أَخْبَرَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، قَالَ : قَالَ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ : إِنَّ فِي هَذَا الْفَتَى لَمُصْطَنَعًا , يَعْنِي سُفْيَانَ نَفْسَهُ
أَخْبَرَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ ، قَالَ : سَمِعْتُ سُفْيَانَ ، يَقُولُ : كَانَ أَبِي دَارَانِيًا وَمَا آخُذُ فِيهِ مِنَ الْحَدِيثِ لَا يُعْجِبُهُ
أَخْبَرَنَا خَلَفُ بْنُ تَمِيمٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ ، يَقُولُ : وَجَدْتُ قَلْبِي يُصْلَحُ بِمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ مَعَ قَوْمٍ غُرَبَاءَ أَصْحَابِ بُيُوتٍ وَعِبَاءٍ
أَخْبَرَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي رَجُلٌ ، عَنْ سُفْيَانَ ، قَالَ : تَعَلَّمُوا هَذَا الْعِلْمَ فَإِذَا تَعَلَّمْتُمُوهُ فَاحْفَظُوهُ فَإِذَا حَفِظْتُمُوهُ فَاعْمَلُوا بِهِ فَإِذَا عَمِلْتُمْ بِهِ فَانْشُرُوهُ
أَخْبَرَنَا بَكَّارٌ ، قَالَ : كَانَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ يَقُولُ كَثِيرًا : اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ
قَالَ : وَقَالَ يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُولُ : مَا حَدَّثَنِي سُفْيَانُ عَنِ السُّدِّيِّ بِحَدِيثٍ فَسَأَلْتُهُ عَنْهُ إِلَّا كَانَ كَمَا حَدَّثَنِي ، قَالُ : وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ سُفْيَانَ أَخَذَ مَرَّةً مِنْ بَعْضِ الْولَاةِ مَالًا وَصِلَةً ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ فَلَمْ يَقْبَلْ مِنْ أَحَدٍ شَيْئًا , وَكَانَ يَأْتِي الْيَمَنَ فَيَتَّجِرُ , وَكَانَ يُفَرِّقُ مَا عِنْدَهُ عَلَى قَوْمٍ مِنْ إِخْوَانِهِ يَبْضَعُونَ لَهُ بِهِ , وَيُوَافِي الْمَوْسِمَ كُلَّ عَامٍ فَيَلْقَاهُمْ وَيُحَاسِبُهُمْ وَيَأْخُذُ مَا رَبِحُوا , وَكَانَ مَا بِيَدَيْهِ نَحْوًا مِنْ مِائَتَيْ دِينَارٍ , وَكَانَ لَهُ ابْنٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُهُ فَكَانَ سُفْيَانُ يَقُولُ : مَا فِي الدُّنْيَا شَيْءٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ , وَإِنِّي لَأُحِبُّ أَنْ أُقَدِّمَهُ قَالَ : فَمَاتَ ابْنُهُ ذَاكَ فَجَعَلَ كُلَّ شَيْءٍ لَهُ بَعْدَ مَوْتِ ابْنِهِ لِأُخْتِهِ وَوَلَدِهَا , وَكَانَ عَمَّارُ بْنُ مُحَمَّدِ ابْنَ أُخْتِهِ وَلَمْ يُورِّثْ أَخَاهُ الْمُبَارَكَ بْنَ سَعِيدٍ شَيْئًا , قَالَ : وَطُلِبَ سُفْيَانُ فَخَرَجَ إِلَى مَكَّةَ , فَكَتَبَ الْمَهْدِيُّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ وَهُوَ عَلَى مَكَّةَ يَطْلُبُهُ ، فَبَعَثَ مُحَمَّدُ إِلَى سُفْيَانَ فَأَعْلَمَهُ ذَلِكَ وَقَالَ : إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ إِتْيَانَ الْقَوْمِ فَاظْهَرْ حَتَّى أَبْعَثَ بِكَ إِلَيْهِمْ وَإِنْ كُنْتَ لَا تُرِيدُ ذَلِكَ فَتَوَارَ قَالَ : فَتَوَارَى سُفْيَانُ وَطَلَبَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَأَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى بِمَكَّةَ مَنْ جَاءَ بِسُفْيَانَ فَلَهُ كَذَا وَكَذَا فَلَمْ يَزَلْ مُتَوَارِيًا بِمَكَّةَ لَا يَظْهَرُ إِلَّا لِأَهْلِ الْعِلْمِ وَمَنْ لَا يَخَافُهُ
فَأَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ سُلَيْمَانَ ، عَنْ أَبِي شِهَابٍ الْحَنَّاطِ ، قَالَ : بَعَثَتْ أُخْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ مَعِي بِجِرَابٍ إِلَى سُفْيَانَ وَهُوَ بِمَكَّةَ فِيهِ كَعْكٌ وَخُشْكُنَانِجُ فَقَدِمْتُ مَكَّةَ فَسَأَلْتُ عَنْهُ فَقِيلَ لِي إِنَّهُ رُبَّمَا قَعَدَ دُبُرَ الْكَعْبَةِ مِمَّا يَلِي بَابَ الْحَنَّاطِينَ , قَالَ : فَأَتَيْتُهُ هُنَاكَ وَكَانَ لِي صَدِيقًا , فَوَجَدْتُهُ مُسْتَلْقِيًا فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَسْأَلْنِي تِلْكَ الْمُسَاءَلَةَ وَلَمْ يُسَلِّمْ عَلَيَّ كَمَا كُنْتُ أَعْرِفُ مِنْهُ , فَقُلْتُ لَهُ : إِنَّ أُخْتَكَ بَعْثَتْ إِلَيْكَ مَعِي بِجِرَابٍ فِيهِ كَعْكٌ وَخُشْكُنَانِجُ قَالَ : فَعَجِّلْ بِهِ عَلَيَّ , وَاسْتَوَى جَالِسًا فَقُلْتُ : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَتَيْتُكَ وَأَنَا صَدِيقُكَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْكَ فَلَمْ تُرَدَّ عَلَيَّ ذَاكَ الرَّدَّ , فَلَمَّا أَخْبَرْتُكَ أَنِّي أَتَيْتُكَ بِجِرَابِ كَعْكٍ لَا يُسَاوِي شَيْئًا جَلَسْتَ وَكَلَّمْتَنِي فَقَالَ : يَا أَبَا شِهَابٍ لَا تَلُمْنِي فَإِنَّ هَذِهِ لِي ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ لَمْ أَذُقْ فِيهَا ذَوَاقًا , فَعَذَرْتُهُ ، قَالُوا : فَلَمَّا خَافَ سُفْيَانُ بِمَكَّةَ مِنَ الطَّلَبِ خَرَجَ إِلَى الْبَصْرَةِ فَقَدِمَهَا فَنَزَلَ قُرْبَ مَنْزِلِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ فَقَالَ لِبَعْضِ أَهْلِ الدَّارِ : أَمَا قَرِبَكُمْ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ ؟ قَالُوا : بَلَى يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ : جِئْنِي بِهِ فَأَتَاهُ بِهِ فَقَالَ : أَنَا هَاهُنَا مُنْذُ سِتَّةِ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةٍ , فَحَوَّلَهُ يَحْيَى إِلَى جِوَارِهِ وَفَتَحَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ بَابًا وَكَانَ يَأْتِيهِ بِمُحَدِّثِي أَهْلِ الْبَصْرَةِ يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ وَيَسْمَعُونَ مِنْهُ , فَكَانَ فِيمَنْ أَتَاهُ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ , وَالْمُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ , وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ , وَمَرْحُومٌ الْعَطَّارُ , وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ وَغَيْرُهُمْ , وَأَتَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ وَلَزِمَهُ فَكَانَ يَحْيَى وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ يَكْتُبَانِ عَنْهُ تِلْكَ الْأَيَّامِ وَكَلَّمَا أَبَا عَوَانَةَ أَنْ يَأْتِيَهُ فَأَبَى , وَقَالَ : رَجُلٌ لَا يَعْرِفُنِي كَيْفَ آتِيهُ ؟ وَذَاكَ أَنَّ أَبَا عَوَانَةَ سَلَّمَ عَلَيْهِ بِمَكَّةَ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ سُفْيَانُ السَّلَامَ , وَكُلِّمَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ : لَا أَعْرِفُهُ وَلَمَّا تَخَوَّفَ سُفْيَانُ أَنْ يُشَهِّرَ بِمُقَامِهِ بِالْبَصْرَةِ قُرْبَ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ لَهُ : حَوِّلْنِي مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ فَحَوَّلَهُ إِلَى مَنْزِلِ الْهَيْثَمِ بْنِ مَنْصُورٍ الْأَعْرَجِيِّ مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ فَلَمْ يَزَلْ فِيهِمْ ، فَكَلَّمَهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ فِي تَنَحِّيهِ عَنِ السُّلْطَانِ وَقَالَ : هَذَا فِعْلُ أَهْلِ الْبِدَعِ وَمَا تَخَافُ مِنْهُمْ فَأَجْمَعَ سُفْيَانُ وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَلَى أَنْ يَقْدَمَا بَغْدَادَ قَالَ : وَكَتَبَ سُفْيَانُ إِلَى الْمَهْدِيِّ أَوْ إِلَى يَعْقُوبَ بْنِ دَاوُدَ فَبَدَأَ بِنَفْسِهِ فَقِيلَ لَهُ : إِنَّهُمْ يَغْضَبُونَ مِنْ هَذَا فَبَدَأَ بِهِمْ فَأَتَاهُ جَوَابُ كِتَابِهِ بِمَا يَجِبُ مِنَ التَّقْرِيبِ وَالْكَرَامَةِ وَالسَّمْعِ مِنْهُ وَالطَّاعَةِ فَكَانَ عَلَى الْخُرُوجِ إِلَيْهِمْ فَحُمَّ وَمَرِضَ مَرَضًا شَدِيدًا وَحَضَرَهُ الْمَوْتُ فَجَزِعَ فَقَالَ لَهُ مَرْحُومُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مَا هَذَا الْجَزَعُ ؟ إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى الرَّبِّ الَّذِي كُنْتَ تَعْبُدُهُ فَسَكَنَ وَهَدَأَ وَقَالَ : انْظُرُوا مَنْ هَاهُنَا مِنْ أَصْحَابِنَا الْكُوفِيِّينَ فَأَرْسَلُوا إِلَى عَبَّادَانَ فَقَدِمَ عَلَيْهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبْجَرَ , وَالْحَسَنُ بْنُ عَيَّاشٍ أَخُو أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ فَأَوْصَى إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ وَأَوْصَاهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ , فَأَقَامَا عِنْدَهُ حَتَّى مَاتَ فَأُخْرِجَ بِجِنَازَتِهِ عَلَى أَهْلِ الْبَصْرَةِ فَجْأَةً وَسَمِعُوا بِمَوْتِهِ وَشَهِدَهُ الْخَلْقُ وَصَلَّى عَلَيْهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ وَكَانَ رَجُلًا صَالِحًا رَضِيَهُ سُفْيَانُ لِنَفْسِهِ , وَنَزَلَ فِي حُفْرَتِهِ وَنَزَلَ مَعَهُ خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ وَغَيْرُهُمَا , وَدَفَنُوهُ ثُمَّ انْصَرَفَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ وَالْحَسَنُ بْنُ عَيَّاشٍ إِلَى الْكُوفَةِ فَأَخْبَرَا أَهْلَهَا بِمَوْتِ سُفْيَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ