حديث رقم: 51

حَدَّثَنَا الْرَّبِيْعُ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا الْشَّافِعِيُّ ، حَدَّثَنَا الثِّقَةُ ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ ، عَنِ الثِّقَةِ ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ ، أَوْ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَدَوِيِّ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَقَالَ : إِنَّ بِئْرَ بُضَاعَةَ يُطْرَحُ فِيهَا الْكِلَابُ وَالْحِيَضُ ، فَقَالَ النَّبِيُّ : إِنَّ الْمَاءَ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ

حديث رقم: 52

أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : إِذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ نَجَسًا

حديث رقم: 53

أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عُثْمَانَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ : لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ ثُمَّ يَغْتَسِلْ مِنْهُ

حديث رقم: 54

وَبِهِ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ ، عَنِ الْأَعْرَجِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ : إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ حَدَّثَنَا الْرَّبِيْعُ ، أَخْبَرَنَا الْشَّافِعِيُّ ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ ، عَنِ الْأَعْرَجِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ بِمِثْلِهِ إِلَّا أَنَّ مَالِكًا جَعَلَ مَكَانَ وَلَغَ : شَرِبَ

حديث رقم: 55

أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ ، أُولَاهُنَّ ، أَوْ إِحْدَاهُنَّ ، بِالتُّرَابِ . قَالَ الشَّافِعِيُّ : فَبِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ كُلِّهَا نَأْخُذُ ، وَلَيْسَ مِنْهَا وَاحِدٌ يُخَالِفُ عِنْدَنَا وَاحِدًا ، أَمَّا حَدِيثُ بِئْرِ بُضَاعَةَ ، فَإِنَّ بِئْرَ بُضَاعَةَ كَثِيرَةُ الْمَاءِ وَاسِعَةٌ ، كَانَ يُطْرَحُ فِيهَا مِنَ الْأَنْجَاسِ مَا لَا يُغَيِّرُ لَهَا لَوْنًا وَلَا طَعْمًا ، وَلَا يَظْهَرُ لَهُ فِيهَا رِيحٌ ، فَقِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : نَتَوَضَّأُ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ يُطْرَحُ فِيهَا كَذَا ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ مُجِيبًا : الْمَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ ، وَكَانَ جَوَابُهُ مُحْتَمِلًا كُلَّ مَاءٍ وَإِنْ قَلَّ ، وَبَيَّنَا أَنَّهُ فِي الْمَاءِ مِثْلُهَا إِذَا كَانَ مُجِيبًا عَلَيْهَا ، فَلَمَّا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ أَنْ يَغْسِلَ الْإِنَاءَ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ سَبْعًا ، دَلَّ عَلَى أَنَّ جَوَابَ رَسُولِ اللَّهِ فِي بِئْرِ بُضَاعَةَ عَلَيْهَا ، وَكَانَ الْعِلْمُ أَنَّهُ عَلَى مِثْلِهَا وَأَكْثَرَ مِنْهَا ، وَلَا يَدُلُّ حَدِيثُ بِئْرِ بُضَاعَةَ وَحْدَهُ عَلَى أَنَّ مَا دُونَهَا مِنَ الْمَاءِ لَا يَنْجُسُ ، وَكَانَتْ آنِيَةُ النَّاسِ صِغَارًا ، إِنَّمَا هِيَ صُحُونٌ ، وَصِحَافٌ ، وَمَخَاضِبُ الْحِجَارَةِ ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ ، مِمَّا يُحْلَبُ فِيهِ وَيُشْرَبُ وَيُتَوَضَّأُ ، وَكَبِيرُ آنِيَتِهِمْ مَا يُحْلَبُ وَيُشْرَبُ فِيهِ ، فَكَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ : إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ ، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ قَدْرَ مَاءِ الْإِنَاءِ يَنْجُسُ بِمُخَالَطَةِ النَّجَاسَةِ ، وَإِنْ لَمْ تُغَيِّرْ لَهُ طَعْمًا ، وَلَا رِيحًا ، وَلَا لَوْنًا ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ بَيَانُ أَنَّ مَا يُجَاوِزُهُ ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ قَدْرَ مَاءِ بِئْرِ بُضَاعَةَ ، لَا يَنْجُسُ ، فَكَانَ الْبَيَانُ الَّذِي قَامَتْ بِهِ الْحُجَّةُ عَلَى مَنْ عَلِمَهُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ مَا يَنْجُسُ وَبَيْنَ مَا لَا يَنْجُسُ مِنَ الْمَاءِ الَّذِي لَمْ يَتَغَيَّرْ عَنْ حَالِهِ ، وَانْقَطَعَ بِهِ الشَّكُّ فِي حَدِيثِ الْوَلِيدِ بْنِ الْكَثِيرِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ : إِذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ نَجَسًا

حديث رقم: 56

حَدَّثَنَا الْرَّبِيْعُ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا الْشَّافِعِيُّ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، بِإِسْنَادٍ لَا يَحْضُرُنِي ذِكْرُهُ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : إِذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ نَجَسًا ، وَفِي الْحَدِيثِ بِقِلِالِ هَجَرَ ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ : وَقَدْ رَأَيْتُ قَلَائِلَ هَجَرَ ، فَالْقُلَّةُ تَسَعُ قِرْبَتَيْنِ أَوْ قِرْبَتَيْنِ وَشَيْئًا . قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَقِرَبُ الْحِجَازِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا الْكِبَارُ لِعِزِّ الْمَاءِ بِهَا ، فَإِذَا كَانَ الْمَاءُ خَمْسَ قِرَبٍ كِبَارٍ لَمْ يَحْمِلْ نَجَسًا ، وَذَلِكَ قُلَّتَانِ بِقِلَالِ هَجَرَ ، وَفِي قَوْلِ النَّبِيِّ : إِذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ نَجَسًا ، دِلَالَتَانِ : إِحْدَاهُمَا أَنَّ مَا بَلَغَ قُلَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ لَمْ يَحْمِلْ نَجَسًا ؛ لِأَنَّ الْقُلَّتَيْنِ إِذَا تَنَجَّسَا لَمْ يَنْجُسْ أَكْثَرُ مِنْهُمَا ، وَهَذَا يُوَافِقُ جُمْلَةَ حَدِيثِ بِئْرِ بُضَاعَةَ ، وَالدِّلَالَةُ الثَّانِيَةُ أَنَّهُ إِذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ قُلَّتَيْنِ حَمَلَ النَّجَاسَةَ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ : إِذَا كَانَ الْمَاءُ كَذَا لَمْ يَحْمِلِ النَّجَاسَةَ ، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ كَذَا حَمَلَ النَّجَاسَةَ ، وَمَا دُونَ الْقُلَّتَيْنِ مُوَافِقٌ جُمْلَةَ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنْ يُغْسَلَ الْإِنَاءُ مِنْ شُرْبِ الْكَلْبِ فِيهِ ، وَآنِيَةُ الْقَوْمِ أَوْ أَكْثَرُ آنِيَةِ النَّاسِ الْيَوْمَ صِغَارٌ ، لَا تَسَعُ بَعْضَ قِرْبَةٍ ، فَأَمَّا حَدِيثُ مُوسَى بْنِ أَبِي عُثْمَانَ : لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ ثُمَّ يَغْتَسِلْ فِيهِ ، فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى شَيْءٍ يُخَالِفُ حَدِيثَ بِئْرِ بُضَاعَةَ ، وَلَا : إِذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ نَجَسًا ، وَلَا : إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ ؛ لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ يَعْنِي بِهِ الْمَاءَ الدَّائِمَ الَّذِي يَحْمِلُ النَّجَاسَةَ فَهُوَ مِثْلُ حَدِيثِ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ ، وَإِنْ كَانَ يَعْنِي بِهِ كُلَّ مَاءٍ دَائِمٍ دَلَّتِ السُّنَّةُ فِي حَدِيثِ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ وَحَدِيثِ بِئْرِ بُضَاعَةَ ، عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا نَهَى عَنِ الْبَوْلِ فِي كُلِّ مَاءٍ دَائِمٍ ، يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الِاخْتِيَارِ لَا عَلَى الْبَوْلِ يُنَجِّسُهُ ، كَمَا يَنْهَى الرَّجُلَ أَنْ يَتَغَوَّطَ عَلَى ظَهْرِ الطَّرِيقِ ، وَالظِّلِّ ، وَالْمَوَاضِعِ الَّتِي يَأْوِي إِلَيْهَا النَّاسُ ؛ لِمَا يَتَأَذَّى بِهِ النَّاسُ مِنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ مَمْنُوعَةٌ ، وَلَا أَنَّ التَّغَوُّطَ مُحَرَّمٌ ، وَلَكِنْ مَنْ رَأَى رَجُلًا يَبُولُ فِي مَاءٍ نَاقِعٍ قَذَرَ الشُّرْبَ مِنْهُ ، وَالْوُضُوءَ بِهِ ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : فَإِنْ جَعَلْتَ حَدِيثَ مُوسَى بْنِ أَبِي عُثْمَانَ يُضَادُّ حَدِيثَ بِئْرِ بُضَاعَةَ وَحَدِيثَ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ ، وَجَعَلْتَهُ عَلَى أَنَّ الْبَوْلَ يُنَجِّسُ كُلَّ مَاءٍ دَائِمٍ . قِيلَ : فَعَلَيْكَ حُجَّةٌ أُخْرَى مَعَ الْحُجَّةِ بِمَا وَصَفْتُ ، فَإِنْ قَالَ : وَمَا هِيَ ؟ قِيلَ : أَرَأَيْتَ رَجُلًا بَالَ فِي الْبَحْرِ ، أَيُنَجِّسُ بَوْلُهُ مَاءَ الْبَحْرِ ؟ فَإِنْ قَالَ : لَا ، قِيلَ : مَاءُ الْبَحْرِ مَاءٌ دَائِمٌ ، وَقِيلَ لَهُ : أَفَتُنَجَّسُ الْمَصَانِعُ الْكِبَارُ ؟ فَإِنْ قَالَ : لَا ، قِيلَ : فَهِيَ مَاءٌ دَائِمٌ ، وَإِنْ قَالَ : نَعَمْ ، دَخَلَ عَلَيْهِ مَاءُ الْبَحْرِ ، فَإِنْ قَالَ : وَمَاءُ الْبَحْرِ يَنْجُسُ ، فَقَدْ خَالَفَ قَوْلَ الْعَامَّةِ مَعَ خِلَافِهِ السُّنَّةَ ، وَإِنْ قَالَ : لَا ، هَذَا كَثِيرٌ ، قِيلَ لَهُ : فَقُلْ : إِذَا بَلَغَ الْمَاءُ مَا شِئْتَ لَمْ يَنْجُسْ ، فَإِنْ حَدَّدْتَهُ بِأَقَلَّ مَا يَخْرُجُ مِنَ النَّجَاسَةِ ، قِيلَ لَكَ : فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْهُ بِقَدَحِ مَاءٍ ، فَإِنْ قُلْتَ : يَنْجُسُ ، قِيلَ : فَيُعْقَلُ أَبَدًا أَنْ يَكُونَ مَا أَنْ تُخَالِطَهُمَا نَجَاسَةٌ وَاحِدَةٌ لَا تُغَيِّرُ مِنْهُمَا شَيْئًا ، يَنْجُسُ أَحَدُهُمَا وَلَا يَنْجُسُ الْآخَرُ ، إِلَّا بِخَبَرٍ لَازِمٍ ، تَعَبَّدَ الْعِبَادُ بِاتِّبِاعِهِ ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِخَبَرٍ عَنِ النَّبِيِّ ، وَالْخَبَرُ عَنِ النَّبِيِّ بِمَا وَصَفْتُ مِنْ أَنْ يَنْجُسَ مَا دُونَ خَمْسِ قِرَبٍ ، وَلَا يَنْجُسَ خَمْسُ قِرَبٍ فَمَا فَوْقَهَا ، فَأَمَّا شَيْءٌ سِوَى مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَلَا يُقْبَلُ فِيهِ أَنْ يَنْجُسَ مَاءٌ وَلَا يَنْجُسُ آخَرُ ، وَهُمَا لَمْ يَتَغَيَّرَا ، إِلَّا أَنْ يُجْمِعَ النَّاسُ فَلَا يَخْتَلِفُونَ ، فَنَتَّبِعَ إِجْمَاعَهُمْ ، وَإِذَا تَغَيَّرَ طَعْمُ الْمَاءِ أَوْ لَوْنُهُ أَوْ رِيحُهُ بِمُحَرَّمٍ يُخَالِطُهُ لَمْ يَطْهُرِ الْمَاءُ أَبَدًا حَتَّى يُنْزَحَ ، أَوْ يُصَبَّ عَلَيْهِ مَاءٌ كَثِيرٌ ، حَتَّى يَذْهَبَ مِنْهُ طَعْمُ الْمُحَرَّمِ وَلَوْنُهُ وَرِيحُهُ ، فَإِذَا ذَهَبَ فَعَادَ بِحَالِهِ الَّتِي جَعَلَهُ اللَّهُ بِهَا طَهُورًا ، ذَهَبَتْ نَجَاسَتُهُ ، وَمَا قُلْتَ مِنْ أَنَّهُ إِذَا تَغَيَّرَ طَعْمُ الْمَاءِ أَوْ رِيحُهُ أَوْ لَوْنُهُ كَانَ نَجِسًا ، يُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِنْ وَجْهٍ لَا يُثْبِتُ مِثْلَهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ ، وَهُوَ قَوْلُ الْعَامَّةِ ، لَا أَعْلَمُ بَيْنَهُمْ فِيهِ اخْتِلَافًا ، وَمَعْقُولٌ أَنَّ الْحَرَامَ إِذَا كَانَ جُزْأٌ فِي الْمَاءِ لَا يَتَمَيَّزُ مِنْهُ ، كَانَ الْمَاءُ نَجِسًا ، وَذَلِكَ أَنَّ الْحَرَامَ إِذَا مَاسَ الْجَسَدَ فَعَلَيْهِ غَسْلُهُ ، فَإِذَا كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ غَسْلُهُ بِوُجُودِهِ فِي الْجَسَدِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا فِي الْمَاءِ ، فَيَكُونُ الْمَاءُ طَهُورًا وَالْحَرَامُ قَائِمٌ مَوْجُودٌ فِيهِ ، وَكُلُّ مَا وَصَفْتُ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ ، وَهُوَ الرَّاكِدُ . فَأَمَّا الْجَارِي فَإِذَا خَالَطَتْهُ النَّجَاسَةُ فَجَرَى فَالْآتِي بَعْدَمَا لَمْ تُخَالِطْهُ النَّجَاسَةُ فَهُوَ لَا يَنْجُسُ ، وَإِذَا تَغَيَّرَ طَعْمُ الْمَاءِ أَوْ رِيحُهُ أَوْ لَوْنُهُ ، أَوْ جَمِيعُ ذَلِكَ ، بِلَا نَجَاسَةٍ خَالَطَتْهُ لَمْ يَنْجُسْ ، إِنَّمَا يَنْجُسُ بِالْمُحَرَّمِ ، فَأَمَّا غَيْرُ الْمُحَرَّمِ فَلَا يَنْجُسُ بِهِ ، وَمَا وَصَفْتُ مِنْ هَذَا فِي كُلِّ مَا لَمْ يُصَبَّ عَلَى النَّجَاسَةِ يُرِيدُ إِزَالَتَهَا ، فَإِذَا صُبَّ عَلَى نَجَاسَةٍ يُرِيدُ إِزَالَتَهَا فَحُكْمُهُ غَيْرُ مَا وَصَفْتُ اسْتِدْلَالًا بِالسُّنَّةِ ، وَمَا لَمْ أَعْلَمْ فِيهِ مُخَالِفًا ، وَإِذَا أَصَابَتِ الثَّوْبَ أَوِ الْبَدَنَ النَّجَاسَةُ ، فَصُبَّ عَلَيْهَا الْمَاءُ ثَلَاثًا ، وَدُلِّكَتْ بِالْمَاءِ طَهُرَ ، وَإِنْ كَانَ مَا صُبَّ عَلَيْهَا مِنَ الْمَاءِ قَلِيلًا فَلَا يَنْجُسُ الْمَاءُ بِمُمَاسَّةِ النَّجَاسَةِ إِذَا أُرِيدَ بِهِ إِزَالَتُهَا عَنِ الثَّوْبِ ؛ لِأَنْ لَوْ نَجُسَ بِمُمَاسَّتِهَا بِهَذِهِ الْحَالِ لَمْ يَطْهُرْ ، وَكَانَ إِذَا غُسِلَ الْغَسْلَةَ الْأُولَى نَجُسَ الْمَاءُ ، ثُمَّ كَانَ فِي الْمَاءِ الثَّانِي يَمَاسُّ مَاءً نَجِسًا فَيَنْجُسُ ، وَالْمَاءُ الثَّالِثُ يَمَاسُّ مَاءً نَجِسًا فَيَنْجُسُ ، وَلَكِنَّهَا تَطْهُرُ بِمَا وَصَفْتُ ، وَلَا يَجُوزُ فِي الْمَاءِ غَيْرُ مَا قُلْتُ ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ يُزِيلُ الْأَنْجَاسَ حَتَّى يُطَهِّرَ مِنْهَا مَا مَاسَّهُ ، وَلَا نَجِدُهُ يَنْجُسُ إِلَّا فِي الْحَالِ الَّتِي أَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَنَّ الْمَاءَ يَنْجُسُ فِيهَا ، وَالدِّلَالَةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ بِخِلَافِ حُكْمِ الْمَاءِ الْمَغْسُولِ بِهِ النَّجَاسَةُ أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ : إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ ، وَهُوَ يُغْسَلُ سَبْعًا بِأَقَلَّ مِنْ قَدَحِ مَاءٍ ، وَفِي أَنَّ النَّبِيَّ أَمَرَ بِدَمِ الْحَيْضَةِ يُقْرَصُ بِمَاءٍ قَلِيلٍ يُنْضَحُ ، فَقَالَ بَعْضُ مَنْ قَالَ : قَدْ سَمِعْتُ قَوْلَكَ فِي الْمَاءِ ، فَلَوْ قُلْتَ : لَا يَنْجُسُ الْمَاءُ بِحَالٍ لِلْقِيَاسِ عَلَى مَا وَصَفْتَ أَنَّ الْمَاءَ يُزِيلُ الْأَنْجَاسَ ، كَانَ قَوْلًا لَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ رَدَّهُ ، وَلَكِنْ زَعَمْتَ أَنَّ الْمَاءَ الَّذِي يُطَهَّرُ بِهِ يَنْجُسُ بَعْضُهُ ، فَقُلْتُ لَهُ : إِنِّي زَعَمْتُهُ بِالْعَرْضِ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ الَّذِي لَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهِ إِلَّا طَاعَةُ اللَّهِ بِالتَّسْلِيمِ لَهُ ، فَأَدْخَلَ حَدِيثَ مُوسَى بْنِ أَبِي عُثْمَانَ : لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ ثُمَّ يَغْتَسِلْ فِيهِ ، فَأَدْخَلْتُ عَلَيْهِ مَا وَصَفْتُ مِنْ إِجْمَاعِ النَّاسِ فِيمَا عَلِمْتُهُ عَلَى خِلَافِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مِنْهُ ، وَمِنْ مَاءِ الْمَصَانِعِ الْكِبَارِ وَالْبَحْرِ ، فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ فِيهِ حُجَّةٌ حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَقُلْتُ لَهُ : مَا عَلِمْتُكُمُ اتَّبَعْتُمْ فِي الْمَاءِ سُنَّةً ، وَلَا إِجْمَاعًا ، وَلَا قِيَاسًا ، وَلَقَدْ قُلْتُمْ فِيهِ أَقَاوِيلَ لَعَلَّهُ لَوْ قِيلَ لِعَاقِلٍ : تَخَاطَأْ ، فَقَالَ مَا قُلْتُمْ ، لَكَانَ قَدْ أَحْسَنَ التَّخَاطُؤَ ، ثُمَّ ذَكَرْتُ فِيهِ الْحُجَجَ بِمَا ذَكَرْتُ مِنَ السُّنَّةِ ، وَقُلْتُ لَهُ : أَفِي أَحَدٍ مَعَ النَّبِيِّ حُجَّةٌ ؟ فَقَالَ : لَا ، وَقُلْتُ : أَلَيْسَتْ تَثْبُتُ الْأَحَادِيثُ الَّتِي وَصَفْتُ ؟ فَقَالَ : أَمَّا حَدِيثُ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ ، وَحَدِيثُ وُلُوغِ الْكَلْبِ فِي الْمَاءِ ، وَحَدِيثُ مُوسَى بْنِ أَبِي عُثْمَانَ ، فَتَثْبُتُ بِإِسْنَادِهَا ، وَحَدِيثُ بِئْرِ بُضَاعَةَ ، فَيُثْبُتُ بِشُهْرَتِهِ وَأَنَّهُ مَعْرُوفٌ ، فَقُلْتُ لَهُ : لَقَدْ خَالَفْتَهَا كُلَّهَا ، وَقُلْتَ قَوْلًا اخْتَرَعْتَهُ مُخَالِفًا لِلْأَخْبَارِ ، خَارِجًا مِنَ الْقِيَاسِ ، فَقَالَ : وَمَا هُوَ ؟ قُلْتُ : اذْكُرِ الْقَدْرَ الَّذِي إِذَا بَلَغَهُ الْمَاءُ الرَّاكِدُ لَمْ يَنْجُسْ ، وَإِذَا نَقَصَ مِنْهُ الْمَاءُ الرَّاكِدُ يَنْجُسُ ، قَالَ : الَّذِي إِذَا حُرِّكَ أَدْنَاهُ لَمْ يَضْطَرِبْ أَقْصَاهُ ، فَقُلْتُ : أَقُلْتَ هَذَا خَبَرًا ؟ قَالَ : لَا ، قُلْتُ : فَقِيَاسًا ؟ قَالَ : لَا ، وَلَكِنْ مَعْقُولٌ أَنَّهُ يَخْتَلِطُ بِتَحْرِيكِ الْآدَمَيِّينَ وَلَا يَخْتَلِطُ ، قُلْتُ : أَرَأَيْتَ إِنْ حَرَّكْتَهُ بِالرِّيحِ فَاخْتَلَطَ ؟ قَالَ : إِنْ قُلْتُ : إِنَّهُ يَنْجُسُ إِذَا اخْتَلَطَ ، مَا تَقُولُ ؟ قُلْتُ : أَقُولُ : أَرَأَيْتَ رِجْلًا مِنَ الْبَحْرِ تَضْطَرِبُ أَمْوَاجُهَا فَتَأْتِي مِنْ أَقْصَاهَا إِلَى أَنْ تُفِيضَ عَلَى السَّاحِلِ هَاجَتِ الرِّيحُ أَتَخْلِطُ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، فَقُلْتُ : أَفَتَنْجُسُ ذَلِكَ الرِّجْلُ مِنَ الْبَحْرِ ؟ قَالَ : لَا ، وَلَوْ قُلْتُ : تَنْجُسُ ، تَفَاحَشَ عَلَيَّ ، قُلْتُ : فَمَنْ كَلَّفَكَ قَوْلًا يُخَالِفُ السُّنَّةَ وَالْقِيَاسَ ، وَيَتَفَاحَشُ عَلَيْكَ ، فَلَا تَقُومُ مِنْهُ عَلَى شَيْءٍ أَبَدًا ، قَالَ : فَإِنْ قُلْتَ ذَلِكَ ، قُلْتُ : فَيُقَالُ لَكَ : أَيَجُوزُ فِي الْقِيَاسِ أَنْ يَكُونَ مَاءَانْ خَالَطَتْهُمَا نَجَاسَةٌ لَمْ تُغَيِّرْ شَيْئًا ، لَا يَنْجُسُ أَحَدُهُمَا وَيَنْجُسُ الْآخَرُ إِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْهُ بِقَدَحٍ ؟ قَالَ : لَا ، قُلْتُ : وَلَا يَجُوزُ إِلَّا أَنْ لَا يَنْجُسَ شَيْءٌ مِنَ الْمَاءِ إِلَّا بِأَنْ يَتَغَيَّرَ بِحَرَامٍ خَالَطَهُ ؛ لِأَنَّهُ يُزِيلُ الْأَنْجَاسَ ، أَوْ يَنْجُسُ كُلُّهُ بِكُلِّ مَا خَالَطَهُ ، قَالَ : مَا يَسْتَقِيمُ فِي الْقِيَاسِ إِلَّا هَذَا ، وَلَكِنْ لَا قِيَاسَ مَعَ خِلَافِ خَبَرٍ لَازِمٍ ، قُلْتُ : فَقَدْ خَالَفْتَ الْخَبَرَ اللَّازِمَ وَلَمْ تَقُلْ مَعْقُولًا ، وَلَمْ تَقِسْ ، وَزَعَمَتَ أَنَّ فَأْرَةً لَوْ وَقَعَتْ فِي بِئْرٍ فَمَاتَتْ نُزِحَ مِنْهَا عِشْرُونَ أَوْ ثَلَاثُونَ دَلْوًا ، ثُمَّ طَهُرَتِ الْبِئْرُ ، فَإِنْ طُرِحَتْ تِلْكَ الْعِشْرُونَ أَوِ الثَّلَاثُونَ دَلْوًا فِي بِئْرٍ أُخْرَى لَمْ يُنْزَحْ مِنْهَا إِلَّا عِشْرُونَ أَوْ ثَلَاثُونَ دَلْوًا ، وَإِنْ كَانَ مَيْتَةً أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ نُزِحَ مِنْهَا أَرْبَعُونَ أَوْ سِتُّونَ دَلْوًا ، فَمَنْ وَقَّتَ لَكَ هَذَا فِي الْمَاءِ الَّذِي لَمْ يَتَغَيَّرْ بِطَعْمٍ حَرَامٍ ، وَلَا لَوْنُهُ ، وَلَا رِيحُهُ ، أَنْ يَنْجُسَ بَعْضُ الْمَاءِ دُونَ بَعْضٍ ، أَيَنْجُسُ بَعْضُهُ أَمْ يَنْجُسُ كُلُّهُ ؟ قَالَ : بَلْ يَنْجُسُ كُلُّهُ ، فَقُلْتُ : أَفَرَأَيْتَ شَيْئًا قَطُّ يَنْجُسُ كُلُّهُ ، فَيُخْرَجُ بَعْضُهُ فَتَذْهَبُ النَّجَاسَةُ مِنَ الْبَاقِي مِنْهُ ، أَتَقُولُ هَذَا فِي سَمْنٍ ذَائِبٍ أَوْ غَيْرِهِ ؟ قَالَ : لَيْسَ هَذَا بِقِيَاسٍ ، وَلَكِنَّا اتَّبَعْنَا فِيهِ الْأَثَرَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَحْمَةُ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ، قُلْتُ : أَفَتُخَالِفُ مَا جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى قَوْلِ غَيْرِهِ ؟ قَالَ : لَا ، قُلْتُ : فَقَدْ فَعَلْتَ وَخَالَفْتَ مَعَ ذَلِكَ عَلِيًّا وَابْنَ عَبَّاسٍ ، زَعَمْتَ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ : إِذَا وَقَعَتِ الْفَأْرَةُ فِي بِئْرٍ نُزِحَ مِنْهَا سَبْعَةُ أَوْ خَمْسَةُ دِلَاءٍ ، وَزَعَمْتَ أَنَّهَا لَا تَطْهُرُ إِلَّا بِعِشْرِينَ أَوْ ثَلَاثِينَ ، وَزَعَمْتَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ نَزَحَ زَمْزَمَ مِنْ زِنْجِيٍّ وَقَعَ فِيهَا ، وَأَنْتَ تَقُولُ : يَكْفِي مِنْ ذَلِكَ أَرْبَعُونَ أَوْ سِتُّونَ دَلْوًا ، قَالَ : فَلَعَلَّ الْبِئْرَ تَغَيَّرَتْ بِدَمٍ ، قُلْتُ : فَنَحْنُ نَقُولُ : إِذَا تَغَيَّرَتْ بِدَمٍ لَا تَطْهُرُ أَبَدًا حَتَّى لَا يُوجَدَ فِيهَا طَعْمُ دَمٍ ، وَلَا لَوْنُهُ ، وَلَا رِيحُهُ ، وَهَذَا لَا يَكُونُ فِي زَمْزَمَ ، وَلَا فِيمَا هُوَ أَكْثَرُ مَاءً مِنْهَا وَأَوْسَعُ ، حَتَّى يُنْزَحَ ، فَلَيْسَ لَكَ فِي هَذَا شَيْءٌ ، وَهَذَا عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ غَيْرُ ثَابِتٍ ، وَقَدْ خَالَفْتَهُمَا لَوْ كَانَ ثَابِتًا ، وَزَعَمْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا كَانَ جُنُبًا فَدَخَلَ فِي بِئْرٍ يَنْوِي الْغُسْلَ مِنَ الْجَنَابَةِ نَجُسَ الْبِئْرُ وَلَمْ يَطْهُرْ ، ثُمَّ هَكَذَا إِنْ دَخَلَ ثَانِيَةً ، ثُمَّ يَطْهُرُ الثَّالِثَةَ ، فَإِذَا كَانَ يَنْجُسُ أَوَّلًا ، ثُمَّ يَنْجُسُ ثَانِيَةً ، وَكَانَ نَجِسًا قَبْلَ دُخُولِهِ أَوَّلًا وَلَمْ يَطْهُرْ بِهَا ، وَلَا ثَانِيَةً ، أَلَيْسَ قَدِ ازْدَادَ فِي قَوْلِكَ نَجَاسَةً ؟ فَإِنَّهُ كَانَ نَجِسًا بِالْجَنَابَةِ ، ثُمَّ زَادَ نَجَاسَةً بِمُمَاسَّةِ الْمَاءِ النَّجِسِ ، فَكَيْفَ يَطْهُرُ بِالثَّالِثَةِ وَلَمْ يَطْهُرْ بِالثَّانِيَةِ قَبْلَهَا ، وَلَا بِالْأُولَى قَبْلَ الثَّانِيَةِ ؟ قَالَ : إِنَّ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ : لَا يَطْهُرُ أَبَدًا ، قُلْتُ : وَذَلِكَ يَلْزَمُكَ ؟ قَالَ : يَتَفَاحَشُ ، وَيَتَفَاحَشُ ، وَيَخْرُجُ مِنْ أَقَاوِيلِ النَّاسِ ، قُلْتُ : فَمَنْ كَلَّفَكَ خِلَافَ السُّنَّةِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْ أَقَاوِيلِ النَّاسِ ؟ وَقُلْتُ لَهُ : وَزَعَمْتَ أَنَّكَ إِنْ أَدْخَلْتَ يَدَكَ فِي بِئْرٍ تَنْوِي بِهَا أَنْ تُوَضِّئَهَا نَجُسَتِ الْبِئْرُ كُلُّهَا ؛ لِأَنَّهُ مَاءٌ تُوُضِّئَ بِهِ ، وَلَا تَطْهُرُ حَتَّى تُنْزَحَ كُلُّهَا ، وَإِذَا سَقَطَتْ فِيهَا مَيْتَةٌ طَهُرَتْ بِعِشْرِينَ دَلْوًا أَوْ ثَلَاثِينَ دَلْوًا ، فَزَعَمْتَ أَنَّ الْبِئْرَ بِدُخُولِ الْيَدِ الَّتِي لَا نَجَاسَةَ فِيهَا تَنْجُسُ كُلُّهَا فَلَا تَطْهُرُ أَبَدًا ، وَأَنَّهَا تَطْهُرُ مِنَ الْمَيْتَةِ بِعِشْرِينَ دَلْوًا أَوْ ثَلَاثِينَ ، هَلْ رَأَيْتَ أَحَدًا قَطُّ زَعَمَ أَنَّ يَدَ مُسْلِمٍ تُنَجِّسُ أَكْثَرَ مِمَّا تُنَجِّسُهُ الْمَيْتَةُ ؟ وَزَعَمْتَ أَنَّهُ إِنْ أَدْخَلَ يَدَهُ وَلَا يَنْوِي وُضُوءًا طَهُرَتْ يَدُهُ لِلْوُضُوءِ ، وَلَمْ تَنْجُسِ الْبِئْرُ ، أَوْ رَأَيْتَ أَنْ لَوْ أَلْقَى فِيهَا جِيفَةً لَا يَنْوِي تَنْجِيسَهَا أَوْ يَنْوِيهِ ، أَوْ لَا يَنْوِي شَيْئًا ، أَذَلِكَ سَوَاءٌ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، النَّجَاسَةُ كُلُّهَا سَوَاءٌ ، وَنِيَّتُهُ لَا تَصْنَعُ فِي الْمَاءِ شَيْئًا ، قُلْتُ : وَمَا خَالَطَهُ إِمَّا طَاهِرٌ وَإِمَّا نَجِسٌ ، قَالَ : نَعَمْ ، قُلْتُ : فَلِمَ زَعَمْتَ أَنَّ نِيَّتَهُ فِي الْوُضُوءِ تُنَجِّسُ الْمَاءَ ؟ إِنِّي لَأَحْسَبُكُمْ لَوْ قَالَ هَذَا غَيْرُكُمْ لَبَلَغْتُمْ بِهِ إِلَى أَنْ تَقُولُوا : الْقَلَمُ عَنْهُ مَرْفُوعٌ ، فَقَالَ : لَقَدْ سَمِعْتُ أَبَا يُوسُفَ يَقُولُ : قَوْلُ الْحِجَازِيِّينَ فِي الْمَاءِ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِنَا ، وَقَوْلُنَا فِيهِ خَطَأٌ ، قُلْتُ : وَأَقَامَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ هَذَا فِيهِ ؟ قَالَ : قَدْ رَجَعَ أَبُو يُوسُفَ فِيهِ إِلَى قَوْلِكُمْ نَحْوًا مِنْ شَهْرَيْنِ ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْ قَوْلِكُمْ ، قُلْتُ : وَمَا زَادَ رُجُوعُهُ إِلَى قَوْلِنَا قُوَّةً ، وَلَا وَهَّنَهُ رُجُوعُهُ عَنْهُ ، وَمَا فِيهِ مَعْنًى إِلَّا أَنَّكَ تَرْوِي عَنْهُ مَا تَقُومُ عَلَيْهِ بِهِ الْحُجَّةُ مِنْ أَنْ يُقِيمَ عَلَى قَوْلِهِ وَهُوَ يَرَاهُ خَطَأً ، قُلْتُ لَهُ : زَعَمْتَ أَنَّ رَجُلًا إِنْ وَضَّأَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ لِصَلَاةٍ ، وَلَا نَجَاسَةَ عَلَى وَجْهِهِ وَلَا يَدَيْهِ ، فِي طَسْتٍ نَظِيفٍ ، فَإِنْ أَصَابَ الْمَاءُ الَّذِي فِي ذَلِكَ الطِّسْتِ ثَوْبَهُ لَمْ يُنَجِّسْهُ ، وَإِنْ صُبَّ عَلَى الْأَرْضِ لَمْ يُنَجِّسْهَا ، وَيُصَلِّي عَلَيْهَا رَطْبَةً كَمَا هِيَ ، ثُمَّ إِنْ صُبَّ فِي بِئْرٍ نَجَّسَ الْبِئْرَ كُلَّهَا ، وَلَمْ تَطْهُرْ أَبَدًا إِلَّا بِأَنْ يُنْزَحَ مَاؤُهَا كُلُّهُ ، وَلَوْ أَنَّ قَدْرَ الْمَاءِ الَّذِي وَضَّأَ بِهِ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ كَانَ فِي إِنَاءٍ فَوَقَعَتْ فِيهِ مَيْتَةٌ نَجَّسَتْهُ ، وَإِنْ مَسَّ ثَوْبًا نَجَّسَهُ وَوَجَبَ عَلَيْهِ غَسْلُهُ ، وَإِنْ صُبَّ عَلَى الْأَرْضِ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهَا رَطْبَةً ، وَإِنْ صُبَّ فِي بِئْرٍ طَهُرَتِ الْبِئْرُ بِأَنْ يُنْزَحَ مِنْهَا عِشْرُونَ دَلْوًا ، أَوْ ثَلَاثُونَ دَلْوًا ، أَزَعَمْتَ أَنَّ الْمَاءَ الطَّاهِرَ أَكْثَرُ نَجَاسَةً مِنَ الْمَاءِ النَّجِسِ ؟ قَالَ : فَقَالَ : مَا أَحْسَنَ قَوْلَكُمْ فِي الْمَاءِ قُلْتُ : أَفَتَرْجِعُ إِلَى الْحَسَنِ ، فَمَا عَلِمْتُهُ رَجَعَ إِلَيْهِ ، وَلَا غَيْرُهُ مِمَّنْ تَرَأَّسَ مِنْهُمْ ، بَلْ عَلِمْتُ مَنِ ازْدَادَ مِنْ قَوْلِنَا فِي الْمَاءِ بُعْدًا فَقَالَ : إِذَا وَقَعَتْ فَأْرَةٌ فِي بِئْرٍ لَمْ تَطْهُرْ أَبَدًا إِلَّا بِأَنْ يُحْفَرَ تَحْتَهَا بِئْرٌ ، فَيُفَرَّغَ مَاؤُهَا فِيهَا ، وَيُنْقَلَ طِينُهَا ، وَيُنْزَعَ بِنَاؤُهَا ، وَتُغْسَلَ مَرَّاتٍ ، وَهَكَذَا يَنْبَغِي لِمَنْ قَالَ قَوْلَهُمْ هَذَا ، وَفِي هَذَا مِنْ خِلَافِ السُّنَّةِ وَقَوْلِ أَهْلِ الْعِلْمِ مَا لَا يَجْهَلُهُ عَالِمٌ ، وَقَدْ خَالَفَنَا بَعْضُ أَهْلِ نَاحِيَتِنَا فَذَهَبَ إِلَى بَعْضِ قَوْلِهِمْ فِي الْمَاءِ ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ ، وَخَالَفَنَا بَعْضُ النَّاسِ فَقَالَ : لَا يُغْسَلُ الْإِنَاءُ مِنَ الْكَلْبِ سَبْعًا ، وَيَكْفِي فِيهِ دُونَ سَبْعٍ ، فَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ بِثُبُوتِ الْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ، وَوَافَقَنَا بَعْضُ أَهْلِ نَاحِيَتِنَا فِي غَسْلِ الْإِنَاءِ إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِيهِ ، وَأَنْ يُهَرَاقَ الْمَاءُ ، ثُمَّ عَادَ فَقَالَ : إِنْ وَلَغَ الْكَلْبُ بِالْبَادِيَةِ فِي اللَّبَنِ شُرِبَ اللَّبَنُ وَأُكِلَ ، وَغُسِلَ الْإِنَاءُ ؛ لِأَنَّ الْكِلَابَ لَمْ تَزَلْ بِالْبَادِيَةِ ، فَشَغَلَنَا الْعَجَبُ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ عَمَّا وَصَفْتُ قَوْلَ غَيْرِهِ ، أَرَأَيْتَ إِذْ زَعَمَ أَنَّ الْكَلْبَ يَلَغُ فِي اللَّبَنِ فَيَنْجُسُ الْإِنَاءُ بِمُمَاسَّةِ اللَّبَنِ الَّذِي مَاسَّهُ لِسَانُ الْكَلْبِ حَتَّى يُغْسَلَ ، فَكَيْفَ لَا يَنْجُسُ اللَّبَنُ ؟ وَإِذَا نَجُسَ اللَّبَنُ ، فَكَيْفَ يُؤْكَلُ أَوْ يُشْرَبُ ؟ فَإِنْ قَالَ : لَا يَنْجُسُ اللَّبَنُ ، فَكَيْفَ يَنْجُسُ الْإِنَاءُ بِمُمَاسَّةِ اللَّبَنِ ، وَاللَّبَنُ غَيْرُ نَجِسٍ ؟ أَوَرَأَيْتَ قَوْلَهُ : مَا زَالَتِ الْكِلَابُ بِالْبَادِيَةِ ، فَمَنْ أَخْبَرَهُ أَنَّهَا إِذَا كَانَتْ بِالْبَادِيَةِ لَا تُنَجِّسُ ، وَإِذَا كَانَتْ بِالْقَرْيَةِ نَجَّسَتْ ، أَتَرَى أَنَّ الْبَادِيَةَ تُطَهِّرُهَا ، أَرَأَيْتَ إِذَا كَانَ الْفَأْرُ وَالْوِزْغَانُ بِالْقَرْيَةِ أَكْثَرَ مِنَ الْكِلَابِ بِالْبَادِيَةِ ، وَأَقْدَمَ مِنْهَا ، أَوْ فِي مِثْلِ قِدَمِهَا ، أَوْ أَحْرَى أَنْ لَا يُمْتَنَعَ مِنْهَا ، أَفَرَأَيْتَ إِذَا وَقَعَتْ فَأْرَةٌ ، أَوْ وَزَغٌ ، أَوْ بَعْضُ دَوَابِّ الْبُيُوتِ فِي سَمْنٍ ، أَوْ لَبَنٍ ، أَوْ مَاءٍ قَلِيلٍ ، أَيُنَجِّسُهُ ؟ قَالَ : فَإِنْ قَالَ : لَا يُنَجِّسُهُ فِي الْقَرْيَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَمُوتَ فِي بَعْضِ آنِيَتِهِمْ ، وَيُنَجِّسُهُ فِي الْبَادِيَةِ ، فَقَدْ سَوَّى بَيْنَ قَوْلَيْهِ وَزَادَ فِي الْخَطَأِ ، وَإِنْ قَالَ : يُنَجِّسُهُ ، قِيلَ : فَكَيْفَ لَمْ يَقُلْ هَذَا فِي الْكَلْبِ فِي الْبَادِيَةِ ، وَأَهْلُ الْبَادِيَةِ يَضْبِطُونَ أَوْعِيَتَهُمْ مِنَ الْكِلَابِ ضَبْطًا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ أَهْلُ الْقَرْيَةِ مِنَ الْفَأْرَةِ وَغَيْرِهَا ؛ لِأَنَّهُمْ يُوكِئُونَ عَلَى أَلْبَانِهِمُ الْقِرَبَ ، وَيَقِلُّ حَبْسُهُ عِنْدَهُمْ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى لَهُمْ ، وَلَا يُبْقُونَهُ مِمَّا لَا يُدَّخَرُ ، وَيَكْفَئُونَ عَلَيْهِ الْآنِيَةَ ، وَيَزْجُرُونَ الْكِلَابَ عَنْ مَوَاضِعِهِ ، وَيَضْرِبُونَهَا فَتَنْزَجِرَ ، وَلَا يُسْتَطَاعُ شَيْءٌ مِنْ هَذَا فِي الْفَأْرَةِ وَلَا دَوَابِّ الْبُيُوتِ بِحَالٍ ، وَأَهْلُ الْبُيُوتِ يَدَّخِرُونَ إِدَامَهُمْ وَأَطْعِمَتَهُمْ لِلسَنَةِ وَأَكْثَرَ ، فَكَيْفَ قَالَ هَذَا فِي أَهْلِ الْبَادِيَةِ دُونَ أَهْلِ الْقَرْيَةِ ؟ وَكَيْفَ جَازَ لِمَنْ قَالَ مَا أَحْكِي أَنْ يَعِيبَ أَحَدًا بِخِلَافِهِ الْحَدِيثَ عَنِ النَّبِيِّ عَيْبًا يُجَاوِزُ فِيهِ الْقَدْرَ ، وَالَّذِي عَابَهُ لَمْ يَعْدُ أَنْ رَدَّ الْأَخْبَارَ ، وَلَمْ يَدَعْ مَنْ قَبُولِهَا مَا يَكْتَرِثُ بِهِ عَلَى قَائِلِهِ ، أَوْ آخَرُ اسْتَتَرَ مِنْ رَدِّ الْأَخْبَارِ وَوَجَّهَهَا وُجُوهًا تَحْتَمِلُهَا ، أَوْ تَشَبَّهَ بِهَا ، فَعِبْنَا مَذْهَبَهُمْ وَعَابَهُ ، ثُمَّ شَرَكَهُمْ فِي بَعْضِ أُمُورِهِمْ ، فَرَدَّ هَذَا مِنَ الْأَخْبَارِ بِلَا وَجْهٍ تَحْتَمِلُهُ ، وَزَادَ أَنِ ادَّعَى الْأَخْبَارَ وَهُوَ يُخَالِفُهَا ، وَفِي رَدِّ مَنْ تَرَكَ أَسْوَأُ السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ مَا لَا يُشْكِلُ عَلَى مَنْ سَمِعَهُ .