كَوْنِهِ مَذْهَبًا بَاطِلًا أَخَفُّ مِنَ الْمَذْهَبِ الْأَوَّلِ وَأَمَّا الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْهُمْ فَأَنْكَرُوا تَعَلُّقَ الْإِرَادَةِ بِأَفْعَالِ الْعِبَادِ فِرَارًا مِنْ تَعَلُّقِ الْقَدِيمِ بِالْمُحْدَثِ وَهُمْ مَخْصُومُونَ بِمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ إِنْ سَلَّمَ الْقَدَرِيُّ الْعِلْمَ خُصِمَ يَعْنِي يُقَالُ لَهُ أَيَجُوزُ أَنْ يَقَعَ فِي الْوُجُودِ خِلَافُ مَا تَضَمَّنَهُ الْعِلْمُ فَإِنْ مَنَعَ وَافَقَ قَوْلَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَإِنْ أَجَازَ لَزِمَهُ نِسْبَةُ الْجَهْلِ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ السِّيَاق يقتضى أَن الْإِيمَان لايطلق إِلَّا عَلَى مَنْ صَدَّقَ بِجَمِيعِ مَا ذُكِرَ وَقَدِ اكْتَفَى الْفُقَهَاءُ بِإِطْلَاقِ الْإِيمَانِ عَلَى مَنْ آمن بِاللَّه وَرَسُوله وَلَا اخْتِلَاف أَن الْإِيمَانَ بِرَسُولِ اللَّهِ الْمُرَادُ بِهِ الْإِيمَانُ بِوُجُودِهِ وَبِمَا جَاءَ بِهِ عَنْ رَبِّهِ فَيَدْخُلُ جَمِيعُ مَا ذُكِرَ تَحْتَ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْلُهُ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ قَالَ النَّوَوِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْعِبَادَةِ مَعْرِفَةَ اللَّهِ فَيَكُونُ عَطْفُ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا عَلَيْهَا لِإِدْخَالِهَا فِي الْإِسْلَامِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْعِبَادَةِ الطَّاعَةَ مُطْلَقًا فَيَدْخُلُ فِيهِ جَمِيعُ الْوَظَائِفِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ عَطْفُ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ قُلْتُ أَمَّا الِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ فَبَعِيدٌ لِأَنَّ الْمَعْرِفَةَ مِنْ مُتَعَلَّقَاتِ الْإِيمَانِ وَأَمَّا الْإِسْلَامُ فَهُوَ أَعْمَالٌ قَوْلِيَّةٌ وَبَدَنِيَّةٌ وَقَدْ عَبَّرَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ هُنَا بِقَوْلِهِ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعِبَادَةِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ النُّطْقُ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَبِهَذَا تَبَيَّنَ دَفْعُ الِاحْتِمَالِ الثَّانِي وَلَمَّا عَبَّرَ الرَّاوِي بِالْعِبَادَةِ احْتَاجَ أَنْ يُوَضِّحَهَا بِقَوْلِهِ وَلَا تُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا وَلَمْ يَحْتَجْ إِلَيْهَا فِي رِوَايَةِ عُمَرَ لِاسْتِلْزَامِهَا ذَلِكَ فَإِنْ قِيلَ السُّؤَالُ عَامٌّ لِأَنَّهُ سَأَلَ عَنْ مَاهِيَّةِ الْإِسْلَامِ وَالْجَوَابُ خَاصٌّ لِقَوْلِهِ أَنْ تَعْبُدَ أَوْ تَشْهَدَ وَكَذَا قَالَ فِي الْإِيمَانِ أَنْ تُؤْمِنَ وَفِي الْإِحْسَانِ أَنْ تَعْبُدَ وَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ لِنُكْتَةِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَصْدَرِ وَبَيْنَ أَنْ وَالْفِعْلِ لِأَنَّ أَنْ تَفْعَلَ تَدُلُّ عَلَى الِاسْتِقْبَالِ وَالْمَصْدَرُ لَا يَدُلُّ عَلَى زَمَانٍ عَلَى أَنَّ بَعْضَ الرُّوَاةِ أَوْرَدَهُ هُنَا بِصِيغَةِ الْمَصْدَرِ فَفِي رِوَايَةِ عُثْمَانَ بْنِ غِيَاثٍ قَالَ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَكَذَا فِي حَدِيثِ أَنَسٍ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِمُخَاطَبَتِهِ بِالْإِفْرَادِ اخْتِصَاصَهُ بِذَلِكَ بَلِ الْمُرَادُ تَعْلِيمُ السَّامِعِينَ الْحُكْمَ فِي حَقِّهِمْ وَحَقِّ مَنْ أَشْبَهَهُمْ مِنَ الْمُكَلَّفِينَ وَقَدْ تَبَيَّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ فِي آخِرِهِ يُعَلِّمُ النَّاسَ دِينَهُمْ فَإِنْ قِيلَ لِمَ لَمْ يَذْكُرِ الْحَجَّ أَجَابَ بَعْضُهُمْ بِاحْتِمَالِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فُرِضَ وَهُوَ مَرْدُودٌ بِمَا رَوَاهُ بن مَنْدَهْ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ بِإِسْنَادِهِ الَّذِي عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ فِي حَدِيثِ عُمَرَ أَوَّلُهُ أَنَّ رَجُلًا فِي آخِرِ عُمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ وَآخِرُ عُمْرِهِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَإِنَّهَا آخِرُ سَفَرَاتِهِ ثُمَّ بَعْدَ قُدُومِهِ بِقَلِيلٍ دُونَ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ مَاتَ وَكَأَنَّهُ إِنَّمَا جَاءَ بَعْدَ إِنْزَالِ جَمِيعِ الْأَحْكَامِ لِتَقْرِيرِ أُمُورِ الدِّينِ الَّتِي بَلَّغَهَا مُتَفَرِّقَةً فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ لِتَنْضَبِطَ وَيُسْتَنْبَطُ مِنْهُ جَوَازُ سُؤَالِ الْعَالِمِ مَا لَا يَجْهَلُهُ السَّائِلُ لِيَعْلَمَهُ السَّامِعُ وَأَمَّا الْحَجُّ فَقَدْ ذُكِرَ لَكِنْ بَعْضُ الرُّوَاةِ إِمَّا ذَهَلَ عَنْهُ وَإِمَّا نَسِيَهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ اخْتِلَافُهُمْ فِي ذِكْرِ بَعْضِ الْأَعْمَالِ دُونَ بَعْضٍ فَفِي رِوَايَةِ كَهْمَسٍ وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَكَذَا فِي حَدِيثِ أنس وَفِي رِوَايَة عَطاء الخرساني لَمْ يَذْكُرِ الصَّوْمَ وَفِي حَدِيثِ أَبِي عَامِرٍ ذَكَرَ الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ حَسْبُ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ مَزِيدًا عَلَى الشَّهَادَتَيْنِ وَذَكَرَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ فِي رِوَايَتِهِ الْجَمِيعَ وَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ وَتَحُجَّوَتَعْتَمِرَ وَتَغْتَسِلَ مِنَ الْجَنَابَةِ وَتُتَمِّمَ الْوُضُوءَ وَقَالَ مَطَرٌ الْوَرَّاقُ فِي رِوَايَتِهِ وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ قَالَ فَذَكَرَ عُرَى الْإِسْلَامِ فَتَبَيَّنَ مَا قُلْنَاهُ إِنَّ بَعْضَ الرُّوَاةِ ضَبَطَ مَا لَمْ يَضْبِطْهُ غَيْرُهُ قَوْلُهُ وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ زَادَ مُسْلِمٌ الْمَكْتُوبَةَ أَيِ الْمَفْرُوضَةَ وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِالْمَكْتُوبَةِ لِلتَّفَنُّنِ فِي الْعِبَارَةِ فَإِنَّهُ عَبَّرَ فِي الزَّكَاةِ بِالْمَفْرُوضَةِ وَلَا تبَاع قَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا قَوْلُهُ وَتَصُومَ رَمَضَانَ اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى قَوْلِ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ إِضَافَةِ شَهْرٍ إِلَيْهِ وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُهُ الْإِحْسَانُ هُوَ مَصْدَرٌ تَقُولُ أَحْسَنَ يُحْسِنُ إِحْسَانًا وَيَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ وَبِغَيْرِهِ تَقُولُ أَحْسَنْتُ كَذَا إِذَا أَتْقَنْتُهُ وَأَحْسَنْتُ إِلَى فُلَانٍ إِذَا أَوْصَلْتُ إِلَيْهِ النَّفْعَ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُرَادُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إِتْقَانُ الْعِبَادَةِ وَقَدْ يُلْحَظُ الثَّانِي بِأَنَّ الْمُخْلِصَ مَثَلًا مُحْسِنٌ بِإِخْلَاصِهِ إِلَى نَفْسِهِ وَإِحْسَانُ الْعِبَادَةِ الْإِخْلَاصُ فِيهَا وَالْخُشُوعُ وَفَرَاغُ الْبَالِ حَالَ التَّلَبُّسِ بِهَا وَمُرَاقَبَةُ الْمَعْبُودِ وَأَشَارَ فِي الْجَوَابِ إِلَى حَالَتَيْنِ أَرْفَعُهُمَا أَنْ يَغْلِبَ عَلَيْهِ مُشَاهَدَةُ الْحَقِّ بِقَلْبِهِ حَتَّى كَأَنَّهُ يَرَاهُ بِعَيْنِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ كَأَنَّكَ تَرَاهُ أَيْ وَهُوَ يَرَاكَ وَالثَّانِيَةُ أَنْ يَسْتَحْضِرَ أَنَّ الْحَقَّ مُطَّلِعٌ عَلَيْهِ يَرَى كُلَّ مَا يَعْمَلُ وَهُوَ قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ وَهَاتَانِ الْحَالَتَانِ يُثَمِّرُهُمَا مَعْرِفَةُ اللَّهِ وَخَشْيَتُهُ وَقَدْ عَبَّرَ فِي رِوَايَةِ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ بِقَوْلِهِ أَنْ تَخْشَى اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ وَكَذَا فِي حَدِيثِ أَنَسٍ وَقَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّكَ إِنَّمَا تُرَاعِي الْآدَابَ الْمَذْكُورَةَ إِذَا كُنْتَ تَرَاهُ وَيَرَاكَ لِكَوْنِهِ يَرَاكَ لَا لِكَوْنِكَ تَرَاهُ فَهُوَ دَائِمًا يَرَاكَ فَأَحْسِنْ عِبَادَتَهُ وَإِنْ لَمْ تَرَهُ فَتَقْدِيرُ الْحَدِيثِ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَاسْتَمِرَّ عَلَى إِحْسَانِ الْعِبَادَةِ فَإِنَّهُ يَرَاكَ قَالَ وَهَذَا الْقَدْرُ مِنَ الْحَدِيثِ أَصْلٌ عَظِيمٌ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ وَقَاعِدَةٌ مُهِمَّةٌ مِنْ قَوَاعِدِ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ عُمْدَةُ الصِّدِّيقِينَ وَبُغْيَةُ السَّالِكِينَ وَكَنْزُ الْعَارِفِينَ وَدَأْبُ الصَّالِحِينَ وَهُوَ مِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ الَّتِي أُوتِيَهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ نَدَبَ أَهْلُ التَّحْقِيقِ إِلَى مُجَالَسَةِ الصَّالِحِينَ لِيَكُونَ ذَلِكَ مَانِعًا مِنَ التَّلَبُّسِ بِشَيْءٍ مِنَ النَّقَائِصِ احْتِرَامًا لَهُمْ وَاسْتِحْيَاءً مِنْهُمْ فَكَيْفَ بِمَنْ لَا يَزَالُ اللَّهُ مُطَّلِعًا عَلَيْهِ فِي سِرِّهِ وَعَلَانِيَتِهِ انْتَهَى وَقَدْ سَبَقَ إِلَى أَصْلِ هَذَا الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ وَسَيَأْتِي مَزِيدٌ لِهَذَا فِي تَفْسِيرِ لُقْمَانَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى تَنْبِيهٌ دَلَّ سِيَاقُ الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ رُؤْيَةَ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا بِالْأَبْصَارِ غَيْرُ وَاقِعَةٍ وَأَمَّا رُؤْيَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَاكَ لِدَلِيلٍ آخَرَ وَقَدْ صَرَّحَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَتِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ لَنْ تَرَوْا رَبَّكُمْ حَتَّى تَمُوتُوا وَأَقْدَمَ بَعْضُ غُلَاةِ الصُّوفِيَّةِ عَلَى تَأْوِيلِ الْحَدِيثِ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَقَالَ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى مَقَامِ الْمَحْوِ وَالْفَنَاءِ وَتَقْدِيرُهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَيْ فَإِنْ لَمْ تَصِرْ شَيْئًا وَفَنِيتَ عَنْ نَفْسِكَ حَتَّى كَأَنَّكَ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ فَإِنَّكَ حِينَئِذٍ تَرَاهُ وَغَفَلَ قَائِلُ هَذَا لِلْجَهْلِ بِالْعَرَبِيَّةِ عَنْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ مَا زَعَمَ لَكَانَ قَوْلُهُ تَرَاهُ مَحْذُوفَ الْأَلِفِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَجْزُومًا لِكَوْنِهِ عَلَى زَعْمِهِ جَوَابَ الشَّرْطِ وَلَمْ يَرِدْ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ بِحَذْفِ الْأَلِفِ وَمَنِ ادَّعَى أَنَّ إِثْبَاتَهَا فِي الْفِعْلِ الْمَجْزُومِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَلَا يُصَار إِلَيْهِ إِذْ لاضرورة هُنَا وَأَيْضًا فَلَوْ كَانَ مَا ادَّعَاهُ صَحِيحًا لَكَانَ قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ ضَائِعًا لِأَنَّهُ لَا ارْتِبَاطَ لَهُ بِمَا قَبْلَهُ وَمِمَّا يُفْسِدُ تَأْوِيلَهُ رِوَايَةُ كَهْمَسٍ فَإِنَّ لَفْظَهَا فَإِنَّكَ إِنْ لَا تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ وَكَذَلِكَ فِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ فَسَلَّطَ النَّفْيَ عَلَى الرُّؤْيَةِ لَا عَلَى الْكَوْنِ الَّذِي حُمِلَ عَلَى ارْتِكَابِ التَّأْوِيلِ الْمَذْكُورِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي فَرْوَةَ فَإِنْ لَمْ تَرَهُ فَإِنَّهُ يراك وَنَحْوه فِي حَدِيث أنس وبن عَبَّاسٍ وَكُلُّ هَذَا يُبْطِلُ التَّأْوِيلَ الْمُتَقَدِّمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. فَائِدَةٌ زَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةِ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ قَوْلَ السَّائِلِ صَدَقْتَ عَقِبَ كُلِّ جَوَابٍ مِنَ الْأَجْوِبَةِ الثَّلَاثَةِ وَزَادَ أَبُو فَرْوَةَ فِي رِوَايَتِهِ فَلَمَّا سَمِعْنَا قَوْلَ الرَّجُلِ صَدَقْتَ أَنْكَرْنَاهُ وَفِي رِوَايَةِ كَهْمَسٍ فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ وَفِي رِوَايَةِ مَطَرٍ انْظُرُوا إِلَيْهِ كَيْفَ يَسْأَلُهُ وَانْظُرُوا إِلَيْهِ كَيْفَ يُصَدِّقُهُ وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ انْظُرُوا وَهُوَ يَسْأَلُهُ وَهُوَ يُصَدِّقُهُ كَأَنَّهُ أعلممِنْهُ وَفِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ قَالَ الْقَوْمُ مَا رَأَيْنَا رَجُلًا مِثْلَ هَذَا كَأَنَّهُ يُعَلِّمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَهُ صَدَقْتَ صَدَقْتَ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ إِنَّمَا عَجِبُوا مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ مَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُعْرَفُ إِلَّا مِنْ جِهَتِهِ وَلَيْسَ هَذَا السَّائِلُ مِمَّنْ عُرِفَ بِلِقَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا بِالسَّمَاعِ مِنْهُ ثُمَّ هُوَ يَسْأَلُ سُؤَالَ عَارِفٍ بِمَا يَسْأَلُ عَنْهُ لِأَنَّهُ يُخْبِرُهُ بِأَنَّهُ صَادِقٌ فِيهِ فَتَعَجَّبُوا مِنْ ذَلِكَ تَعَجُّبَ الْمُسْتَبْعِدِ لِذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْلُهُ مَتَى السَّاعَةُ أَيْ مَتَى تَقُومُ السَّاعَةُ وَصَرَّحَ بِهِ فِي رِوَايَةِ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ وَاللَّامُ لِلْعَهْدِ وَالْمُرَادُ يَوْمُ الْقِيَامَةِ قَوْلُهُ مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا مَا نَافِيَةٌ وَزَادَ فِي رِوَايَةِ أَبِي فَرْوَةَ فَنَكَسَ فَلَمْ يُجِبْهُ ثُمَّ أَعَادَ فَلَمْ يُجِبْهُ ثَلَاثًا ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ مَا الْمَسْئُولُ قَوْلُهُ بِأَعْلَمَ الْبَاءُ زَائِدَةٌ لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مُشْعِرًا بِالتَّسَاوِي فِي الْعِلْمِ لَكِنَّ الْمُرَادَ التَّسَاوِي فِي الْعِلْمِ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى اسْتَأْثَرَ بِعِلْمِهَا لِقَوْلِهِ بَعْدَ خَمْسٌ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللَّهُ وَسَيَأْتِي نَظِيرُ هَذَا التَّرْكِيبِ فِي أَوَاخِرِ الْكَلَامِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فِي قَوْلِهِ مَا كُنْتُ بِأَعْلَمَ بِهِ مِنْ رَجُلٍ مِنْكُمْ فَإِنَّ الْمُرَادَ أَيْضًا التَّسَاوِي فِي عَدَمِ الْعِلْمِ بِهِ وَفِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ هُنَا فَقَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ خَمْسٌ مِنَ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ ثُمَّ تَلَا الْآيَةَ قَالَ النَّوَوِيُّ يُسْتَنْبَطُ مِنْهُ أَنَّ الْعَالِمَ إِذَا سُئِلَ عَمَّا لَا يَعْلَمُ يُصَرِّحُ بِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُهُ وَلَا يَكُونُ فِي ذَلِكَ نَقْصٌ مِنْ مَرْتَبَتِهِ بَلْ يَكُونُ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى مَزِيدِ وَرَعِهِ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ مَقْصُودُ هَذَا السُّؤَالِ كَفُّ السَّامِعِينَ عَنِ السُّؤَالِ عَنْ وَقْتِ السَّاعَةِ لِأَنَّهُمْ قَدْ أَكْثَرُوا السُّؤَالَ عَنْهَا كَمَا وَرَدَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ فَلَمَّا حَصَلَ الْجَوَابُ بِمَا ذُكِرَ هُنَا حَصَلَ الْيَأْسُ مِنْ مَعْرِفَتِهَا بِخِلَافِ الْأَسْئِلَةِ الْمَاضِيَةِ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهَا اسْتِخْرَاجُ الْأَجْوِبَةِ لِيَتَعَلَّمَهَا السَّامِعُونَ وَيَعْمَلُوا بِهَا وَنَبَّهَ بِهَذِهِ الْأَسْئِلَةِ عَلَى تَفْصِيلِ مَا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ مِمَّا لَا يُمْكِنُ قَوْلُهُ مِنَ السَّائِلِ عَدَلَ عَنْ قَوْلِهِ لَسْتُ بِأَعْلَمَ بِهَا مِنْكَ إِلَى لَفْظٍ يُشْعِرُ بِالتَّعْمِيمِ تَعْرِيضًا لِلسَّامِعِينَ أَيْ أَنَّ كل مسؤول وَكُلَّ سَائِلٍ فَهُوَ كَذَلِكَ فَائِدَةٌ هَذَا السُّؤَالُ وَالْجَوَاب وَقع بَين عِيسَى بن مَرْيَم وَجِبْرِيل لَكِنْ كَانَ عِيسَى سَائِلًا وَجِبْرِيلُ مَسْئُولًا قَالَ الْحُمَيْدِيُّ فِي نَوَادِرِهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَجَاءٍ عَنِ الشّعبِيّ قَالَ سَأَلَ عِيسَى بن مَرْيَمَ جِبْرِيلَ عَنِ السَّاعَةِ قَالَ فَانْتَفَضَ بِأَجْنِحَتِهِ وَقَالَ مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ قَوْلُهُ وَسَأُخْبِرُكَ عَنْ أَشْرَاطِهَا وَفِي التَّفْسِيرِ وَلَكِنْ سَأُحَدِّثُكَ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي فَرْوَةَ وَلَكِنْ لَهَا عَلَامَاتٌ تُعْرَفُ بِهَا وَفِي رِوَايَةِ كَهْمَسٍ قَالَ فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَتِهَا فَأَخْبَرَهُ بِهَا فَتَرَدَّدْنَا فَحَصَلَ التَّرَدُّدُ هَلِ ابْتَدَأَهُ بِذِكْرِ الْأَمَارَاتِ أَوِ السَّائِلُ سَأَلَهُ عَنِ الْأَمَارَاتِ وَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ ابْتَدَأَ بِقَوْلِهِ وَسَأُخْبِرُكَ فَقَالَ لَهُ السَّائِلُ فَأَخْبِرْنِي وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ رِوَايَةُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ وَلَفْظُهَا وَلَكِنْ إِنْ شِئْتَ نَبَّأْتُكَ عَنْ أَشْرَاطِهَا قَالَ أَجَلْ وَنَحْوه فِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ وَزَادَ فَحَدِّثْنِي وَقَدْ حَصَلَ تَفْصِيلُ الْأَشْرَاطِ مِنَ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَأَنَّهَا الْعَلَامَاتُ وَهِيَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ جَمْعُ شَرَطٍ بِفَتْحَتَيْنِ كَقَلَمٍ وَأَقْلَامٍ وَيُسْتَفَادُ مِنِ اخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ التَّحْدِيثَ وَالْإِخْبَارَ وَالْإِنْبَاءَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَإِنَّمَا غَايَرَ بَيْنَهَا أَهْلُ الْحَدِيثِ اصْطِلَاحًا قَالَ الْقُرْطُبِيُّ عَلَامَاتُ السَّاعَةِ عَلَى قِسْمَيْنِ مَا يَكُونُ مِنْ نَوْعِ الْمُعْتَادِ أَوْ غَيْرِهِ وَالْمَذْكُورُ هُنَا الْأَوَّلُ وَأَمَّا الْغَيْرُ مِثْلُ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا فَتِلْكَ مُقَارِبَةٌ لَهَا أَوْ مُضَايِقَةٌ وَالْمُرَادُ هُنَا الْعَلَامَاتُ السَّابِقَةُ عَلَى ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْلُهُ إِذَا وَلَدَتْ التَّعْبِيرُ بِإِذَا لِلْإِشْعَارِ بِتَحَقُّقِ الْوُقُوعِ وَوَقَعَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ بَيَانًا لِلْأَشْرَاطِ نَظَرًا إِلَى الْمَعْنَى وَالتَّقْدِيرُ وِلَادَةُ الْأَمَةِ وَتَطَاوُلُ الرُّعَاةِ فَإِنْ قِيلَ الْأَشْرَاطُ جَمْعٌ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ عَلَى الْأَصَحِّ وَالْمَذْكُورُ هُنَا اثْنَانِ أَجَابَ الْكِرْمَانِيُّ بِأَنَّهُ قَدْ تُسْتَقْرَضُ الْقِلَّةُ لِلْكَثْرَةِ وَبِالْعَكْسِأَوْ لِأَنَّ الْفَرْقَ بِالْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ إِنَّمَا هُوَ فِي النَّكِرَاتِ لَا فِي الْمَعَارِفِ أَوْ لِفَقْدِ جَمْعِ الْكَثْرَةِ لِلَفْظِ الشَّرْطِ وَفِي جَمِيعِ هَذِهِ الْأَجْوِبَةِ نَظَرٌ وَلَوْ أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا دَلِيلُ الْقَوْلِ الصَّائِرِ إِلَى أَنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ اثْنَانِ لَمَا بَعُدَ عَنِ الصَّوَابِ وَالْجَوَابُ الْمَرْضِيُّ أَنَّ الْمَذْكُورَ مِنَ الْأَشْرَاطِ ثَلَاثَةٌ وَإِنَّمَا بَعْضُ الرُّوَاةِ اقْتَصَرَ عَلَى اثْنَيْنِ مِنْهَا لِأَنَّهُ هُنَا ذَكَرَ الْوِلَادَةَ وَالتَّطَاوُلَ وَفِي التَّفْسِيرِ ذِكْرُ الْوِلَادَةِ وَتَرَؤُّسُ الْحُفَاةِ وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ الَّتِي أخرج مُسلم إسنادها وسَاق بن خُزَيْمَةَ لَفْظَهَا عَنْ أَبِي حَيَّانَ ذِكْرُ الثَّلَاثَةِ وَكَذَا فِي مستخرج الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق بن عُلَيَّةَ وَكَذَا ذَكَرَهَا عُمَارَةُ بْنُ الْقَعْقَاعِ وَوَقَعَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ فَفِي رِوَايَةِ كَهْمَسٍ ذِكْرُ الْوِلَادَةِ وَالتَّطَاوُلُ فَقَطْ وَوَافَقَهُ عُثْمَانُ بْنُ غِيَاثٍ وَفِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ ذِكْرُ الثَّلَاثَة وَوَافَقَهُ عَطاء الخرساني وَكَذَا ذكرت فِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ وَأَبِي عَامِرٍ قَوْلُهُ إِذَا وَلَدَتِ الْأَمَةُ رَبَّهَا وَفِي التَّفْسِيرِ رَبَّتَهَا بِتَاءِ التَّأْنِيثِ وَكَذَا فِي حَدِيثِ عُمَرَ وَلِمُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ مِثْلُهُ وَزَادَ يَعْنِي السَّرَارِيَّ وَفِي رِوَايَةِ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ إِذَا رَأَيْتَ الْمَرْأَةَ تَلِدُ رَبَّهَا وَنَحْوُهُ لِأَبِي فَرْوَةَ وَفِي رِوَايَةِ عُثْمَانَ بْنِ غِيَاثٍ الْإِمَاءُ أَرْبَابُهُنَّ بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَالْمُرَادُ بِالرَّبِّ الْمَالِكُ أَوِ السَّيِّدُ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا فِي معنى ذَلِك قَالَ بن التِّينِ اخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى سَبْعَةِ أَوْجُهٍ فَذَكَرَهَا لَكِنَّهَا مُتَدَاخِلَةٌ وَقَدْ لَخَّصْتُهَا بِلَا تَدَاخُلٍ فَإِذَا هِيَ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ الْأَوَّلُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ اتِّسَاعُ الْإِسْلَامِ وَاسْتِيلَاءُ أَهْلِهِ عَلَى بِلَادِ الشِّرْكِ وَسَبْيُ ذَرَارِيِّهِمْ فَإِذَا مَلَكَ الرَّجُلُ الْجَارِيَةَ وَاسْتَوْلَدَهَا كَانَ الْوَلَدُ مِنْهَا بِمَنْزِلَةِ رَبِّهَا لِأَنَّهُ وَلَدُ سَيِّدِهَا قَالَ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ إِنَّهُ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ قُلْتُ لَكِنْ فِي كَوْنِهِ الْمُرَادَ نَظَرٌ لِأَنَّ اسْتِيلَادَ الْإِمَاءِ كَانَ مَوْجُودًا حِينَ الْمَقَالَةِ وَالِاسْتِيلَاءُ عَلَى بِلَادِ الشِّرْكِ وَسَبْيُ ذَرَارِيِّهِمْ وَاتِّخَاذُهُمْ سَرَارِيَّ وَقَعَ أَكْثَرُهُ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ وَسِيَاقُ الْكَلَامِ يَقْتَضِي الْإِشَارَةَ إِلَى وُقُوعِ مَا لَمْ يَقَعْ مِمَّا سَيَقَعُ قُرْبَ قِيَامِ السَّاعَةِ وَقَدْ فَسَّرَهُ وَكِيع فِي رِوَايَة بن مَاجَهْ بِأَخَصَّ مِنَ الْأَوَّلِ قَالَ أَنْ تَلِدَ الْعَجَمُ الْعَرَبَ وَوَجَّهَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْإِمَاءَ يَلِدْنَ الْمُلُوكَ فَتَصِيرُ الْأُمُّ مِنْ جُمْلَةِ الرَّعِيَّةِ وَالْمَلِكُ سيد رَعيته وَهَذَا لإِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ وقربه بَان الرُّؤَسَاءَ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ كَانُوا يَسْتَنْكِفُونَ غَالِبًا مِنْ وَطْءِ الْإِمَاءِ وَيَتَنَافَسُونَ فِي الْحَرَائِرِ ثُمَّ انْعَكَسَ الْأَمْرُ وَلَا سِيَّمَا فِي أَثْنَاءِ دَوْلَةِ بَنِي الْعَبَّاسِ وَلَكِنَّ رِوَايَةَ رَبَّتَهَا بِتَاءِ التَّأْنِيثِ قَدْ لَا تُسَاعِدُ عَلَى ذَلِكَ وَوَجَّهَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ إِطْلَاقَ رَبَّتَهَا عَلَى وَلَدِهَا مَجَازٌ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ سَبَبًا فِي عِتْقِهَا بِمَوْتِ أَبِيهِ أُطْلِقَ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَخَصَّهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ السَّبْيَ إِذَا كَثُرَ فَقَدْ يُسْبَى الْوَلَدُ أَوَّلًا وَهُوَ صَغِيرٌ ثُمَّ يُعْتَقُ وَيَكْبَرُ وَيَصِيرُ رَئِيسًا بَلْ مَلِكًا ثُمَّ تُسْبَى أُمُّهُ فِيمَا بَعْدُ فَيَشْتَرِيهَا عَارِفًا بِهَا أَوْ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ أَنَّهَا أُمُّهُ فَيَسْتَخْدِمُهَا أَوْ يَتَّخِذُهَا مَوْطُوءَةً أَوْ يُعْتِقُهَا وَيَتَزَوَّجُهَا وَقَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنْ تَلِدَ الْأَمَةُ بَعْلَهَا وَهِيَ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَحُمِلَ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْبَعْلِ الْمَالِكُ وَهُوَ أَوْلَى لِتَتَّفِقَ الرِّوَايَاتُ الثَّانِي أَنْ تَبِيعَ السَّادَةُ أُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِمْ وَيَكْثُرُ ذَلِكَ فَيَتَدَاوَلُ الْمُلَّاكُ الْمُسْتَوْلَدَةَ حَتَّى يَشْتَرِيَهَا وَلَدُهَا وَلَا يَشْعُرُ بِذَلِكَ وَعَلَى هَذَا فَالَّذِي يَكُونُ مِنَ الْأَشْرَاطِ غَلَبَةُ الْجَهْلِ بِتَحْرِيمِ بَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ أَوِ الِاسْتِهَانَةُ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ فَإِنْ قِيلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُخْتَلَفٌ فِيهَا فَلَا يَصْلُحُ الْحَمْلُ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ لَا جَهْلَ وَلَا اسْتِهَانَةَ عِنْدَ الْقَائِلِ بِالْجَوَازِ قُلْنَا يَصْلُحُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى صُورَةِ اتِّفَاقِيَّةٍ كَبَيْعِهَا فِي حَالِ حَمْلِهَا فَإِنَّهُ حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ الثَّالِثُ وَهُوَ مِنْ نَمَطِ الَّذِي قَبْلَهُ قَالَ النَّوَوِيُّ لَا يَخْتَصُّ شِرَاءُ الْوَلَدِ أُمَّهُ بِأُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ بَلْ يُتَصَوَّرُ فِي غَيْرِهِنَّ بِأَنْ تَلِدَ الْأَمَةُ حُرًّا مِنْ غَيْرِ سَيِّدِهَا بِوَطْءِ شُبْهَةٍ أَوْ رَقِيقًا بِنِكَاحٍ أَوْ زِنًا ثُمَّ تُبَاعُ الْأَمَةُ فِي الصُّورَتَيْنِ بَيْعًا صَحِيحًا وَتَدُورُ فِي الْأَيْدِي حَتَّى يَشْتَرِيَهَا ابْنُهَا أَوِ ابْنَتُهَا وَلَا يُعَكِّرُ عَلَى هَذَا تَفْسِيرُ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ بِأَنَّ الْمُرَادَ السَّرَارِيُّ لِأَنَّهُ تَخْصِيصٌ بِغَيْرِ دَلِيلٍ الرَّابِعُ أَنْ يَكْثُرَ الْعُقُوقُ فِي الْأَوْلَادِ فَيُعَامِلُ الْوَلَدُ أُمَّهُ مُعَامَلَةَ السَّيِّدِ أَمَتَهُ مِنَ الْإِهَانَةِ بِالسَّبِّوَالضَّرْبِ وَالِاسْتِخْدَامِ فَأُطْلِقَ عَلَيْهِ رَبُّهَا مَجَازًا لِذَلِكَ أَوِ الْمُرَادُ بِالرَّبِّ الْمُرَبِّي فَيَكُونُ حَقِيقَةً وَهَذَا أَوْجَهُ الْأَوْجُهِ عِنْدِي لِعُمُومِهِ وَلِأَنَّ الْمَقَامَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ حَالَةٌ تَكُونُ مَعَ كَوْنِهَا تَدُلُّ عَلَى فَسَادِ الْأَحْوَالِ مُسْتَغْرَبَةً وَمُحَصَّلُهُ الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّ السَّاعَةَ يَقْرُبُ قِيَامُهَا عِنْدَ انْعِكَاسِ الْأُمُورِ بِحَيْثُ يَصِيرُ الْمُرَبَّى مُرَبِّيًا وَالسَّافِلُ عَالِيًا وَهُوَ مُنَاسِبٌ لِقَوْلِهِ فِي الْعَلَامَةِ الْأُخْرَى أَنْ تَصِيرَ الْحُفَاةُ مُلُوكَ الْأَرْضِ تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا قَالَ النَّوَوِيُّ لَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ بَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ وَلَا عَلَى جَوَازِهِ وَقَدْ غَلِطَ مَنِ اسْتَدَلَّ بِهِ لِكُلٍّ مِنَ الْأَمْرَيْنِ لِأَنَّ الشَّيْءَ إِذَا جُعِلَ عَلَامَةً عَلَى شَيْءٍ آخَرَ لَا يَدُلُّ عَلَى حَظْرٍ وَلَا إِبَاحَةٍ الثَّانِي يُجْمَعُ بَيْنَ مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ إِطْلَاقِ الرَّبِّ عَلَى السَّيِّدِ الْمَالِكِ فِي قَوْلِهِ رَبَّهَا وَبَيْنَ مَا فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ وَهُوَ فِي الصَّحِيحِ لَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ أَطْعِمْ رَبَّكَ وَضِّئْ رَبَّكَ اسْقِ رَبَّكَ وَلْيَقُلْ سَيِّدِي وَمَوْلَايَ بِأَنَّ اللَّفْظَ هُنَا خَرَجَ عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ أَوِ الْمُرَادُ بِالرَّبِّ هُنَا الْمُرَبِّي وَفِي الْمَنْهِيِّ عَنْهُ السَّيِّدُ أَوْ أَنَّ النَّهْيَ عَنْهُ مُتَأَخِّرٌ أَوْ مُخْتَصٌّ بِغَيْرِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ تَطَاوَلَ أَيْ تَفَاخَرُوا فِي تَطْوِيلِ الْبُنَيَانِ وَتَكَاثَرُوا بِهِ قَوْلُهُ رُعَاةَ الْإِبِلِ هُوَ بِضَمِّ الرَّاءِ جَمْعُ رَاعٍ كَقُضَاةٍ وَقَاضٍ وَالْبُهْمُ بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ بِفَتْحِهَا وَلَا يَتَّجِهُ مَعَ ذِكْرِ الْإِبِلِ وَإِنَّمَا يَتَّجِهُ مَعَ ذِكْرِ الشِّيَاهِ أَوْ مَعَ عَدَمِ الْإِضَافَةِ كَمَا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ رِعَاءَ الْبُهْمِ وَمِيمُ الْبُهْمِ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ يَجُوزُ ضَمُّهَا عَلَى أَنَّهَا صِفَةُ الرُّعَاةِ وَيَجُوزُ الْكَسْرُ عَلَى أَنَّهَا صِفَةُ الْإِبِلِ يَعْنِي الْإِبِلَ السُّودَ وَقِيلَ إِنَّهَا شَرُّ الْأَلْوَانِ عِنْدَهُمْ وَخَيْرُهَا الْحُمْرُ الَّتِي ضُرِبَ بِهَا الْمَثَلُ فَقِيلَ خَيْرٌ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ وَوَصْفُ الرُّعَاةِ بِالْبُهْمِ إِمَّا لِأَنَّهُمْ مَجْهُولُو الْأَنْسَابِ وَمِنْهُ أُبْهِمَ الْأَمْرُ فَهُوَ مُبْهَمٌ إِذَا لَمْ تُعْرَفْ حَقِيقَتُهُ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ الْأَوْلَى أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُمْ سُودُ الْأَلْوَانِ لِأَنَّ الْأُدْمَةَ غَالِبُ أَلْوَانِهِمْ وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ لَا شَيْءَ لَهُمْ كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحْشَرُ النَّاسُ حُفَاةً عُرَاةً بُهْمًا قَالَ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ قَدْ نَسَبَ لَهُمُ الْإِبِلَ فَكَيْفَ يُقَالُ لَا شَيْءَ لَهُمْ قُلْتُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهَا إِضَافَةُ اخْتِصَاصٍ لَا مِلْكٍ وَهَذَا هُوَ الْغَالِبُ أَنَّ الرَّاعِيَ يَرْعَى لِغَيْرِهِ بِالْأُجْرَةِ وَأَمَّا الْمَالِكُ فَقَلَّ أَنْ يُبَاشِرَ الرَّعْيَ بِنَفْسِهِ قَوْلُهُ فِي التَّفْسِيرِ وَإِذَا كَانَ الْحُفَاةُ الْعُرَاةُ زَادَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي رِوَايَتِهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ وَقِيلَ لَهُمْ ذَلِكَ مُبَالَغَةً فِي وَصْفِهِمْ بِالْجَهْلِ أَيْ لَمْ يَسْتَعْمِلُوا أَسْمَاعَهُمْ وَلَا أَبْصَارَهُمْ فِي الشَّيْءِ مِنْ أَمْرِ دِينِهِمْ وَأَن كَانَت حواسهم سليمَة قَوْله رُؤُوس النَّاسِ أَيْ مُلُوكُ الْأَرْضِ وَصَرَّحَ بِهِ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي فَرْوَةَ مِثْلُهُ وَالْمُرَادُ بِهِمْ أَهْلُ الْبَادِيَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ وَغَيْرِهِ قَالَ مَا الْحُفَاةُ الْعُرَاةُ قَالَ الْعُرَيْبُ وَهُوَ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ عَلَى التَّصْغِيرِ وَفِي الطَّبَرَانِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي حَمْزَةَ عَنِ بن عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا مِنِ انْقِلَابِ الدِّينِ تَفَصُّحُ النَّبَطِ وَاتِّخَاذُهُمُ الْقُصُورَ فِي الْأَمْصَارِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ الْمَقْصُودُ الْإِخْبَارُ عَنْ تَبَدُّلِ الْحَالِ بِأَنْ يَسْتَوْلِيَ أَهْلُ الْبَادِيَةِ عَلَى الْأَمْرِ وَيَتَمَلَّكُوا الْبِلَادَ بِالْقَهْرِ فَتَكْثُرُ أَمْوَالُهُمْ وَتَنْصَرِفُ هِمَمُهُمْ إِلَى تَشْيِيدِ الْبُنْيَانِ وَالتَّفَاخُرِ بِهِ وَقَدْ شَاهَدْنَا ذَلِكَ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ لَا تَقُومَ السَّاعَةُ حَتَّى يَكُونُ أَسْعَدَ النَّاسِ بِالدُّنْيَا لُكَعُ بْنُ لُكَعٍ وَمِنْهُ إِذَا وُسِّدَ الْأَمْرُ أَيْ أُسْنِدَ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرُوا السَّاعَةَ وَكِلَاهُمَا فِي الصَّحِيحِ قَوْلُهُ فِي خَمْسٍ أَيْ عِلْمُ وَقْتِ السَّاعَةِ دَاخِلٌ فِي جُمْلَةِ خَمْسٍ وَحَذْفُ مُتَعَلَّقِ الْجَارِّ سَائِغٌ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فِي تسع آيَات أَيْ اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ بِهَذِهِ الْآيَةِ فِي جملَة تسع آيَات وَفِي رِوَايَة عَطاء الخرساني قَالَ فَمَتَى السَّاعَةُ قَالَ هِيَ فِي خَمْسٍ مِنَ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللَّهُ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ لَا مَطْمَعَ لِأَحَدٍ فِي عِلْمِ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ الْخَمْسَةِ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَقَدْ فَسَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَبِهَذِهِ الْخَمْسِ وَهُوَ فِي الصَّحِيحِ قَالَ فَمَنِ ادَّعَى عِلْمَ شَيْءٍ مِنْهَا غَيْرَ مُسْنَدَةٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ كَاذِبًا فِي دَعْوَاهُ قَالَ وَأَمَّا ظَنُّ الْغَيْبِ فَقَدْ يَجُوزُ مِنَ الْمُنَجِّمِ وَغَيْرِهِ إِذَا كَانَ عَنْ أَمْرٍ عَادِيٍّ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِعِلْمٍ وَقَدْ نقل بن عَبْدِ الْبَرِّ الْإِجْمَاعَ عَلَى تَحْرِيمِ أَخْذِ الْأُجْرَةِ والجعل واعطائها فِي ذَلِك وَجَاء عَن بن مَسْعُودٍ قَالَ أُوتِيَ نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِلْمَ كُلِّ شَيْءٍ سِوَى هَذِهِ الْخَمْسِ وَعَن بن عُمَرَ مَرْفُوعًا نَحْوُهُ أَخْرَجَهُمَا أَحْمَدُ وَأَخْرَجَ حُمَيْدُ بْنُ زَنْجَوَيْهِ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ ذَكَرَ الْعِلْمَ بِوَقْتِ الْكُسُوفِ قَبْلَ ظُهُورِهِ فَأُنْكِرَ عَلَيْهِ فَقَالَ إِنَّمَا الْغَيْبُ خَمْسٌ وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ وَمَا عَدَا ذَلِكَ غَيْبٌ يَعْلَمُهُ قَوْمٌ وَيَجْهَلُهُ قَوْمٌ تَنْبِيهٌ تَضَمَّنَ الْجَوَابُ زِيَادَةً عَلَى السُّؤَالِ لِلِاهْتِمَامِ بِذَلِكَ إِرْشَادًا لِلْأُمَّةِ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ مِنَ الْمَصْلَحَةِ فَإِنْ قِيلَ لَيْسَ فِي الْآيَةِ أَدَاةُ حَصْرٍ كَمَا فِي الْحَدِيثِ أَجَابَ الطِّيبِيُّ بِأَنَّ الْفِعْلَ إِذَا كَانَ عَظِيمَ الْخَطَرِ وَمَا يَنْبَنِي عَلَيْهِ الْفِعْلُ رَفِيعُ الشَّأْنِ فُهِمَ مِنْهُ الْحَصْرُ عَلَى سَبِيلِ الْكِنَايَةِ وَلَا سِيَّمَا إِذَا لُوحِظَ مَا ذُكِرَ فِي أَسْبَابِ النُّزُولِ مِنْ أَنَّ الْعَرَبَ كَانُوا يَدَّعُونَ عِلْمَ نُزُولِ الْغَيْثِ فَيُشْعِرُ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْآيَةِ نَفْيُ عِلْمِهِمْ بِذَلِكَ وَاخْتِصَاصُهُ بِاللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَائِدَةٌ النُّكْتَةُ فِي الْعُدُولِ عَنِ الْإِثْبَاتِ إِلَى النَّفْيِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تكسب غَدا وَكَذَا التَّعْبِيرُ بِالدِّرَايَةِ دُونَ الْعِلْمِ لِلْمُبَالَغَةِ وَالتَّعْمِيمِ إِذِ الدِّرَايَةُ اكْتِسَابُ عِلْمِ الشَّيْءِ بِحِيلَةٍ فَإِذَا انْتَفَى ذَلِكَ عَنْ كُلِّ نَفْسٍ مَعَ كَوْنِهِ مِنْ مُخْتَصَّاتِهَا وَلَمْ تَقَعْ مِنْهُ عَلَى عِلْمٍ كَانَ عَدَمُ اطِّلَاعِهَا عَلَى عِلْمِ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ بَابِ أَوْلَى اه مُلَخَّصًا مِنْ كَلَامِ الطِّيبِيِّ قَوْلُهُ الْآيَةَ أَيْ تَلَا الْآيَةَ إِلَى آخِرِ السُّورَةِ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ عُمَارَةَ وَلِمُسْلِمٍ إِلَى قَوْلِهِ خَبِيرٌ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ أَبِي فَرْوَةَ وَأَمَّا مَا وَقَعَ عِنْدَ الْمُؤَلِّفِ فِي التَّفْسِيرِ مِنْ قَوْلِهِ إِلَى الْأَرْحَامِ فَهُوَ تَقْصِيرٌ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ وَالسِّيَاقُ يُرْشِدُ إِلَى أَنَّهُ تَلَا الْآيَةَ كُلَّهَا قَوْلُهُ ثُمَّ أَدْبَرَ فَقَالَ رُدُّوهُ زَادَ فِي التَّفْسِيرِ فَأَخَذُوا لِيَرُدُّوهُ فَلَمْ يَرَوْا شَيْئًا فِيهِ أَنَّ الْمَلَكَ يَجُوزُ أَنْ يَتَمَثَّلَ لِغَيْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَرَاهُ وَيَتَكَلَّمُ بِحَضْرَتِهِ وَهُوَ يَسْمَعُ وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّهُ كَانَ يَسْمَعُ كَلَامَ الْمَلَائِكَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْلُهُ جَاءَ يُعَلِّمُ النَّاسَ فِي التَّفْسِيرِ لِيُعَلِّمَ وللإسماعيلي أَرَادَ أَن تعلمُوا إِذْ لَمْ تَسْأَلُوا وَمِثْلُهُ لِعُمَارَةَ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي فَرْوَةَ وَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّدًا بِالْحَقِّ مَا كُنْتُ بِأَعْلَمَ بِهِ مِنْ رَجُلٍ مِنْكُمْ وَإِنَّهُ لَجِبْرِيلُ وَفِي حَدِيثِ أَبِي عَامِرٍ ثُمَّ وَلَّى فَلَمَّا لَمْ نَرَ طَرِيقَهُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُبْحَانَ اللَّهُ هَذَا جِبْرِيلُ جَاءَ لِيُعَلِّمَ النَّاسَ دِينَهُمْ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ مَا جَاءَنِي قَطُّ إِلَّا وَأَنَا أَعْرِفُهُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْمَرَّةُ وَفِي رِوَايَةِ التَّيْمِيِّ ثُمَّ نَهَضَ فَوَلَّى فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ بِالرَّجُلِ فَطَلَبْنَاهُ كُلَّ مَطْلَبٍ فَلَمْ نَقْدِرْ عَلَيْهِ فَقَالَ هَلْ تَدْرُونَ مَنْ هَذَا هَذَا جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ لِيُعَلِّمَكُمْ دِينَكُمْ خُذُوا عَنْهُ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا شُبِّهَ عَلَيَّ مُنْذُ أَتَانِي قَبْلَ مَرَّتِي هَذِهِ وَمَا عَرفته حَتَّى ولي قَالَ بن حِبَّانَ تَفَرَّدَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ بِقَوْلِهِ خُذُوا عَنْهُ قُلْتُ وَهُوَ مِنَ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ وَفِي قَوْلِهِ جَاءَ لِيُعَلِّمَ النَّاسَ دِينَهُمْ إِشَارَةٌ إِلَى هَذِهِ الزِّيَادَةِ فَمَا تَفَرَّدَ إِلَّا بِالتَّصْرِيحِ وَإِسْنَادُ التَّعْلِيمِ إِلَى جِبْرِيلَ مَجَازِيٌّ لِأَنَّهُ كَانَ السَّبَبَ فِي الْجَوَابِ فَلِذَلِكَ أَمَرَ بِالْأَخْذِ عَنْهُ وَاتَّفَقَتْ هَذِهِ الرِّوَايَاتُ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ الصَّحَابَةَ بِشَأْنِهِ بَعْدَ أَنِ الْتَمَسُوهُ فَلَمْ يَجِدُوهُ وَأَمَّا مَا وَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ فِي رِوَايَةِ كَهْمَسٍ ثُمَّ انْطَلَقَ قَالَ عُمَرُ فَلَبِثْتُ مَلِيًّا ثُمَّ قَالَ يَا عُمَرُ أَتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ فَقَدْ جَمَعَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بَعْضُ الشُّرَّاحِ بِأَنَّ قَوْلَهُ فَلَبِثْتُ مَلِيًّا أَيْ زَمَانًا بَعْدَ انْصِرَافِهِ فَكَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمَهُمْ بِذَلِكَ بَعْدَ مُضِيِّ وَقْتٍ وَلَكِنَّهُ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ لَكِنْ يُعَكِّرُ عَلَى هَذَا الْجَمْعِ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ وَالتِّرْمِذِيِّ فَلَبِثْتُ ثَلَاثًا لَكِنِ ادَّعَى بَعْضُهُمْ فِيهَا التَّصْحِيفَ وَأَنَّ مَلِيًّا صُغِّرَتْ مِيمُهَا فَأَشْبَهَتْ ثَلَاثًا لِأَنَّهَا تُكْتَبُ بِلَا أَلِفٍ وَهَذِهِ الدَّعْوَى مَرْدُودَةٌ فَإِنَّ فِي رِوَايَةِ أَبِي عَوَانَةَفَلَبِثْنَا لَيَالِيَ فَلَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ثَلَاثٍ وَلِابْنِ حِبَّانَ بَعْدَ ثَالِثَةٍ وَلِابْنِ مَنْدَهْ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَجَمَعَ النَّوَوِيُّ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بِأَنَّ عُمَرَ لَمْ يَحْضُرْ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَجْلِسِ بَلْ كَانَ مِمَّنْ قَامَ إِمَّا مَعَ الَّذِينَ تَوَجَّهُوا فِي طَلَبِ الرَّجُلِ أَوْ لِشُغْلٍ آخَرَ وَلَمْ يَرْجِعْ مَعَ مَنْ رَجَعَ لِعَارِضٍ عَرَضَ لَهُ فَأَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَاضِرِينَ فِي الْحَالِ وَلَمْ يَتَّفِقِ الْإِخْبَارُ لِعُمَرَ إِلَّا بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فَلَقِيَنِي وَقَوْلُهُ فَقَالَ لِي يَا عُمَرُ فَوَجَّهَ الْخِطَابَ لَهُ وَحْدَهُ بِخِلَافِ إِخْبَارِهِ الْأَوَّلِ وَهُوَ جَمْعٌ حَسَنٌ تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ دَلَّتِ الرِّوَايَاتُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا عَرَفَ أَنَّهُ جِبْرِيلُ إِلَّا فِي آخِرِ الْحَالِ وَأَنَّ جِبْرِيلَ أَتَاهُ فِي صُورَةِ رَجُلٍ حَسَنِ الْهَيْئَةِ لَكِنَّهُ غَيْرُ مَعْرُوفٍ لَدَيْهِمْ وَأَمَّا مَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي فَرْوَةَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ وَإِنَّهُ لَجِبْرِيلُ نَزَلَ فِي صُورَةِ دِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ فَإِنَّ قَوْلَهُ نَزَلَ فِي صُورَةِ دِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ وَهْمٌ لِأَنَّ دِحْيَةَ مَعْرُوفٌ عِنْدَهُمْ وَقَدْ قَالَ عُمَرُ مَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ لَهُ مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي أَخْرَجَهُ مِنْهُ النَّسَائِيُّ فَقَالَ فِي آخِرِهِ فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ جَاءَ لِيُعَلِّمَكُمْ دِينَكُمْ حَسْبُ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ هِيَ الْمَحْفُوظَةُ لِمُوَافَقَتِهَا بَاقِي الرِّوَايَات الثَّانِي قَالَ بن الْمُنِيرِ فِي قَوْلِهِ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ السُّؤَالَ الْحَسَنَ يُسَمَّى عِلْمًا وَتَعْلِيمًا لِأَنَّ جِبْرِيلَ لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ سِوَى السُّؤَالِ وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ سَمَّاهُ مُعَلِّمًا وَقَدِ اشْتَهَرَ قَوْلُهُمْ حُسْنُ السُّؤَالِ نِصْفُ الْعِلْمِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ لِأَنَّ الْفَائِدَةَ فِيهِ انْبَنَتْ عَلَى السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ مَعًا الثَّالِثُ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ يَصْلُحُ أَنْ يُقَالَ لَهُ أُمُّ السُّنَّةِ لِمَا تَضَمَّنَهُ مِنْ جُمَلِ عِلْمِ السُّنَّةِ وَقَالَ الطِّيبِيُّ لِهَذِهِ النُّكْتَةِ اسْتَفْتَحَ بِهِ الْبَغَوِيُّ كِتَابيه المصابيح وَشرح السُّنَّةِ اقْتِدَاءً بِالْقُرْآنِ فِي افْتِتَاحِهِ بِالْفَاتِحَةِ لِأَنَّهَا تَضَمَّنَتْ عُلُومَ الْقُرْآنِ إِجْمَالًا وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ اشْتَمَلَ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى جَمِيعِ وَظَائِفِ الْعِبَادَاتِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ مِنْ عُقُودِ الْإِيمَانِ ابْتِدَاءً وَحَالًا وَمَآلًا وَمِنْ أَعْمَالِ الْجَوَارِحِ وَمِنْ إِخْلَاصِ السَّرَائِرِ وَالتَّحَفُّظِ مِنْ آفَاتِ الْأَعْمَالِ حَتَّى إِنَّ عُلُومَ الشَّرِيعَةِ كُلَّهَا رَاجِعَةٌ إِلَيْهِ وَمُتَشَعِّبَةٌ مِنْهُ قُلْتُ وَلِهَذَا أَشْبَعْتُ الْقَوْلَ فِي الْكَلَامِ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّ الَّذِيَ ذَكَرْتُهُ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا لَكِنَّهُ بِالنِّسْبَةِ لِمَا يَتَضَمَّنُهُ قَلِيلٌ فَلَمْ أُخَالِفْ طَرِيقَ الِاخْتِصَارِ وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ قَوْلُهُ قَال أَبُو عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي الْمُؤَلِّفَ جَعَلَ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنَ الْإِيمَانِ أَيِ الْإِيمَانِ الْكَامِلِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى هَذِهِ الْأُمُور كلهَا ( قَوْله بَاب كَذَا) هُوَ بِلَا تَرْجَمَةٍ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ وَأَبِي الْوَقْتِ وَسَقَطَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍ وَالْأَصِيلِيِّ وَغَيْرِهِمَا وَرَجَّحَ النَّوَوِيُّ الْأَوَّلَ قَالَ لِأَنَّ التَّرْجَمَةَ يَعْنِي سُؤال جِبْرِيل عَن الْإِيمَان لايتعلق بِهَا هَذَا الْحَدِيثُ فَلَا يَصِحْ إِدْخَالُهُ فِيهِ قلت نفى التَّعَلُّق لَا يتم هُنَا عَلَى الْحَالَتَيْنِ لِأَنَّهُ إِنْ ثَبَتَ لَفْظُ بَابٌ بِلَا تَرْجَمَةٍ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْفَصْلِ مِنْ الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ فَلَا بُدَّ لَهُ من تعلق بِهِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ فَتَعَلُّقُهُ بِهِ مُتَعَيِّنٌ لَكِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ فِي التَّرْجَمَةِ جَعَلَ ذَلِكَ كُلَّهُ دِينًا وَوَجْهُ التَّعَلُّقِ أَنَّهُ سَمَّى الدِّينَ إِيمَانًا فِي حَدِيثِ هِرَقْلَ فَيَتِمُّ مُرَادُ الْمُؤَلِّفِ يكون الدِّينِ هُوَ الْإِيمَانَ فَإِنْ قِيلَ لَا حُجَّةَ لَهُفِيهِ لِأَنَّهُ مَنْقُولٌ عَنْ هِرَقْلَ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ مَا قَالَهُ مِنْ قِبَلِ اجْتِهَادِهِ وَإِنَّمَا أَخْبَرَ بِهِ عَنِ اسْتِقْرَائِهِ مِنْ كُتُبِ الْأَنْبِيَاءِ كَمَا قَرَّرْنَاهُ فِيمَا مَضَى وَأَيْضًا فَهِرَقْلُ قَالَهُ بِلِسَانِهِ الرُّومِيِّ وَأَبُو سُفْيَانَ عَبَّرَ عَنْهُ بِلِسَانِهِ الْعَرَبِيِّ وألقاه إِلَى بن عَبَّاس وَهُوَ من عُلَمَاء اللِّسَان فَرَوَاهُ عَنْهُ وَلَمْ يُنْكِرْهُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ صَحِيحٌ لَفْظًا وَمَعْنًى وَقَدِ اقْتَصَرَ الْمُؤَلَّفُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سُفْيَانَ الطَّوِيلِ الَّذِي تَكَلَّمْنَا عَلَيْهِ فِي بَدْءِ الْوَحْيِ عَلَى هَذِهِ الْقِطْعَةِ لِتَعَلُّقِهَا بِغَرَضِهِ هُنَا وَسَاقَهُ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ تَامًّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ الَّذِي أَوْرَدَهُ هُنَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ بَابُ فَضْلِ مَنِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ) كَأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ الْوَرَعَ مِنْ مُكَمِّلَاتِ الْإِيمَانِ فَلِهَذَا أَوْرَدَ حَدِيثَ الْبَابِ فِي أَبْوَابِ الْإِيمَان

    [50] حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا أَبُو حَيَّانَ التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَارِزًا يَوْمًا لِلنَّاسِ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: مَا الإِيمَانُ؟ قَالَ: «الإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ، وَمَلاَئِكَتِهِ، وَبِلِقَائِهِ، وَرُسُلِهِ، وَتُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ. قَالَ مَا الإِسْلاَمُ؟ قَالَ: «الإِسْلاَمُ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكَ بِهِ، وَتُقِيمَ الصَّلاَةَ، وَتُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ». قَالَ: مَا الإِحْسَانُ؟ قَالَ: «أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ. قَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: «مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ. وَسَأُخْبِرُكَ عَنْ أَشْرَاطِهَا: إِذَا وَلَدَتِ الأَمَةُ رَبَّهَا؛ وَإِذَا تَطَاوَلَ رُعَاةُ الإِبِلِ الْبُهْمُ فِي الْبُنْيَانِ، فِي خَمْسٍ لاَ يَعْلَمُهُنَّ إِلاَّ اللَّهُ. ثُمَّ تَلاَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: {{إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ}} الآيَةَ. ثُمَّ أَدْبَرَ. فَقَالَ رُدُّوهُ. فَلَمْ يَرَوْا شَيْئًا. فَقَالَ: «هَذَا جِبْرِيلُ جَاءَ يُعَلِّمُ النَّاسَ دِينَهُمْ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: جَعَلَ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنَ الإِيمَانِ». [الحديث طرفه في: 4777]. وبالسند إلى المؤلف قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (قال: حدّثنا إسماعيل بن إبراهيم) بن سهم وأمه علية بضم العين المهملة وفتح اللام وتشديد المثناة التحتية (قال أخبرنا أبو حيان) بفتح الحاء المهملة وتشديد المثناة التحتية يحيى بن سعيد بن حيان (التيمي) نسبة إلى تيم الرباب الكوفي (عن أبي زرعة) هرم بن عمرو بن جرير البجلي (عن أبي هريرة) رضي الله عنه أنه (قال): (كان النبي) وفي رواية رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بارزًا) أي ظاهرًا (يومًا للناس) غير محتجب عنهم ويومًا نصب على الظرفية (فأتاه رجل) أي ملك في صورة رجل وهو رواية الأربعة، وفي رواية في أصل متن فرع اليونينية كهي جبريل (فقال) بعد أن سلم يا محمد كما في مسلم، وإنما ناداه باسمه كما يناديه الأعراب تعمية بحاله أو لأن له دالة المعلم (ما الإيمان) أي ما متعلقاته وقد وقع السؤال بما ولا يسأل بها إلا عن الماهية (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (الإيمان أن تؤمن بالله) أي تصدق بوجوده وبصفاته الواجبة له تعالى، لكن الظاهر أنه عليه الصلاة والسلام علم أنه سألهعن متعلقات الإيمان لا عن حقيقته، وإلاّ فكان الجواب الإيمان التصديق، وإنما فسر الإيمان بذلك لأن المراد من المحدود الإيمان الشرعي ومن الحد اللغوي حتى لا يلزم الشيء بنفسه وحمله الآبي على الحقيقة معللًّا بأن السؤال بما يحسب الخصوصية إنما يكون عن الحقيقة لا عن الحكم، وعلى هذا قوله: أن تؤمن الخ من حيث أنه جواب السؤال المذكور يتعين أن يكون حدًا لأن المقول في جوابه إنما هو الحد. فإن قلت: لو كان حدًّا لم يقل جبريل عليه السلام في جوابه صدقت كما في مسلم لأن الحد لا يقبل التصديق، أجيب: بأنه إذا قيل في الإنسان إنه حيوان ناطق وقصد به التعريف فلا يقبل التصديق كما ذكرت، وإن قصد به أنه الذات المحكوم عليها بالحيوانية والناطقية فهو دعوى وخبر فيقبل التصديق، فلعل جبريل عليه الصلاة والسلام راعى هذا المعنى، فلذلك قال: صدقت أو يكون قوله صدقت تسليمًا، والحد يقبل التسليم ولا يقبل المنع لأن المنع طلب الدليل، والدليل إنما يتوجه للخبر والحد تفسير لا خبر وأعاد لفظ الإيمان للاعتناء بشأنه وتفخيمًا لأمره. (وملائكته) جمع ملك وأصله ملاك مفعل من الألوكة بمعنى الرسالة زيدت فيه التاء لتأكيد معنى الجمع أو لتأنيث الجمع وهم أجساد علوية نورانية مشكلة بما شاءت من الأشكال والإيمان بهم هو التصديق بوجودهم، وأنهم كما وصفهم الله تعالى: عباد مكرمون أي وأن تؤمن بملائكته (و) أن تؤمن (بلقائه) أي برؤيته تعالى في الآخرة كما قال الخطابي، وتعقبه النووي بأن أحدًا لا يقطع لنفسه بها إذ هي مختصّة بمن مات مؤمنًا والمرء لا يدري بِمَ يختم له. وأجيب: بأن المراد أنها حق في نفس الأمر أو المراد الانتقال من دار الدنيا. (و) أن تؤمن (برسله) عليهم الصلاة والسلام، وفي رواية غير الأصيلي ورسله بإسقاط الموحدة أي التصديق بأنهم صادقون فيما أخبروا به عن الله تعالى وتأخيرهم في الذكر لتأخر إيجادهم لا لأفضلية الملائكة، وفي هامش فرع اليونينية كهي زيادة، وكتبه للأصيلي بإسقاط الموحدة أي تصدق بأنها كلام الله وأن ما اشتملت عليه حق (و) أن (تؤمن) أي تصدق (بالبعث) من القبور وما بعده كالصراط والميزان والجنة والنار أو المراد بعثة الأنبياء، وقد قيل، إن قوله وبلقائه مكرر لأنها داخلة في الإيمان بالبعث وتغاير تفسيرهما يحقق أنها ليست مكررة، وإنما أعاد تؤمن لأنه إيمان بما سيوجد وما سبق إيمان بالموجود في الحال فهما نوعان. ثم (قال) أي جبريل يا رسول الله (ما الإسلام؟ قال) عليه الصلاة والسلام: (الإسلام أن تعبد الله) أي تطيعه مع خضوع تذلل أو تنطق بالشهادتين (ولا تشرك به) بالفتح، وفي نسخة كريمة: ولا تشرك بالضم، زاد الأصيلي شيئاً (و) أن (تقيم) أي تديم (الصلاة) المكتوبة كما صرح به في مسلم، أو تأتي بها على ما ينبغي، وهو وتاليه من عطف الخاص على العام. (و) أن (تؤدي الزكاة المفروضة) قيد بها احترازًا من صدقة التطوّع فإنها زكاة لغوية أو من المعجلة أو لأن العرب كانت تدفع المال للسخاء والجود، فنبّه بالفرض على رفض ما كانوا عليه. قال الزركشي: والظاهر أنها للتأكيد، وفي رواية مسلم تقيم الصلاة المكتوبة وتؤتي الزكاة المفروضة، (وتصوم رمضان) ولم يذكر الحج إما ذهولاً أو نسيانًا من الراوي، ويدل له مجيئه في رواية كهمس، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً، وقيل: لأنه لم يكن فرض ودفع بأن في رواية ابن منده بسند على شرط مسلم: إن الرجل جاء في آخر عمره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولمن يذكر الصوم في رواية عطاء الخراساني، واقتصر في حديث أبي عامر على الصلاة والزكاة ولم يزد في حديث ابن عباس على الشهادتين، وزاد سليمان التيمي بعد ذكر الجميع الحج والاعتمار والاغتسال من الجنابة وإتمام الوضوء، وقد وقع هنا التفريق بين الإيمان والإسلام، فجعل الإيمان عمل القلب، والإسلام عمل الجوارح. فالإيمان لغة التصديق مطلقًا، وفي الشرع التصديق والنطق معًا فأحدهما ليس بإيمان، أما التصديق فإنه لا ينجي وحده من النار، وأما النطق فهو وحده نفاق، فتفسيره في الحديث الإيمان بالتصديقوالإسلام بالعمل إنما فسر به إيمان القلب والإسلام في الظاهر لا الإيمان الشرعي والإسلام الشرعى، والمؤلف يرى أنهما والدين عبارات عن واحد، والمتضح أن محل الخلاف إذا أفرد لفظ أحدهما فإن اجتمعا تغايرا كما وقع هنا. ثم (قال) جبريل: يا رسول الله (ما الإحسان)؟ مبتدأ وخبر أل للعهد. أي: ما الإحسان المتكرر في القرآن المترتب عليه الثواب؟ (قال) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مجيئًا له: الإحسان (أن تعبد الله) أي عبادتك الله تعالى حال كونك في عبادتك له (كأنك تراه) أي مثل حال كونك رائيًا له (فإن لم تكن تراه) سبحانه وتعالى فاستمر على إحسان العبادة (فإنه) عز وجل (يراك) دائمًا، والإحسان الإخلاص أو إجادة العمل، وهذا من جوامع كلمه عليه الصلاة والسلام إذ هو شامل لمقام المشاهدة ومقام المراقبة، ويتضح لك ذلك بأن تعرف أن للعبد في عبادته ثلاث مقامات. الأول: أن يفعلها على الوجه الذي تسقط معه وظيفة التكليف باستيفاء الشرائط والأركان. الثاني: أن يفعلها كذلك وقد استغرق في بحار المكاشفة حتى كأنه يرى الله تعالى، وهذا مقامه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما قال: "وجعلت قرة عيني في الصلاة" لحصول الاستلذاذ بالطاعة والراحة بالعبادة وانسداد مسالك الالتفات إلى الغير باستيلاء أنوار الكشف عليه، وهو ثمرة امتلاء زوايا القلب من المحبوب واشتغال السرّ به، ونتيجته نسيان الأحوال من المعلوم واضمحلال الرسوم. الثالث: أن يفعلها وقد غلب عليه أن الله تعالى يشاهده وهذا هو مقام المراقبة. فقوله: فإن لم تكن تراه نزول عن مقام المكاشفة إلى مقام المراقبة أي إن لم تعبده وأنت من أهل الرؤية المعنوية فاعبده وأنت بحيث أنه يراك، وكلٍّ من المقامات الثلاث إحسان إلاّ أن الإحسان الذي هو شرط في صحة العبادة إنما هو الأوّل لأن الإحسان بالآخرين من صفة الخواص ويتعذر من كثيرين، وإنما أخر السؤال عن الإحسان لأنه صفة الفعل أو شرط في صحته والصفة بعد الموصوف، وبيان الشرط متأخر عن المشروط قاله أبو عبد الله الآبي. ثم (قال) جبريل (متى) تقوم (الساعة) اللام للعهد والمراد يوم القيامة. (قال: ما) أي ليس (المسؤول) زاد في رواية أبي ذر عنها (بأعلم من السائل) بزيادة الموحدة في أعلم لتأكد معنى النفي، والمراد نفي علم وقتها لأن علم مجيئها مقطوع به فهو علم مشترك، وهذا وإن أشعر بالتساوي في العلم إلا أن المراد التساوي في العلم بأن الله استأثر بعلم وقت مجيئها لقوله بعد خمس لا يعلمهن إلاّ الله، وليس السؤال عنها ليعلم الحاضرون كالأسئلة السابقة بل لينزجروا عن السؤال عنها كما قال تعالى: {{يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَة}} [الأحزاب: 63] فلما وقع الجواب بأنه لا يعلمها إلا الله تعالى كفوًا، وهذا السؤال والجواب وقعا بين عيسى ابن مريم وجبريل عليهما السلام كما في نوادر الحميدي، لكن كان عيسى هو السائل وجبريل هو المسؤول ولفظه: حدّثنا سفيان: حدّثنا مالك بن مغول، عن إسماعيل بن رجاء، عن الشعبي قال: سأل عيسى ابن مريم جبريل عن الساعة قال: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل. (وسأخبرك عن أشراطها) بفتح الهمزة جمع شرط بالتحريك أي علاماتها السابقة عليها أو مقدماتها لا المقارنة لها وهي: (إذا ولدت الأمة) أي وقت ولادة الأمة (ربها) أي مالكها وسيدها وهو هنا كناية عن كثرة أولاد السراري حتى تصير الأم كأنها أمة لابنها من حيث إنها ملك لأبيه، أو أن الإماء تلدن الملوك فتصير الأم من جملة الرعايا والملك سيد رعيته، أو كناية عن فساد الحال لكثرة بيع أمهات الأولاد فيتداولهن الملاك فيشتري الرجل أمه وهو لا يشعر، أو هو كناية عن كثرة العقوق بأن يعامل الولد أمه معاملة السيد أمته في الإهانة بالسب والضرب والاستخدام، فأطلق عليه ربها مجازًا لذلك، وعورض بأنه لا وجه لتخصيص ذلك بولد الأمة إلا أن يقال إنه أقرب إلى العقوق، وعند المؤلف في التفسير ربتها بتاء التأنيث على معنى النسمة ليشمل الذكر والأنثى، وقيل: كراهة أن يقول ربها تعظيمًا للفظ الرب، وعبّر بإذا الدالّة على الجزم لأن الشرط محقق الوقوع، ولم يعبر بإن لأنه لا يصح أن يقال: إن قامت القيامة كان كذا، بل يرتكبقائله محظورًا لأنه يشعر بالشك فيه، (و) من أشراط الساعة: (إذا تطاول رعاة الأبل) بضم الراء (البهم في البنيان) أي وقت تفاخر أهل البادية بإطالة البنيان وتكاثرهم باستلائهم على الأمر، وتملكهم البلاد بالقهر المقتضي لتبسطهم في الدنيا، فهو عبارة عن ارتفاع الأسافل كالعبيد والسفلة من الجمالين وغيرهم وما أحسن قول القائل: إذا التحق الأسافل بالأعالي ... فقد طابت منادمة المنايا وفيه إشارة إلى اتساع دين الإسلام، كما أن الأوّل فيه اتساع الإسلام واستيلاء أهله على بلاد الكفر وسبي ذراريهم. قال البيضاوي: لأن بلوغ الأمر الغاية منذر بالتراجع المؤذن بأن القيامة ستقوم كما قيل: وعند التناهي يقصر المتطاول والبُهم بضم الموحدة جمع الأبهم، وهو الذي لاشية له أو جمع بهيم وهي رواية أبي ذر وغيره، وروي عن الأصيلي الضم والفتح، وكذا ضبطه القابسي بالفتح أيضًا ولا وجه له لأنها صغار الضأن والمعز، وفي الميم الرفع نعتًا للرعاة أي السود أو المجهولون الدين لا يعرفون والجر صفة للإبل أي رعاة الإبل البهم السود، وقد عد في الحديث من الأشراط علامتين والجمع يقتضي ثلاثة، فإما أن يكون على أقل الجمع اثنان، أو أنه اكتفى باثنين لحصول المقصود بهما في علم أشراط الساعة. وعلم وقتها داخل (في) جملة (خمس) من الغيب (لا يعلمهن إلاّ الله. ثم تلا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: {{إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ}} [لقمان: 34] أي علم وقتها، وللأصيلي وينزل (الأية) بالنصب بتقدير اقرأ وبالرفع مبتدأ خبره محذوف أي الآية مقروءة إلى آخر السورة، ولمسلم إلى قوله خبير، وكذا في رواية أبي فروة والسياق يرشد إلى أنه تلا الآية كلها، وسقط في رواية قوله الآية والجار متعلق بمحذوف كما قدّرته فهو على حد قوله تعالى: {{فِي تِسْعِ آيَات}} [النمل: 12] أي اذهب إلى فرعون بهذه الآية في جملة تسع آيات، وتمام الآية السابقة: وينزل الغيث أي في إبانه المقدّر له والمحل المعين له، ويعلم ما في الأرحام أذكرًا أم أُنثى تامًّا أم ناقصًا، وما تدري نفس ماذا تكسب غدًا من خير أو شر، وربما يعزم على شيء ويفعل خلافه، وما تدري نفس بأي أرض تموت أي كما لا تدري في أي وقت تموت. قال القرطبي: لا مطمع لأحد في علم شيء من هذه الأمور الخمسة لهذا الحديث، فمن ادعى علم شيء منها غير مستند إلى الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-كان كاذبًا في دعواه. (ثم أدبر) الرجل السائل (فقال) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ردّوه) فأخذوا ليردوه (فلم يروا شيئًا) لا عينه ولا أثره. قال ابن بزيزة: ولعل قوله ردّوه عليّ إيقاظ للصحابة ليتفطنوا إلى أنه ملك لا بشر. (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (هذا) ولكريمة إذ هذا (جبريل) عليه السلام (جاء بعلم الناس دينهم) أي قواعد دينهم وهي جملة وقعت حالاً مقدرة لأنه لم يكن معلمًا وقت المجيء، وأسند التعليم إليه وإن كان سائلاً لأنه لما كان السبب فيه أسنده إليه أو أنه كان من غرضه، وللإسماعيلي أراد أن تعلموا إذا لم تسألوا. وفي حديث أبي عامر: والذي نفس محمد بيده ما جاءني قطّ إلا وأنا أعرفه إلا أن تكون هذه المرة، وفي رواية سليمان التيمي ما شبه علي منذ أتاني قبل مرتي هذه وما عرفته حتى ولّى. (قال أبو عبد الله) البخاري رحمه الله تعالى: (جعل) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ذلك) المذكور في هذا الحديث (كله من الإيمان) أي الكامل المشتمل على هذه الأمور كلها. وفي هذا الحديث بيان عظم الإخلاص والمراقبة، وفيه أن العالم إذا سئل عمّا لا يعلمه يقول لا أدري ولا ينقص ذلك من جلالته، بل يدل على ورعه وتقواه ووفور علمه. وأنه يسأل العالم ليعلم السامعون، ويحتمل أن في سؤال جبريل النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حضور الصحابة أنه يريد أن يريهم أنه عليه الصلاة والسلام مليء من العلوم وأن علمه مأخوذ من الوحي فتزيد رغبتهم ونشاطهم فيه وهو المعنى بقوله: جاء يعلم الناس دينهم، وأن الملائكة تمثل بأي صورة شاؤوا من صور بني آدم. وأخرجه المؤلف في التفسير وفي الزكاة مختصرًا، ومسلم في الإيمان، وابن ماجة في السُّنَّة بتمامه وفي الفتن ببعضه، وأبو داود في السُّنَّة، والنسائي في الإيمان، وكذا الترمذي وأحمد في مسنده،والبزار بإسناد حسن، وأبو عوانة في صحيحه. وأخرجه مسلم أيضًا عن عمر بن الخطاب ولم يخرجه البخاري لاختلاف فيه على بعض رواته. وبالجملة: فهو حديث جليل حتى قال القرطبي: يصلح أن يقال له أم السُّنَّة لما تضمنه من جمل علمها. وقال عياض: إنه اشتمل على جميع وظائف العبادات الظاهرة والباطنة من عقود الإيمان ابتداءً وحالاً ومآلاً، ومن أعمال الجوارح، ومن إخلاص السرائر والتحفّظ من آفات الأعمال حتى أن علوم الشريعة كلها راجعة إليه ومتشعبة منه اهـ. 38 - باب (باب) بالتنوين مع سقوط الترجمة لأبي الوقت وكريمة وسقط ذلك للأصيلي وأبي ذر وابن عساكر، ورجح النووي الأوّل بأن الحديث التالي لا تعلق له بالترجمة السابقة. وأجيب بأنه يتعلق بها من جهة اشراكهما في جعل الإيمان دينًا، لكن استشكل من جهة الاستدلال بقول هرقل مع كونه غير مؤمن. وأجيب بأن هرقل لم يقله من قبل رأيه إنما رواه عن الكتب السالفة، وفي شرعهم كان الإيمان دينًا وشرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد ناسخ وتداولته الصحابة.

    [50] إنما خرج البخاري هذا الحديث في هذا الباب لذكر التلاحي. والتلاحي: قد فسر بالسباب، وفسر بالاختصام والمماراة من دون سباب. ويؤيد هذا: أنه جاء في رواية في " صحيح مسلم ": " فجاء رجلان يحتقان " (¬1) – أي: يطلب كل واحد منهما حقه من الآخر ويخاصمه في ذلك. فمن فسره بالسباب احتمل عنده إدخال البخاري للحديث في هذا الباب أن السباب تعجل عقوبته حتى يحرم المسلمون بسببه معرفة بعض ما يحتاجون إليه من مصالح دينهم. وإنما رجا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يكون ذلك خيرا؛ لأن إبهام ليلة القدر أدعى إلى قيام العشر كله، أو أوتاره في طلبها، فيكون سببا لشدة الاجتهاد وكثرته. ¬ولكن بيان الليلة ومعرفتهم إياها بعينها له مزية على إبهامها، فرفع ذلك بسبب التلاحي؛ فدل هذا الحديث على أن الذنوب قد تكون سببا لخفاء بعض معرفة ما يحتاج إليه في الدين. وقال ابن سيرين: ما اختلف في الأهل (¬1) حتى قتل عثمان. فكلما أحدث الناس ذنوبا أوجب ذلك خفاء بعض أمور دينهم عليهم، وقد يكون في خفائه رخصة لمن ارتكبه وهو غير عالم بالنهي عنه، إذ لو علمه ثم ارتكبه لاستحق العقوبة. ومن فسر التلاحي بالاختصام قال: مراد البخاري بإدخاله هذا الحديث في هذا الباب: أن التلاحي من غير سباب ليس بفسوق ولا يترتب عليه حكم الفسوق؛ لأنه كان سببا لما هو خير للمسلمين. وهذا هو الذي أشار إليه الإسماعيلي؛ وفيه نظر، والله أعلم. ويحتمل أن يكون مراد البخاري: أن السباب ليس بمخرج عن الإسلام من كونه فسوقا؛ ولهذا قال في الحديث: " فتلاحى رجلان من المسلمين "، فسماههما مسلمين مع تلاحيهما. وفي " مسند البزار " من حديث معاذ عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " إن أول شيء نهاني عنه ربي بعد عبادة الأوثان: شرب الخمر، وملاحاة الرجال " (¬2) . وفي إسناده عمروبن واقد الشامي وهو ضعيف جدا. ¬وإنما حرمت الخمر بعد الهجرة بمدة. ولكن رواه الأوزاعي، عن عروة بن رويم مرسلا. خرجه أبو داود في " مراسيله" (¬1) . ¬فصل (¬1) قال البخاري: ¬37 - باب سؤال جبريل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الإيمان والإسلام والإحسان وعلم الساعة وبيان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له ثم قال: " جاء جبريل (¬1) يعلمكم دينكم "، فجعل ذلك كله دينا، وما بين النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لوفد عبد القيس من الإيمان. وقول الله تعالى {{وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْه}} ُ. تبويب البخاري هاهنا واستدلاله وتقريره يدل عل أنه يرى أن مسمى الإيمان والإسلام واحد؛ فإنه قرر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أجاب جبريل عن سؤاله عن الإسلام والإيمان والإحسان وعلم الساعة، ثم قال: " هذا جبريل جاء يعلمكم دينكم " فجعله كله دينا، والدين هو الإسلام لقوله تعالى {{وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْه}} [آل عمران: 85] وكذلك قوله {{إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسْلاَمُ}} [آل عمران: 19] وأكد ذلك بأن في حديث وفد عبد القيس أنهم سألوا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الإيمان فأجابهم بما أجاب به جبريل عن سؤاله عن الإسلام (¬2) ؛ فدل على أن الإسلام والإيمان واحد. ¬وهذا قول محمد بن نصر المروزي (¬1) (210 - أ / ف) وابن عبد البر وغيرهما. وأما من فرق بين الإسلام والإيمان – وهم أكثر العلماء من السلف ومن بعدهم – حتى قيل: إنه لا يعلم عن السلف في ذلك خلاف فأظهر الأجوبة عما ذكره البخاري: أن الإسلام والإيمان تختلف دلالته بالإفراد والاقتران؛ فإن أفرد أحدهما دخل فيه الآخر وفلذلك فسر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الإيمان المسئول عنه مفردا في حديث وفد عبد القيس بما فسر به الإسلام في حديث جبريل الذي قرن فيه الإسلام بالإيمان. وإن اقترنا كان هذا له معنى وهذا له معنى. وبكل حال: فالأعمال داخلة في مسمى الإيمان، لا يختلفون في ذلك. وممن ذكر هذا التفصيل: الخطابي (¬2) ، وأبو بكر الإسماعيلي، وحكاه الإسماعيلي عن كثير من أهل السنة والجماعة، وحكى أبو بكر ابن السمعاني عن أهل السنة والجماعة التفريق بين الإسلام والإيمان وممن روي عنه التفريق بينهما من السلف: الحسن، وابن سيرين، وقتادة، وداود بن أبي هند، وأبو جعفر محمد بن علي، والزهري، وحماد بن زيد، وشريك، وابن أبي ذئب، وابن مهدي، وأحمد، وأبو خيثمة، ويحيى بن معين، وغيرهم – على اختلاف بينهم في صفة التفريق. ¬وروي التسوية بينهما عن الثوري من وجه فيه نظر. وقد تقدم الكلام على هذه المسألة مستوفى بما فيه كفاية، والله أعلم. ثم خرج البخاري حديث (¬1) : ¬50 - أبي زرعة ‘ عن أبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: كان يوما بارزا (¬1) للناس فأتاه رجل فقال: ما الإيمان؟ قال: الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وبلقائه ورسله وتؤمن بالبعث " قال: ما الإسلام؟ قال: الإسلام أن تعبد الله ولا تشرك به، وتقيم الصلاة وتؤدي الزكاة المفروضة وتصوم رمضان " قال: ما الإحسان؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه؛ فإن لم تكن تراه فإنه يراك " قال: متى الساعة؟ قال: " ما المسئول عنها (¬2) بأعلم من السائل، وسأخبرك عن أشراطها: إذا ولدت الأمة ربها، وإذا تطاول رعاة الإبل البهم في البنيان في خمس لا يعلمهن إلا الله " ثم تلا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {{إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَام}} ِ (¬3) الآية [لقمان: 34] ثم أدبر فقال " ردوه " فلم يروا شيئا فقال ": " هذا جبريل جاء يعلم الناس دينهم. " قال البخاري (¬4) : جعل ذلك كله من الإيمان. فمراده بهذا الكلام: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سمى جميع ما ذكره في هذا ¬السؤال دينا، والدين هو الإسلام، كما أخبر الله بذلك. وقد أجاب وفد عبد القيس عن سؤالهم عن الإيمان بما أجاب به جبريل عن سؤال عن الإسلام؛ فدل علي أن الإيمان هو الإسلام وأنه يدخل في مسماه ما يدخل في مسمى الإسلام. هذا تقرير ما ذكره البخاري هاهنا. وأما المفرقون بين الإسلام والإيمان: فقد تقدم أن المختار عندهم في ذلك: أن الإسلام والإيمان إذا قرن بينهما كان لكل منهما معنى فإذا أفرد أحدهما دخل فيه ما يدخل في الآخر. والتحقيق في التفريق بينهما عند اقترانهما: ما دل عليه هذا الحديث المذكور هاهنا؛ وهو أن الإيمان هو الاعتقادات القائمة بالقلوب، وأصله: الإيمان بالأصول الخمسة التي ذكرها الله في قوله تعالى {{آمَنَ الرَّسُول ُ (210 – ب / ف) بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِير}} [البقرة: 285] ، فذكر الله في هذه الآية الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله والمصير إليه – وهو اليوم الآخر – وهو الذي ذكره النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لجبريل عليه السلام في سؤاله عن الإيمان المقرون بالإسلام وفي بعض ألفاظه زيادة ونقص. وفي رواية البخاري هذه ذكر الإيمان بلقاء الله والإيمان بالبعث.فأما الإيمان بالبعث: فهو الإيمان بأن الله يبعث من في القبور. والإيمان بلقاء الله معناه: الإيمان بوقوف العباد بين يدي الله عز وجل للمحاسبة بأعمالهم والجزاء بها. وخرجه مسلم من حديث عمر بن الخطاب ولفظه: " أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره " (¬1) . وخرجه ابن حبان، وزاد فيه: " وتؤمن بالجنة والنار والميزان " (¬2) . وأما الإسلام المقرون بالإيمان: ففسره بالأعمال الظاهرة من الأقوال والأعمال وهي: الشهادتان، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان. وزاد مسلم في رواية من حديث عمر: " وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا ". وزاد ابن حبان: " وتحج وتعتمر وتغتسل من الجنابة وتتم الوضوء ". وفي رواية البخاري هذه: " أن تعبد الله ولا تشرك به ". والمراد: الإقرار بتوحيده باللسان. وقد يراد به مع ذلك: فعل جميع أنواع العبادات بالجوارح. ¬وأما الإحسان: ففسره بنفوذ (¬1) . البصائر في الملكوت حتى يصير الخبر للبصيرة كالعيان، فهذه أعلى درجات الإيمان ومراتبه. ويتفاوت المؤمنون والمحسنون في تحقيق هذا المقام تفاوتا كثيرا بحسب تفاوتهم في قوة الإيمان والإحسان، وقد أشار النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى ذلك هاهنا بقوله: " أن تعبد الله كأنك تراه؛ فإن لم تكن تراه فإنه يراك ". قيل: المراد: أن نهاية مقام الإحسان: أن يعبد المؤمن ربه كأنه يراه بقلبه فيكون مستحضرا ببصيرته وفكرته لهذا المقام فإن عجز عنه وشق عليه انتقل إلى مقام آخر وهو أن يعبد الله على أن الله يراه ويطلع على سره وعلانيته ولا يخفى عليه شيء من أمره. وقد وصى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طائفة من أصحابه أن يعبدوا الله كأنهم يرونه، منهم: ابن عمر، وأبو ذر، ووصى معاذا أن يستحيي من الله كما يستحيي من رجل ذي هيبة من أهله (¬2) . قال بعض السلف: من عمل لله على المشاهدة فهو عارف، ومن عمل على مشاهدة الله إياه فهو مخلص. فهذان مقامان: أحدهما: مقام المراقبة، وهو أن يستحضر العبد قرب الله منه واطلاعه عليه فيتخايل أنه لا يزال بين يدي الله فيراقبه في حركاته وسكناته وسره وعلانيته، فهذا مقام المراقبين المخلصين، وهو أدنى مقام الإحسان. ¬والثاني: أن يشهد العبد بقلبه ذلك شهادة فيصير كأنه يرى الله ويشاهده، وهذا نهاية مقام الإحسان، وهو مقام العارفين. وحديث حارثه هو من هذا المعنى؛ فإنه قال: كأني أنظر إلى عرش ربي بارزا، وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها وإلى أهل النار يتعاوون فيها، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عرفت فالزم: عبد نور الله الإيمان في قلبه ". وهو حديث مرسل، وقد روي مسندا (211 - أ / ف) بإسناد ضعيف (¬1) . وكذلك قول ابن عمر لعروة لما خطب إليه ابنته في الطواف فلم يرد عليه ثم لقيه فاعتذر إليه وقال: كنا في الطواف تتخايل الله بين أعيننا. ومنه الأثر الذي ذكره الفضيل بن عياض: يقول الله: ما أنا مطلع على ¬أحبائي إذا جهنم الليل جعلت أبصارهم في قلوبهم، ومثلت نفسي بين أعينهم فخاطبوني على المشاهدة وكلموني على حضوري. وبهذا فسر المثل الأعلى المذكور في قوله تعالى {{وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْض}} [الروم: 27] ومثله قوله تعالى {{الله نور السموات والأرض مثل نوره كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ توقَدُ (¬1) مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم}} [النور: 35] ، قال ابن كعب وغيره من السلف: مثل نوره في قلب المؤمن. ٌفمن وصل إلى هذا المقام فقد وصل إلى نهاية الإحسان وصار الإيمان لقلبه بمنزلة العيان فعرف ربه وأنس به في خلوته وتنعم بذكره ومناجاته ودعائه حتى ربما استوحش من خلقه، كما قال بعضهم: عجبت للخليقة كيف أنست بسواك؟! بل عجبت للخليقة كيف استنارت قلوبها بذكر سواك. وقيل لآخر: أما تستوحش؟! قال: كيف استوحش وهو يقول: أنا جليس من ذكرني (¬2) ؟ ¬وقيل لآخر: أما تستوحش وحدك؟ قال: ويستوحش مع الله أحد؟ ! وكان حبيب أبو محمد يخلو في بيته ويقول: من لم تقر عينه بك فلا قرت عينه، ومن لم يأنس بك فلا أنس. وقال الفضيل: طوبى لمن استوحش من الناس وكان الله جليسه (¬1) . وقال معروف لرجل: توكل على الله حتى يكون جليسك وأنيسك وموضع شكواك (¬2) . وقال ذو النون: علامة المحبين لله: أن لا يأنسوا بسواه ولا يستوحشوا معه، ثم قال: إذا سكن القلب حب الله أنس بالله؛ لأن الله أجل في صدور العارفين أن يحبوا غيره. وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " اعبد الله كأنك تراه " إشارة إلى أن العابد يتخيل ذلك في عبادته، لا أنه يراه حقيقة لا ببصره ولا بقلبه. وأما من زعم أن القلوب تصل في الدنيا إلى رؤية الله عيانا كما تراه الأبصار في الآخرة – كما يزعم ذلك من يزعمه من الصوفية – فهو زعم باطل؛ فإن هذا المقام هو الذي قال من قال من الصحابة كأبي ذر وابن عباس وغيرهما، وروي عن عائشة – أيضا – أنه حصل للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرتين. وروي في ذلك أحاديث مرفوعة – أيضا. وكذا قال جماعة من التابعين: إنه يراه بقلبه، منهم الحسن، وأبو العالية، ومجاهد ووعبد الله بن الحارث بن نوفل، وإبراهيم التيمي وغيرهم. ¬فلو كان هؤلاء لا يعتقدون أن رؤية القلب مشتركة بين الأنبياء وغيرهم لم يكن في تخصيص النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذلك مزية له لا سيما وإنما قالوا: إنها حصلت له مرتين؛ فإن هؤلاء الصوفية يزعمون أن رؤية القلب تصير حالا ومقاما دائما أو غالبا لهم، ومن هنا ينشأ تفضيل الأولياء على الأنبياء، ويتفرع على ذلك أنواع من الضلالات والمحالات والجهالات، والله يهدي من يشاء إلى سراط مستقيم. فهذه المقامات الثلاث " الإسلام والإيمان والإحسان يشملها اسم الدين، فمن استقام على الإسلام إلى موته عصمه الإسلام من الخلود في النار وإن دخلها بذنوبه، ومن استقام (211 – ب / ف) على الإحسان إلى الموت وصل على الله عز وجل، وقال تعالى {{لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وزيادة}} [يونس: 26] وقد فسر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزيادة بالنظر إلى وجه الله. خرجه مسلم من حديث صهيب (¬1) . وأما قول جبريل: " أخبرني عن الساعة " فقال: " ما المسئول عنها بأعلم من السائل " فمعناه: إن الناس كلهم في وقت الساعة سواء، وكلهم غير عالمين به على الحقيقة؛ ولهذا قال: " في خمس لا يعلمهن إلا الله " ثم تلا {{إن الله عنده علم الساعة}} [لقمان: 34] وهذه مفاتيح الغيب الذي لا يعلمها إلا الله. وقد جاء عن ابن مسعود أن نبينا أوتي علم كل شيء سوى هذه ¬الخمس (¬1) . وروي ذلك مرفوعا من حديث ابن عمر (¬2) . وكلاهما في " مسند الإمام أحمد ". وذكر عند عمرو بن العاص العلم بوقت الكسوف قبل ظهوره فأنكره بعض من حضره فقال عمرو:: إنما الغيب خمس، ثم تلا هذه الآية قال: وما سوى ذلك يعلمه قوم ويجهله قوم. خرجه حميد بن زنجوية. وقد زعم بعضهم – كالقرطبي (¬3) – أن هذه الخمس لا سبيل لمخلوق على علم بها قاطع، وأما الظن بشيء منها بأمارة قد يخطيء ويصيب فليس ذلك بممتنع ولا نفيه مراد من هذه النصوص. وقوله: " وسأخبرك عن أشراطها " لما كان العلم بوقت الساعة المسئول عنه غير ممكن انتقل منه إلى ذكر أشراطها وهي علامتها الدالة على اقترانها، وهذا كما سأله الأعرابي: متى الساعة؟ فقال: " ما أعددت لها؟ " فأعرض عن الجواب عن الساعة إلى ذكر الاستعداد لها؛ لأنه هو المأمور به وهو الذي يعني السائل وغيره وينبغي الاهتمام به. وأما جبريل: فالظاهر – والله أعلم – أنه أراد بسؤاله عن الساعة إظهار انفراد الله بعلمها دون خلقه حتى ينقطع السؤال عنها، فقد كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كثيرا يسأل عنها حتى نزلت {{يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا ¬فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَا}} [النازعات: 42 - 44] ونزلت {{يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ}} [الأعراف: 187] . وفي رواية عمر بن الخطاب لهذا الحديث: إن جبريل قال للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أخبرني عن أمارتها "، وقد ذكر لها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذا الحديث علامتين: إحداهما: أن تلد الأمة ربها، والمقصود بالرب: السيد. واختلف في معنى ذلك، فقيل: المراد أن يكثر فتوح البلاد الكفر والسبي فيكثر السراري فتلد الإماء الأولاد من سادتهن، وولد السيد بمنزلة السيد فتصير الأمة ولدت ربها بهذا الاعتبار. ومن هؤلاء من قال: أريد أن الملوك يتخذون السراري فتلد الإماء الملوك وهم كالأرباب للناس. ومنهم من قال: إن العجم تلد العرب، والعرب كالأرباب للعجم قاله وكيع بن الجراح. وعلى هذا القول قد استدل بالحديث من يرى بيع أمهات الأولاد ومن يمنعه. أما من يرى بيعهن: فاستدل بقوله: " تلد الأمة ربها " على أن ولد أم الولد رب لها فيدل على أن أمه رقيقة تنتقل إلى ملكه بوفاة أبيه فيرثها فتعتق عليه فيكون حينئذ ربها حقيقة وتكون قبل انتقالها إلى ولدها رقيقة حكمها كأحكام الفيء (¬1) من البيع وغيره، ولولا ذلك لم تورث. ¬ومن منع بيعهن: قال: قد جعل ولد الأمة ربها، وهذا يدل على أنه ربها (212 - أ / ف) بكل حال سواء مات الأب أو كان حيا، فيدل على أن عتقها مضاف إلى الولد فكان الولد هو الذي أعتق أمه حيث كان هو سبب عتقها، كما روي أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال في مارية لما ولدت إبراهيم " أعتقها ولدها " (¬1) وممن استدل بهذا على منع بيعهن: الإمام أحمد. وقيل: المراد بقوله " تلد الأمة ربها " كثرة الفتوح في بلاد الكفار، وجلب الرقيق حتى تجلب المرأة من بلد الكفر صغيرة فتعتق في بلد الإسلام، ثم تجلب أمها بعدها فتشتريها البنت وتستخدمها جاهلة بكونها أمها، وقد وقع ذلك في الإسلام. وهذا القول مثل الذي قبله في أن أشراط الساعة كثرة الفتوح وجلب الرقيق من بلاد الكفر. وقيل: المراد بقوله" أن تلد الأمة ربها " أن يكثر العقوق من الأولاد حتى يعامل الولد أمه معاملة أمته بالسب والإهانة، ويشهد لهذا: أنه جاء ¬في رواية " أن تلد المرأة ربها " فلم يخص بالأمة. وقيل: المراد بقوله " أن تلد الأمة ربها " أن يكثر الجهل ويقل العلم حتى تباع أمهات الأولاد ولهن أولاد فربما تداولها أيدي الملاك وتطاولت المدد حتى يشتريها بعض أولادها ويستخدمها جاهلا بأنها أمه، وفي هذا القول نظر وبعد. وعلى هذا القول والذي قبله: فالذي من أشراط الساعة هو كثرة الجهل وقلة العلم وفساد الأعمال بظهور العقوق والاستهانة بببيع ما لا يجوز بيعه. وقيل: بل أراد بولادة الأمة ربها أنه يكثر عدول الناس عند النكاح إلى التسري فقط، والله أعلم. والعلامة الثانية: أن يتطاول رعاة الإبل البهم في البنيان. والبهم هما بضم الباء، وهو جمع بهيم، ثم قيل: إن المراد به المجهول الذي لا يعرف. قاله الخطابي (¬1) . فعلى هذا تكون الرواية " البهم " – بضم الميم – صفة الرعاة. وقيل: بل المراد به: الذي لاشيء لهم، كما قال: " يحشر الناس يوم القيامة حفاة بهما ". وقيل: إن " البهم " – بكسر الميم – صفة للإبل، وأن الإبل هي السود وتطاولهم في البنيان: هو بمصيرهم مملوكا ذا ثروة وأموال. ¬وفي رواية أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سئل عنهم فقال: " هم العريب " (¬1) . وهذا وقع في زمن بني أمية حيث كانوا يستعملون الأعراب الحفاة على الناس ويستعينون بهم على أعمالهم، ثم لما انتقل الملك عن العرب إلى غيرهم انتقل إلى من كان ببلاده كذلك. وفي هذا إشاره إلى أن من أشراط الساعة فساد ولاة الأمور بجهلهم وجفائهم، ويشهد لهذا: الحديث الآخر: " إذا وكل الأمر على غير أهله فانتظر الساعة " (¬2) . والتطاول في البنيان من أشراط الساعة – أيضا. وقد خرج البخاري (¬3) . ومسلم من رواية أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا تقوم الساعة حتى يتطاول الناس في البنيان "، وقد كان بناء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للمساجد والبيوت قصيرا. وقد روي عن الحسن قال: لما بنى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المسجد قال: " ابنوه عريشا كعريش موسى " قيل للحسين: وما عريش موسى؟ قال: إذا رفع يده بلغ العريش – يعني السقف (¬4) . وعن الحسن قال: كنت أدخل بيوت أزواج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في خلافة عثمان ¬فأتناول سقفها بيدي. وروي عن (212 - ب / ف) عن عمر أنه كتب إلى أهل البصرة ينهاهم أن لا يرفع أحد بناءه فوق سبع أذرع (¬1) . قال عمار بن أبي عمار: إذا رفع الرجل بناءه فوق سبع أذرع ناداه مناد: يا أفسق الفاسقين! إلى أين؟ ! وخرج الطبراني من حديث أنس مرفوعا: " كل بناء - وأشار بيده هكذا على رأسه - أكثر من هذا فهو وبال (¬2) . وفي " سنن أبي داود " عنه أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى قبة مشرفة فقال: " ما هذه؟ " فقالوا " لفلان، فجاء صاحبها فسلم على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأعرض عنه فعل ذلك مرارا حتى هدمها الرجل (¬3) . وفي " سنن ابن ماجه " عن ابن عباس مرفوعا: " أراكم ستشرفون مساجدكم بعدي كما شرفت اليهود كنائسها والنصارى بيعها (¬4) . فهذا الحديث قد اشتمل على أصول الدين ومهماته وقواعده ويدخل فيه الإعتقادات والأعمال الظاهرة والباطنة، فجميع علوم الشريعة ترجع إليه من أصول الإيمان والإعتقادات ومن شرائع الإسلام العملية بالقلوب ¬والجوارح ومن علوم الإحسان ونفوذ البصائر في الملكوت. وقد قيل: إنه يصلح أن يسمى " أم السنة " لرجوعها كلها إليه كما تسمى الفاتحة " أم الكتاب " و" أم القرآن " لمرجعه إليها (¬1) . ثم خرج البخاري بعد هذا: حديث (¬2) : ¬

    شروح صوتية للحديث

    حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا أَبُو حَيَّانَ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ كَانَ النَّبِيُّ ﷺ بَارِزًا يَوْمًا لِلنَّاسِ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ مَا الإِيمَانُ قَالَ ‏"‏ الإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَبِلِقَائِهِ وَرُسُلِهِ، وَتُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ ‏"‏‏.‏ قَالَ مَا الإِسْلاَمُ قَالَ ‏"‏ الإِسْلاَمُ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكَ بِهِ، وَتُقِيمَ الصَّلاَةَ، وَتُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ ‏"‏‏.‏ قَالَ مَا الإِحْسَانُ قَالَ ‏"‏ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ ‏"‏‏.‏ قَالَ مَتَى السَّاعَةُ قَالَ ‏"‏ مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ، وَسَأُخْبِرُكَ عَنْ أَشْرَاطِهَا إِذَا وَلَدَتِ الأَمَةُ رَبَّهَا، وَإِذَا تَطَاوَلَ رُعَاةُ الإِبِلِ الْبُهْمُ فِي الْبُنْيَانِ، فِي خَمْسٍ لاَ يَعْلَمُهُنَّ إِلاَّ اللَّهُ ‏"‏‏.‏ ثُمَّ تَلاَ النَّبِيُّ ﷺ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ‏}‏ الآيَةَ‏.‏ ثُمَّ أَدْبَرَ فَقَالَ ‏"‏ رُدُّوهُ ‏"‏‏.‏ فَلَمْ يَرَوْا شَيْئًا‏.‏ فَقَالَ ‏"‏ هَذَا جِبْرِيلُ جَاءَ يُعَلِّمُ النَّاسَ دِينَهُمْ ‏"‏‏.‏ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ جَعَلَ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنَ الإِيمَانِ‏.‏

    Narrated Abu Huraira: One day while the Prophet (ﷺ) was sitting in the company of some people, (The angel) Gabriel came and asked, "What is faith?" Allah's Messenger (ﷺ) replied, 'Faith is to believe in Allah, His angels, (the) meeting with Him, His Apostles, and to believe in Resurrection." Then he further asked, "What is Islam?" Allah's Messenger (ﷺ) replied, "To worship Allah Alone and none else, to offer prayers perfectly to pay the compulsory charity (Zakat) and to observe fasts during the month of Ramadan." Then he further asked, "What is Ihsan (perfection)?" Allah's Messenger (ﷺ) replied, "To worship Allah as if you see Him, and if you cannot achieve this state of devotion then you must consider that He is looking at you." Then he further asked, "When will the Hour be established?" Allah's Messenger (ﷺ) replied, "The answerer has no better knowledge than the questioner. But I will inform you about its portents. 1. When a slave (lady) gives birth to her master. 2. When the shepherds of black camels start boasting and competing with others in the construction of higher buildings. And the Hour is one of five things which nobody knows except Allah. The Prophet (ﷺ) then recited: "Verily, with Allah (Alone) is the knowledge of the Hour--." (31. 34) Then that man (Gabriel) left and the Prophet (ﷺ) asked his companions to call him back, but they could not see him. Then the Prophet (ﷺ) said, "That was Gabriel who came to teach the people their religion." Abu 'Abdullah said: He (the Prophet) considered all that as a part of faith

    Telah menceritakan kepada kami [Musaddad] berkata, Telah menceritakan kepada kami [Isma'il bin Ibrahim] telah mengabarkan kepada kami [Abu Hayyan At Taimi] dari [Abu Zur'ah] dari [Abu Hurairah] berkata; bahwa Nabi shallallahu 'alaihi wasallam pada suatu hari muncul kepada para sahabat, lalu datang Malaikat Jibril 'Alaihis Salam yang kemudian bertanya: "Apakah iman itu?" Nabi shallallahu 'alaihi wasallam menjawab: "Iman adalah kamu beriman kepada Allah, malaikat-malaikat-Nya, kitab-kitab-Nya, pertemuan dengan-Nya, Rasul-Rasul-Nya, dan kamu beriman kepada hari berbangkit". (Jibril 'Alaihis salam) berkata: "Apakah Islam itu?" Jawab Nabi shallallahu 'alaihi wasallam: "Islam adalah kamu menyembah Allah dan tidak menyekutukannya dengan suatu apapun, kamu dirikan shalat, kamu tunaikan zakat yang diwajibkan, dan berpuasa di bulan Ramadlan". (Jibril 'Alaihis salam) berkata: "Apakah ihsan itu?" Nabi shallallahu 'alaihi wasallam menjawab: "Kamu menyembah Allah seolah-olah melihat-Nya dan bila kamu tidak melihat-Nya sesungguhnya Dia melihatmu". (Jibril 'Alaihis salam) berkata lagi: "Kapan terjadinya hari kiamat?" Nabi shallallahu 'alaihi wasallam menjawab: "Yang ditanya tentang itu tidak lebih tahu dari yang bertanya. Tapi aku akan terangkan tanda-tandanya; (yaitu); jika seorang budak telah melahirkan tuannya, jika para penggembala unta yang berkulit hitam berlomba-lomba membangun gedung-gedung selama lima masa, yang tidak diketahui lamanya kecuali oleh Allah". Kemudian Nabi shallallahu 'alaihi wasallam membaca: "Sesungguhnya hanya pada Allah pengetahuan tentang hari kiamat" (QS. Luqman: 34). Setelah itu Jibril 'Alaihis salam pergi, kemudian Nabi shallallahu 'alaihi wasallam berkata; "hadapkan dia ke sini." Tetapi para sahabat tidak melihat sesuatupun, maka Nabi bersabda; "Dia adalah Malaikat Jibril datang kepada manusia untuk mengajarkan agama mereka." Abu Abdullah berkata: "Semua hal yang diterangkan Beliau shallallahu 'alaihi wasallam dijadikan sebagai iman

    Ebu Hureyre Radiyallahu anh şöyle demiştir: Bir gün Resulullâh sallallahu aleyhi ve sellem açıkta oturuyordu. (yanına) biri gelip: "İman nedir?" diye sordu. "iman; Allâha, Meleklerine, Allâh`a kavuşmaya, Nebilerine inanmak, kezâlik (öldükten sonra) dirilmeğe inanmaktır." cevâbını verdi. "Ya İslâm nedir?" dedi. "İslâm; Allâh`a ibâdet edip (hiçbir şeyi) O`na şerîk ittihâz etmemek, namazı ikâme ve farz edilmiş zekâtı edâ etmek, Ramazanda da oruç tutmaktır." buyurdu. (Ondan sonra) "Ya ihsân nedir?" diye sordu. "Allâh`a sanki görüyormuş gibi ibâdet etmendir. Eğer sen, Allâh`ı görmüyorsan şüphesiz O, seni görür." buyurdu. "Kıyâmet ne zaman?" dedi. (Bunun üzerine) buyurdu ki: "Bu mes`elede sorulan, sorandan daha âlim değildir. (Şu kadar var ki Kıyâmet`den evvel zuhur edecek) alâmetlerini sana haber vereyim: Ne zaman (satılmış) câriye, sâhibini (yâni efendisini) doğurur, kim idikleri belirsiz deve çobanları (yüksek) binâ kurmakta birbiriyle yarışa çıkarlarsa (Kıyâmet`den evvelki alâmetler görünmüş olur. Kıyâmet`in vakti) Allâh`dan başka kimsenin bilmediği beş şeyden biridir. " Ondan sonra Nebiyy-i Muhterem salla`llahu aleyhi ve sellem

    ہم سے مسدد نے بیان کیا، انہوں نے کہا کہ ہم سے اسماعیل بن ابراہیم نے بیان کیا، انہوں نے کہا کہ ہم کو ابوحیان تیمی نے ابوزرعہ سے خبر دی، انہوں نے ابوہریرہ رضی اللہ عنہ سے نقل کیا کہ ایک دن نبی کریم صلی اللہ علیہ وسلم لوگوں میں تشریف فرما تھے کہ آپ کے پاس ایک شخص آیا اور پوچھنے لگا کہ ایمان کسے کہتے ہیں۔ آپ صلی اللہ علیہ وسلم نے فرمایا کہ ایمان یہ ہے کہ تم اللہ پاک کے وجود اور اس کی وحدانیت پر ایمان لاؤ اور اس کے فرشتوں کے وجود پر اور اس ( اللہ ) کی ملاقات کے برحق ہونے پر اور اس کے رسولوں کے برحق ہونے پر اور مرنے کے بعد دوبارہ اٹھنے پر ایمان لاؤ۔ پھر اس نے پوچھا کہ اسلام کیا ہے؟ آپ صلی اللہ علیہ وسلم نے پھر جواب دیا کہ اسلام یہ ہے کہ تم خالص اللہ کی عبادت کرو اور اس کے ساتھ کسی کو شریک نہ بناؤ اور نماز قائم کرو۔ اور زکوٰۃ فرض ادا کرو۔ اور رمضان کے روزے رکھو۔ پھر اس نے احسان کے متعلق پوچھا۔ آپ صلی اللہ علیہ وسلم نے فرمایا احسان یہ کہ تم اللہ کی عبادت اس طرح کرو گویا تم اسے دیکھ رہے ہو اگر یہ درجہ نہ حاصل ہو تو پھر یہ تو سمجھو کہ وہ تم کو دیکھ رہا ہے۔ پھر اس نے پوچھا کہ قیامت کب آئے گی۔ آپ صلی اللہ علیہ وسلم نے فرمایا کہ اس کے بارے میں جواب دینے والا پوچھنے والے سے کچھ زیادہ نہیں جانتا ( البتہ ) میں تمہیں اس کی نشانیاں بتلا سکتا ہوں۔ وہ یہ ہیں کہ جب لونڈی اپنے آقا کو جنے گی اور جب سیاہ اونٹوں کے چرانے والے ( دیہاتی لوگ ترقی کرتے کرتے ) مکانات کی تعمیر میں ایک دوسرے سے بازی لے جانے کی کوشش کریں گے ( یاد رکھو ) قیامت کا علم ان پانچ چیزوں میں ہے جن کو اللہ کے سوا کوئی نہیں جانتا۔ پھر آپ نے یہ آیت پڑھی کہ اللہ ہی کو قیامت کا علم ہے کہ وہ کب ہو گی ( آخر آیت تک ) پھر وہ پوچھنے والا پیٹھ پھیر کر جانے لگا۔ آپ صلی اللہ علیہ وسلم نے فرمایا کہ اسے واپس بلا کر لاؤ۔ لوگ دوڑ پڑے مگر وہ کہیں نظر نہیں آیا۔ آپ صلی اللہ علیہ وسلم نے فرمایا کہ وہ جبرائیل تھے جو لوگوں کو ان کا دین سکھانے آئے تھے۔ ابوعبداللہ ( امام بخاری رحمہ اللہ ) فرماتے ہیں کہ نبی کریم صلی اللہ علیہ وسلم نے ان تمام باتوں کو ایمان ہی قرار دیا ہے۔

    (وَبَيَانِ النَّبِيِّ ﷺ لَهُ ثُمَّ قَالَ جَاءَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَم يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ فَجَعَلَ ذَلِكَ كُلَّهُ دِينًا وَمَا بَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ لِوَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ مِنَ الإِيْمَانِ وَقَوْلِهِ )تَعَالَى وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ( জিবরীল (‘আ.) কর্তৃক আল্লাহর রাসূল সাল্লাল্লাহু আলাইহি ওয়াসাল্লাম -এর নিকট ঈমান, ইসলাম, ইহসান ও কিয়ামতের জ্ঞান সম্পর্কে প্রশ্ন আর তাঁকে দেয়া আল্লাহর রাসূল সাল্লাল্লাহু আলাইহি ওয়াসাল্লাম -এর উত্তর। তারপর তিনি বললেনঃ জিবরীল (‘আ.) তোমাদের দ্বীন শিক্ষা দিতে এসেছিলেন। তিনি এসব বিষয়কে দ্বীন বলে আখ্যায়িত করেছেন। ঈমান সম্পর্কে আবদুল কায়স গোত্রের প্রতিনিধি দলকে আল্লাহর রাসূল সাল্লাল্লাহু আলাইহি ওয়াসাল্লাম যে বিবরণ দিয়েছেন এবং আল্লাহ্ তা‘আলা ইরশাদ করেছেনঃ ‘‘কেউ ইসলাম ব্যতীত অন্য কোন ধর্ম গ্রহণ করতে চাইলে তা কখনো কবূল করা হবে না।’’ (সূরাহ্ আলু ‘ইমরান৩/ ৮৫) ৫০. আবূ হুরাইরাহ (রাযি.) হতে বর্ণিত। তিনি বলেন, একদা আল্লাহর রাসূল সাল্লাল্লাহু আলাইহি ওয়াসাল্লাম জনসমক্ষে উপবিষ্ট ছিলেন, এমন সময় তাঁর নিকট জনৈক ব্যক্তি এসে জিজ্ঞেস করলেন ‘ঈমান কী?’ তিনি বললেনঃ ‘ঈমান হল, আপনি বিশ্বাস রাখবেন আল্লাহর প্রতি, তাঁর মালাকগণের প্রতি, (কিয়ামতের দিন) তাঁর সঙ্গে সাক্ষাতের প্রতি এবং তাঁর রাসূলগণের প্রতি। আপনি আরো বিশ্বাস রাখবেন পুনরুত্থানের প্রতি।’ তিনি জিজ্ঞেস করলেন, ‘ইসলাম কী?’ তিনি বললেনঃ ‘ইসলাম হল, আপনি আল্লাহর ইবাদত করবেন এবং তাঁর সাথে অংশীদার স্থাপন করবেন না, সালাত প্রতিষ্ঠা করবেন, ফরজ যাকাত আদায় করবেন এবং রমাযান-এর সিয়ামব্রত পালন করবেন।’ ঐ ব্যক্তি জিজ্ঞেস করলেন, ‘ইহসান কী?’ তিনি বললেনঃ ‘আপনি এমনভাবে আল্লাহর ‘ইবাদাত করবেন যেন আপনি তাঁকে দেখছেন, আর যদি আপনি তাঁকে দেখতে না পান তবে (মনে করবেন) তিনি আপনাকে দেখছেন।’ ঐ ব্যক্তি জিজ্ঞেস করলেন, ‘কিয়ামত কবে?’ তিনি বললেনঃ ‘এ ব্যাপারে যাকে জিজ্ঞেস করা হচ্ছে, তিনি জিজ্ঞেসকারী অপেক্ষা অধিক জ্ঞাত নন। তবে আমি আপনাকে কিয়ামতের আলামতসমূহ বলে দিচ্ছিঃ বাঁদী যখন তার প্রভুকে প্রসব করবে এবং উটের নগণ্য রাখালেরা যখন বড় বড় অট্টালিকা নির্মাণে প্রতিযোগিতা করবে। (কিয়ামতের জ্ঞান) সেই পাঁচটি জিনিসের অন্তর্ভুক্ত, যা আল্লাহ্ ব্যতীত কেউ জানে না।’ অতঃপর আল্লাহর রাসূল সাল্লাল্লাহু আলাইহি ওয়াসাল্লাম এই আয়াতটি শেষ পর্যন্ত তিলাওয়াত করলেনঃ ‘কিয়ামতের জ্ঞান কেবল আল্লাহরই নিকট......।’ (সূরাহ্ লুক্বমান ৩১/৩৪) এরপর ঐ ব্যক্তি চলে গেলে তিনি বললেনঃ ‘তোমরা তাকে ফিরিয়ে আন।’ তারা কিছুই দেখতে পেল না। তখন তিনি বললেন, ‘ইনি জিবরীল (আ)। লোকদেরকে তাদের দ্বীন শেখাতে এসেছিলেন।’ আবূ ‘আবদুল্লাহ বুখারী (রহ.) বলেন, আল্লাহর রাসূল সাল্লাল্লাহু আলাইহি ওয়াসাল্লাম এসব বিষয়কে ঈমানের অন্তর্ভুক্ত করেছেন। (৪৭৭৭; মুসলিম ১/১ হাঃ ৯) (আধুনিক প্রকাশনীঃ ৪৮, ইসলামিক ফাউন্ডেশনঃ)

    அபூஹுரைரா (ரலி) அவர்கள் கூறியதாவது: நபி (ஸல்) அவர்கள் ஒரு நாள் மக்கள்முன் (வெளிப்படையாக) வந்தி ருந்தார்கள். அப்போது அவர்களிடம் ஒரு மனிதர் வந்து, “ஈமான் என்றால் என்ன?” என்று கேட்டார். அதற்கு நபி (ஸல்) அவர்கள் “ஈமான் என்பது, அல்லாஹ்வை யும் அவனுடைய வானவர்களையும் அவனுடைய வேதங்களையும் அவனது சந்திப்பையும் அவனுடைய தூதர்களையும் நீர் நம்புவதும், (மறுமையில்) உயிர்ப்பித்து எழுப்பப்படுவதை நீர் நம்புவதும் ஆகும்” என்று பதிலளித்தார்கள். அடுத்து அவர், “இஸ்லாம் என்றால் என்ன?” என்று கேட்டார். நபி (ஸல்) அவர்கள், “இஸ்லாம் என்பது அல்லாஹ்வை நீர் வழிபடுவதும், அவனுக்கு (எதனையும் எவரையும்) இணையாக்காமலிருப்பதும், தொழுகையைக் கடைப்பிடிப்பதும், கடமையாக்கப்பட்ட ஸகாத்தை வழங்கி வருவதும், ரமளான் மாதத்தில் நோன்பு நோற்பதும் ஆகும்” என்றார்கள். அடுத்து “இஹ்ஸான் என்றால் என்ன?” என்று அவர் கேட்டார். நபி (ஸல்) அவர்கள் “(இஹ்ஸான் என்பது) அல்லாஹ்வை (நேரில்) காண்பதைப் போன்று நீர் வழிபடுவதாகும். நீர் அவனைப் பார்க்காவிட்டாலும் அவன் உம்மைப் பார்த்துக்கொண்டிருக்கிறான் (என்ற உணர்வுடன் வழிபடுவதாகும்)” என்றார்கள்.39 அடுத்து அவர் “மறுமை (நாள்) எப்போது?” என்று கேட்க, அதற்கு நபி (ஸல்) அவர்கள் “இதைப் பற்றிக் கேள்வி கேட்கப்பட்டவர் (அதாவது நான்), கேள்வி கேட்பவரைவிட (அதாவது உம்மைவிட) அதிகம் அறிந்தவர் அல்லர். (ஆயினும்,) மறுமையின் அடையாளங்கள் சிலவற்றை உமக்கு அறிவிக்கிறேன். (அவை:) ஓர் அடிமைப் பெண் தன் உரிமையாளனைப் பெற்றெடுத்தல்;40 கறுப்பு நிற (மட்டமான) ஒட்டகங்களை மேய்ப்பவர்கள் உயரமான கட்டடங்கள் கட்டித் தமக்குள் பெருமையடித்துக் கொள்ளல். (மறுமை நாள் எப்போது வரவிருக்கிறது எனும் அறிவு) அல்லாஹ்வைத் தவிர வேறெவரும் அறியாத ஐந்து விஷயங்களில் அடங்கும்” என்று கூறிவிட்டு, “உலக முடிவு பற்றிய அறிவு அல்லாஹ்விடம் மட்டுமே இருக்கின்றது...” (31:34) எனும் இறைவசனத்தை ஓதினார்கள். பிறகு அந்த மனிதர் திரும்பிச் சென்றுவிட்டார். அப்போது நபி (ஸல்) அவர்கள், “அவரை (என்னிடம்) திரும்ப அழைத்து வாருங்கள்” என்றார்கள். (அவரைத் தேடிச் சென்றவர்கள்) அவரை எங்கும் காணவில்லை. அப்போது நபி (ஸல்) அவர்கள், “இ(ப்போது வந்துபோன)வர்தான் (வானவர்) ஜிப்ரீல். மக்களுக்கு அவர்களது மார்க்கத்தை (தீன்) கற்றுத்தர வந்திருந்தார்” என்றார்கள். அபூஅப்தில்லாஹ் (புகாரியாகிய நான்) கூறுகின்றேன்: ஜிப்ரீல் (அலை) அவர்களுக்கு தாம் அளித்த பதில்கள் அனைத்தையும் நபி (ஸல்) அவர்கள் இறைநம்பிக்கையின் (‘தீன்’) அம்சங்களாகவே கருதினார்கள். அத்தியாயம் :