عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ ، قَالَ : لَمَّا نَزَلَ أَبُو مُوسَى بِالنَّاسِ عَلَى الْهُرْمُزَانِ وَمَنْ مَعَهُ بِتُسْتَرَ , قَالَ : أَقَامُوا سَنَةً أَوْ نَحْوَهَا لَا يَخْلُصُونَ إِلَيْهِ , قَالَ : وَقَدْ كَانَ الْهُرْمُزَانُ قَتَلَ رَجُلًا مِنْ دَهَاقِنَتَهُمْ وَعُظَمَائِهِمْ , فَانْطَلَقَ أَخُوهُ حَتَّى أَتَى أَبَا مُوسَى ، فَقَالَ : " مَا يُجْعَلُ لِي إِنْ دَلَلْتُكَ عَلَى الْمَدْخَلِ ؟ " قَالَ : سَلْنِي مَا شِئْتَ , قَالَ : " أَسْأَلُكَ أَنْ تَحْقِنَ دَمِي وَدِمَاءَ أَهْلِ بَيْتِي وَتُخْلِي بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَا فِي أَيْدِينَا مِنْ أَمْوَالِنَا وَمَسَاكِنِنَا " , قَالَ : فَذَاكَ لَكَ , قَالَ : ابْغِنِي إِنْسَانًا سَابِحًا ذَا عَقْلٍ وَلُبٍّ يَأْتِيكَ بِأَمْرٍ بَيِّنٍ , قَالَ : فَأَرْسَلَ أَبُو مُوسَى إِلَى مَجْزَأَةَ بْنِ ثَوْرٍ السَّدُوسِيِّ فَقَالَ لَهُ : ابْغِنِي رَجُلًا مِنْ قَوْمِكَ سَابِحًا ذَا عَقْلٍ وَلُبٍّ , وَلَيْسَ بِذَاكَ فِي خَطَرِهِ , فَإِنْ أُصِيبَ كَانَ مُصَابُهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ يَسِيرًا , وَإِنْ سَلِمَ جَاءَنَا سَبٌّ , فَإِنِّي لَا أَدْرِي مَا جَاءَ بِهِ هَذَا الدِّهْقَانُ وَلَا آمَنَ لَهُ وَلَا أَثِقُ بِهِ , قَالَ : فَقَالَ مَجْزَأَةُ : قَدْ وَجَدْتُ , قَالَ : مَنْ هُوَ ؟ فَأْتِ بِهِ , قَالَ , أَنَا هُوَ , قَالَ أَبُو مُوسَى : يَرْحَمُكَ اللَّهُ , مَا هَذَا أَرَدْتُ فَابْغِنِي رَجُلًا , قَالَ : فَقَالَ مَجْزَأَةُ بْنُ ثَوْرٍ : وَاللَّهِ لَا أَعْمِدُ إِلَى عَجُوزٍ مِنْ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ أَتَدَايَنُ أُمَّ مَجْزَأَةَ بِابْنِهَا ؟ , قَالَ : أَمَّا إِذَا أَبَيْتَ فَسِرْ , فَلَبِسَ الثِّيَابَ الْبِيضَ وَأَخَذَ مِنْدِيلًا وَأَخَذَ مَعَهُ خِنْجَرًا , ثُمَّ انْطَلَقَ إِلَى الدِّهْقَانِ حَتَّى سَنَحَ , فَأَجَازَ الْمَدِينَةَ فَأَدْخَلَهُ مِنْ مَدْخَلِ الْمَاءِ حَيْثُ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ , قَالَ : فَأَدْخَلَهُ فِي مَدْخَلٍ شَدِيدٍ يَضِيقُ بِهِ أَحْيَانًا حَتَّى يَنْبَطِحَ عَلَى بَطْنِهِ , وَيَتَّسِعَ أَحْيَانًا فَيَمْشِي قَائِمًا , وَيَحْبُو فِي بَعْضِ ذَلِكَ حَتَّى دَخَلَ الْمَدِينَةَ , وَقَدْ أَمَرَ أَبُو مُوسَى أَنْ يَحْفَظَ طَرِيقَ بَابِ الْمَدِينَةِ وَطَرِيقَ السُّوقِ وَمَنْزِلَ الْهُرْمُزَانِ , فَانْطَلَقَ بِهِ الدِّهْقَانُ حَتَّى أَرَاهُ طَرِيقَ السُّورِ وَطَرِيقَ الْبَابِ , ثُمَّ انْطَلَقَ بِهِ إِلَى مَنْزِلِ الْهُرْمُزَانِ , وَقَدْ كَانَ أَبُو مُوسَى أَوْصَاهُ أَنْ " لَا تَسْبِقَنِي بِأَمْرٍ " فَلَمَّا رَأَى الْهُرْمُزَانَ قَاعِدًا وَحَوْلَهُ دَهَاقِنَتُهُ وَهُوَ يَشْرَبُ فَقَالَ لِلدِّهْقَانِ : هَذَا الْهُرْمُزَانِ ؟ قَالَ : نَعَمْ , قَالَ : هَذَا الَّذِي لَقِيَ الْمُسْلِمُونَ مِنْهُ مَا لَقُوا , أَمَا وَاللَّهِ لَأُرِيحَنَّهُمْ مِنْهُ , قَالَ : فَقَالَ لَهُ الدِّهْقَانُ : لَا تَفْعَلْ فَإِنَّهُمْ يُحْرِزُونَ وَيَحُولُونَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ دُخُولِ هَذَا الْمَدْخَلِ , فَأَبَى مَجْزَأَةُ إِلَّا أَنْ يَمْضِيَ عَلَى رَأْيِهِ عَلَى قَتْلِ الْعِلْجِ , فَأَدَارَهُ الدِّهْقَانُ وَالْأَصَبُّ أَنْ يَكُفَّ عَنْ قَتْلِهِ , فَأَبَى , فَذَكَرَ الدِّهْقَانُ قَوْلَ أَبِي مُوسَى لَهُ : " اتَّقِ أَنْ لَا تَسْبِقَنِي بِأَمْرٍ , فَقَالَ : أَلَيْسَ قَدْ أَمَرَكَ صَاحِبُكَ أَنْ لَا تَسْبِقَهُ بِأَمْرٍ , فَقَالَ : هَا أَنَا وَاللَّهِ لَأُرِيحَنَّهُمْ مِنْهُ , فَرَجَعَ مَعَ الدِّهْقَانِ إِلَى مَنْزِلِهِ فَأَقَامَ يَوْمَهُ حَتَّى أَمْسَى , ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَبِي مُوسَى فَنَدَبَ أَبُو مُوسَى النَّاسَ مَعَهُ , فَانْتَدَبَ ثَلَاثَمِائَةٍ وَنَيِّفٍ , فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَلْبَسَ الرَّجُلَ ثَوْبَيْنِ لَا يَزِيدَ عَلَيْهِ , وَسَيْفَهُ , فَفَعَلَ الْقَوْمُ , قَالَ فَقَعَدُوا عَلَى شَاطِئِ النَّهْرِ يَنْتَظِرُونَ مَجْزَأَةَ أَنْ يَأْتِيَهُمْ وَهُوَ عِنْدَ أَبِي مُوسَى يُوصِيهِ وَيَأْمُرُهُ , قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرَةَ : وَلَيْسَ لَهُمْ هُمْ غَيْرُهُ يُشِيرُ إِلَى الْمَوْتِ , لَأَنْظُرَنَّ إِلَى مَا يَصْنَعُ , وَالْمَائِدَةُ مَوْضُوعَةٌ بَيْنَ يَدَيْ أَبِي مُوسَى , قَالَ : فَكَأَنَّهُ اسْتَحَى أَنْ لَا يَتَنَاوَلَ مِنَ الْمَائِدَةِ شَيْئًا , قَالَ : فَتَنَاوَلَ حَبَّةً مِنْ عِنَبٍ فَلَاكَهَا , فَمَا قَدَرَ عَلَى أَنْ يَسِيغَهَا وَأَخَذَهَا رُوَيْدًا فَنَبَذَهَا تَحْتَ الْخِوَانِ , وَوَدَّعَهُ أَبُو مُوسَى وَأَوْصَاهُ فَقَالَ : مَجْزَأَةُ لِأَبِي مُوسَى : إِنِّي أَسْأَلُكَ شَيْئًا فَأَعْطِنِيهِ قَالَ : لَا تَسْأَلنِي شَيْئًا إِلَّا أَعْطَيْتُكَهُ , قَالَ : فَأَعْطِنِي سَيْفَكَ أَتَقَلَّدُهُ إِلَى سَيْفِي , فَدَعَا لَهُ بِسَيْفِهِ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ , فَذَهَبَ إِلَى الْقَوْمِ وَهُمْ يَنْظُرُونَهُ حَتَّى كَانَ فِي وَسَطِهِ مِنْهُمْ فَكَبَّرَ وَوَقَعَ فِي الْمَاءِ وَوَقَعَ الْقَوْمُ جَمِيعًا , قَالَ : يَقُولُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرَةَ : كَأَنَّهُمُ الْبَطُّ فَسَبَحُوا حَتَّى جَاوَزُوا , ثُمَّ انْطَلَقَ بِهِمْ إِلَى الثُّقْبِ الَّذِي يَدْخُلُ الْمَاءُ مِنْهُ فَكَبَّرَ , ثُمَّ دَخَلَ فَلَمَّا أَفْضَى إِلَى الْمَدِينَةِ فَنَظَرَ لَمْ يَقُمْ مَعَهُ إِلَّا خَمْسَةٌ وَثَلَاثُونَ أَوْ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ رَجُلًا , فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ : أَلَا أَعُودُ إِلَيْهِمْ فَأُدْخِلَهُمْ ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ يُقَالُ لَهُ الْجَبَانُ لِشَجَاعَتِهِ : غَيْرُكَ فَلْيَقُلْ هَذَا يَا مَجْزَأَةُ , إِنَّمَا عَلَيْكَ نَفْسَكَ , فَامْضِ لِمَا أُمِرْتَ بِهِ , فَقَالَ لَهُ : أَصَبْتَ , فَمَضَى بِطَائِفَةٍ مِنْهُمْ إِلَى الْبَابِ فَوَضَعَهُمْ عَلَيْهِ وَمَضَى بِطَائِفَةٍ إِلَى السُّورِ , وَمَضَى بِمَنْ بَقِيَ حَتَّى صَعِدَ إِلَى السُّورِ , فَانْحَدَرَ عَلَيْهِ عِلْجٌ مِنَ الْأَسَاوِرَةِ مَعَهُ , فَنَزَلَ فَطَعَنَ مَجْزَأَةُ فَأَثْبَتَهُ , فَقَالَ مَجْزَأَةُ : امْضُوا لِأَمْرِكُمْ , لَا يَشْغَلَنَّكُمْ عَنِّي شَيْءٌ , فَأَلْقَوْا عَلَيْهِ بَرْذعَةً لِيَعْرِفُوا مَكَانَهُ وَمَضَوْا , وَكَبَّرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى السُّورِ وَعَلَى بَابِ الْمَدِينَةِ وَفَتَحُوا الْبَابَ وَأَقْبَلَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى عَادَتِهِمْ حَتَّى دَخَلُوا الْمَدِينَةَ , قَالَ : قِيلَ لَلْهُرْمُزَانِ : هَذَا الْعَرَبُ قَدْ دَخَلُوا , قَالَ : لَا شَكَّ أَنَّهُمْ قَدْ رَحَسُوهَا , قَالَ : مِنْ أَيْنَ دَخَلُوا ؟ أَمِنَ السَّمَاءِ , قَالَ : وَتَحَصَّنَ فِي قَصَبَةٍ لَهُ , وَأَقْبَلَ أَبُو مُوسَى يَرْكُضُ عَلَى فَرَسٍ لَهُ عَرَبِيٍّ حَتَّى دَخَلَ عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَهُوَ عَلَى النَّاسِ , قَالَ : لَكِنْ نَحْنُ يَا أَبَا حَمْزَةَ لَمْ نَصْنَعِ الْيَوْمَ شَيْئًا , وَقَدْ قَتَلُوا مِنَ الْقَوْمِ مَنْ قَتَلُوا , وَأَسَرُوا مَنْ أَسَرُوا , وَأَطَافُوا بِالْهُرْمُزَانِ لِقَصَبَتِهِ إِلَيْهِ حَتَّى أَمِنُوهُ , وَنَزَلَ عَلَى حُكْمِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ , قَالَ : فَبَعَثَ بِهِمْ أَبُو مُوسَى مَعَ أَنَسٍ الْهُرْمُزَانَ وَأَصْحَابَهُ , فَانْطَلَقُوا بِهِمْ حَتَّى قَدِمُوا عَلَى عُمَرَ , قَالَ : فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ أَنَسٌ : مَا تَرَى فِي هَؤُلَاءِ ؟ أَدْخِلْهُمْ عُرَاةً مُكَتَّفِينَ , أَوْ آمُرُهُمْ فَيَأْخُذُونَ حُلِيَّهُمْ وَبُرْمَتَهُمْ , قَالَ : فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ عُمَرُ , لَوْ أَدْخَلْتَهُمْ كَمَا تَقُولُ عُرَاةً مُكَتَّفِينَ لَمْ يَزِيدُوا عَلَى أَنْ يَكُونُوا أَعْلَاجًا , وَلَكِنْ أَدْخِلْهُمْ عَلَيْهِمْ حُلِيُّهُمْ وَبُرْمَتُهُمْ حَتَّى يَعْلَمَ الْمُسْلِمُونَ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ , فَأَمَرَهُمْ فَأَخَذُوا بُرْمَتَهُمْ وَحُلِيَّهُمْ وَدَخَلُوا عَلَى عُمَرَ , فَقَالَ الْهُرْمُزَانُ لِعُمَرَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ , قَدْ عَلِمْتَ كَيْفَ كُنَّا وَكُنْتُمْ إِذْ كُنَّا عَلَى ضَلَالَةٍ جَمِيعًا , كَانَتِ الْقَبِيلَةُ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ تَرْمِي نُشَّابَةَ بَعْضِ أَسَاوِرَتِنَا فَيَهْرُبُونَ إِلَى الْأَرْضِ الْبَعِيدَةِ , فَلَمَّا هَدَاكُمُ اللَّهُ فَكَانَ مَعَكُمْ لَمْ نَسْتَطِعْ أَنْ نُقَاتِلَهُ , فَرَجَعَ بِهِمْ أَنَسٌ , فَلَمَّا أَمْسَى عُمَرُ أَرْسَلَ إِلَى أَنَسٍ أَنِ اغْدُ عَلَيَّ بِأَسْرَاكَ أَضْرِبُ أَعْنَاقَهُمْ , فَأَتَاهُ أَنَسٌ فَقَالَ : وَاللَّهِ يَا عُمَرُ مَا ذَاكَ لَكَ , قَالَ : وَلِمَ ؟ قَالَ : إِنَّكَ قَدْ قُلْتُ لِلرَّجُلِ : تَكَلَّمَ فَلَا بَأْسَ عَلَيْكَ , قَالَ : لَتَأْتِينِي عَلَى هَذَا بِبُرْهَانٍ أَوْ لَأَسُوءَنَّكَ , قَالَ : فَسَأَلَ أَنَسٌ الْقَوْمَ جُلَسَاءَ عُمَرَ فَقَالَ : أَمَا قَالَ عُمَرُ لِلرَّجُلِ : " تَكَلَّمَ فَلَا بَأْسَ عَلَيْكَ " قَالُوا : بَلَى ؟ فَكَبَّرَ ذَلِكَ عَلَى عُمَرَ , قَالَ : أَمَا رَفَعَ عُمَرُ يَدَيْهِ فَأَخْرَجَهُمْ عَنِّي , فَسَيَّرَهُمْ إِلَى قَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا " دَهْلَكَ " فِي الْبَحْرِ , فَلَمَّا تَوَجَّهُوا بِهِمْ رَفَعَ عُمَرُ يَدَيْهِ فَقَالَ : " اللَّهُمَّ اكْسِرْهَا بِهِمْ ثَلَاثًا " فَرَكِبُوا السَّفِينَةَ فَانْدَقَّتْ بِهِمْ وَانْكَسَرَتْ , وَكَانَتْ قَرِيبَةً مِنَ الْأَرْضِ فَخَرَجُوا , فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ : لَوْ دَعَا أَنْ يُغْرِقَهُمْ لَغَرِقُوا , وَلَكِنْ إِنَّمَا قَالَ : " اكْسِرْهَا بِهِمْ " قَالَ : فَأَقَرَّهُمْ
حَدَّثَنَا قُرَادٌ أَبُو نُوحٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْقُرَشِيُّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ ، قَالَ : لَمَّا نَزَلَ أَبُو مُوسَى بِالنَّاسِ عَلَى الْهُرْمُزَانِ وَمَنْ مَعَهُ بِتُسْتَرَ , قَالَ : أَقَامُوا سَنَةً أَوْ نَحْوَهَا لَا يَخْلُصُونَ إِلَيْهِ , قَالَ : وَقَدْ كَانَ الْهُرْمُزَانُ قَتَلَ رَجُلًا مِنْ دَهَاقِنَتَهُمْ وَعُظَمَائِهِمْ , فَانْطَلَقَ أَخُوهُ حَتَّى أَتَى أَبَا مُوسَى ، فَقَالَ : مَا يُجْعَلُ لِي إِنْ دَلَلْتُكَ عَلَى الْمَدْخَلِ ؟ قَالَ : سَلْنِي مَا شِئْتَ , قَالَ : أَسْأَلُكَ أَنْ تَحْقِنَ دَمِي وَدِمَاءَ أَهْلِ بَيْتِي وَتُخْلِي بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَا فِي أَيْدِينَا مِنْ أَمْوَالِنَا وَمَسَاكِنِنَا , قَالَ : فَذَاكَ لَكَ , قَالَ : ابْغِنِي إِنْسَانًا سَابِحًا ذَا عَقْلٍ وَلُبٍّ يَأْتِيكَ بِأَمْرٍ بَيِّنٍ , قَالَ : فَأَرْسَلَ أَبُو مُوسَى إِلَى مَجْزَأَةَ بْنِ ثَوْرٍ السَّدُوسِيِّ فَقَالَ لَهُ : ابْغِنِي رَجُلًا مِنْ قَوْمِكَ سَابِحًا ذَا عَقْلٍ وَلُبٍّ , وَلَيْسَ بِذَاكَ فِي خَطَرِهِ , فَإِنْ أُصِيبَ كَانَ مُصَابُهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ يَسِيرًا , وَإِنْ سَلِمَ جَاءَنَا سَبٌّ , فَإِنِّي لَا أَدْرِي مَا جَاءَ بِهِ هَذَا الدِّهْقَانُ وَلَا آمَنَ لَهُ وَلَا أَثِقُ بِهِ , قَالَ : فَقَالَ مَجْزَأَةُ : قَدْ وَجَدْتُ , قَالَ : مَنْ هُوَ ؟ فَأْتِ بِهِ , قَالَ , أَنَا هُوَ , قَالَ أَبُو مُوسَى : يَرْحَمُكَ اللَّهُ , مَا هَذَا أَرَدْتُ فَابْغِنِي رَجُلًا , قَالَ : فَقَالَ مَجْزَأَةُ بْنُ ثَوْرٍ : وَاللَّهِ لَا أَعْمِدُ إِلَى عَجُوزٍ مِنْ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ أَتَدَايَنُ أُمَّ مَجْزَأَةَ بِابْنِهَا ؟ , قَالَ : أَمَّا إِذَا أَبَيْتَ فَسِرْ , فَلَبِسَ الثِّيَابَ الْبِيضَ وَأَخَذَ مِنْدِيلًا وَأَخَذَ مَعَهُ خِنْجَرًا , ثُمَّ انْطَلَقَ إِلَى الدِّهْقَانِ حَتَّى سَنَحَ , فَأَجَازَ الْمَدِينَةَ فَأَدْخَلَهُ مِنْ مَدْخَلِ الْمَاءِ حَيْثُ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ , قَالَ : فَأَدْخَلَهُ فِي مَدْخَلٍ شَدِيدٍ يَضِيقُ بِهِ أَحْيَانًا حَتَّى يَنْبَطِحَ عَلَى بَطْنِهِ , وَيَتَّسِعَ أَحْيَانًا فَيَمْشِي قَائِمًا , وَيَحْبُو فِي بَعْضِ ذَلِكَ حَتَّى دَخَلَ الْمَدِينَةَ , وَقَدْ أَمَرَ أَبُو مُوسَى أَنْ يَحْفَظَ طَرِيقَ بَابِ الْمَدِينَةِ وَطَرِيقَ السُّوقِ وَمَنْزِلَ الْهُرْمُزَانِ , فَانْطَلَقَ بِهِ الدِّهْقَانُ حَتَّى أَرَاهُ طَرِيقَ السُّورِ وَطَرِيقَ الْبَابِ , ثُمَّ انْطَلَقَ بِهِ إِلَى مَنْزِلِ الْهُرْمُزَانِ , وَقَدْ كَانَ أَبُو مُوسَى أَوْصَاهُ أَنْ لَا تَسْبِقَنِي بِأَمْرٍ فَلَمَّا رَأَى الْهُرْمُزَانَ قَاعِدًا وَحَوْلَهُ دَهَاقِنَتُهُ وَهُوَ يَشْرَبُ فَقَالَ لِلدِّهْقَانِ : هَذَا الْهُرْمُزَانِ ؟ قَالَ : نَعَمْ , قَالَ : هَذَا الَّذِي لَقِيَ الْمُسْلِمُونَ مِنْهُ مَا لَقُوا , أَمَا وَاللَّهِ لَأُرِيحَنَّهُمْ مِنْهُ , قَالَ : فَقَالَ لَهُ الدِّهْقَانُ : لَا تَفْعَلْ فَإِنَّهُمْ يُحْرِزُونَ وَيَحُولُونَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ دُخُولِ هَذَا الْمَدْخَلِ , فَأَبَى مَجْزَأَةُ إِلَّا أَنْ يَمْضِيَ عَلَى رَأْيِهِ عَلَى قَتْلِ الْعِلْجِ , فَأَدَارَهُ الدِّهْقَانُ وَالْأَصَبُّ أَنْ يَكُفَّ عَنْ قَتْلِهِ , فَأَبَى , فَذَكَرَ الدِّهْقَانُ قَوْلَ أَبِي مُوسَى لَهُ : اتَّقِ أَنْ لَا تَسْبِقَنِي بِأَمْرٍ , فَقَالَ : أَلَيْسَ قَدْ أَمَرَكَ صَاحِبُكَ أَنْ لَا تَسْبِقَهُ بِأَمْرٍ , فَقَالَ : هَا أَنَا وَاللَّهِ لَأُرِيحَنَّهُمْ مِنْهُ , فَرَجَعَ مَعَ الدِّهْقَانِ إِلَى مَنْزِلِهِ فَأَقَامَ يَوْمَهُ حَتَّى أَمْسَى , ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَبِي مُوسَى فَنَدَبَ أَبُو مُوسَى النَّاسَ مَعَهُ , فَانْتَدَبَ ثَلَاثَمِائَةٍ وَنَيِّفٍ , فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَلْبَسَ الرَّجُلَ ثَوْبَيْنِ لَا يَزِيدَ عَلَيْهِ , وَسَيْفَهُ , فَفَعَلَ الْقَوْمُ , قَالَ فَقَعَدُوا عَلَى شَاطِئِ النَّهْرِ يَنْتَظِرُونَ مَجْزَأَةَ أَنْ يَأْتِيَهُمْ وَهُوَ عِنْدَ أَبِي مُوسَى يُوصِيهِ وَيَأْمُرُهُ , قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرَةَ : وَلَيْسَ لَهُمْ هُمْ غَيْرُهُ يُشِيرُ إِلَى الْمَوْتِ , لَأَنْظُرَنَّ إِلَى مَا يَصْنَعُ , وَالْمَائِدَةُ مَوْضُوعَةٌ بَيْنَ يَدَيْ أَبِي مُوسَى , قَالَ : فَكَأَنَّهُ اسْتَحَى أَنْ لَا يَتَنَاوَلَ مِنَ الْمَائِدَةِ شَيْئًا , قَالَ : فَتَنَاوَلَ حَبَّةً مِنْ عِنَبٍ فَلَاكَهَا , فَمَا قَدَرَ عَلَى أَنْ يَسِيغَهَا وَأَخَذَهَا رُوَيْدًا فَنَبَذَهَا تَحْتَ الْخِوَانِ , وَوَدَّعَهُ أَبُو مُوسَى وَأَوْصَاهُ فَقَالَ : مَجْزَأَةُ لِأَبِي مُوسَى : إِنِّي أَسْأَلُكَ شَيْئًا فَأَعْطِنِيهِ قَالَ : لَا تَسْأَلنِي شَيْئًا إِلَّا أَعْطَيْتُكَهُ , قَالَ : فَأَعْطِنِي سَيْفَكَ أَتَقَلَّدُهُ إِلَى سَيْفِي , فَدَعَا لَهُ بِسَيْفِهِ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ , فَذَهَبَ إِلَى الْقَوْمِ وَهُمْ يَنْظُرُونَهُ حَتَّى كَانَ فِي وَسَطِهِ مِنْهُمْ فَكَبَّرَ وَوَقَعَ فِي الْمَاءِ وَوَقَعَ الْقَوْمُ جَمِيعًا , قَالَ : يَقُولُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرَةَ : كَأَنَّهُمُ الْبَطُّ فَسَبَحُوا حَتَّى جَاوَزُوا , ثُمَّ انْطَلَقَ بِهِمْ إِلَى الثُّقْبِ الَّذِي يَدْخُلُ الْمَاءُ مِنْهُ فَكَبَّرَ , ثُمَّ دَخَلَ فَلَمَّا أَفْضَى إِلَى الْمَدِينَةِ فَنَظَرَ لَمْ يَقُمْ مَعَهُ إِلَّا خَمْسَةٌ وَثَلَاثُونَ أَوْ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ رَجُلًا , فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ : أَلَا أَعُودُ إِلَيْهِمْ فَأُدْخِلَهُمْ ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ يُقَالُ لَهُ الْجَبَانُ لِشَجَاعَتِهِ : غَيْرُكَ فَلْيَقُلْ هَذَا يَا مَجْزَأَةُ , إِنَّمَا عَلَيْكَ نَفْسَكَ , فَامْضِ لِمَا أُمِرْتَ بِهِ , فَقَالَ لَهُ : أَصَبْتَ , فَمَضَى بِطَائِفَةٍ مِنْهُمْ إِلَى الْبَابِ فَوَضَعَهُمْ عَلَيْهِ وَمَضَى بِطَائِفَةٍ إِلَى السُّورِ , وَمَضَى بِمَنْ بَقِيَ حَتَّى صَعِدَ إِلَى السُّورِ , فَانْحَدَرَ عَلَيْهِ عِلْجٌ مِنَ الْأَسَاوِرَةِ مَعَهُ , فَنَزَلَ فَطَعَنَ مَجْزَأَةُ فَأَثْبَتَهُ , فَقَالَ مَجْزَأَةُ : امْضُوا لِأَمْرِكُمْ , لَا يَشْغَلَنَّكُمْ عَنِّي شَيْءٌ , فَأَلْقَوْا عَلَيْهِ بَرْذعَةً لِيَعْرِفُوا مَكَانَهُ وَمَضَوْا , وَكَبَّرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى السُّورِ وَعَلَى بَابِ الْمَدِينَةِ وَفَتَحُوا الْبَابَ وَأَقْبَلَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى عَادَتِهِمْ حَتَّى دَخَلُوا الْمَدِينَةَ , قَالَ : قِيلَ لَلْهُرْمُزَانِ : هَذَا الْعَرَبُ قَدْ دَخَلُوا , قَالَ : لَا شَكَّ أَنَّهُمْ قَدْ رَحَسُوهَا , قَالَ : مِنْ أَيْنَ دَخَلُوا ؟ أَمِنَ السَّمَاءِ , قَالَ : وَتَحَصَّنَ فِي قَصَبَةٍ لَهُ , وَأَقْبَلَ أَبُو مُوسَى يَرْكُضُ عَلَى فَرَسٍ لَهُ عَرَبِيٍّ حَتَّى دَخَلَ عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَهُوَ عَلَى النَّاسِ , قَالَ : لَكِنْ نَحْنُ يَا أَبَا حَمْزَةَ لَمْ نَصْنَعِ الْيَوْمَ شَيْئًا , وَقَدْ قَتَلُوا مِنَ الْقَوْمِ مَنْ قَتَلُوا , وَأَسَرُوا مَنْ أَسَرُوا , وَأَطَافُوا بِالْهُرْمُزَانِ لِقَصَبَتِهِ إِلَيْهِ حَتَّى أَمِنُوهُ , وَنَزَلَ عَلَى حُكْمِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ , قَالَ : فَبَعَثَ بِهِمْ أَبُو مُوسَى مَعَ أَنَسٍ الْهُرْمُزَانَ وَأَصْحَابَهُ , فَانْطَلَقُوا بِهِمْ حَتَّى قَدِمُوا عَلَى عُمَرَ , قَالَ : فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ أَنَسٌ : مَا تَرَى فِي هَؤُلَاءِ ؟ أَدْخِلْهُمْ عُرَاةً مُكَتَّفِينَ , أَوْ آمُرُهُمْ فَيَأْخُذُونَ حُلِيَّهُمْ وَبُرْمَتَهُمْ , قَالَ : فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ عُمَرُ , لَوْ أَدْخَلْتَهُمْ كَمَا تَقُولُ عُرَاةً مُكَتَّفِينَ لَمْ يَزِيدُوا عَلَى أَنْ يَكُونُوا أَعْلَاجًا , وَلَكِنْ أَدْخِلْهُمْ عَلَيْهِمْ حُلِيُّهُمْ وَبُرْمَتُهُمْ حَتَّى يَعْلَمَ الْمُسْلِمُونَ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ , فَأَمَرَهُمْ فَأَخَذُوا بُرْمَتَهُمْ وَحُلِيَّهُمْ وَدَخَلُوا عَلَى عُمَرَ , فَقَالَ الْهُرْمُزَانُ لِعُمَرَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ , قَدْ عَلِمْتَ كَيْفَ كُنَّا وَكُنْتُمْ إِذْ كُنَّا عَلَى ضَلَالَةٍ جَمِيعًا , كَانَتِ الْقَبِيلَةُ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ تَرْمِي نُشَّابَةَ بَعْضِ أَسَاوِرَتِنَا فَيَهْرُبُونَ إِلَى الْأَرْضِ الْبَعِيدَةِ , فَلَمَّا هَدَاكُمُ اللَّهُ فَكَانَ مَعَكُمْ لَمْ نَسْتَطِعْ أَنْ نُقَاتِلَهُ , فَرَجَعَ بِهِمْ أَنَسٌ , فَلَمَّا أَمْسَى عُمَرُ أَرْسَلَ إِلَى أَنَسٍ أَنِ اغْدُ عَلَيَّ بِأَسْرَاكَ أَضْرِبُ أَعْنَاقَهُمْ , فَأَتَاهُ أَنَسٌ فَقَالَ : وَاللَّهِ يَا عُمَرُ مَا ذَاكَ لَكَ , قَالَ : وَلِمَ ؟ قَالَ : إِنَّكَ قَدْ قُلْتُ لِلرَّجُلِ : تَكَلَّمَ فَلَا بَأْسَ عَلَيْكَ , قَالَ : لَتَأْتِينِي عَلَى هَذَا بِبُرْهَانٍ أَوْ لَأَسُوءَنَّكَ , قَالَ : فَسَأَلَ أَنَسٌ الْقَوْمَ جُلَسَاءَ عُمَرَ فَقَالَ : أَمَا قَالَ عُمَرُ لِلرَّجُلِ : تَكَلَّمَ فَلَا بَأْسَ عَلَيْكَ قَالُوا : بَلَى ؟ فَكَبَّرَ ذَلِكَ عَلَى عُمَرَ , قَالَ : أَمَا رَفَعَ عُمَرُ يَدَيْهِ فَأَخْرَجَهُمْ عَنِّي , فَسَيَّرَهُمْ إِلَى قَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا دَهْلَكَ فِي الْبَحْرِ , فَلَمَّا تَوَجَّهُوا بِهِمْ رَفَعَ عُمَرُ يَدَيْهِ فَقَالَ : اللَّهُمَّ اكْسِرْهَا بِهِمْ ثَلَاثًا فَرَكِبُوا السَّفِينَةَ فَانْدَقَّتْ بِهِمْ وَانْكَسَرَتْ , وَكَانَتْ قَرِيبَةً مِنَ الْأَرْضِ فَخَرَجُوا , فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ : لَوْ دَعَا أَنْ يُغْرِقَهُمْ لَغَرِقُوا , وَلَكِنْ إِنَّمَا قَالَ : اكْسِرْهَا بِهِمْ قَالَ : فَأَقَرَّهُمْ