سَمِعْتُ أَبَا الْحُسَيْنِ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ حُبَيْشٍ صَاحِبُ الْجُنَيْدِ بْنُ مُحَمَّدٍ يَقُولُ : صَحِبْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ بْنَ عَطَاءٍ عِدَّةَ سِنِينَ مُتَأَدِّبَا بِآدَابِهِ وَكَانَ لَهُ كُلَّ يَوْمٍ خَتْمَةٌ ، وَفِي كُلِّ شَهْرِ رَمَضَانَ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ثَلَاثُ خَتْمَاتٍ وَبَقِيَ فِي خَتْمِهِ يَسْتَنْبِطُ مُودَعَ الْقُرْآنِ بِضْعَ عَشْرَةَ سَنَةً يَسْتَرْوِحُ إِلَى مَعَانِي مُودَعِهَا فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يَخْتِمَهَا وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : {{ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لِلَّذِي بِبَكَّةَ }} ، فَقَالَ فِي الْبَيْتِ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَفِي الْقَلْبِ آثَارُ رَبِّ إِبْرَاهِيمَ وَلِلْبَيْتِ أَرْكَانٌ وَلِلْقَلْبِ أَرْكَانٌ فَأَرْكَانُ الْبَيْتِ الصُّمُّ مِنَ الصُّخُورِ وَأَرْكَانُ الْقَلْبِ مَعَادِنُ النُّورِ
سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ نُصَيْرٍ الرَّازِيَّ ، بِنَيْسَابُورَ صَاحِبُ يُوسُفَ بْنِ الْحُسَيْنِ يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ بْنَ عَطَاءٍ ، يَقُولُ : مَنْ أَلْزَمَ نَفْسَهُ آدَابَ السُّنَّةِ غَمَرَ اللَّهُ قَلْبَهُ بِنُورِ الْمَعْرِفَةِ ، وَلَا مَقَامَ أَشْرَفُ مِنْ مُتَابَعَةِ الْحَبِيبِ فِي أَوَامِرِهِ وَأَفْعَالِهِ وَأَخْلَاقِهِ وَالتَّأَدُّبِ بِآدَابِهِ قَوْلًا وَفِعْلًا وَنِيَّةً وَعَقْدًا
سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ حُبَيْشٍ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ بْنَ عَطَاءٍ ، يَقُولُ : قُرِنَ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ بِثَلَاثٍ ، قُرِنَتِ الْفِتْنَةُ بِالْمَنِيَّةِ وَقُرِنَتِ الْمِحْنَةُ بِالِاخْتِيَارِ ، وَقُرِنَتِ الْبَلْوَى بِالدَّعَاوَى ، وَسُئِلَ : إِلَامَ تَسْكُنُ قُلُوبُ الْعَارِفِينَ ؟ قَالَ : إِلَى قَوْلِهِ {{ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ }} ؛ لِأَنَّ فِي بِسْمِ اللَّهِ هَيْبَتُهُ ، وَفِي اسْمِهِ الرَّحْمَنِ عَوْنُهُ وَنُصْرَتُهُ ، وَفِي اسْمِهِ الرَّحِيمِ مَوَدَّتُهُ وَمَحَبَّتَهُ ، ثُمَّ قَالَ : سُبْحَانَ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ هَذِهِ الْمَعَانِي فِي لَطَافَتِهَا فِي هَذِهِ الْأَسَامِي فِي غَوَامِضِهَا
سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ بْنَ عَطَاءٍ ، يَقُولُ : إِذَا كَانَتْ نَفْسُكَ غَيْرَ نَاظِرَةٍ لِقَلْبِكَ فَأَدِّبْهَا بِمُجَالَسَةِ الْحُكَمَاءِ فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَضِيءَ بِنُورِ الْحِكْمَةِ فَلْيُلَاقِ بِهَا أَهْلَ الْفَهْمِ وَالْعَقْلِ ، وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ : الْقَلْبُ إِذَا اشْتَاقَ إِلَى الْجَنَّةِ أَسْرَعَتْ إِلَيْهِ هَدَايَا الْجَنَّةِ وَهِيَ الْمَكْرُوهُ ؛ لِأَنَّ الْمَكَارِهَ هَدَايَا الْجَنَّةِ إِلَى أَبْدَانِ الصَّادِقِينَ وَمَنْ فَرَّ بِنَفْسِهِ إِلَى حِصْنِ الْمَكْرُوهِ رَحَلَتْ شَهَوَاتُ الطَّمَعِ عَنْ قَلْبِهِ ، وَقَالَ : مِنْ عَلَامَةِ الصِّدْقِ رِضَا الْقَلْبِ بِحُلُولِ الْمَكْرُوهِ
سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ أَحْمَدَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ مِقْسَمٍ يَقُولُ : قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ عَطَاءٍ : مَنْ تَأَدَّبَ بِآدَابِ الصَّالِحِينَ فَإِنَّهُ يَصْلُحُ لِبِسَاطِ الْكَرَامَةِ وَمَنْ تَأَدَّبَ بِآدَابِ الْأَوْلِيَاءِ فَإِنَّهُ يَصْلُحُ لِبِسَاطِ الْقُرْبَةِ وَمَنْ تَأَدَّبَ بِآدَابِ الْأَنْبِيَاءِ فَإِنَّهُ يَصْلُحُ لِبِسَاطِ الْأُنْسِ وَالِانْبِسَاطِ
وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ : قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ عَطَاءٍ : لَمْ تَزَلِ الشَّفَقَةُ بِالْمُؤْمِنِ حَتَّى أَوْفَدَتْهُ عَلَى خَيْرِ أَحْوَالِهِ وَلَمْ تَزَلِ الْغَفْلَةُ بِالْفَاجِرِ حَتَّى أَوْفَدَتْهُ عَلَى شَرِّ أَحْوَالِهِ
سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ حُبَيْشٍ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ بْنَ عَطَاءٍ ، يَقُولُ : أَدْنِ قَلْبَكَ مِنْ مُجَالَسَةِ الذَّاكِرِينَ لَعَلَّهُ يَنْتَبِهُ عَنْ غَفْلَتِهِ وَأَقِمْ شَخْصَكَ فِي خِدْمَةِ الصَّالِحِينَ لَعَلَّهُ يَتَعَوَّدُ بِبَرَكَتِهَا طَاعَةَ رَبِّ الْعَالَمِينَ
قَالَ : وَسُئِلَ أَبُو الْعَبَّاسِ ، وَأَنَا حَاضِرٌ عَنْ أَقْرَبِ شَيْءٍ إِلَى مَقْتِ اللَّهِ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ ، فَقَالَ : رُؤْيَةُ النَّفْسِ وَأَفْعَالِهَا وَأَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ مُطَالَبَةُ الْأَعْوَاضِ عَنْ أَفْعَالِهَا ، وَقَالَ : وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ : مِنْ عَلَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ أَرْبَعَةٌ : صِيَانَةُ سَرِّهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ ، وَحِفْظُ جوَارِحِهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ ، وَاحْتِمَالُ الْأَذَى فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَلْقِ اللَّهِ ، وَمُدَارَاتُهُ مَعَ الْخَلْقِ عَلَى تَفَاوُتِ عُقُولِهِمْ
سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ مِقْسَمٍ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ بْنَ عَطَاءٍ ، يَقُولُ : مَنْ شَاهَدَ الْحَقَّ بِالْحَقِّ انْقَطَعَتْ عَنْهُ الْأَسْبَابُ كُلُّهَا وَمَا دَامَ مُلَاحِظًا لِشَيْءٍ فَهُوَ غَيْرُ مَشَاهِدٍ لِحَقِيقَةِ الْحَقِّ وَهَذَا مَقَامُ مَنْ صَفَتْ لَهُ الْوَلَايَةُ ، فَلَمْ يَحْجُبْ عَنْهُ الْمُنْتَهَى وَالْغَايَةَ وَسُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى : {{ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ }} ، فَقَالَ : الْمُضْطَجِعُونَ عَلَى مَرَاتِبَ : مُضْطَجِعٌ عَلَى فِرَاشِهِ ، وَمُضْطَجِعُ فِي نَفْسِهِ وَمُضْطَجِعٌ فِي دُنْيَاهُ ، فَالْمُضْطَجِعُ عَلَى فِرَاشِهِ فَهُوَ الظَّالِمُ مَتَى انْتَبَهَ ذَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى أُعْطِيَ ثَوَابَهُ عَشَرَةَ أَمْثَالِهَا ، وَالْمُضْطَجِعُ فِي دُنْيَاهُ فَهُوَ الْمُقْتَصِدُ مَتَى انْتَبَهَ وَجِلَ مِنْ مُطَالَعَةِ الدُّنْيَا وَاسْتَغْفَرَ أُعْطِيَ ثَوَابَهُ سَبْعمِائَةِ ضِعْفٍ ، وَأَمَّا الْمُضْطَجِعُ فِي نَفْسِهِ فَهُوَ السَّابِقُ مَتَى شَاهِدَ نَفْسَهُ وَرَأَى ضَلَالَتَهَا ظَنَّ أَنَّهُ مِنَ الْهَالِكِينَ ، حِينَئِذٍ يَفْتَقِرُ إِلَى اللَّهِ بِطَلَبِ السَّلَامَةِ مِنْ نَفْسِهِ فَهَذَا مِمَّنْ ثَوَابُهُ : {{ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ }}
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ : ذِكْرُ الثَّوَابِ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ غَفْلَةٌ عَنِ اللَّهِ
أَنْشَدَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ : أَنْشَدَنِي أَحْمَدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ عَطَاءٍ : بِاللَّهِ أَبْلُغُ مَا أَسْعَى وَأُدْرِكُهُ لَا بِي وَلَا بِشَفِيعٍ إِلَى النَّاسِ إِذَا يَئِسْتُ وَكَادَ الْيَأْسُ يَقْتُلُنِي جَاءَ الْغِنَى عَجَبًا مِنْ جَانِبِ الْيَأْسِ قَالَ ابْنُ حُبَيْشٍ : فَزِدْتُهُ ثَالِثًا بَيْنَ يَدَيْهِ : أَعُوذُ فِي كُلِّ أَمْرٍ جَلَّ مَطْلَبُهُ عِنْدِي إِلَى كَاشِفِ الضُّرِّ وَالْبَاسِ
قَالَ : وَأَنْشَدَنِي ابْنُ عَطَاءٍ : دَبُّوا إِلَى الْمَجْدِ وَالسَّاعُونَ قَدْ بَلَغُوا جَهْدَ النُّفُوسِ وَشَدُّوا نَحْوَهُ الْإِزَرَا وَسَاوَرُوا الْمَجْدَ حَتَّى مَلَّ أَكْثَرُهُمْ وَعَانَقَ الْمَجْدَ مَنْ وَافَى وَمَنْ صَبَرَا لَا تَحْسَبُ الْمَجْدَ تَمْرًا أَنْتَ تَأْكُلُهُ لَنْ تَبْلُغَ الْمَجْدَ حَتَّى تَلْعَقَ الصَّبْرَا قَالَ : وَأَنْشَدَنِي رَحِمَهُ اللَّهُ : ذِكْرُكَ لِي مُؤْنِسٌ يُعَارِضُنِي يُوعِدُنِي عَنْكَ مِنْكَ بِالظَّفَرِ فَكَيْفَ أَنْسَاكَ يَا مَدَى هِمَمِي وَأَنْتَ مِنِّي بِمَوْضِعٍ مِنَ النَّظَرِ وَسُئِلَ : مَا الْعُبُودِيَّةُ ؟ قَالَ : تَرْكُ الِاخْتِيَارِ وَمُلَازَمَةُ الِافْتِقَارِ وَقَالَ : إِيَّاكَ أَنْ تُلَاحِظَ مَخْلُوقًا وَأَنْتَ تَجِدُ إِلَى مُلَاحَظَةِ الْحَقِّ سَبِيلًا قَالَ الشَّيْخُ : كَانَ كَثِيرَ الْحَدِيثِ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حُبَيْشٍ ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ عَطَاءٍ الصُّوفِيُّ ، ثنا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى الْقَطَّانُ ، ثنا الْحَسَنُ بْنُ بِشْرٍ الْبَجَلِيُّ ، ثنا الْحَكَمُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَبِي مُلَيْحٍ ، عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِشَفَاعَةِ رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَكْثَرُ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ عَطَاءٍ ، ثنا الْفَضْلُ بْنُ زِيَادٍ ، ثنا ابْنُ أَبِي لَيْلَى قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي ، عَنِ الْحَكَمِ ، عَنْ مِقْسَمٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَضْمُ الْمِلْحِ فِي جَمَاعَةٍ خَيْرٌ مِنْ أَكْلِ الْفَالُوذَجِ فِي فُرْقَةٍ قَالَ الشَّيْخُ : ذِكْرُ جَمَاعَةٍ مِنْ أَعْلَامِ الْبَغْدَادِيِّينَ كَانَ الْمَفْزَعُ إِلَى أَدْعِيَتِهِمْ عِنْدَ الْمِحَنِ وَالنَّوَازِلِ لِصَفَاءِ أَحْوَالِهِمْ وَوَفَاءِ أَقْوَالِهِمْ فَكَانَتْ آثَارُهُمْ فِي الْإِجَابَةِ مَشْهُورَةً ، وَأَوْقَاتُهُمْ بِالْمُشَاهَدَةِ وَالْمُسَامَرَةِ مَعْمُورَةً ، صَحِبُوا بِشْرَ بْنَ الْحَارِثِ الْحَافِي وَأَصْحَابَ مَعْرُوفٍ الْكَرْخِيِّ ، حَمَاهُمُ الْحَقُّ عَنِ التَّبَدُّلِ ، وَحَلَّاهُمْ بِخَلْوَةِ الذِّكْرِ وَالِاشْتِهَارِ ، لَقِينَا أَصْحَابَهُمْ وَكَانُوا عَلَى سَمْتِهِمْ مُشْتَهِرِينَ بِالذِّكْرِ شَاهِدَيْنِ مُغْتَنِمِينَ لِلْوَقْتِ مُجَاهِدِينَ ، مِنْهُمْ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ السَّقَطِيِّ ، وَبَدْرُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْمَغَازِلِيُّ ، وَأَبُو أَحْمَدَ الْقَلَانِسِيُّ ، وَخَيْرٌ النَّسَّاجُ ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ حَمْزَةَ الْبَصْرِيُّ ، عِدَادُهُ فِي الْبَغْدَادِيِّينَ