حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ قَالَ : حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ عَمْرُوسٍ قَالَ : كَانَ لِيَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ جَارِيَةٌ يُقَالُ لَهَا حَبَابَةُ , وَكَانَ لَهَا عَاشِقًا شَدِيدَ الْوَجْدِ بِهَا , فَقَالَ لَهَا يَوْمًا : إِنَّى قَدْ وَلَّيْتُ فُلَانًا الْخَادِمَ مَا حَوَتْهُ يَدَيَّ شَهْرًا لِأَخْلُوَ أَنَا وَأَنْتِ فَلَا يَشْغَلُنَا أَحَدٌ , فَقَالَتْ : إِنْ كُنْتَ أَنْتَ قَدْ وَلَّيْتَهُ فَقَدْ عَزَلْتُهُ أَنَا . قَالَ : فَغَضِبَ لِذَلِكَ وَخَرَجَ مِنَ الْمَجْلِسِ الَّذِي كَانَ فِيهِ , فَلَمَّا أَضْحَى النَّهَارُ فَلَمْ يَرَهَا ضَاقَ صَدْرُهُ وَقَلَّ صَبْرُهُ , فَدَعَا بَعْضَ خَدَمِهِ وَقَالَ : اذْهَبْ فَانْظُرْ مَا الَّذِي تَصْنَعُ حَبَابَةُ , فَمَضَى الْخَادِمُ ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ فَقَالَ : رَأَيْتُهَا مُؤْتَزِرَةً بِإِزَارٍ خَلُوقِيٍّ , مُرْتَدِيَةً بِرِدَاءٍ أَصْفَرَ زَهِيٍّ , تَلْعَبُ بِلُعَبِهَا , فَقَالَ : اذْهَبْ فَاحْتَلْ فِي أَنْ تُجِيرَهَا عَلَيَّ , فَذَهَبَ الْخَادِمُ فَلَاعَبَهَا ثُمَّ اسْتَلَبَ لُعْبَةً مِنْ لُعَبِهَا , وَعَدَا بَيْنَ يَدَيْهَا , فَتَبِعَتْهُ تَعْدُو وَرَاءَهُ , فَمَرَّتْ عَلَى يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ , فَلَمَّا بَصُرَ بِهَا قَامَ إِلَيْهَا فَاعْتَنَقَهَا وَقَالَ لَهَا : فَإِنِّي قَدْ عَزَلْتُهُ , فَقَالَتْ : إِنْ كُنْتَ قَدْ عَزَلْتَهُ فَإِنِّي قَدْ وَلَّيْتُهُ قَالَ : فَوُلِّيَ الْخَادِمَ وَعُزِلَ وَهُوَ لَا يَدْرِي . قَالَ : ثُمَّ إِنَّهُ خَلَا مَعَهَا أَيَّامًا وَتَشَاغَلَ عَنِ النَّظَرِ فِي أُمُورِ النَّاسِ , فَدَخَلَ عَلَيْهِ مَسْلَمَةُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ فَعَذَلَهُ عَلَى ذَلِكَ , فَأَخَذَتِ الْعُودَ فَوَضَعَتْهُ فِي حِجْرِهَا ثُمَّ تَغَنَّتْ : أَلَا لَا تَلُمْهُ الْيَوْمَ أَنْ يَتَلَذَّذَا فَقَدْ مُنِعَ الْمَحْزُونُ أَنْ يَتَجَلَّدَا وَمَا الْعَيْشُ إِلَّا مَا يُلَذُّ وَيُشْتَهَى وَإِنْ لَامَ فِيهِ ذُو الشَّنَانِ وَفَنَّدَا
وَأَنْشَدَ مَحَمَّدُ بْنُ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الزَّيَّاتُ : قَرَرْتُ عَلَى نَفْسِي فَأَزْمَعْتُ قَتْلَهَا وَأَنْتَ رَخًا لِلْبَالِ وَالنَّفْسُ تَذْهَبُ كَعُصْفُورَةٍ فِي كَفِّ طِفْلٍ يَسُومُهَا وُرُودَ حِيَاضِ الْمَوْتِ وَالطِّفْلُ يَلْعَبُ فَلَا الطِّفْلُ يَدْرِي مَا يَسُومُ بِكَفِّهِ وَفِي كَفِّهِ الْعُصْفُورُ قَدْ يَتَضَرَّبُ وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ : إِنَّ مِنَ اسْتِعْطَافِ الْمُتَجَنِّي مَزِيَّةٌ عَلَى الْإِنْصَافِ
وَأنشدنى أَبُو سَهْلٍ الرَّازِيُّ : شَكَوْتُ فَقَالَتْ كُلُّ هَذَا تَبَرُّمًا بِحُبِّي أَرَاحَ اللَّهُ قَلْبَكَ مِنْ حُبِّي فَلَمَّا كَتَمْتُ الْحُبَّ قَالَتْ : لَشَدَّ مَا صَبَرْتَ وَمَا هَذَا بِفِعْلِ شَجِي الْقَلْبِ وَأَدْنُو فَتُقْصِينِي , فَأَبْعُدُ طَالِبًا رِضَاهَا فَتَعْتَدُّ التَّبَاعُدَ مِنْ ذَنْبِي فَشَكْوَايَ تُؤْذِيهَا , وَصَبْرِي يَسُوءُهَا وَتَجْزَعُ مِنْ بُعْدِي , وَتَنْفِرُ مِنْ قُرْبِي فَيَا قَوْمِ هَلْ مِنْ حِيلَةٍ تَعْلَمُونَهَا أَشِيرُوا بِهَا وَاسْتَكْمِلُوا الْأَجْرَ مِنْ رَبِّي
وَأنشدنى أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَارَسْتَانِيُّ : فَقَالَتْ وَهَزَّتْ رَأْسَهَا لِتُغِيظَنِي عَلَى الذَّنْبِ تُجْزَى أَمْ عَلَى الذَّنْبِ تُوصَلُ فَقُلْتُ : فَلَمْ أُذْنِبْ , فَقَالَتْ : تُرِيدُهُ فَقُلْتُ : فَلَمْ أَفْعَلْ فَقَالَتْ : سَتَفْعَلُ فَقُلْتُ : تُجَازِينِي بِذَنْبٍ لَمْ أَجْنِهِ ظَفِرْتُمْ بِأَرْوَاحِ الْمُحِبِّينَ فَاقْتُلُوا
وَأَنْشَدَنِي مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ : عَاتَبْتُهَا فَبَكَتْ وَاسْتَعْبَرَتْ جَزَعًا عَيْنِي فَلَمَّا رَأَتْنِي بَاكِيًا ضَحِكَتْ فَعُدْتُ أَضْحَكُ مَسْرُورًا بِضِحْكَتِهَا فَاسْتَعْبَرَتْ أَنْ رَأَتْنِيَ ضَاحِكًا فَبَكَتْ تَهْوَى خِلَافِي كَمَا خَبَّتْ بِرَاكِبِهَا يَوْمًا قَلُوصٌ فَلَمَّا حَثَّهَا بَرَكَتْ
وَأَنْشَدَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الصَّيْدَلَانِيُّ : تَدْنُو الدِّيَارُ وَأَنْتَ تَبْعُدُ جَاهِدَا وَالدَّهْرُ يُنْصِفُنِي وَأَنْتَ الظَّالِمُ وَإِذَا تَبَاعَدَتِ اعْتَلَلْتُ بِبُعْدِهَا فَالْبُعْدُ يَقْتُلُنِي وَقَلْبُكَ سَالِمُ فَمَتَى يَنَالُ الْعَدْلَ عِنْدَكَ طَالِبٌ أَنْتَ الْمُسِيءُ بِهِ وَأَنْتَ الْحَاكِمُ
وَأَنْشَدَنِي عَلِيُّ بْنُ قُرَيْشٍ : لَا ذُقْتُ فَقْدَ الَّذِي لَا يَنْقَضِي أَبَدًا بِالْوَصْلِ عِلَّتُهُ أَوْ يَنْقَضِي عُمُرِي يَعْتَلُّ بِالْحَدِّ لِي فِي كُلِّ ضِيقَتِهِ حَتَّى إِذَا مَا انْقَضَى اعْتَلَّ بِالْمَطَرِ
وَأَنْشَدَنِي أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ لِلْعَبَّاسِ بْنِ الْأَحْنَفِ : أَبْكِي الَّذِينَ أَذَاقُونِي مَوَدَّتَهُمْ حَتَّى إِذَا أَيْقَظُونِي لِلْهَوَى رَقَدُوا هُمُ دَعَوْنِي فَلَمَّا قُمْتُ مُنْتَصِبًا لِلْحُبِّ نَحْوَهُمُ مِنْ قُرْبِهِمْ بَعِدُوا لَأَخْرُجَنَّ مِنَ الدُّنْيَا وَحُبُّكُمُ بَيْنَ الْجَوَانِحِ لَمْ يَشْعُرْ بِهِ أَحَدُ