حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ سَاجٍ ، عَنْ بِشْرِ بْنِ تَيْمٍ ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ ، قَالَ : كَانَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الْجِنِّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَسْكُنُ ذَا طُوًى , وَكَانَ لَهَا ابْنٌ , وَلَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ غَيْرُهُ , وَكَانَتْ تُحِبُّهُ حُبًّا شَدِيدًا , وَكَانَ شَرِيفًا فِي قَوْمِهِ , فَتَزَوَّجَ وَأَتَى زَوْجَتَهُ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ سَابِعِهِ , قَالَ لِأُمِّهِ : يَا أُمَّتَ إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ سَبْعًا نَهَارًا ، فَقَالَتْ لَهُ أُمُّهُ : أَيْ بُنَيَّ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكَ سُفَهَاءَ قُرَيْشٍ ، فَقَالَ : أَرْجُو السَّلَامَةَ ، فَأَذِنَتْ لَهُ ، فَوَلَّى فِي صُورَةِ جَانٍّ ، فَلَمَّا أَدْبَرَ جَعَلَتْ تُعَوِّذُهُ وَتَقُولُ : أُعِيذُهُ بِالْكَعْبَةِ الْمَسْتُورَةِ ، وَدَعَوَاتِ ابْنِ أَبِي مَحْذُورَةَ ، وَمَا تَلَى مُحَمَّدٌ مِنْ سُورَةٍ ، إِنِّي إِلَى حَيَاتِهِ فَقِيرَةٌ ، وَإِنَّنِي بِعَيْشِهِ مَسْرُورَةٌ , فَمَضَى الْجَانُّ نَحْوَ الطَّوَافِ , فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا وَصَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ , ثُمَّ أَقْبَلَ مُنْقَلِبًا , حَتَّى إِذَا كَانَ بِبَعْضِ دُورِ بَنِي سَهْمٍ عَرَضَ لَهُ شَابٌّ مِنْ بَنِي سَهْمٍ أَحْمَرُ أَكْشَفُ أَزْرَقُ أَحْوَلُ أَعْسَرُ , فَقَتَلَهُ فَثَارَتْ بِمَكَّةَ غَبَرَةٌ حَتَّى لَمْ تُبْصَرْ لَهَا الْجِبَالُ ، قَالَ أَبُو الطُّفَيْلِ : وَبَلَغَنَا أَنَّهُ إِنَّمَا تَثُورُ تِلْكَ الْغَبَرَةُ عِنْدَ مَوْتِ عَظِيمٍ مِنَ الْجِنِّ ، قَالَ : فَأَصْبَحَ مِنْ بَنِي سَهْمٍ عَلَى فُرُشِهِمْ مَوْتَى كَثِيرٌ مِنْ قَتْلَى الْجِنِّ الشبَابٍّ ، قفِيهِمْ سَبْعُونَ شَيْخًا أَصْلَعَ سِوَى شَابٍّ ، قَالَ : فَنَهَضَتْ بَنُو سَهْمٍ وَحُلَفَاؤُهُمْ وَمَوَالِيهِمْ وَعَبِيدُهُمْ , فَرَكِبُوا الْجِبَالَ وَالشِّعَابَ بِالثَّنِيَّةِ فَمَا تَرَكُوا حَيَّةً وَلَا عَقْرَبًا وَلَا حُكًا وَلَا عَضَايَةً وَلَا خُنْفُسًا وَلَا شَيْئًا مِنَ الْهَوَامِّ يَدُبُّ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ إِلَّا قَتَلُوهُ , فَأَقَامُوا بِذَلِكَ ثَلَاثًا فَسَمِعُوا فِي اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ هَاتِفًا يَهْتِفُ بِصَوْتٍ لَهُ جَهْوَرِيٍّ , يُسْمَعُ بِهِ بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ : يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ اللَّهَ اللَّهَ فَإِنَّ لَكُمْ أَحْلَامًا وَعُقُولًا , اعْذِرُونَا مِنْ بَنِي سَهْمٍ ، فَقَدْ قَتَلُوا مِنَّا أَضْعَافَ مَا قَتَلْنَا مِنْهُمْ , ادْخُلُوا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ بِالصُّلْحِ نُعْطِيهِمْ وَيُعْطُونَا الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ أَنْ لَا يَعُودَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ بِسُوءٍ أَبَدًا فَفَعَلَتْ ذَلِكَ قُرَيْشٌ وَاسْتَوْثَقُوا لِبَعْضٍ مِنْ بَعْضٍ فَسُمِّيَتْ بَنُو سَهْمٍ الْغَيَاطِلَةَ قَتْلَةَ الْجِنِّ
حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ : وَأَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ نَبِيهَةَ السَّهْمِيُّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ هَاشِمٍ السَّهْمِيِّ ، قَالَ : كُنْتُ بِمَالٍ لِي بِتَبَالَةَ أَجِدُ نَخْلًا لِي بِهِ ، وَبَيْنَ يَدَيَّ جَارِيَةٌ لِي فَارِهَةٌ فَصُرِعَتْ قَدَمَيَّ , فَقُلْتُ لِبَعْضِ خَدَمِنَا : هَلْ رَأَيْتُمْ هَذَا مِنْهَا مِنْ قَبْلِ هَذَا ؟ قَالُوا : لَا ، قَالَ : فَوَقَفْتُ عَلَيْهَا ، فَقُلْتُ : يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ أَنَا رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَهْمٍ وَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا كَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنَ الْحَرْبِ وَمَا صِرْنَا إِلَيْهِ مِنَ الصُّلْحِ وَالْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ أَنْ لَا يَغْدِرَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ ، وَلَا يَعُودَ إِلَى مُكَرُوهِ صَاحِبِهِ فَإِنْ وَفَّيْتُمْ وَفَّيْنَا ، وَإِنْ غَدَرْتُمْ عُدْنَا إِلَى مَا تَعْرِفُونَ قَالَ : فَأَفَاقَتِ الْجَارِيَةُ وَرَفَعَتْ رَأْسَهَا , فَمَا عِيدَ إِلَيْهَا بِمَكْرُوهٍ حَتَّى مَاتَتْ
حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ : حَدَّثَنِي جَدِّي ، قَالَ : حَدَّثَنِي دَاوُدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَيْرٍ ، عَنْ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ ، قَالَ : كُنَّا جُلُوسًا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فِي الْحِجْرِ إِذَا قَلَصَ الظِّلُّ وَقَامَتِ الْمَجَالِسُ إِذَا نَحْنُ بِبَرِيقِ أَيْمٍ طَالِعٍ مِنْ هَذَا الْبَابِ ، يَعْنِي بَابَ بَنِي شَيْبَةَ ، فَاشْرَأَبَّتْ لَهُ أَعْيُنُ النَّاسِ , فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا , وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَرَاءَ الْمَقَامِ ، فَقُمْنَا إِلَيْهِ فَقُلْنَا : أَلَا أَيُّهَا الْمُعْتَمِرُ قَدْ قَضَى اللَّهُ نُسُكَكَ وَإِنَّ بِأَرْضِنَا عَبِيدًا وَسُفَهَاءَ , وَإِنَّا نَخْشَى عَلَيْكَ مِنْهُمْ فَكَوَّمَ بِرَأْسِهِ كَوْمَةً بَطْحَاءَ , فَوَضَعَ ذَنَبَهُ عَلَيْهَا فَسَمَا فِي السَّمَاءِ حَتَّى مَثُلَ عَلَيْنَا فَمَا نَرَاهُ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْخُزَاعِيُّ : الْأَيْمُ الْحَيَّةُ الذَّكَرُ ، قَالَ أَبُو الْوَلِيدِ : أَقْبَلَ طَائِرٌ أَشَفُّ مِنَ الْكُعَيْتِ شَيْئًا , لَوْنُهُ لَوْنُ الْحِبَرَةِ بِرِيشَةٍ حَمْرَاءَ وَرِيشَةٍ سَوْدَاءَ , دَقِيقُ السَّاقَيْنِ طَوِيلُهُمَا , لَهُ عُنُقٌ طَوِيلَةٌ دَقِيقُ الْمِنْقَارِ طَوِيلُهُ ، كَأَنَّهُ مِنْ طَيْرِ الْبَحْرِ ، يَوْمَ السَّبْتِ يَوْمَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ ذِي الْقِعْدَةِ سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِينَ وَمِائَتَيْنِ ، حِينَ طَلَعَتِ الشَّمْسُ وَالنَّاسُ إِذْ ذَاكَ فِي الطَّوَافِ كَثِيرٌ , مِنَ الْحَاجِّ وَغَيْرِهِمْ مِنْ نَاحِيَةِ أَجْيَادِ الصَّغِيرِ , حَتَّى وَقَعَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَقَرِيبًا مِنْ مِصْبَاحِ زَمْزَمَ , مُقَابِلَ الرُّكْنِ الْأَسْوَدِ سَاعَةً طَوِيلَةً ، قَالَ : ثُمَّ طَارَ حَتَّى صَدَمَ الْكَعْبَةَ فِي نَحْوٍ مِنْ وَسَطِهَا بَيْنَ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ وَالرُّكْنِ الْأَسْوَدِ , وَهُوَ إِلَى الْأَسْوَدِ أَقْرَبُ , ثُمَّ وَقَعَ عَلَى مَنْكِبِ رَجُلٍ فِي الطَّوَافِ عِنْدَ الرُّكْنِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْحَاجِّ مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ مُحْرِمٍ يُلَبِّي , وَهُوَ عَلَى مَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ فَطَافَ الرَّجُلُ بِهِ أَسَابِيعَ ، وَالنَّاسُ يَدْنُونَ مِنْهُ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ , وَهُوَ سَاكِنٌ غَيْرُ مُسْتَوْحِشٍ مِنْهُمْ ، وَالرَّجُلُ الَّذِي عَلَيْهِ الطَّيْرُ يَمْشِي فِي الطَّوَافِ وَسَطَ النَّاسِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ وَيَتَعَجَّبُونَ ، وَعَيْنَا الرَّجُلِ تَدْمَعَانِ عَلَى خَدَّيْهِ وَلِحْيَتِهِ ، قَالَ : وَأَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبِيعَةَ ، قَالَ : رَأَيْتُهُ عَلَى مَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ وَالنَّاسُ يَدْنُونَ مِنْهُ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ فَلَا يَنْفُرُ مِنْهُمْ وَلَا يَطِيرُ وَطُفْتُ أَسَابِيعَ ثَلَاثَةً , كُلُّ ذَلِكَ أَخْرُجُ مِنَ الطَّوَافِ فَأَرْكَعُ خَلْفَ الْمَقَامِ , ثُمَّ أَعُودُ وَهُوَ عَلَى مَنْكِبِ الرَّجُلِ ، قَالَ : ثُمَّ جَاءَ إِنْسَانٌ مِنْ أَهْلِ الطَّوَافِ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَطِرْ ، وَطَافَ بَعْدَ ذَلِكَ بِهِ , ثُمَّ طَارَ هُوَ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ , حَتَّى وَقَعَ عَلَى يَمِينِ الْمَقَامِ سَاعَةً طَوِيلَةً وَهُوَ يَمُدُّ عُنُقَهُ وَيَقْبِضُهَا إِلَى جَنَاحِهِ ، وَالنَّاسُ مُسْتَكِفُّونَ لَهُ , يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ عِنْدَ الْمَقَامِ إِذْ أَقْبَلَ فَتًى مِنَ الْحَجَبَةِ فَضَرَبَ بِيَدِهِ فِيهِ فَأَخَذَهُ لِيُرِيَهُ رَجُلًا مِنْهُ كَانَ يَرْكَعُ خَلْفَ الْمَقَامِ ؛ فَصَاحَ الطَّيْرُ فِي يَدِهِ أَشَدَّ صِيَاحٍ وَأَوْحَشَهُ ، لَا يُشْبِهُ صَوْتُهُ أَصْوَاتَ الطَّيْرِ ؛ فَفَزِعَ مِنْهُ ؛ فَأَرْسَلَهُ مِنْ يَدِهِ ؛ فَطَارَ حَتَّى وَقَعَ بَيْنَ يَدَيْ دَارِ النَّدْوَةِ خَارِجًا مِنَ الظِّلَالِ فِي الْأَرْضِ قَرِيبًا مِنَ الْأُسْطُوَانَةِ الْحَمْرَاءِ , وَاجْتَمَعَ النَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ وَهُوَ مُسْتَأْنِسٌ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ غَيْرَ مُسْتَوْحِشٍ مِنَ النَّاسِ ، ثُمَّ طَارَ هُوَ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ , فَخَرَجَ مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ الَّذِي بَيْنَ دَارِ النَّدْوَةِ وَدَارِ الْعَجَلَةِ نَحْوَ قُعَيْقِعَانَ