حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ الرَّقِّيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ تَمِيمٍ , عَنْ أَبِي الْحَجَّافِ قَالَ : إِنِّي لَفِي وَقَدْ مَضَى أَكْثَرُ اللَّيْلِ , وَخَفَّ الْحَاجُّ , فَإِذَا امْرَأَةٌ كَأَنَّهَا الشَّمْسُ عَلَى قَضِيبِ عُرْسٍ , وَهِيَ تَقُولُ : رَأَيْتُ الْهَوَى حُلْوًا إِذَا اجْتَمَعَ الْوَصْلُ وَمُرًّا عَلَى الْهِجْرَانِ , لَا بَلْ هُوَ الْقَتْلُ وَمَنْ لَمْ يَذُقْ لِلْبَيْنِ طَعْمًا فَإِنَّهُ إِذَا ذَاقَ طَعْمَ الْحُبِّ لَمْ يَدْرِ مَا الْوَصْلُ وَقَدْ ذُقْتُ طَعْمَيْهِ عَلَى الْقُرْبِ وَالنَّوَى فَأَبْعَدُهُ قَتْلٌ وَآخِرُهُ خَبْلُ ثُمَّ الْتَفَتَتْ فَرَأَتْنِي فَقَالَتْ : يَا هَذَا , مَنْ ضَعُفَتْ قُوَّتُهُ عَلَى حَمْلِ شَيْءٍ أَلْقَاهُ لِلرَّاحَةِ , وَفِرَارًا مِنْ ثِقَلِ الْمَحَبَّةِ , وَقَدْ نَطَقْتُ بِمَا عَلِمَهُ اللَّهُ وَأَحْصَاهُ الْمَلَكَانِ , فَإِنْ يَعْفُ عَنْ أَهْلِ السَّرَائِرِ أَكُنْ مَعَهُمْ , وَإِنْ يُعَاقِبُوا فَيَا خَيْبَةَ الْمُذْنِبِينَ . وَبَكَتْ بُكَاءً شَدِيدًا , فَمَا رَأَيْتُ عُقْدَ دُرٍّ انْقَطَعَ سِلْكُهُ فَانْتَثَرَ كَانَ أَحْسَنَ مِنْ تَبَادُرِ دُمُوعِهَا وَالْجُفُونُ غَرِقَةٌ وَالْمَحَاجِرُ مُتْرَعٌةٌ . قَالَ : فَاعْتَزَلْتُ وَاللَّهِ خَوْفًا أَنْ يَصْبُوَ إِلَيْهَا قَلْبِي , وَإِنْ كَانَ بِمِثْلِهَا الْحُسْنُ وَالتَّصَابِي
أَنْشَدَنِي أَبُو سَهْلٍ الرَّازِيُّ : اسْتَبْقِ دَمْعَكَ لَا يُودِي الْبُكَاءُ بِهِ وَاصْرِفْ بَوَادِرَ دَمْعٍ مِنْكَ يَسْتَبِقُ فَمَا الشُّئُونُ وَإِنْ جَادَتْ بِبَاقِيَةٍ وَلَا الْجُفُونُ عَلَى هَذَا وَلَا الْحَدَقُ
أَنْشَدَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ الْمَدِينِي : وَحَقِّ الْهَوَى فِي الْقَلْبِ مِنْكِ فَإِنَّهُ عَظِيمٌ لَقَدْ حَسَّنْتُ سَرَّكِ فِي صَدْرِي وَلَكِنَّمَا أَفْشَاهُ دَمْعِي وَرُبَّمَا أَتَى الْأَمْرُ مَنْ لَمْ يَخْشَ مِنْ حَيْثُ لَا يَدْرِي فَهَبْ لِي دُمُوعَ الْعَيْنِ إِنِّي أَظُنُّهُ بِمَا فِيهِ يَبْدُو أَنَّمَا يَبْتَغِي ضُرِّي وَلَوْ لَمْ يُرِدْ ضُرِّي لَخَلَّى ضَمَائِرُكِ تُمَدُّ عَلَى أَسْرَارِ مَكْتُوبِهَا سِرِّي . قَالَ أَبُو بَكْرٍ : قَرَأْتُ فِي بَعْضِ كُتُبِ الْحُكَمَاءِ : قَلَّ مَا يَلْبَثُ الْحُبُّ أَنْ يَظْهَرَ وَيُبْدِيَهِ مِنْهُ مَا يَسْتُرُ . وَقَالَ الشَّاعِرُ : يَا مُسِرَّ الْهَوَى فَأَيْنَ شَجَى اللَّحْـ ـظِ وَأَيْنَ التَّنَفُّسُ الْمَفْضُوحُ قَلَّ مَا يَلْبَثُ الْهَوَى فِي سُتُورِ الْحُـ ـبِّ حَتَّى يُبَيِّنَهُ التَّصْرِيحُ
وَأَنْشَدَنِي أَبُو سَهْلٍ النَّحْوِيُّ لِأَبِي صَخْرٍ الْهُذَلِيِّ : وَلَيْسَ الْفَتَى إِلَّا الَّذِي لَا يُهِيجُهُ إِلَى الشَّوْقِ إِلَّا الْهَاتِفَاتُ السَّوَاجِعُ وَلَا بِالَّذِي إِنْ صَدَّ عَنْهُ حَبِيبُهُ يَقُولُ وَيُبْدِي الصَّبْرَ مَا أَنَا جَازِعُ وَلَكِنَّهُ سَقَمُ الْجَوَى وَمِطَالُهُ وَمَوْتُ الْهَوَى ثُمَّ الشُّئُونُ الدَّوَافِعُ رَشَاشًا وَتَهَتَانًا وَوَبْلًا وَدِيمَةً فَذَلِكَ يُبْدِي مَا تُجِنُّ الْأَضَالِعُ
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عِيسَى الرَّقِّيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرٍ الْبَاهِلِيُّ , عَنْ كَثِيرِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ : صَحِبَنَا فَتًى مِنْ بَنِيِ قَيْسٍ وَهُوَ يُرِيدُ الْيَمَامَةَ , يُقَالُ لَهُ سَعْدُ بْنُ أُثَالٍ , قَلِيلُ الْكَلَامِ , خِلْنَاهُ صَنَمًا , وَنَحْنُ فِي لَيْلَةٍ لَيْلَاءَ سَوْدَاءَ إِذْ سَمِعَ بُكَاءَ حَمَامَةٍ فَغُشِيَ عَلَيْهِ وَسَقَطَ عَنْ بَعِيرِهِ , فَلَمَّا أَفَاقَ قُلْتُ : يَا سَعْدُ , مَا الَّذِي أَصَابَكَ ؟ فَأَنْشَأَ يَقُولُ : بُكَاءٌ عَلَى رَأْسِ الْأَرَاكَةِ هَاجَنِي وَذَكَّرَنِي شِعْرَ الْحَبِيبِ الْمُفَارِقِ كَذَبْتُ وَبَيْتِ اللَّهِ لَسْتُ بِعَاشِقٍ إِذَا أَنَا بِالنَّوْحِ الْحَمَامُ سَوَابِقِي أَلَيْسَ عَجِيبًا أَنَّ لِلشَّوْقِ نَوْحَهَا وَلَيْسَ الْهَوَى يَا قَوْمِ لِلنَّوْحِ شَائِقِي فَلَمْ يَزَلْ يَبْكِي إِلَى وَقْتِ الرَّحِيلِ , ثُمَّ رَحَلَ وَعَيْنَاهُ كَمِنْخَرِقِ الْمَزَادَةِ , فَقُلْنَا لَهُ : مُذْ كَمْ فَارَقْتَ مَنْ تَهْوَى ؟ قَالَ : غَدَاةَ أَمْسِ وَالشَّمْسُ لَمَّا تَطْلُعْ , غَيْرَ أَنَّهَا أَوْدَعَتْنِي بَيْتَيْنِ شِعْرُهُمَا صَارَ بِي إِلَى مَا رَأَيْتُمْ , قُلْنَا لَهُ : وَمَا هُمَا ؟ قَالَ : قَالَتْ وَهِيَ تَبْكِي : إِنَّ حُكْمَ الْحُبِّ يَا سَعْدُ بُكَاءٌ قَبْلَ تَغْرِيدِ الْحَمَامِ وَعَلَامَاتِ الْهَوَى أَنْ يَلْبَسَ الْعَا شِقُ أَثْوَابَ السِّقَامِ قُلْنَا : لَبِئْسَ مَا أَوْدَعَتْكَ قَالَ : إِنَّهَا وَاللَّهِ فِي أَشَدِّ مِنْ حَالِي , وَمَنْ أَكْفَأَ وُدًّا بِمِثْلِهِ لَمْ تَخْلُ مِنْ حِفْظِ الْعَهْدِ بَقَاءَ الْوُدِّ أَوْ يَنْقَضِي الدَّهْرُ , وَيَنْفَدُ الْعُمُرُ
سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ يَزِيدَ الْمُبَرِّدَ , يُنْشِدُ : وَمُسْتَنْجِدٌ بِالْحُزْنِ دَمْعًا كَأَنَّهُ عَلَى الْخَدِّ مِمَّا لَيْسَ يَرْقَأُ حَائِرُ إِذَا دَمْعَةٌ مِنْهُ اسْتَهَلَّتْ تَهَلَّلَتْ أَوَائِلُ أُخْرَى مَا لَهُنَّ أَوَاخِرُ مَلَا مُقْلَتَيْهِ الدَّمْعُ حَتَّى كَأَنَّهُ لِمَا انْهَلَّ مِنْ عَيْنَيْهِ فِي الْمَاءِ نَاظِرُ وَيَنْظُرُ مِنْ بَيْنِ الدُّمُوعِ بِمُقْلَةٍ رَمَى الشَّوْقُ فِي إِنْسَانِهَا فَهْوَ سَاهِرُ
وَأَنْشَدَنِي أَبُو سَهْلٍ الرَّازِيُّ لِلصِّمَّةِ الْقُشَيْرِيِّ : وَأَذْكُرُ أَيَّامَ الْحِمَى ثُمَّ أَنْطَوِي عَلَى كَبِدٍ مِنْ خَشْيَةٍ أَنْ تَتَصَدَّعَا وَلَيْسَ عَشِيَّاتِ الْحِمَى بَرَوَاجِعٍ عَلَيْكِ وَلَكِنْ خَلِّ عَيْنَيْكِ تَدْمَعَا أَمَا وَجَلَالِ اللَّهِ لَوْ تَذْكُرُينَنِي كَذِكْرَاكِ مَا كَفْكَفْتِ الْعَيْنَ مَدْمَعَا فَقَالَتْ : بَلَى وَاللَّهِ ذِكْرًا لَوْ أَنَّهُ تَضَمَّنَهُ صُمُّ الصَّفَا لَتَصَدَّعَا مَرَرْنَا بِحَيِّهِمْ وَمِنْ أَجْلِ غَيْرِهِمْ مَرَرْنَا فَلَمْ نَطْمَعْ هُنَالِكَ مَطْمَعَا بَكَتْ عَيْنِيَ الْيُسْرَى فَلَمَّا زَجَرْتُهَا عَنْ الْجَهْلِ بَعْدَ الْحِلْمِ أَسْبَلَتَا مَعَا
حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدٍ اللَّهِ الْمَارَسْتَانِيُّ قَالَ : حَدَّثَنِي الْعَلَاءُ بْنُ صَغِيرٍ , عَنْ أَبِي مَالِكٍ الرَّقَاشِيِّ قَالَ : قَصَدْتُ عَنَانَ جَارِيَةَ النَّاطِقِيِّ , فَصَادَفْتُ عِنْدَهَا شَيْخًا أَعْرَابِيًّا بَدَوِيًّا , فَقَالَتِ : الْحَمْدُ اللَّهِ الَّذِي جَاءَ بِكَ عَلَى فَاقَةٍ , إِنَّ هَذَا الْبَدَوِيَّ قَصَدَنِي لِأَنْ أَقُولَ بَيْتًا , وَيَقُولُ بَيْتًا وَقَدْ وَاللَّهِ أُرْتِجَ عَلَيَّ , فَقُلْتُ لِلشَّيْخِ : أَقُولُ ؟ فَقَالَ : إِنْ كُنْتَ مِمَّنْ يُحْسِنُ الشِّعْرَ فَقُلْ , فَقُلْتُ : لَقَدْ قَلَّ الْعَزَاءُ وَعِيلَ صَبْرِي عَشِيَّةَ عِيرِهِمْ لِلْبَيْنِ زُمَّتْ فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ : نَظَرْتُ إِلَى أَوَاخِرِهَا ضَحِيًّا وَقَدْ رُفِعَتْ لَهَا عَصَبٌ فَرَنَّتْ فَقَالَتْ : كَتَمْتُ هَوَاكُمُ فِي الصَّدْرِ مِنِّي عَلَى أَنَّ الدُّمُوعَ عَلَيَّ نَمَّتْ فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ : أَنْتِ وَاللَّهِ أَشْعُرُ الثَّلَاثَةِ , وَلَوْلَا أَنَّكِ حُرْمَةٌ لَقَبَّلْتُ فَاكِ
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ الْأَصْمَعِيِّ قَالَ : سَمِعْتُ أَعْرَبِيًّا يَقُولُ : مَا رَأَيْتُ دَمْعَةً تَرَقْرَقُ بِإِثْمِدٍ عَلَى خَدٍّ أَحْسَنَ مِنْ عَبْرَةٍ أَمْطَرَتْهَا جُفُونُهَا فَأَعْشَبَ لَهَا قَلْبِي
وَأَنْشَدَنِي أَبُو جَعْفَرٍ الدِّينَارِيُّ : بَدَائِعُ الشَّوْقِ لَا تُغْنِي وَإِنَّ لَهَا مَا إِنْ يُرَدُّ بِتَصْدِيقٍ وَإِنكْارِ مَاءُ الصَّبَابَةِ نَارُ الشَّوْقِ يَحْدُرُهُ فَهَلْ سَمِعْتُمْ بِمَاءٍ فَاضَ مِنْ نَارِ
وَأَنْشَدَنِي الْمُعَلَّا بْنُ دَاوُدَ الْخَزَّازُ : نَفَسٌ أَبَاحَ مِنَ الْهَوَى مَكْتُومَا وَالدَّمْعُ كَانَ عَلَى الضَّمِيرِ نَمُومَا كَلَمَتْ دُمُوعُ الْعَيْنِ فِي وَجَنَاتِهَا فَتَرَى لَهَا تَحْتَ الْكُلُومِ كُلُومَا وَبَكَا الْعَوَاذِلُ مَا تُجِنُّ مِنَ الْهَوَى وَالدَّمْعُ يَعْقُبُهُ دَمًا مَسْجُومَا
وَأَنْشَدَنِي عُمَرُ بْنُ اللَّيْثِ الْحِمْصِيُّ : رِدْ بِالْعِطَاشِ عَلَى حِيَاضِ دُمُوعِي تُرْوَى الْعِطَاشُ مَشْوبَةً بِنَجِيعِ لَيْسَتْ دُمُوعًا إِنْ قَطَرْتُ وَإِنَّمَا هِيَ ذَوْبُ نَفْسِ الطَّالِبِ الْمَمْنُوعِ
وَأَنْشَدَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الرَّافِقِيُّ لِعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاهِرٍ : دَمْعَةٌ قَدْ نَثَرْتُ وَأُخْرَى عَلَى الْخَدِّ وَأُخْرَى بَيْنَ الْجُفُونِ تَجُولُ فَتَرَى الدَّمْعَ قَدْ يُحَيَّرُ فِي الْخَدِّ مُقِيمًا كَأَنَّهُ مَا يَزُولُ
وَأَنْشَدَنِي أَبُو صَخْرٍ الْأُمَوِي لَدِيكِ الْجِنِّ : نَدِيمُ عَيْنَيَّ بَعْدَكِ الْكَوْكَبُ وَلَوْعَةٌ إِنْسَانُهَا يُلْهَبُ وَدَمْعَةٌ فِي الْخَدِّ مَسْفُوحَةٌ كَأَنَّهَا مِنْ جَمْرَةٍ تُجْذَبُ مَا امْتَنَعَ الدَّمْعُ وَإِسْبَالُهُ عَلَيَّ لَمَّا امْتَنَعَ الْمَطْلَبُ إِنْ تَكُنِ الْأَيَّامُ قَدْ أَذْنَبَتْ فِيكِ فَإِنَّ الدَّمْعَ لَا يُذْنِبُ
وَأُنْشِدْتُ عَنِ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ : وَمِمَّا شَجَانِي أَنَّهَا يَوْمَ أَعْرَضَتْ تَوَلَّتْ وَمَاءُ الْجَفْنِ فِي الْعَيْنِ حَائِرُ فَلَمَّا أَعَادَهُ مِنْ بَعِيدٍ بِنَظْرَةٍ إِلَيَّ الْتِفَاتًا أَسْلَمَتْهُ الْمَحَاجِرُ
وَأَنْشَدَنِي أَبُو الْعَبْدِيِّ لِذِي الرُّمَّةِ : وَلَمَّا تَلَاقَيْنَا جَرَتْ مِنْ عُيُونِنَا دُمُوعٌ كَفَفْنَا مَاءَهَا بِالْأَصَابِعِ وَإِنَّا تَسَاقَطْنَا حَدِيثًا كَأَنَّهُ جَنَا النَّحْلِ مَمْزُوجًا بِمَاءِ الْوَقَائِعِ