قَالَ : أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَبْرَةَ ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ ، عَنْ أَبِي حَبِيبَةَ ، مَوْلَى الزُّبَيْرِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ : لَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ هَرَبَ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ إِلَى الْيَمَنِ ، وَخَافَ أَنْ يَقْتُلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، وَكَانَتِ امْرَأَتُهُ أُمُّ حَكِيمٍ بِنْتِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ امْرَأَةً لَهَا عَقْلٌ ، وَكَانَتْ قَدِ اتَّبَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَجَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَقَالَتْ : إِنَّ ابْنَ عَمِّي عِكْرِمَةَ قَدْ هَرَبَ مِنْكَ إِلَى الْيَمَنِ وَخَافَ أَنْ تَقْتُلَهُ فَأَمِّنْهُ قَالَ : قَدْ أَمَّنْتُهُ بِأَمَانِ اللَّهِ ، فَمَنْ لَقِيَهُ فَلَا يَعْرِضْ لَهُ . فَخَرَجَتْ فِي طَلَبِهِ فَأَدْرَكَتْهُ فِي سَاحِلٍ مِنْ سَوَاحِلِ تِهَامَةَ ، وَقَدْ رَكِبَ الْبَحْرَ ، فَجَعَلَتْ تَلُوحُ إِلَيْهِ وَتَقُولُ : يَا ابْنَ عَمِّي ، جِئْتُكَ مِنْ عِنْدِ أَوْصَلِ النَّاسِ وَأَبَرِّ النَّاسِ وَأَخْيَرِ النَّاسِ ، فَلَا تُهْلِكْ نَفْسَكَ ، وَقَدِ اسْتَأْمَنْتُ لَكَ مِنْهُ فَأَمَّنَكَ ، فَقَالَ : أَنْتِ فَعَلْتِ ذَلِكَ ؟ قَالَتْ : نَعَمْ ، أَنَا كَلَّمْتُهُ فَأَمَّنَكَ . فَرَجَعَ مَعَهَا . فَلَمَّا دَنَا مِنْ مَكَّةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ : يَأْتِيَكُمْ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ مُؤْمِنًا مُهَاجِرًا ، فَلَا تَسُبُّوا أَبَاهُ فَإِنَّ سَبَّ الْمَيِّتِ يُؤْذِي الْحَيَّ وَلَا يَبْلُغُ الْمَيِّتَ . قَالَ : فَقَدِمَ عِكْرِمَةُ فَانْتَهَى إِلَى بَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَزَوْجَتُهُ مَعَهُ مُنْتَقِبَةٌ . قَالَ : فَاسْتَأْذَنَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَدَخَلَتْ فَأَخْبَرَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِقُدُومِ عِكْرِمَةَ فَاسْتَبْشَرَ وَوَثَبَ قَائِمًا عَلَى رِجْلَيْهِ ، وَمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ رِدَاءٌ فَرَحًا بِعِكْرِمَةَ ، وَقَالَ : أَدْخِلِيهِ ، فَدَخَلَ فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، إِنَّ هَذِهِ أَخْبَرَتْنِي أَنَّكَ أَمَّنْتَنِي ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : صَدَقَتْ فَأَنْتَ آمِنٌ . قَالَ عِكْرِمَةُ : فَقُلْتُ : أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَنَّكَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ ، وَقُلْتُ : أَنْتَ أَبَرُّ النَّاسِ ، وَأَصْدَقُ النَّاسِ ، وَأَوْفَى النَّاسِ ، أَقُولُ ذَلِكَ وَإِنِّي لَمُطَأْطِئُ الرَّأْسِ اسْتِحْيَاءً مِنْهُ ، ثُمَّ قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، اسْتَغْفِرْ لِي كُلَّ عَدَاوَةٍ عَادَيْتُكَهَا أَوْ مَرْكَبٍ أَوْضَعْتُ فِيهِ أُرِيدُ بِهِ إِظْهَارَ الشِّرْكِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعِكْرِمَةَ كُلَّ عَدَاوَةٍ عَادَانِيهَا ، أَوْ مَنْطِقٍ تَكَلَّمَ بِهِ ، أَوْ مَرْكَبٍ أَوْضَعَ فِيهِ يُرِيدُ أَنْ يُصَدَّ عَنْ سَبِيلِكِ . فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مُرْنِي بِخَيْرِ مَا تَعْلَمُ فَأَعْلَمَهُ قَالَ : قُلْ : أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، وَجَاهِدْ فِي سَبِيلِهِ ، ثُمَّ قَالَ عِكْرِمَةُ : أَمَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا أَدَعُ نَفَقَةً كُنْتُ أُنْفِقُهَا فِي صَدٍّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِلَّا أَنْفَقْتُ ضِعْفَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَلَا قِتَالًا كُنْتُ أُقَاتِلُ فِي صَدٍّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِلَّا أَبْلَيْتُ ضِعْفَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ . ثُمَّ اجْتَهَدَ فِي الْقِتَالِ حَتَّى قُتِلَ شَهِيدًا يَوْمَ أَجْنَادَيْنِ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ، وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ اسْتَعْمَلَهُ عَامَ الْحَجِّ عَلَى هَوَازِنَ يُصَدِّقُهَا ، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَعِكْرِمَةُ يَوْمَئِذٍ بِتَبَالَةَ
قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى قَالَ : حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، أَنَّ أُمَّ حَكَيمٍ بِنْتَ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ ، كَانَتْ تَحْتَ عِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ ، فَأَسْلَمَتْ يَوْمَ الْفَتْحِ بِمَكَّةَ ، وَهَرَبَ زَوْجُهَا عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ مِنَ الْإِسْلَامِ حَتَّى قَدِمَ الْيَمَنَ ، فَارْتَحَلَتْ أُمُّ حَكِيمٍ حَتَّى قَدِمَتْ عَلَى زَوْجِهَا بِالْيَمَنِ ، وَدَعَتْهُ إِلَى الْإِسْلَامِ ، فَأَسْلَمَ وَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ ، فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَثَبَ إِلَيْهِ فَرِحًا وَمَا عَلَيْهِ رِدَاءٌ حَتَّى بَايَعَهُ ، فَثَبَتَا عَلَى نِكَاحِهِمَا ذَلِكَ
قَالَ : أَخْبَرَنَا عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ : حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ : لَمَّا كَانَ يَوْمُ الْفَتْحِ رَكِبَ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ الْبَحْرَ هَارِبًا ، فَخَبَّ بِهِمُ الْبَحْرُ فَجَعَلْتِ الصَّرَارِي يَدْعُونَ اللَّهَ وَيُوَحِّدُونَهُ ، فَقَالَ : مَا هَذَا ؟ قَالُوا : هَذَا مَكَانٌ لَا يَنْفَعُ فِيهِ إِلَّا اللَّهُ . قَالَ : فَهَذَا إِلَهُ مُحَمَّدٍ الَّذِي يَدْعُونَا إِلَيْهِ ، فَارْجِعُوا بِنَا ، فَرَجَعَ فَأَسْلَمَ ، وَكَانَتِ امْرَأَتُهُ أَسْلَمَتْ قَبْلَهُ فَكَانَا عَلَى نِكَاحِهِمَا
قَالَ : أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ مَسْعُودٍ أَبُو حُذَيْفَةَ النَّهْدِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَوْمَ جِئْتُهُ : مَرْحَبًا بِالرَّاكِبِ الْمُهَاجِرِ ، مَرْحَبًا بِالرَّاكبِ الْمُهَاجِرِ . قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، لَا أَدَعُ نَفَقَةً أَنْفَقْتُهَا عَلَيْكَ إِلَّا أَنْفَقْتُ مِثْلَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ
قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو سَهْلٍ قَالَ : حَدَّثَنَا دَاوُدُ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ يَحْيَى الْمَخْزُومِيِّ قَالَ : قَالَ شَيْخٌ لَنَا : لَمَّا قَدِمَ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ الْمَخْزُومِيُّ الْمَدِينَةَ جَعَلَ النَّاسُ يَتَنَاذَرُونَ : هَذَا ابْنُ أَبِي جَهْلٍ ، هَذَا ابْنُ أَبِي جَهْلٍ ، فَانْطَلَقَ مُؤَايِلًا حَتَّى دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ : فَقَالَتْ لَهُ أُمُّ سَلَمَةَ : مَا لَكَ ؟ وَمَا شَأْنُكَ ؟ قَالَ : مَا شَأْنِي ؟ لَا أَخْرُجُ فِي طَرِيقٍ وَلَا سُوقٍ إِلَّا تَنَاذَرُونِي : هَذَا ابْنُ أَبِي جَهْلٍ ، هَذَا ابْنُ أَبِي جَهْلٍ . قَالَ : وَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي خِلَالِ ذَلِكَ ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ أُمُّ سَلَمَةَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي مَقَالَتِهِ : مَا بَالُ أَقْوَامٍ يُؤْذُونَ الْأَحْيَاءَ بِشَتْمِ الْأَمْوَاتِ ، أَلَا لَا تُؤْذُوا الْأَحْيَاءَ بِشَتْمِ الْأَمْوَاتِ
قَالَ : أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ ، وَعَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَا : حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ : عَنْ أَيُّوبَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ كَانَ إِذَا اجْتَهَدَ فِي الْيَمِينِ قَالَ : لَا وَالَّذِي نَجَّانِي يَوْمَ بَدْرٍ
قَالَ : أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ : حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ ، كَانَ يَضَعُ الْمُصْحَفَ عَلَى وَجْهِهِ وَيَقُولُ : كِتَابُ رَبِّي ، كِتَابُ رَبِّي
قَالَ : أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو يُونُسَ الْقُشَيْرِيُّ قَالَ : حَدَّثَنِي حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ ، أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ ، وَعِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ ، وَعَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ ، أُثْبِتُوا يَوْمَ الْيَرْمُوكِ ، فَدَعَا الْحَارِثُ بِمَاءٍ يَشْرَبُهُ فَنَظَرَ إِلَيْهِ عِكْرِمَةُ ، فَقَالَ الْحَارِثُ : ادْفَعُوهُ إِلَى عِكْرِمَةَ ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ عَيَّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ ، فَقَالَ عِكْرِمَةُ : ادْفَعُوهُ إِلَى عَيَّاشٍ ، فَمَا وَصَلَ إِلَى عَيَّاشٍ وَلَا إِلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ حَتَّى مَاتُوا وَمَا ذَاقُوهُ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ : فَذَكَرْتُ هَذَا الْحَدِيثَ لِمُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ فَأَنْكَرَهُ وَقَالَ : هَذَا وَهْمٌ ، رِوَايِتُنَا عَنْ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالسِّيرَةِ أَنَّ عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ قُتِلَ يَوْمَ أَجْنَادَيْنِ شَهِيدًا فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ ، وَأَمَّا عَيَّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ فَمَاتَ بِمَكَّةَ ، وَأَمَّا الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ فَمَاتَ بِالشَّامِ فِي طَاعُونِ عَمَوَاسَ سَنَةَ ثَمَانِي عَشْرَةَ ، وَلَيْسَ لِعِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ عَقِبٌ