حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَغْدَادِيُّ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ وَحَدَّثَنِي عَنْهُ ، أَوَّلًا عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدِ الْعُثْمَانَيُّ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ ، ثنا عَبَّاسُ بْنُ أَحْمَدَ الشَّامِيُّ , ثنا أَبُو عَقِيلٍ الرُّصَافِيُّ ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الزَّاهِدُ , قَالَ : قَالَ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شَقِيقٍ : كَانَ لِجَدِّي ثَلَاثُمِائَةٍ قَرْيَةٍ يَوْمَ قُتِلَ بِوَاشَكَرْدٍ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كَفَنٌ يُكَفَّنُ فِيهِ ، قَدَّمَهُ كُلُّهُ بَيْنَ يَدَيْهِ ، وَثِيَابُهُ وَسَيْفُهُ إِلَى السَّاعَةِ مُعَلَّقٌ ، يَتَبَرَّكُونَ بِهِ قَالَ : وَقَدْ كَانَ خَرَجَ إِلَى بِلَادِ التُّرْكِ لِتِجَارَةٍ وَهُوَ حَدَّثَ إِلَى قَوْمٍ يُقَالُ لَهُمُ الْخَصُوصِيَّةُ وَهُمْ يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ فَدَخَلَ إِلَى بَيْتِ أَصْنَامِهِمْ وَعَالِمِهِمْ فِيهِ حَلَقَ رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ وَلَبِسَ ثِيَابًا حَمْرَاءَ أُرْجُوانِيَّةً , فَقَالَ لَهُ شَقِيقٌ : إِنَّ هَذَا الَّذِي أَنْتَ فِيهِ بَاطِلٌ وَلِهَؤُلَاءِ وَلَكَ وَلِهَذَا الْخَلْقِ خَالِقٌ وَصَانِعٌ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ لَهُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ قَادِرٌ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَازِقٌ كُلَّ شَيْءٍ فَقَالَ لَهُ الْخَادِمُ : لَيْسَ يوَافِقُ قَوْلُكَ فِعْلَكَ , فَقَالَ لَهُ شَقِيقٌ : كَيْفَ ذَاكَ ؟ قَالَ : زَعَمَتْ أَنَّ لَكَ خَالِقًا رَازِقًا قَادِرًا عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَقَدْ تَغَيَّبَتَ إِلَى هَهُنَا لِطَلَبِ الرِّزْقِ وَلَوْ كَانَ كَمَا تَقُولُ فَإِنَّ الَّذِي رَزَقَكَ هَهُنَا هُوَ الَّذِي يَرْزُقُكَ ثَمَّ فَتُرِيحُ الْعَنَا قَالَ شَقِيقٌ : وَكَانَ سَبَبُ زهدي كَلَامَ التُّرْكِيِّ , فَرَجَعَ فَتَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَا مَلَكَ وَطَلَبَ الْعِلْمَ
حَدَّثَنَا مَخْلَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مَخْلَدٍ , ثنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفِرْيَابِيُّ , ثنا الْمُثَنَّى بْنُ جَامِعٍ , قَالَ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : سَمِعْتُ شَقِيقَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ , يَقُولُ : كُنْتُ رَجُلًا شَاعِرًا فَرَزَقَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ التَّوْبَةَ , وَإِنِّي خَرَجْتُ مِنْ ثَلَاثِمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ وَكُنْتُ مُرَابَيًا وَلَبِسْتَ الصُّوفَ عِشْرِينَ سَنَةً وَأَنَا لَا أَعْلَمُ حَتَّى لَقِيتُ عَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ رَوَّادٍ فَقَالَ : يَا شَقِيقُ لَيْسَ الْبَيَانُ فِي أَكَلِ الشَّعِيرِ وَلَا لِبَاسِ الصُّوفِ وَالشَّعْرِ الْبَيَانُ : الْمَعْرِفَةُ أَنْ تَعْرِفَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ , تَعْبُدَهُ وَلَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا وَالثَّانِيَةُ الرِّضَا عَنِ اللَّهِ ، عَزَّ وَجَلَّ وَالثَّالِثَةُ تَكُونُ بِمَا فِي يَدِ اللَّهِ أَوْثَقُ مِنْكَ بِمَا فِي أَيْدِي الْمَخْلُوقِينَ . قَالَ شَقِيقٌ : فَقُلْتُ لَهُ : فَسِّرْ لِي هَذَا حَتَّى أَتَعَلَّمَهُ قَالَ : أَمَّا تَعْبُدُ اللَّهَ لَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا يَكُونُ جَمِيعُ مَا تَعْمَلُهُ لِلَّهِ خَالِصًا مِنْ صَوْمٍ أَوْ صَلَاةٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ غَزْوٍ أَوْ عِبَادَةٍ فَرْضٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَعْمَالٍ حَتَّى يَكُونَ لِلَّهِ خَالِصًا ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةِ : {{ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا }}
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ , ثنا الْعَبَّاسُ بْنُ أَحْمَدَ الشَّاشِيُّ , ثنا أَبُو عَقِيلٍ الرُّصَافِيُّ ، , ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الزَّاهِدُ , قَالَ : سَمِعْتُ شَقِيقَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ الْبَلْخِيُّ , يَقُولُ : سَبْعَةُ أَبْوَابٍ يُسْلَكُ بِهَا طَرِيقُ الزُّهَّادِ : الصَّبْرُ عَلَى الْجُوعِ بِالْسُرُورِ لَا بِالْفُتُورِ بِالْرَضَا لَا بِالْجزِعِ , وَالصَّبْرُ عَلَى الْعُرْيِ بِالْفَرَحِ لَا بِالْحُزْنِ وَالصَّبْرِ عَلَى طُولِ الصِّيَامِ بِالْتَفَضُّلِ لَا بِالْتَعَسُّفِ كَأَنَّهُ طَاعِمٌ نَاعِمٌ , وَالصَّبْرُ عَلَى الذُّلِّ بِطِيبِ نَفْسِهِ لَا بِالتَّكَرُّهِ وَالصَّبْرُ عَلَى الْبُؤْسِ بِالْرَضَا لَا بِالْسُخْطِ , وَطُولُ الْفَكْرَةِ فِيمَا يُودِعُ بَطْنَهُ مِنَ الْمَطْعَمِ وَالْمَشْرَبِ وَيَكْسُو بِهِ ظَهْرَهُ مِنْ أَيْنَ وَكَيْفَ وَلَعَلَّ وَعَسَى . فَإِذَا كَانَ فِي هَذِهِ الْأَبْوَابِ السَّبْعَةِ فَقَدْ سَلَكَ صَدْرًا مِنْ طَرِيقِ الزُّهَّادِ وَذَلِكَ الْفَضْلُ الْعَظِيمُ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُوسَى , قَالَ : سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ أَحْمَدَ الْبَلْخِيُّ , يَقُولُ : سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عُبَيْدٍ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ خَالِيَ مُحَمَّدَ بْنَ اللَّيْثِ يَقُولُ : سَمِعْتُ حَامِدًا اللَّفَّافَ , يَقُولُ : سَمِعْتُ حَاتِمًا الْأَصَمَّ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ شَقِيقًا الْبَلْخِيَّ , يَقُولُ : عَمِلْتُ فِي الْقُرْآنِ عِشْرِينَ سَنَةً حَتَّى مَيَّزْتُ الدُّنْيَا عَنِ الْآخِرَةِ ، فَأَصَبْتُهُ فِي حَرْفَيْنِ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى {{ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى }}
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ , ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَكَرِيَّا , قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا تُرَابٍ الزَّاهِدُ ، يَقُولُ : قَالَ حَاتِمٌ الْأَصَمُّ : قَالَ شَقِيقٌ : لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَقَامَ مِائَتَيْ سَنَةٍ لَا يَعْرِفُ هَذِهِ الْأَرْبَعَةَ أَشْيَاءَ لَمْ يَنْجُ مِنَ النَّارِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ : أَحَدُهَا مَعْرِفَةُ اللَّهِ وَالثَّانِي مَعْرِفَةُ نَفْسِهِ وَالثَّالِثُ مَعْرِفَةُ أَمْرِ اللَّهِ وَنَهْيِهِ وَالرَّابِعُ مَعْرِفَةُ عَدُوِّ اللَّهِ وَعَدُوِّ نَفْسِهِ , وَتَفْسِيرُ مَعْرِفَةِ اللَّهِ أَنْ تَعْرِفَ بِقَلْبِكَ أَنَّهُ لَا يُعْطِي غَيْرُهُ وَلَا مَانِعَ غَيْرُهُ , وَلَا ضَارَّ غَيْرُهُ , وَلَا نَافِعَ غَيْرُهُ , وَأَمَّا مَعْرِفَةُ النَّفْسِ , أَنْ تَعْرِفَ نَفْسَكَ أَنَّكَ لَا تَنْفَعُ وَلَا تَضُرُّ وَلَا تَسْتَطِيعُ شَيْئًا مِنَ الْأَشْيَاءِ بِخِلَافِ النَّفْسِ وَخِلَافِ النَّفْسِ أَنْ تَكُونَ مُتَضَرِّعًا إِلَيْهِ وَأَمَّا مَعْرِفَةُ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَنَهْيِهِ , أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ أَمْرَ اللَّهِ عَلَيْكَ وَأَنَّ رِزْقَكَ عَلَى اللَّهِ وَأَنْ تَكُونَ وَاثِقًا بِالرِّزْقِ مُخْلِصًا فِي الْعَمَلِ . وَعَلَامَةُ الْإِخْلَاصِ , أَنْ لَا يَكُونَ فِيكَ خَصْلَتَانِ : الطَّمَعُ وَالْجَزَعُ . وَأَمَّا مَعْرِفَةُ عَدُوِّ اللَّهِ , أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ لَكَ عَدُوًّا لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْكَ شَيْئًا إِلَّا بِالْمُحَارَبَةِ , وَالْمُحَارَبَةُ فِي الْقَلْبِ أَنْ تَكُونَ مُحَارِبًا مُجَاهِدًا مُتْعِبًا لِلْعَدُوِّ
حَدَّثَنَا أَبُو مُسْلِمٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ , ثنا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى بْنِ مَاهَانَ , ثنا سَعِيدُ بْنُ الْعَبَّاسِ الرَّازِيُّ الصُّوفِيُّ , ثنا أَبِي قَالَ : سَمِعْتُ حَاتِمًا الْأَصَمَّ , يَقُولُ قَالَ شَقِيقٌ الْبَلْخِيُّ : مَنْ عَمِلَ بِثَلَاثِ خِصَالٍ أَعْطَاهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ : أَوَّلُهَا مَعْرِفَةُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِقَلْبِهِ وَلِسَانِهِ وَسَمْعِهِ وَجَمِيعِ جَوَارِحِهِ وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ بِمَا فِي يَدِ اللَّهِ أَوْثَقُ مِمَّا فِي يَدَيْهِ وَالثَّالِثُ يَرْضَى بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَهُ وَهُوَ مُسْتَيْقِنٌ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مُطَّلِعٌ عَلَيْهِ , وَلَا يُحَرِّكُ شَيْئًا مِنْ جَوَارِحِهِ إِلَّا بِإِقَامَةِ الْحُجَّةِ عِنْدَ اللَّهِ فَذَلِكَ حَقُّ الْمَعْرِفَةِ . وَتَفْسِيرُ الثِّقَةِ بِاللَّهِ أَنْ لَا تَسْعَى فِي طَمَعٍ وَلَا تَتَكَلَّمَ فِي طَمَعٍ وَلَا تَرْجُو دُونَ اللَّهِ سِوَاهُ وَلَا تَخَافُ دُونَ اللَّهِ سِوَاهُ وَلَا تَخْشَى مِنْ شَيْءٍ سِوَاهُ وَلَا يُحَرِّكُ مِنْ جَوَارِحِهِ شَيْئًا دُونَ اللَّهِ يَعْنِي فِي طَاعَتِهِ وَاجْتِنَابِ مَعْصِيَتِهِ قَالَ : وَتَفْسِيرُ الرِّضَا عَلَى أَرْبَعِ خِصَالٍ أَوَّلُهَا أَمْنٌ مِنَ الْفَقْرِ , وَالثَّانِي حُبُّ الْقِلَّةِ , وَالثَّالِثُ خَوْفُ الضَّمَانِ . قَالَ : وَتَفْسِيرُ الضَّمَانِ أَنْ لَا يَخَافُ إِذَا وَقَعَ فِي يَدَهِ شَيْءٌ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا أَنْ يُقِيمَ حُجَّتَهُ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ فِي أَخْذِهِ وَإِعْطَائِهِ عَلَى أَيِّ الْوجُوهِ كَانَ
قَالَ شَقِيقٌ : التَّوَكُّلُ أَرْبَعَةٌ : تَوَكُّلٌ عَلَى الْمَالِ وَتَوَكُّلٌ عَلَى النَّفْسِ وَتَوَكُّلٌ عَلَى النَّاسِ وَتَوَكُّلٌ عَلَى اللَّهِ . قَالَ : وَتَفْسِيرُ التَّوَكُّلِ عَلَى الْمَالِ , أَنْ تَقُولَ : مَادَامَ هَذَا الْمَالُ فِي يَدِي فَلَا أَحْتَاجُ إِلَى أَحَدٍ فَذَلِكَ تَوَكُّلٌ عَلَى النَّاسِ وَمَنْ كَانَ عَلَى هَذَا فَهُوَ جَاهِلٌ كَائِنًا مَنْ كَانَ وَتَفْسِيرُ التَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ أَنْ تَعْرِفَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَكَ وَهُوَ الَّذِي ضَمِنَ رِزْقَكَ وَتَكَفَّلَ بِرَزْقِكَ ولَمْ يَحْوَجْكَ إِلَى أَحَدٌ وَأَنْتَ تَقُولُ بِلِسَانِكَ وَالَّذِي يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِي فَهَذَا التَّوَكُّلُ عَلَى اللَّهِ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {{ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ }} {{ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ }} وَقَالَ : {{ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوكِّلِينَ }} وَتَفْسِيرُ مَنْ لَمْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ يَصِيرُ خَارِجًا مِنَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ مُؤْمِنًا فَهُوَ جَاهِلٌ كَائِنًا مَنْ كَانَ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ , ثنا سَعِيدُ بْنُ أَحْمَدَ الْبَلْخِيُّ , ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ , ثنا مُحَمَّدُ بْنُ اللَّيْثِ ، قَالَ : سَمِعْتُ حَامِدًا , يَقُولُ : سَمِعْتُ حَاتِمًا , يَقُولُ : سَمِعْتُ شَقِيقًا , يَقُولُ : مَيِّزْ بَيْنَ مَا تُعْطِي وَتُعْطَى إِنْ كَانَ مَنْ يُعْطِيكَ أَحَبَّ إِلَيْكَ فَأَنْتَ مُحِبٌّ لِلدُّنْيَا . وَإِنْ كَانَ مَنْ تُعْطِيهِ أَحَبُّ إِلَيْكَ فَأَنْتَ مُحِبٌّ لِلْآخِرَةِ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ , وَحَدَّثَنِي عَنْهُ أَوَّلًا عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ : ثنا عَبَّاسُ بْنُ أَحْمَدَ الشَّاشِيُّ , ثنا أَبُو عَقِيلٍ الرُّصَافِيُّ , ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ , قَالَ : سَمِعْتُ شَقِيقَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ يَقُولُ : ثَلَاثُ خِصَالٍ هِيَ تَاجُ الزَّاهِدِ : الْأُولَى أَنْ يَمِيلَ عَلَى الْهَوَى وَلَا يَمِيلُ مَعَ الْهَوَى , وَالثَّانِيَةُ يَنْقَطِعُ الزَّاهِدُ إِلَى الزُّهْدِ بِقَلْبِهِ , وَالثَّالِثَةُ أَنْ يَذْكُرَ كُلَّمَا خَلَا بِنَفْسِهِ كَيْفَ مُدْخَلُهُ فِي قَبْرِهِ وَكَيْفَ مَخْرَجُهُ وَيذْكَرُ الْجُوعَ وَالْعَطَشَ وَالْعُرَى وَطُولَ الْقِيَامَةِ , وَالْحِسَابَ وَالصِّرَاطَ وَطُولَ الْحِسَابِ وَالْفَضِيحَةِ الْبَادِيَةِ فَإِذَا ذَكَرَ ذَلِكَ شَغَلَهُ عَنْ ذِكْرِ دَارِ الْغُرُورِ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَانَ مِنْ مُحَبِّي الزُّهَّادِ وَمَنْ أَحَبَّهُمْ كَانَ مَعَهُمْ
حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَيَّانَ , ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَكَرِيَّا , قَالَ : قَالَ أَبُو تُرَابٍ : سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ شَقِيقِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْبَلْخِيُّ , وَحَاتِمًا الْأَصَمُّ يَقُولَانِ : كَانَ لِشَقِيقٍ وَصِيَّتَانِ إِذَا جَاءَهُ رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ يوصِيهِ بِالْعَرَبِيَّةِ : تُوَحِّدُ اللَّهَ بِقَلْبِكَ وَلِسَانِكَ وَشَفَتُكَ وَأَنْ تَكُونَ بِاللَّهِ أَوْثَقُ مِمَّا فِي يَدَيْكَ , وَالثَّالِثُ أَنْ تَرْضَى عَنِ اللَّهِ ، وَإِذَا جَاءَهُ أَعْجَمِيٌّ قَالَ : احْفَظْ مِنِّي ثَلَاثَ خِصَالٍ , أَوَّلُ خَصْلَةٍ أَنْ تَحْفَظَ الْحَقَّ وَأَنْ يَكُونَ الْحَقُّ إِلَّا بِالِاجْتِمَاعِ فَإِذَا اجْتَمَعَ النَّاسُ , فَقَالُوا : إِنَّ هَذَا الْحَقَّ يَعْمَلُ ذَلِكَ الْحَقَّ يرِيدُ الثَّوَابَ مَعَ الْإِيَاسِ مِنَ الْخَلْقِ وَلَا يَكُونُ الْبَاطِلُ بَاطِلًا إلَا بِالِاجْتِمَاعِ فَإِذَا اجْتَمَعُوا وَقَالُوا : إِنَّ هَذَا بَاطِلٌ تَرَكْتَ هَذَا الْبَاطِلَ خَوْفًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى مَعَ الْإِيَاسِ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ فَإِذَا كُنْتَ تَعْلَمُ هَذَا الشىءَ حَقًّا هُوَ أَمْ بَاطِلًا فَيَنْبَغِي لَكَ أَنْ تَقِفَ حَتَّى تَعْلَمَ هَذَا الشىءَ حَقًّا هُوَ أَوْ بَاطِلًا فَإِنَّهُ حَرَامٌ عَلَيْكَ أَنْ تَدْخُلَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَكَ بَيَانُ ذَلِكَ الشَّيْءِ وَعَلْمِهِ
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ , ثنا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى بْنِ مَاهَانَ , ثنا سَعِيدُ بْنُ الْعَبَّاسِ الصُّوفِيُّ الرَّازِيُّ ، , ثنا أَبِي قَالَ : سَمِعْتُ حاتِمًا الْأَصَمَّ , يَقُولُ : قَالَ شَقِيقٌ الْبَلْخِيُّ : ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ لَيْسَ بُدٌّ لِلْعَبْدِ مِنَ الْقِيَامِ بِهِنَّ فَمَنْ عَمِلَ بِهِنَّ أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ وَعَاشَ فِي الدُّنْيَا بِالْرُوحِ وَالرَّحْمَةِ وَمَنْ تَرَكَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ فَلَيْسَ لَهُ بُدٌّ مِنْ أَنْ يَتْرُكَ الْاثْنَتَيْنِ وَإِنْ أَخَذَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فَلَيْسَ لَهُ بُدٌّ مِنْ أَنْ يَأْخُذُ بِهِنَّ لِأَنَّهُنَّ مُتَشَابِهَاتٌ وَلَوْ شِئْتَ قُلْتَ الثَّلَاثَةُ فِي الْوَاحِدَةِ وَلَكِنَّ الثَّلَاثَ أَوْضَحُ وَأَبَيْنُ فَمَنْ تَرَكَهُنَّ وَضَيَّعَهُنَّ دَخَلَ النَّارَ وَمَنْ تَرَكَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ تَرَكَ الِاثْنَيْنِ فَتَفَقَّهُوا وَأَبْصِرُوا فَإِذَا أَبْصَرْتُمْ فَأَبْصِرُوا , أَوَّلُهُنَّ أَنْ تُوَحِّدَ اللَّهَ تَعَالَى بِقَلْبِكَ وَلِسَانِكَ وَعَمَلِكَ فَإِذَا وَحَّدْتَهُ بِقَلْبِكَ أَنْ لَا إِلَهَ غَيْرُهُ , وَلَا نَافِعَ وَلَا ضَارَّ غَيْرُهُ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ لَكَ مِنْ أَنْ تَنْطِقَ بِهِ فَيَرْتَفِعُ إِلَى السَّمَاءِ وَلَيْسَ لَكَ بُدٌّ مِنْ أَنْ تَجْعَلَ عَمَلَكَ كُلَّهُ لِلَّهِ لَا لِغَيْرِهِ وَلَا تَبْلُغَ عَمَلَكَ مِنْ كُلِّ حُرٍّ وَحُرٌّ وَاحِدٌ لِغَيْرِهِ , إلَّا طَمَعًا فِيهِ أَوْ حَيَاءً أَوْ خَوْفًا مِنْهُ فَإِذَا خِفْتَهُ وَطَمَعْتَ فِي غَيْرِهِ وَهُوَ مَالِكُ الْأَشْيَاءِ وَرَازِقُهَا فَقَدِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرَهُ وَأَجْلَلْتَهُ وَعَظَّمْتَهُ لِأَنَّكَ اسْتَحْيَيْتَ مِنْهُ وِخِفْتَهُ وَطَمَعْتَ فِيهِ فَأَذْهَبَ ذَلِكَ عَنْكَ مَا فِي قَلْبِكَ مِنْ تَوْحِيدِ اللَّهِ وَسُلْطَانِهِ وَعَظَمَتِهِ فَاعْرِفْ ذَلِكَ فَإِذَا صِرْتَ مُخْلِصًا بِهَذَا الْقَوْلِ عَامِلًا لَهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَلْيَكُنْ هُوَ أَوْثَقَ عِنْدَكَ مِنَ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ وَالْعَمِّ وَالْخَالِ وَالْأَبِّ وَالْأُمِّ وَمَنْ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ فَإِنَّكَ إِنْ تَكُنْ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ يُنْتَقَضُ عَلَيْكَ ضَمِيرُكَ وَتَوْحِيدُكَ وَمَعْرَفَتُكَ إِيَّاهُ فَهَاتَانِ خَصْلَتَانِ لَيْسَ لَكَ مِنْهُمَا بُدٌّ وَيَتْبَعُ بَعْضُهَا بَعْضًا , وَالثَّالِثَةُ إِذَا كُنْتَ بِهَذِهِ الْحَالِ فَأَقَمْتَ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ التَّوْحِيدِ وَالْإِخْلَاصِ وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ فَارْضَ عَنْهُ وَلَا تَسْخَطُ فِي شَيْءٍ يُحْزِنُكَ مِنْ خَوْفٍ أَوْ جُوعٍ أَوْ طَمَعٍ أَوْ رَخَاءٍ أَوْ شِدَّةٍ ، وَإِيَّاكَ وَالسُّخْطَ وَلْيَكُنْ قَلْبُكَ مَعَهُ لَا تَزُلْ عَنْهُ طَرَفَةَ عَيْنٍ فَإِنَّكَ إِنْ أَدْخَلْتَ قَلْبَكَ السَّخَطَ عَلَيْهِ فَإِنَّكَ مُتَهَاوِنٌ بِهِ فَيَنْتَقِضُ عَلَيْكَ تَوْحِيدُكَ فَعَلَيْكَ بِالْأَوَّلِ التَّوْحِيدِ وَالْإِخْلَاصِ فَاعْرِفْ ذَلِكَ وَافْهَمْ . هَذِهِ الثَّلَاثُ خِصَالٌ تَعَزَّزْ بِهِنَّ وَإِيَّاكَ أَنْ تُضَيِّعَهُنَّ فَتُقْذَفُ فِي النَّارِ وَلَا تَرَى فِي الدُّنْيَا قُرَّةَ عَيْنٍ
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ , ثنا عُمَرُ بْنُ الْحَسَنِ , ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عِمْرَانَ , قَالَ : سَمِعْتُ حَاتِمًا الْأَصَمَّ , يَقُولُ : كُنَّا مَعَ شَقِيقٍ الْبَلْخِيِّ وَنَحْنُ مُصَافُّو التُّرْكِ فِي يَوْمٍ لَا أَرَى فِيهِ إِلَّا رُءُوسًا تَنْدُرُ وَسِيُوفًا تُقْطَعُ وَرِمَاحًا تُقْصَرُ , فَقَالَ لِي شَقِيقٌ وَنَحْنُ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ : كَيْفَ تَرَى نَفْسَكَ يَا حَاتِمُ ؟ تَرَاهُ مِثْلَهُ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي زُفَّتْ إِلَيْكَ امْرَأَتُكَ قُلْتُ : لَا وَاللَّهِ قَالَ : لَكِنِّي وَاللَّهِ أَرَى نَفْسِي فِي هَذَا الْيَوْمِ مِثْلَهُ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي زُفَّتْ فِيهَا امْرَأَتِي . قَالَ : ثُمَّ نَامَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ وَدَرَقْتُهُ تَحْتَ رَأْسِهِ حَتَّى سَمِعْتُ غَطِيطَهُ
قَالَ حَاتِمٌ : وَرَأَيْتُ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِنَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ يَبْكِي , فَقُلْتُ مَا لَكَ ؟ قَالَ : قُتِلَ أَخِي قُلْتُ : حَظُّ أَخِيكَ صَارَ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رِضْوَانِهِ قَالَ : فَقَالَ لِي : اسْكُتْ مَا أَبْكِي أَسَفًا عَلَيْهِ وَلَا عَلَى قَتْلِهِ وَلَكِنِّي أَبْكِي أَسَفًا أَنْ أَكُونَ دَرَيْتُ كَيْفَ كَانَ صَبْرُهُ لِلَّهِ عِنْدَ وُقُوعِ السَّيْفِ بِهِ . قَالَ حَاتِمٌ : فَأَخَذَنِي فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ تُرْكِيٌّ فَأَضْجَعَنِي لِلذَّبْحِ فَلَمْ يَكُنْ قَلْبِي بِهِ مَشْغُولًا كَانَ قَلْبِي بِاللَّهِ مَشْغُولًا أَنْظُرُ مَاذَا يَأْذَنُ اللَّهُ لَهُ فِيَّ , فَبَيْنَا هُوَ يَطْلُبُ السِّكِّينَ مِنْ جَفْنَةٍ إِذْ جَاءَهُ سَهْمٌ غَائِرٌ فَذَبَحَهُ فَأَلْقَاهُ عَنِّي
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُوسَى , ثنا سَعِيدُ بْنُ أَحْمَدَ الْبَلْخِيُّ , قَالَ : سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ : سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ , يَقُولُ : سَمِعْتُ خَالِيَ مُحَمَّدَ بْنَ اللَّيْثِ يَقُولُ : سَمِعْتُ حَامِدًا اللَّفَّافَ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ حَاتِمًا الْأَصَمَّ , يَقُولُ : سَمِعْتُ شَقِيقَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ , يَقُولُ : مَنْ أَرَادَ أَنْ يعْرَفَ مَعْرِفَتَهُ بِاللَّهِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى مَا وَعْدَهُ اللَّهُ وَوَعَدَهُ النَّاسُ بِأَيِّهِمَا قَلْبُهُ أَوْثَقُ
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ , ثنا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى , ثنا سَعِيدُ بْنُ الْعَبَّاسِ ، ثنا أَبِي قَالَ : سَمِعْتُ حَاتِمًا الْأَصَمَّ , يَقُولُ : قَالَ شَقِيقٌ : مَا مِنْ يَوْمٍ إِلَّا وَيَسْتَخْبِرُ إِبْلِيسَ خَبَرَ كُلِّ آدَمِيٍّ سَبْعَ مَرَّاتٍ فَإِذَا سَمِعَ خَبَرَ عَبْدٍ تَابَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ ذُنُوبِهِ صَاحَ صَيْحَةً تَجْتَمِعُ إِلَيْهِ ذُرِّيَّتُهُ كُلُّهُمْ مِنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ , فَيَقُولُونَ لَهُ : مَا لَكَ يَا سَيِّدُنَا ؟ فَيَقُولُ : قَدْ تَابَ فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ فَمَا الْحِيلَةُ فِي فَسَادِهِ ؟ وَيَقُولُ لَهُمْ : هَلْ مِنْ قَرَابَتِهِ أَوْ مِنْ أَصْدِقَائِهِ أَوْ مِنْ جِيرَانِهِ مَعَكُمْ أَحَدٌ ؟ فَيَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : نَعَمْ وَهُوَ مِنْ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ فَيَقُولُ لِأَحَدِهِمُ : اذْهَبْ إِلَى قَرَابَتِهِ وَقُلْ لَهُ : مَا أَشَدُّ مَا أَخَذْتَ فِيهِ قَالَ : وَإِنَّ لِإِبْلِيسَ خَمْسَةُ أَبْوَابٍ , فَتَقُولُ لَهُ قَرَابَتُهُ : إِنَّكَ أَخَذْتَ بِالشِّدَةِ فَإِنْ أَخَذَ بِقَوْلِهِ رَجَعَ فَهَلَكَ وَإِلَّا هَلَكَ الْآخَرُ وَيَقُولُ لَهُ الْآخَرُ مِنْ قَرَابَتِهِ : هَذَا الَّذِي أَخَذْتَ فِيهِ لَا يتِمُّ فَإِنْ أَخَذَ بِقَوْلِهِ رَجَعَ وَهَلَكَ وَإِلَّا هَلَكَ الْآخَرُ وَيَقُولُ لَهُ الثَّالِثُ : كَمَا أَنْتَ حَتَّى تَفْنَى مَا فِي يَدَيْكَ مِنَ الْحُطَامِ فَإِنْ أَخَذَ بِقَوْلِهِ رَجَعَ وَهَلَكَ وَإِلَّا هَلَكَ الْآخَرُ فَيَأْتِيهِ الرَّابِعُ فَيَقُولُ لَهُ : تَرَكْتَ الْعَمَلَ فَلَا تَعْمَلُ وَأَنْتَ لَيْلَكَ وَنَهَارَكَ فِي رَاحَةٍ لَا تَعْمَلُ فَيَقُولُ لَهُ الْخَامِسُ : جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا تَبَّتْ وَأَخَذْتَ فِي عَمِلَ الْآخِرَةِ وَمَنْ مِثْلِكَ وَالْحَقُّ فِي يَدَكِ فَإِذَا أَجَابَهُمْ فَقَالَ : إِنَّكَ أَخَذْتَ بِالشِّدَّةِ يَرُدُّ عَلَيْهِ وَيَقُولُ : إِنِّي كُنْتُ قَبْلَ الْيَوْمِ فِي شِدَّةٍ فَأَمَّا الْيَوْمَ فَفِي رَاحَةٍ حَيْثُ أَرَدْتُ أَنْ أُرْضِيَ رَبِّي وَأَرْضِيَ النَّاسَ فَمَتَى أَرَضَيْتُ رَبِّي أَسْخَطْتُ النَّاسَ وَمَتَى مَا أَرَضَيْتُ النَّاسَ أَسْخَطْتُ رَبِّي , فَأَخَذْتُ الْيَوْمَ فِي رِضَاءِ رَبِّي الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ وَتَرَكَتُ النَّاسَ فَصِرْتُ الْيَوْمَ حُرًّا , وَهُوَّنْتَ عَلَيَّ أَمْرِي حَيْثُ أَعْبُدُ رَبِّي وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ فَإِذَا قَالَ : إِنَّكَ لَا تُتِمَّهُ فَقُلْ إِنَّمَا الْإِتْمَامُ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَلَيَّ أَنْ أَدْخُلَ فِي الْعَمَلِ وَتَمَامِهِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فَإِذَا قَالَ : كَمَا أَنْتَ حَتَّى تُفْنِي مَا فِي يَدَيْكَ مِنَ الْحُطَامِ فَقُلْ لَهُ : فَفِيمَ تُخَوِّفُنِي وَقَدِ اسْتَيْقَنْتُ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ لَيْسَ بِقَوْلِي فَإِنِّي لَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ وَمَا كَانَ لِي فَلَوْ دَخَلْتُ فِي الْأَرْضِ السَّابِعَةِ لَدَخَلَ عَلَيَّ إِذْ فَرَغْتُ نَفْسِي وَاشْتَغَلْتُ بِعِبَادَةِ رَبِّي فَفِيمَ تُخَوِّفْنِي فَإِذَا قَالَ : إِنَّكَ لَمْ تَعْمَلْ وَصِرْتَ بِلَا عَمَلٍ فَقُلْ : إِنِّي فِي عَمِلٍ شَدِيدٍ قَدِ اسْتَبَانَ لِي عَدُوٌّ فِي قَلْبِي وَلَنْ يَرْضَى عَلَيَّ رَبِّي إِلَّا أَنْ يَنْكَسِرَ هَذَا الْعَدُوُّ الَّذِي فِي قَلْبِي , وَأَكُونُ نَاصِرًا عَلَيْهِ فِي كُلِّ مَا أَلْقَى فِي قَلْبِي فَأَيُّ عَمِلٍ أَشَدُّ مِنْ هَذَا فَإِذَا أَجَبْتُهُ بِهَذَا وَاسْتَقَمْتُ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى يَجِيءُ إِلَيْكَ مِنْ قَبَلِ الْعُجْبِ بِنَفْسِكَ فَيَقُولُ لَكَ : مَنْ مِثْلُكَ جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا وَعَافَاكَ , فَيُرِيُدُ أَنْ يُوقِعَ فِي قَلْبِكَ الْعُجْبَ فَقُلْ لَهُ : إِذَا اسْتَبَانَ لَكَ أَنَّ الْحَقَّ هَذَا وَالصَّوَابُ فِي هَذَا الْعَمَلِ فَمَا يَمْنَعُكُ أَنْ تَأَخُذَ فِيهِ إِلَى أَنْ يَأْتِيَكَ الْمَوْتُ ؟ فَإِذَا أَجَبْتَهُمْ بِهَذَا تَفَرَّقُوا عَنْكَ وَلَا يَكُونُ لَهُمْ عَلَيْكَ سَبِيلٌ فَيَأْتُونَ إِبْلِيسَ , فَيُخْبِرُونَهُ فَيَقُولُ لَهُمْ إِبْلِيسُ : إِنَّهُ قَدْ أَصَابَ الطَّرِيقَ وَالْهَدْى فَلَيْسَ لَكُمْ عَلَيْهِ سَبِيلٌ وَلَكِنْ لَا يَرْضَى بِهَذَا حَتَّى يَدْعُوَ النَّاسَ إِلَى عُبَادَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , فَامْنَعُوا النَّاسَ عَنْهُ , وَقُولُوا لَهُمْ : إِنَّهُ لَا يُحْسِنُ شَيْئًا فَلَا تَخْتَلِفُوا إِلَيْهِ
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ , ثنا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى بْنِ مَاهَانَ , ثنا سَعِيدُ بْنُ الْعَبَّاسِ الرَّازِيُّ الصُّوفِيُّ ، ثنا أَبِي قَالَ : سَمِعْتُ حَاتِمًا الْأَصَمَّ , يَقُولُ : قَالَ شَقِيقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ : اسْتِتْمَامُ صَلَاحِ عَمِلِ الْعَبْدِ بِسِتِّ خِصَالٍ : تَضَرُّعٍ دَائِمٍ وَخَوْفٍ مِنْ وَعِيدِهِ وَالثَّانِي حَسَنِ ظَنِّهِ بِالْمُسْلِمِينَ , وَالثَّالِثُ اشْتِغَالِهِ بِعَيْبِهِ لَا يَتَفَرَّغُ لِعُيِوبِ النَّاسِ , وَالرَّابِعُ يَسْتُرُ عَلَى أَخِيهِ عَيْبَهُ وَلَا يُفْشِي فِي النَّاسِ عَيْبَهُ رَجَاءَ رُجُوعِهِ عَنِ الْمَعْصِيَةِ ، وَاسْتِصْلَاحِ مَا أَفْسَدَهُ مِنْ قَبْلِ وَالْخَامِسُ مَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ مِنْ خِسَةِ عَمَلِهَا اسْتَعْظَمَهَا رَجَاءَ أَنْ يَرَغِّبَ فِي الِاسْتِزَادَةِ مِنْهَا , وَالسَّادِسَةُ أَنْ يَكُونَ صَاحِبُهُ عِنْدَهُ مُصِيبًا
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُوسَى , قَالَ : سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ أَحْمَدَ الْبَلْخِيَّ , يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبِي ، يَقُولُ : سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدٍ يَقُولُ : سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ اللَّيْثِ , يَقُولُ : سَمِعْتُ حَامِدًا اللَّفَّافَ يَقُولُ : سَمِعْتُ حَاتِمًا الْأَصَمَّ , يَقُولُ : سَمِعْتُ شَقِيقًا الْبَلْخِيَّ , يَقُولُ : مَنْ لَمْ يعْرَفِ اللَّهَ بِالْقُدْرَةِ فَإِنَّهُ لَا يَعْرِفُهُ ، فَقِيلَ : وَكَيْفَ مَعْرِفَتُهُ بِالْقُدْرَةِ ؟ قَالَ : يَعْرِفُ أَنَّ اللَّهَ قَادِرٌ إِذَا كَانَ مَعَهُ شَيْءٌ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْهُ فَيُعْطِيهِ غَيْرَهُ , وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ شَيْءٌ أَنْ يُعْطِيَهُ
وَقَالَ : مَنْ أَرَادَ أَنْ يعْرَفَ مَعْرِفَتَهُ بِاللَّهِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى مَا وَعْدَهُ اللَّهُ وَوَعَدَهُ النَّاسُ بِأَيِّهِمَا قَلْبُهُ أَوْثَقُ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ , وَحَدَّثَنِي عَنْهُ ، أَوَّلًا عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعُثْمَانَيُّ , قَالَ : ثنا أَبُو الطَّيِّبِ الْعَبَّاسُ بْنُ أَحْمَدَ الشَّاشِيُّ ، , ثنا أَبُو عَقِيلٍ الرُّصَافِيُّ , ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الزَّاهِدُ , قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَلِيٍّ شَقِيقَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ الْبَلْخِيَّ يَقُولُ : عَشَرَةُ أَبْوَابٍ مِنَ الزُّهْدِ يُسَمَّى الرَّجُلُ فِيهَا زَاهِدًا إِذَا فَعَلَهَا فَإِذَا خَالَفَهَا سُمِّيَ مُتَزَهَّدًا , وَالْمُتَزَهِّدُ الَّذِي يَتَشَبَّهُ بِالزُّهَادِ فِي رُؤْيَتِهِ وَسُمْعَتِهِ وَخُشُوعِهِ وَقَوْلِهِ وَمَدْخَلِهِ وَمَخْرَجِهِ وَمَطْعَمِهِ وَمَلْبَسِهِ وَمَرْكَبِهِ وَفَعَلِهِ وَحَرْصِهِ وَحُبِّ الدُّنْيَا يَشْهَدُ عَلَيْهِ بِخِلَافِهِ تَرَى رِضَاهُ رِضَا الرَّاغِبِينَ وَبِسَاطَهُ فِي كَلَامِهِ وَعَجَلَتِهِ بِسَاطَ الرَّاغِبِينَ وَحَسَدَهُ وَبَغْيَهُ وَتَطَاوُلَهُ وَكَبْرَهُ وَفَخْرَهُ وَسُوءَ خُلُقِهِ وَحِفَا لِسَانِهِ وَطُولَ خَوْضِهِ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ يَدُلُّ عَلَى نِفَاقِ الْمُتَزَهِّدِ لَا عَلَى خُشُوعِ الزَّاهِدِ فَاحْذَرْ مِنْ هَذِهِ الصَّفَةِ وَإِذَا وَجَدْتَ فِيمَنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ زَاهِدُ هَذِهِ الْخِصَالِ الَّتِي أَصْفَهَا لَكَ فَارْجُ لَهُ أَنْ يَكُونَ فِي بَعْضِ طَرِيقِ الزُّهَادِ إِذَا سَرَّتْهُ حَسَنَةٌ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَةٌ وَكَرِهَ أَنْ يُحْمَدَ بِمَا لَمْ يَفْعَلْ مِنَ الْبِرِّ فَأَمَّا إِذَا لَمْ يَفْعَلْ يَكْرَهُهُ كَمَا يَكْرَهُ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَالْمَيْتَةَ وَالدَّمَ , وَإِذَا عَرَفَ هَذِهِ الْخِصَالَ صَرْفَ فِيهَا نَهَارَهُ وَسَاعَاتِهِ وَلَيْلَتَهُ وَسَاعَاتُهَا , نَقَصَ أَمَلُهُ وَطَالَ غَمُّهُ بِمَا أَمَامَهُ فَإِذَا شَغَلَ نَفْسَهُ بِغَيْرِ مَا خُلِقَ لَهُ طَالَ حُزْنُهُ وَعَلِمَ أَنَّهُ مَفْتُونٌ وَتَرَكَ مَنْ شَغَلَهُ عَنِ الطَّاعَةِ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ فَبِهَذَا يَجِدُونَ حَلَاوَةَ الزُّهْدِ وَبِهِ يَحْتَرِزُونَ مِنْ حِزْبِ الشَّيْطَانِ وَإِنَّ ذِكْرَ اللَّهِ عِنْدَهُمْ أَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ وَأَبْرَدُ مِنَ الْبَرْدِ وَأَشْفَى مِنَ الْمَاءِ الْعَذْبِ الصَّافِي عِنْدَ الْعَطْشَانِ فِي الْيَوْمِ الصَّائِفِ , وَتَكُونُ مَجَالَسَتُهُمْ مَعَ مَنْ يُصَفُ لَهُمُ الزُّهَّادُ وَيَعِظُهُمْ أَحَبُّ إِلَيْهِمْ وَأَشْهَى عِنْدَهُمْ مِمَّنْ يُعْطِيهِمُ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَذَلِكَ بِقُلُوبِهِمْ لَا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَأَنْ يَخْلُو أَحَدُهُمْ بِالْبُكَاءِ عَلَى ذُنُوبِهِ وَعَلَى الْخَوْفِ الشَّدِيدِ أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُ مَا يَعْمَلُ وَيَظْهَرُ لِلنَّاسِ مِنَ التَّبَسُّمِ وَالنَّشَاطِ كَأَنَّهُ ذُو رَغْبَةٍ لَا ذُو رَهْبَةٍ وَأَنْ لَا يُحَدِّثُ نَفْسَهُ أَنَّهُ خَيْرٌ مِنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ قِبْلَتِهِ : وَأَنْ يَعْرَفَ ذُنُوبَهُ وَلَا يَعْرِفُ ذُنُوبَ غَيْرِهِ فَإِذَا كَانَتْ فِيهِ هَذِهِ الْأَبْوَابُ الْعَشَرَةُ كَانَ فِي طَرِيقِ الزُّهَّادِ فَأَرْجُو أَنْ يَسْلُكَهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ , وَسَبْعَةُ أَبْوَابٍ تَتَلُو هَذِهِ الْأَبْوَابَ , التَّوَاضُعُ لِلَّهِ بِالْقَلْبِ لَا بِالْتَصَنُّعِ , وَالْخُضُوعُ لِلْحَقِّ طَوْعًا لَا بِالِاضْطِرَارِ وَحَسَنُ الْمُعَاشَرَةِ مَعَ مَنِ ابْتُلِيَ بِمُعَاشَرَتِهِمْ لَا لِرَغْبَةٍ فِيمَا عِنْدَهُمْ , وَالْهَرَبُ مِنَ الْمُنْكَبِّينَ عَلَى الدُّنْيَا كَهَرَبِ الْحِمَارِ مِنَ الْبِيطَارِ , وَالنُّفُورُ عَنْهَا كَنُفُوِرِ الْحِمَارِ مِنْ زئيرِ السَّبُعِ , وَطَلَبُ الْعَافِيَةِ مِنْ كُلِّ مَا يُخَافُ عِقَابُهُ وَلَا يَرْجُو ثَوَابَهُ , وَمُجَالَسَةُ الْبَكَّائِينَ عَلَى الذُّنُوبِ , وَالرَّحْمَةُ لِنَفْسِهِ وَلِأَنْفُسِهِمْ , وَمُخَاطَبَةِ الْعَالَمِينَ بِظَاهِرِهِ لَا بِقَلْبِهِ وَلَا يَتَخَوَّفُ مِنَ الْكَائِنِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْأَهْوَالِ وَالشَّدَائِدِ , فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ سَلَكَ طَرِيقَ الزُّهَّادِ وَنَالَ أَفْضَلَ الْعِبَادَةِ
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ , ثنا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى بْنِ مَاهَانَ , ثنا سَعِيدُ بْنُ الْعَبَّاسِ ، , ثنا أَبِي قَالَ : سَمِعْتُ حَاتِمًا الْأَصَمَّ , يَقُولُ : سَمِعْتُ شَقِيقًا الْبَلْخِيَّ , يَقُولُ : الْمُؤْمِنُ مَشْغُولٌ بِخَصْلَتَيْنِ وَالْمُنَافِقُ مَشْغُولٌ بِخَصْلَتَيْنِ , الْمُؤْمِنُ بِالْعِبَرِ وَالتَّفَكُرِ وَالْمُنَافِقُ مَشْغُولٌ بِالْحَرْصِ وَالْأَمَلِ
وَقَالَ : سَمِعْتُ شَقِيقًا الْبَلْخِيَّ ، يَقُولُ : عَلَى قَلْبِ ابْنِ آدَمَ أَرْبَعَةُ حُجُبٍ إِذَا أَيْسَرَ لَمْ يَفْرَحْ . وَإِنِ افْتَقَرَ لَمْ يَحْزَنْ وَكَانَ فِي الْأَمْرَيْنِ سَوَاءٌ فَقَدْ هَتَكَ سِتْرَيْنِ , فَعِنْدَ هَذَا لَا يَسْتَقِرُ الْخَيْرُ وَالْحِكْمَةُ فِي قَلْبِهِ حَتَّى يَكُونَ فِيهِ خَصْلَتَانِ يَتْرُكُ فُضُولَ الشَّيْءِ وَفُضُولِ الْكَلَامِ , فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ دَخَلَ قَلْبَهُ الْحِكْمَةُ وَنَطَقَ بِهَا لِسَانُهُ
قَالَ : وَسَمِعْتُ شَقِيقًا ، يَقُولُ : أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ قَدْ سَتَرْتُ عَلَى الْعِبَادِ أَمْرُ الْآخِرَةِ خَوْفُ الْفَقْرِ سِتْرُ خَوْفِ جَهَنَّمَ , وَأَيُّ شَيْءٍ يَقُولُ لِي النَّاسُ سُتِرَ عَنْهُ أَيُّ شَيْءٍ , يَقُولُ لِي الرَّبُّ إِذَا فَعَلْتَ هَذَا وَسَتَرَ حُبُّ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا حُبَّ الْآخِرَةِ وَسَتَرَ حُبُّ نِعْمَةِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَغُرُورَهَا وَشَهَوَاتِهَا وَظَاهَرَهَا مَا تَرَى مِنْ حُسْنِهَا عَنْ نَعِيمِ الْآخِرَةِ وَمَا أُعِدَّ لَهُ فِيهَا
حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ , ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَكَرِيَّا , قَالَ : قَالَ أَبُو تُرَابٍ : سَمِعْتُ حَاتِمًا الْأَصَمَّ , يَقُولُ : قَالَ شَقِيقٌ : إِذَا ظَهْرَ الْفَسَادُ فِي البَّرِّ وَالْبَحْرِ لَا يَكُونُ شَيْءٌ أَغْرَبَ مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ : التَّزْوِيجُ لِلْغَلَبَةِ , وَالْبَيْتُ لِلْعِدَّةِ وَالضِّيَافَةُ بِالسُّنَّةَ وَالْجِهَادُ بِلَا طَمَعٍ وَلَا رِيَاءً . قَالَ : تَفْسِيرُ التَّزْوِيجِ لِلْغَلَبَةِ رَجُلٌ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ فِي الْحَرَامِ فَيَتَزَوَّجُ , وَتَفْسِيرُ الْبَيْتِ لِلْعِدَّةِ أَنْ تَبْنِي بَيْتًا يَمْنَعُكَ مِنَ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَلَا تَضْرِبُ وَتَدًا عَلَى الْبَيْتِ حَتَّى تَنْظُرَ قَبْلَ الضَّرْبِ فَيَكُونُ لِلَّهِ تَعَالَى رِضًى كَذَلِكَ جَمِيعُ الْأَشْيَاءِ مَا كَانَ لِلَّهِ رِضًى فَتَقَدَّمْ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَاحْذَرْهُ وَتَفْسِيرُ الضِّيَافَةِ بِالسُّنَّةَ لَا تُدْخِلْ بَيْتَكَ رَجُلًا يَسْتَحِي مِنَ الْحَلَالِ وَيَحْتَشِمُ مِنْهُ فَيَكُونُ فِي بَيْتِكِ خُبْزٌ مَكْسُورٌ فَاسْتَحْيَيْتَ مِنَ الرَّجُلِ أَنْ تُقَدِمُهُ إِلَيْهِ . وَقَدْ جَاءَ فِي الْأَثَرِ مَنْ لَا يَسْتَحِي مِنَ الْحَلَالِ خَفَّتْ مَؤُنَتُهُ وَقَلَّ كِبْرِيَاؤُهُ وَمَنْ يَسْتَحِي مِنَ الْحَلَالِ فَهُوَ مُتَكَبِّرٌ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُوسَى , قَالَ : سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ أَحْمَدَ الْبَلْخِيَّ , يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ : سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدٍ يَقُولُ : سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ اللَّيْثِ , يَقُولُ : سَمِعْتُ حَامِدًا , يَقُولُ : سَمِعْتُ حَاتِمًا ، يَقُولُ : سَمِعْتُ شَقِيقًا , يَقُولُ : مَنْ خَرَجَ مِنَ النِّعْمَةِ وَوَقَعَ فِي الْقِلَّةِ ، فَلَا تَكُونُ الْقِلَّةُ أَعْظَمَ عِنْدَهُ مِنَ النِّعْمَةِ فَهُوَ فِي غَمَّيْنِ ، غَمٍّ فِي الدُّنْيَا وَغَمٍّ فِي الْآخِرَةِ , وَمَنْ خَرَجَ مِنَ النِّعْمَةِ وَوَقَعَ فِي الْقِلَّةِ وَكَانَتِ الْقِلَّةُ أَعْظَمَ عِنْدَهُ مِنَ النِّعْمَةِ الَّتِي خَرَجَ مِنْهَا كَانَ فِي فَرَحَيْنِ ، فَرَحِ الدُّنْيَا وَفَرَحِ الْآخِرَةِ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ , ثنا الْعَبَّاسُ بْنُ أَحْمَدَ الشَّاشِيُّ , ثنا أَبُو عَقِيلٍ الرُّصَافِيُّ ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الزَّاهِدُ , قَالَ : قَالَ شَقِيقٌ الْبَلْخِيُّ لِأَهْلِ مَجْلِسِهِ : أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَمَاتَكُمُ اللَّهُ الْيَوْمَ يُطَالِبُكُمْ بِصَلَاةِ غَدٍ , قَالُوا : لَا , يَوْمٌ لَا نَعِيشُ فِيهِ كَيْفَ يُطَالِبُنَا بِصَلَاتِهِ ؟ قَالَ شَقِيقٌ : فَكَمَا لَا يُطَالِبُكَمْ بِصَلَاةِ غَدٍ فَأَنْتُمْ لَا تَطْلُبُوا مِنْهُ رِزْقَ غَدٍ , عَسَى أَنْ لَا تَصِيرُونَ إِلَى غَدٍ
قَالَ : وَسَمِعْتُ شَقِيقًا يَقُولُ : الدُّخُولُ فِي الْعَمَلِ بِالْعِلْمِ وَالثَّبَاتِ فِيهِ بِالصَّبِرِ وَالتَّسْلِيمِ إِلَيْهِ بِالْإِخْلَاصِ فَمَنْ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ بِعِلْمٍ فَهُوَ جَاهِلٌ
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى بْنِ مَاهَانَ ، ثنا سَعِيدُ بْنُ الْعَبَّاسِ ، ثنا أَبِي قَالَ : سَمِعْتُ حَاتِمًا الْأَصَمَّ , يَقُولُ : سَمِعْتُ شَقِيقًا الْبَلْخِيَّ , يَقُولُ : لِكُلِّ شَيْءٍ حُسْنٌ وَحُسْنُ الطَّاعَةِ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ : إِذَا رَأَى الْعَبْدُ نَفْسَهُ فِي طَاعَةٍ فَلْيَقُلْ لِنَفْسِهِ : هَذِهِ طَيَّبَةٌ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ الَّذِي مَنَّ بِهَا عَلَيَّ ، وَإِذَا عَلِمَ ذَلِكَ كَسَرَ الْعُجْبَ وَيَكُونُ قَلْبُهُ مُعَلَّقًا بِالثَّوَابِ فَإِذَا عَلِقَ قَلْبُهُ بِالثَّوَابِ كَثُرَ الرِّيَاءَ لِأَنَّهُ عَمِلَ لِيُثَابَ عَلَيْهِ فَإِذَا وَسْوَسَ لَهُ الشَّيْطَانُ يَقُولُ : إِنَّمَا أَعْمَلُهُ لِثَوَابٍ أَنْتَظِرُهُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ؛ فَعِنْدَ ذَلِكَ يَغْلِبُ الشَّيْطَانَ بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا عَمِلَهُ وَهُوَ يُرِيدُ الثَّوَابَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى فَقَدْ كَسَرَ الطَّمَعَ مِنَ النَّاسِ وَالْمَحْمَدَةَ وَالثَّنَاءَ ، وَتَفْسِيرُ الطَّمَعِ نِسْيَانُ الرَّبِّ ، فَإِذَا نَسِيَ اللَّهَ طَمِعَ فِي الْخَلْقِ ، فَهُوَ فِي وَقْتِهِ ذَلِكَ عَاقِلٌ إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَجُلًا يتَلَقَّى الْأَشْيَاءَ مِنْ رَبِّهِ وَأَرَادَ بِمَسْأَلَتِهِ أَنْ يُؤْجَرَ الْآخِرَةَ
وَقَالَ : انْظُرْ إِذَا أَصْبَحْتَ فَلَا يَكُونُ هَمُّكَ فِي طَلَبِ رِضَى الْخَلْقِ وَسَخَطِهِمْ , وَلَا يَكُونَنَّ خَوْفُكَ إِلَّا مَا قَدَّمْتَ مِنَ الذُّنُوبِ حَتَّى لَا تَجْتَرِئَ أَنْ تَزِيدَ عَلَى غَيْرِهِ وَلَا يَكُونَنَّ اسْتِعْدَادُكَ إِلَّا لِلْمَوْتِ , فَإِذَا كَانَ اسْتِعْدَادُكَ لِلْمَوْتِ لَوْ جُعِلَتْ لَكَ الدُّنْيَا بِتِرْيَعِهَا لَمْ تَرْغَبْ فِيهَا
حَدَّثَنَا الشَّيْخُ الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ , قَالَ ثنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ الْوَرَّاقُ , ثنا الْعَبَّاسُ بْنُ أَحْمَدَ الشَّاشِيُّ , ثنا أَبُو عَقِيلٍ الرُّصَافِيُّ , ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الزَّاهِدُ , قَالَ : سَمِعْتُ شَقِيقَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ الْبَلْخِيِّ , يَقُولُ : قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ : أَقْرَبُ الزُّهَّادِ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَشَدُّهُمْ خَوْفًا , وَأَحَبُّ الزُّهَّادِ إِلَى اللَّهِ أَحْسَنُهُمْ لَهُ عَمَلًا , وَأَفْضَلُ الزُّهَّادِ عِنْدَ اللَّهِ أَعْظَمُهُمْ فِيمَا عِنْدَهُ رَغْبَةً , وَأَكَرَمُ الزُّهَّادِ عَلَيْهِ أَتْقَاهُمْ لَهُ , وَأَتَمُّ الزُّهَّادِ زُهْدًا أَسْخَاهُمْ نَفْسًا وَأَسْلَمُهُمْ صَدْرًا , وَأَكْمَلُ الزُّهَّادِ زُهْدًا أَكْثَرَهُمْ يَقِينًا
قَالَ : وَسَمِعْتُ شَقِيقًا ، يَقُولُ : قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ : الزَّاهِدُ يَكْتَفِي مِنَ الْأَحَادِيثِ وَالْقَالِ وَالْقِيلِ وَمَا كَانَ وَمَا يَكُونُ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : {{ لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ لِيَوْمِ الْفَصْلِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ }} يَوْمَ يُقَالُ : {{ اقْرَأْ كِتَابِكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا }}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ : فَبَلَغَنِي أَنَّ الْحَسَنَ قَالَ فِي قَوْلِهِ : {{ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا }} لِكُلِّ آدَمِيٍّ قِلَادَةٌ فِيهَا نُسْخَةُ عَمَلِهِ , فَإِذَا مَاتَ طُوِيَتْ وَقُلِّدَهَا فَإِذَا بُعِثَ نُشِرَتْ . وَقِيلَ : {{ اقْرَأْ كِتَابِكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا }} ابْنَ آدَمَ لَقَدْ أَنْصَفَكَ رَبُّكَ وَعَدَلَ عَلَيْكَ مَنْ جَعَلَكَ حَسِيبَ نَفْسِكَ , يَا ابْنَ آدَمَ فَكَايِسْ عَنْهَا فَإِنَّهَا إِنْ وَقَعَتْ لَمْ تَنْجُ قَالَ شَقِيقٌ : قَالَ إِبْرَاهِيمُ : فَمَنْ فَهِمَ هَذَا بِقَلْبِهِ اسْتَنَارَ وَأَشْرَقَ وَأَيْقَنَ وَهُدِيَ وَاعْتَصَمَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ
قَالَ شَقِيقٌ : وَالزَّاهِدُ وَالرَّاغِبُ كَرَجُلَيْنِ يُرِيدُ أَحَدُهُمَا الْمَشْرِقَ وَالْآخَرُ يُرِيدُ الْمَغْرِبَ , هَلْ يَتَّفِقَانِ عَلَى أَمْرٍ وَاحِدٍ وَبُغْيَتُهُمَا مُخَالِفَةٌ هَوَاهُمَا شَتَّى , دُعَاءُ الرَّاغِبِ : اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي مَالًا وَوَلَدًا وَخَيْرًا , وَانْصُرْنِي عَلَى أَعْدَائِي , وَادْفَعْ عَنِّي شُرُورَهُمْ وَحَسَدَهُمْ وَبَغْيَهُمْ وَبَلَاءَهُمْ وَفِتْنَتَهُمْ آمِينَ . وَدُعَاءُ الزَّاهِدِ : اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي عِلْمَ الْخَائِفِينَ , وَخَوْفَ الْعَامِلِينَ وَيَقِينَ الْمُتَوَكِّلِينَ , وَتَوَكُّلَ الْمُوقِنِينَ , وَشُكْرَ الصَّابِرِينَ , وَصَبَرَ الشَّاكِرِينَ , وَإِخْبَاتَ الْمُغْلَبِينَ وَإِنَابَةَ الْمُخْبِتِينَ , وَزُهَدَ الصَّادِقِينَ , وَأَلْحِقْنِي بِالشُّهَدَاءِ وَالْأَحْيَاءِ الْمَرْزُوقِينَ , آمِينَ رَبَّ الْعَالَمِينَ . هَذَا دُعَاؤهُ . هَلْ مِنْ شَيْءٍ مِنْ دُعَاءِ الرَّاغِبِ يُحِيطُ بِهِ لَا وَاللَّهِ هَذَا طَرِيقٌ وَذَاكَ طَرِيقٌ
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ , ثنا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى , ثنا سَعِيدُ بْنُ الْعَبَّاسِ , ثنا أَبِي , ثنا حَاتِمٌ ، قَالَ : سَمِعْتُ شَقِيقًا , يَقُولُ : مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ رَجُلٍ غَرَسَ نَخْلَةٍ وَهُوَ يَخَافُ أَنْ يَحْمِلَ شَوْكًا , وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ كَمَثَلِ رَجُلٍ زَرَعَ شَوْكًا وَهُوَ يَطْمَعُ أَنْ يَحْصُدَ تَمْرًا هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ كُلُّ مَنْ عَمِلَ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَجْزِيهِ إِلَّا حَسَنًا وَلَا تُنْزَلُ الْأَبْرَارُ مَنَازِلَ الْفُجَّارِ
قَالَ شَقِيقٌ : وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا كَتَبَ جَمِيعَ الْعِلْمِ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ حَتَّى يَكُونَ فِيهِ خَصْلَتَانِ : حَتَّى يَكُونَ فَعْلُهُ التَّفْكِيرُ وَالْعِبَرُ , وَقَلْبُهُ فَارِغًا لِلتَّفَكُّرِ , وَعَيْنُهُ فَارِغَةٌ لِلْعَبَرِ , كُلَّمَا نَظَرَ إِلَى شَيْءٍ مِنَ الدُّنْيَا كَانَ لَهُ عِبْرَةٌ . الْمُؤْمِنُ مَشْغُولٌ بِخَصْلَتَيْنِ وَالْمُنَافِقُ مَشْغُولٌ بِخَصْلَتَيْنِ , الْمُؤْمِنُ بِالْعَبَرِ وَالتَّفَكُّرِ , وَالْمُنَافِقُ مَشْغُولٌ بِالْحَرْصِ وَالْأَمَلِ
وَقَالَ شَقِيقٌ : أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ مِنْ طَرِيقِ الِاسْتِقَامَةِ : لَا يَتْرُكُ أَمْرَ اللَّهِ لِشِدَّةٍ تَنْزِلُ بِهِ , وَلَا يَتْرُكُهُ لِشَيْءٍ يَقَعُ فِي يَدِهِ مِنَ الدُّنْيَا فَلَا يَعْمَلُ بِهَوَى أَحَدٍ , وَلَا يَعْمَلُ بِهَوَى نَفْسِهِ لِأَنَّ الْهَوَى مَذْمُومٌ , لَيَعْمَلَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ
وَقَالَ شَقِيقٌ : مَتَى أَغْفَلَ الْعَبْدُ قَلْبَهُ عَنِ اللَّهِ وَالتَّفَكُّرِ فِي صُنْعِهِ وَمِنَّتِهِ عَلَيْهِ ثُمَّ مَاتَ مَاتَ عَاصِيًا لِأَنَّ الْعَبْدَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَكُونَ قَلْبُهُ أَبَدًا مَعَ اللَّهِ , يَقُولُ : يَا رَبِّ أَعْطِنِي الْإِيمَانَ وَعَافِنِي مِنَ الْبَلَاءِ وَاسْتُرْ لِي مِنْ عُيوبِي وَارْزُقْنِي وَاجْعَلْ نِعَمَكَ مُتَوَالِيَةً عَلَيَّ فَهُوَ أَبَدًا مُتَفَكِّرٌ فِي نَعَمِ اللَّهِ عَلَيْهِ , فَالتَّفَكُّرُ فِي مِنَّةِ اللَّهِ شُكْرٌ , وَالْغَفْلَةُ عَنْهُ سَهْوٌ
قَالَ شَقِيقٌ : وَلَا تَكُونَنَّ مِمَّنْ يَجْمَعُ بِحَرْصٍ وَيَحْسِبُهُ بِشَكٍّ وَيَخْلُفُهُ عَلَى الْأَعْدَاءِ , وَيُنْفِقُهُ فِي الرِّيَاءِ , فَيؤْخَذُ فِي الْحِسَابِ وَيُعَاقَبُ عَلَيْهِ إِنْ لَمْ يَعْفُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُوسَى , ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الْبَلْخِيُّ , قَالَ : سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ : سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدٍ يَقُولُ : سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ اللَّيْثِ , يَقُولُ : سَمِعْتُ حَامِدًا ، يَقُولُ : سَمِعْتُ حَاتِمًا ، يَقُولُ : سَمِعْتُ شَقِيقًا ، يَقُولُ : مَنْ دَارَ حَوْلَ الْعُلُوِّ فَإِنَّمَا يَدُورُ حَوْلَ النَّارِ ، وَمَنْ دَارَ حَوْلَ الشَّهَوَاتِ فَإِنَّمَا يَدُورُ حَوْلَ دَرَجَاتِهِ فِي الْجَنَّةِ لِيَأْكُلَهَا وَيُنْقِصَهَا فِي الدُّنْيَا
وَقَالَ شَقِيقٌ : لَيْسَ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنَ الضَّيْفِ لِأَنَّ رِزْقَهُ وَمُؤْنَتَهُ عَلَى اللَّهِ وَأَجْرَهُ عَلَى اللَّهِ
وَقَالَ : اتَّقِ الْأَغْنِيَاءَ فَإِنَّكَ مَتَى مَا عَقَدْتَ قَلْبَكَ مَعَهُمْ , وَطَمِعْتَ فِيهِمْ فَقَدِ اتَّخَذْتَهُمْ رَبًا مِنْ دُونِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَسْنَدَ شَقِيقٌ عَنْ جَمَاعَةٍ فِيمَّا يُعْرَفُ بِمَفَارِيدِهِ
ما حَدَّثَنَاهُ أَبُو الْقَاسِمِ زَيْدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي بِلَالٍ , ثنا عَلِيُّ بْنُ مَهْرَوَيْهِ , ثنا يُوسُفُ بْنُ حَمْدَانَ , ثنا أَبُو سَعِيدٍ الْبَلْخِيُّ , ثنا شَقِيقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الزَّاهِدُ , ثنا عَبَّادُ بْنُ كَثِيرٍ , عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ، عَنْ جَابِرٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : لَا تَجْلِسُوا مَعَ كُلِّ عَالِمٍ إِلَّا مَعَ عَالِمٍ يَدْعُوكُمْ مِنْ خَمْسٍ إِلَى خَمْسٍ : مِنَ الشَّكِّ إِلَى الْيَقِينِ , وَمِنَ الْعَدَاوَةِ إِلَى النَّصِيحَةِ وَمِنَ الْكِبْرِ إِلَى التَّوَاضُعِ وَمِنَ الرِّيَاءِ إِلَى الْإِخْلَاصِ وَمِنَ الرَّغْبَةِ إِلَى الرَّهْبَةِ أَبُو سَعِيدٍ اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ حُجْرٍ . وَرَوَاهُ أَيْضًا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ شَقِيقٍ حَدَّثَنَا أَبُو سَعْدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْإِدْرِيسِيُّ , ثنا أَحْمَدُ بْنُ نَصْرٍ الْأَعْمَشُ الْبُخَارِيُّ ، ثنا سَعِيدُ بْنُ مَحْمُودٍ , ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَنْصَارِيُّ , ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، ثنا شَقِيقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الزَّاهِدُ , عَنْ عَبَّادِ بْنِ كَثِيرٍ , مِثْلَهُ رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ خَالِدٍ الْمُهَلَّبِيُّ عَنْ شَقِيقٍ ، فَخَالَفَهُمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدٍ , ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْقَاضِي ، بِسَمَرْقَنْدَ , ثنا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْفَارِسِيُّ ، بِبَلْخٍ , ثنا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ , ثنا شَقِيقٌ , ثنا عَبَّادٌ , عَنْ أَبَانَ ، عَنْ أَنَسٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِثْلَهُ وَهَذَا الْحَدِيثُ كَلَامٌ كَانَ شَقِيقٌ كَثِيرًا مَا يَعِظُ بِهِ أَصْحَابَهُ وَالنَّاسَ , فَوَهِمَ فِيهِ الرُّوَاةُ فَرَفَعُوهُ وَأَسْنَدُوهُ
حَدَّثَنَا أَبُو يَعْلَى الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ الزُّبَيْرِيُّ , ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الطُّوسِيُّ ، ثنا أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بْنُ أَحْيَدَ الْبَلْخِيُّ , ثنا أَبُو صَالِحٍ مُسْلِمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مُسْتَمْلِي عُمَرَ بْنِ هَارُونَ حَدَّثَنِي أَبُو عَلِيٍّ شَقِيقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الزَّاهِدُ , ثنا عَبَّادُ بْنُ كَثِيرٍ , عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ، عَنْ جَابِرٍ , أَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ : لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ مِنْهُ
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ أَبُو مُحَمَّدٍ , ثنا خَلَفُ بْنُ الْمُفَضَّلِ الْبَلْخِيُّ , ثنا مُحَمَّدُ بْنُ حَمْدَانَ ، بِبَلْخٍ , ثنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ مُسْتَمْلِي وَكِيعٍ , ثنا شَقِيقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الزَّاهِدُ وَكُنْيَتُهُ أَبُو عَلِيٍّ عَنْ إِسْرَائِيلَ بْنِ يُونُسَ , عَنْ ثُوَيْرِ بْنِ أَبِي فَاخِتَةَ , عَنْ أُمِّهِ ، أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ ، نَقَصَ التَّكْبِيرَ , فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ : نَقَصُوهَا نَقَصَهُمُ اللَّهُ ، لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يُكَبِّرُ كُلَّمَا رَكَعَ وَكُلَّمَا سَجَدَ وَكُلَّمَا رَفَعَ
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ , ثنا خَلَفُ بْنُ الْفَضْلِ , ثنا مُحَمَّدُ بْنُ حَمْدَانَ , ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ , ثنا شَقِيقٌ ، عَنْ إِسْرَائِيلَ , عَنْ ثُوَيْرٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ كَانَ يَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الشَّافِعِيُّ , فِي كِتَابِهِ وَحَدَّثَنِي عَنْهُ مَنْصُورُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حُمَيْدٍ الْمُعَدِّلُ , ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ دَاوُدَ , ثنا شَقِيقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ , ثنا أَبُو هَاشِمٍ الْأَيْلِيُّ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : يَا ابْنَ آدَمَ لَا تَزَالُ قَدَمُكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى تُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعَةٍ : عَنْ عُمُرِكَ فِيمَا أَفْنَيْتَهُ وَعَنْ جَسَدِكِ فِيمَا أَبْلَيْتَهُ وَمَالَكَ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبْتَهُ وَأَيْنَ أَنْفَقْتَهُ