قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا عَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هِشَامٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، عَنْ جُوَيبِْرٍ ، عَنِ الضَّحَّاكِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، : {{ عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْأَخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ }} : نَسَخَ هَذِهِ الْآيَاتِ الثَّلَاثِ {{ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ }} قَالَ الْحَسَنُ ، وَعِكْرِمَةُ {{ لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ }} نَسَخَتِ الْآيَةَ الَّتِي فِي سُورَةِ النُّورِ {{ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ }}
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَحَدَّثَنِي جَعْفَرُ بنُ مُجَاشِعٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيدُ ، عَنْ سَعِيدٍ ، عَنْ قَتَادَةَ : {{ لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ }} ثُمَّ نَزَلَ فِي النُّورِ {{ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ }} وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ يَقُولُ : هَذِهِ الْآيَاتُ كُلُّهَا مُحْكَمَاتٌ قَالَ
كَمَا حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ سَهْلٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ ، قَالَ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : وَقَوْلُهُ {{ إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ }} فَهَذَا تَعْيِيرٌ لِلْمُنَافِقِينَ حِينَ اسْتَأْذَنُوا فِي الْقُعُودِ عَنِ الْجِهَادِ بِغَيْرِ عُذْرٍ وَعَذَرَ اللَّهُ تَعَالَى الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ : {{ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ }} قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَهَذَا مِنْ أَحْسَنِ مَا قِيلَ فِي الْآيَاتِ لِأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى : {{ إِنَّمَا يَسْتأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ }} صِفَاتُ الْمُنَافِقِينَ لِأَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ وَلَا بِعِقَابِهِ أَهْلُ مَعْصِيَتِهِ وَلَا بِثَوَابِهِ أَهْلُ طَاعَتِهِ ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : {{ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ }} أَيْ شَكَّكُوا لِأَنَّهُمْ عَلَى غَيْرِ بَصِيرَةٍ مِنْ دِينِهِمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ مُتَحَيِّرِينَ لَا يَعْمَلُونَ عَلَى حَقِيقَةٍ وَقَدْ أُدْخِلَتِ الْآيَةُ السَّابِعَةُ فِي النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ
كَمَا حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُجَاشِعٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَرْبِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْلِمٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنْ جَابِرٍ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، : {{ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ }} قَالَ : نَسَخَتْ هَذِهِ كُلَّ صَدَقَةٍ فِي الْقُرْآنِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فِي هَذِهِ الْآيَةِ النَاسِخَةِ مَا هُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَمَا هُوَ مُجْتَمَعٌ عَلَيْهِ فَمِمَّا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنْهَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ اخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ وَالْفُقَهَاءُ وَأَهْلُ اللُّغَةِ وَأَهْلُ النَّظَرِ فَقَالُوا فِي ذَلِكَ أَحَدَ عَشَرَ قَوْلًا
فَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نَافِعٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَةُ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ ، عَنْ قَتَادَةَ ، : {{ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ }} قَالَ : الْفُقَرَاءُ الَّذِينَ بِهِمْ زَمَانَةٌ وَالْمَسَاكِينُ الْأَصِحَّاءُ الْمُحْتَاجُونَ فَهَذَا قَوْلٌ فِي الْفَرَقِ بَيْنَ الْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ وَقَالَ الضَّحَّاكُ : الْفُقَرَاءُ فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ وَالْمَسَاكِينُ مَنْ لَمْ يُهَاجِرْ وَقَالَ عِكْرِمَةُ : الْفُقَرَاءُ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمَسَاكِينُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ : الْمَسَاكِينُ الَّذِينَ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْخُضُوعُ وَالْفُقَرَاءُ الَّذِينَ يَتَجَمَّلُونَ وَيَأْخُذُونَ فِي السِّرِّ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ : الْمِسْكِينُ الَّذِي لَا شَيْءَ لَهُ وَالْفَقِيرُ الَّذِي لَهُ الْمَسْكَنُ وَالْخَادِمُ فَهَذِهِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ وَعَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ قَالُوا : الْمِسْكِينُ الَّذِي لَهُ شَيْءَ وَالْفَقِيرُ الَّذِي لَا شَيْءَ لَهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ : الْفَقِرُاء وَاللَّهُ أَعْلَمُ مَنْ لَا مَالٌ لَهُمْ وَلَا حِرْفَةَ تَقَعُ مِنْهُ مَوْقِعًا زَمِنًا كَانَ أَوْ غَيْرَ زَمِنٍ سَائِلًا كَانَ أَوْ مُتَعَفِّفًا ، وَالْمِسَاْكِينُ مَنْ لَهُ مَالٌ أَوْ حِرْفَةٌ لَا تَقَعُ مِنْهُ مَوْقِعًا وَلَا تُغْنِيهِ سَائِلًا كَانَ أَوْ غَيْرَ سَائِلٍ فَهَذِهِ سِتَّةُ أَقْوَالٍ ، وَقَالَ : أَبُو ثَوْرٍ الْفَقِيرُ الَّذِي لَهُ شَيْءٌ وَالْمِسْكِينُ الَّذِي لَا يُصِيبُ مِنْ كَسْبِهِ مَا يَقُوتُهُ وَقَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ مِنْهُمْ يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ فِي جَمَاعَةٍ مَعَهُ الْمِسْكِينُ الَّذِي لَا شَيْءَ لَهُ وَالْفَقِيرُ الَّذِي لَهُ شَيْءٌ لَا يَكْفِيهُ ، قَالَ يُونُسُ : قُلْتُ لِأَعْرَابِيٍّ أَفَقِيرٌ أَنْتَ ؟ فَقَالَ : لَا بَلْ مِسْكِينٌ وَأَنْشَدَ أَهْلُ اللُّغَةِ : أَمَّا الْفَقِيرُ الَّذِي كَانَتْ حَلُوبَتُهُ
كَمَا حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ سَهْلٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يوسُفَ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا مَالِكٌ ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ ، عَنِ الْأَعْرَجِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ : لَيْسَ الْمِسْكِينُ الَّذِي تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ وَالتَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَنِ الْمِسْكِينُ ؟ قَالَ : الَّذِيُ لَا يَجِدُ غِنًى يُغْنِيهِ وَلَا يُفْطَنُ لَهُ فَيُعْطَى وَلَا يَقُومُ فَيَسْأَلُ النَّاسَ فَقِيلَ : مَعْنَى هَذَا أَنَّ الَّذِيَ يَسْأَلُ يَجِيئُهُ الشَّيْءُ بَعْدَ الشَّيْءِ وَقِيلَ الْمَعْنَى لَيْسَ الْمِسْكِينُ الَّذِي فِي نِهَايَةِ الْمَسْكَنَةِ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يَدُلُّ عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي اخْتَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْمِسْكِينَ السَّائِلَ وَيَكُونُ الْمَعْنَى لَيْسَ الْمِسْكِينُ الَّذِي تَعُدُّونَهُ فِيكُمْ مِسْكِينًا هَذَا كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ : لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ إِنَّمَا الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ وَلِهَذَا نَظَائِرُ مِنْهَا : قَوْلُ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ إِنَّمَا الْمَحْرُوبُ مَنْ حُرِبَ دِينَهُ أَيِ الْمَحْرُوبُ عَلَى الْحَقِيقَةِ هُوَ هَذَا وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ : مَا تَعُدُّونَ الرَّقُوبَ فِيكُمْ ؟ قَالُوا : الَّذِي لَا يَعِيشُ لَهُ وَلَدٌ ، قَالَ : بَلِ الرَّقُوبُ الَّذِي لَمْ يَمُتْ لَهُ وَلَدٌ أَيْ هَذَا الَّذِي لَمْ يَمُتْ لَهُ وَلَدٌ هُوَ أَوْلَى بِهَذَا الِاسْمِ أَيْ أَوْلَى بِأَنْ يَكُونَ قَدْ لَحِقْتُهُ الْمُصِيبَةُ وَاخْتَلَفُوا مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ فِي قَسْمِ الزَّكَوَاتِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : فِي أَيِّ صِنْفٍ قَسَّمَتْهَا مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ جَزَى عَنْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : بَلْ يُقْسَمُ فِي الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ كَمَا سَمَّاهَا اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يُقْسَمُ عَلَى سِتَّةٍ يَسْقُطُ مِنْهَا سَهْمُ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ لِأَنَّهُمْ إِنَّمَا كَانُوا فِي وَقْتِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَسَهْمُ الْعَامِلِينَ إِذَا فَرَّقَ الْإِنْسَانُ زَكَاتَهُ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ يُرْوَى عَنْ ثَلَاثَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ عُمَرَ وحُذَيْفَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ إِنَّ الصَّدَقَاتِ جَائِزٌ أَنْ تُدْفَعَ إِلَى بَعْضِ هَذِهِ الْأَصْنَافِ دُونَ بَعْضٍ وَلَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ خِلَافٌ لِهَذَا وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، وَعَطَاءٍ ، وَإِبْرَاهِيمَ ، وَأَبِي الْعَالِيَةِ ، وَمَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ ، وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ ، وَأَبِي حَنِيفَةَ ، وَأَبِي يُوسُفَ ، وَمُحَمَّدٍ وَالْقَوْلُ بِأَنَّهَا تُقْسَمُ فِيمَنْ سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَحُجَّتُهُ ظَاهِرُ الْآيَةِ وَأَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ إِذَا أَوْصَى رَجُلٌ لِجَمَاعَةٍ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُمْ أَحَدٌ وَحُجَّةُ مَنْ ذَكَرْنَا غَيْرَهُ أَنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِلْوَصِيَّةِ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَا يَجُوزُ أَنْ تُقْسَمَ إِلَّا فِيمَنْ سُمِّيَتْ لَهُ فَإِنْ فُقِدَ بَعْضُهُمْ لَمْ يَرْجِعْ سَهْمُهُ إِلَى مَنْ بَقِيَ ، وَقَدْ أَجْمَعَ الْجَمِيعُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا فُقِدَ مَنْ ذُكِرَ فِي الْآيَةِ رَجَعَ سَهْمُهُ إِلَى مَنْ بَقِيَ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ وَلَا يُوصَلُ إِلَى أَنْ يَعُمَّ كُلَّ مَنْ ذُكِرَ فِي الْآيَةِ لِأَنَّ الْفُقَرَاءَ وَالْمَسَاكِينَ لَا يُحَاطُ بِهِمْ وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ حِينَ قَالَ لِسَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ حِينَ وَطِئَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ نَهَارًا : أَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا ، فَقَالَ مَا بِتْنَا لَيْلَتَنَا إِلَّا وَحْشًا لَا نَصِلُ إِلَى شَيْءٍ ، فَقَالَ امْضِ إِلَى بَنِي زُرَيْقٍ فَخُذْ صَدَقَتَهُمْ فَتَصَدَّقْ بِوَسْقٍ عَلَى سِتِّينَ مِسْكِينًا وَكُلْ أَنْتَ وَعِيَالُكَ مَا بَقِيَ فَأَعْطَاهُ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ صَدَقَةَ هَذِهِ الْقَبِيلَةِ وَلَمْ يَقْسِمْهَا عَلَى ثَمَانِيَةٍ ، فَلَمَّا احْتَمَلَ قَوْلُهُ {{ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ }} الْآيَةَ أَنْ يُقْسَمَ عَلَى هَذَا وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى يُقْسَمُ فِي هَذَا الْجِنْسِ وَلَا يَخْرُجُ عَنْهُمْ ثُمَّ جَاءَ عَنْ ثَلَاثَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ أَحَدُ الْمَعْنِيِّينَ كَانَ أَوْلَى مَعَ حُجَّةِ مَنْ ذَكَرْنَاهُ وَأَمَّا {{ الْعَامِلِينَ عَلَيْهَا }} قَالَ الزُّهْرِيُّ : هُمُ السُّعَاةُ قَالَ الْحَسَنُ يُعْطَوْنَ بِمِقْدَارِ عَمَلِهِمْ وَقَالَ مُجَاهِدٌ ، وَالضَّحَّاكُ لَهُمُ الثَّمَنُ فَأَمَّا وَالْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ عَلَى ضَرْبَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُمْ قَوْمٌ أَسْلَمُوا وَلَمْ يَكُنْ إِسْلَامُهُمْ قَوِيًّا فَلِلْإِمَامِ أَنْ يَسْتَمِيلَهُمْ وَيُعْطِيَهُمْ مِنَ الصَّدَقَاتِ وَإِنْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ وَالضِّرْبُ الْآخَرُ قَوْمٌ فِي نَاحِيَتِهِمْ عَدُوٌّ قَدْ كَفُوا الْمُسْلِمِينَ مَؤُونَتَهُ فَيُعَانُونَ عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ وَأَمَّا {{ وَفِي الرِّقَابِ }} فَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُمُ الْمُكَاتَبُونَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ ، وَالْحَسَنِ ، وَابْنِ زَيْدٍ ، وَالشَّافِعِيِّ وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ يَقُولُ يَجُوزُ أَنْ يُعْتِقَ مِنَ الزَّكَاةِ لِعُمُومِ الْآيَةِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ ، وَأَمَّا {{ وَالْغَارِمِينَ }} فَهُمْ عَلَى ضَرْبَيْنِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَحَدُهُمَا أَنْ يُدَانَ الرَّجُلُ فِي مَصْلَحَةِ نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ مَعْصِيَةٍ فَيُقْضَى دَيْنُهُ وَالْآخَرُ أَنْ يُدَانَ الرَّجُلُ فِي حَمَّالَاتٍ وَفِي مَعْرُوفٍ وَفِيمَا فِيهِ صَلَاحٌ لِلْمُسْلِمِينَ فَيُقْضَى دَيْنُهُ ، وَأَمَّا وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ يَقُولُ لِلْغُزَاةِ وَمِنْهُمْ مَنْ يُجِيزُ أَنْ يُعْطَى فِي الْحَجِّ وَهُوَ قَوْلُ الْكُوفِيِّينَ وَأَمَّا {{ وَابْنُ السَّبِيلِ }} فَهُوَ الْمُنْقَطِعُ بِهِ الَّذِي لَيْسَ بِبَلَدِهِ يُعْطَى مَا يَتَحَمَّلُ بِهِ وَإِنْ كَانَ لَهُ فِي بَلَدِهِ مَالٌ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَفِي هَذِهِ ، الْآيَةُ أَيْضًا مَا قَدِ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُوَ مِنْ سَبِيلِهِ أَنْ يُعْطَى مِنَ الزَّكَاةِ
فَمِنْ ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ غُلَيْبٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ جَعْفَرٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ أَبِي الزَّرْقَاءِ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، قَالَ : إِذَا كَانَ لِرَجُلٍ خَمْسُونَ دِرْهَمًا فَلَا يُدْفَعُ إِلَيْهِ مِنَ الزَّكَاةِ شَيْءٌ وَلَا يُدْفَعُ إِلَى أَحَدٍ أَكْثَرُ مِنْ خَمْسِينَ دِرْهَمًا قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَهَذَا الْقَوْلُ يُرْوَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ ، وعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ ، وَأَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ ، وإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ لِأَنَّ فِيهِ حَدِيثًا يُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ
كَمَا قُرِئَ عَلَى أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ سُلَيْمَانَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : مَنْ سَأَلَ وَلَهُ مَا يُغْنِيهِ جَاءَتْ يَعْنِي مَسْأَلَتُهُ فِي وَجْهِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خُمُوشًا ، أَوْ كُدُوحًا قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ : وَمَاذَا يُغْنِيهِ أَوْ مَاذَا غِنَاهُ ؟ قَالَ : خَمْسُونَ دِرْهَمًا أَوْ حِسَابُهَا مِنَ الذَّهَبِ قَالَ يَحْيَى بْنُ أَدَمَ قَالَ سُفْيَانُ وَحَدَّثَنَا زُبَيْدٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، حَكِيمُ بْنُ جُبَيْرٍ ضَعِيفٌ فِي الْحَدِيثِ ، وَإِنَّمَا ذَكَرْنَاهُ لِقَوْلِ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا زُبَيْدٌ هَذَا قَوْلٌ ، وَقَالَ قَوْمٌ : لَا يَحِلُّ لِمَنْ يَمْلِكُ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا أَنْ يَأْخُذَ مِنَ الزَّكَاةِ شَيْئًا وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي أَسَدٍ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَقُولُ : مَنْ سَأَلَ وَلَهُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا قَدْ سَأَلَ إِلْحَافًا وَهَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ لَا يَحِلُّ لِمَنْ مَعَهُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا أَنْ يَأْخُذَ مِنَ الزَّكَاةِ شَيْئًا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدٍ الْقَاسِمِ بْنِ سَلَّامٍ قَالَ : وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ أَصْلَانِ فِيمَنْ يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ الْقَوْلَ بِهَذَا الْحَدِيثِ غَيْرَ أَنَّ الصَّحِيحَ عَنْهُ أَنَّهُ لَمْ يَحِدَّ فِي ذَلِكَ حَدًّا وَقَالَ عَلَى مِقْدَارِ الْحَاجَةِ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ قَرِيبٌ مِنْ هَذَا أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِلرَّجُلِ الْجُمْلَةُ مِنَ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ وَعَلَيْهِ عِيَالٌ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى أَكْثَرَ مِنْهَا فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنَ الزَّكَاةِ وَمِنَ الْفُقَهَاءِ مَنْ يَقُولُ مَنْ كَانَتْ مَعَهُ عِشْرُونَ دِينَارًا أَوْ مِائَتَا دِرْهَمٍ لَمْ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنَ الزَّكَاةِ شَيْئًا وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَأَبِي يُوسُفَ ، وَمُحَمَّدٍ وَحُجَّتُهُمْ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لِمُعَاذٍ : عَرِّفْهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُجْعَلُ فِي فُقَرَائِهِمْ فَقَدْ صَارَ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ غَنِيًّا مِنَ الْمَالِ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَفِي الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِيهِ الْخُمُوشَ تَفْسِيرُ مَا فِيهِ مِنَ الْغَرِيبِ وَغَيْرِهِ ، الْخُمُوشُ الْخُدُوشُ وَاحِدُهَا خُمْشٌ وَقَدْ خَمَشَ وَجْهُهُ يَخْمِشُهُ وَيَخْمُشُهُ خَمْشًا وَخُمُوشًا ، وَالْكُدُوحُ الْآثَارُ مِنَ الْخَدْشِ وَالْعَضِّ وَمِنْهُ حِمَارٌ مُكَدَّحٌ أَيْ مُعَضَّضٌ ، وَقَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ : لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ عَنْ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا زُبَيْدٌ إِلَّا يَحْيَى بْنُ آدَمَ وَقَالَ غَيْرُهُ لَمَّا قَالَ سُفْيَانُ حَدَّثَنَا زُبَيْدٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَمْ يَصِلِ الْحَدِيثَ فَقَالَ مَنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ لَمْ يَحْتَجْ أَنْ يَصِلَهُ لِأَنَّهُ قَدْ ذَكَرَهُ بَدْءًا وَقَدْ غَمَزَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ عَلَى يَحْيَى بْنِ آدَمَ فَقَالَ : قَرَأْتُ عَلَى وَكِيعٍ حَدِيثَ يَحْيَى بْنَ آدَمَ عَنْ سُفْيَانَ فَقَالَ لَيْسَ هَذَا ثَوْرِيُّنَا الَّذِي نَعْرِفُهُ فَأَمَّا غَيْرُ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ فَمُقَدِّمٌ لِيَحْيَى بْنِ آدَمَ حَتَّى قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ : بَلَغَنِي أَنَّهُ يَخْرُجُ فِي كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ بَعْدَ مَوْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ رَجُلٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ يُقَوِّي اللَّهُ بِهِ الدِّينَ وَإِنَّ يَحْيَى بْنِ آدَمَ عِنْدِي مِنْهُمْ وَاخْتَلَفُوا فِي الْآيَةِ الثَّامِنَةِ فَقَالُوا فِيهَا قَوْلَيْنِ
وَفِي رِوَايَةِ جُوَيْبِرٍ ، عَنِ الضَّحَّاكِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، {{ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ }} فَقَالَ : لَأَزِيدَنَّ عَلَى السَّبْعِينَ فَنَسَخَتْهَا : {{ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ }} فَهَذَا قَوْلٌ . وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ : لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ وَإِنَّمَا هَذَا عَلَى التَّهْدِيدِ لَهُمْ أَيْ لَوِ اسْتَغْفَرَ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مَا غُفِرَ لَكُمْ فَقَالَ قَائِلٌ : هَذَا الْقَوْلُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَغْفِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لِمُنَافِقٍ لِأَنَّ الْمُنَافِقَ كَافِرٌ بِنَصِّ كِتَابِ اللَّهِ قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : {{ إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ }} إِلَى قَوْلِهِ {{ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا }} ، وَقَالَ مَنِ احْتَجَّ بِأَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ الْآثَارُ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ
كَمَا رَوَى الزُّهْرِيُّ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، {{ وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا }} قَالَ : لَمَّا مَاتَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ ابْنِ سَلُولٍ أَتَى ابْنُهُ وَقَوْمُهُ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَكَلَّمُوهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ وَيَقُومَ عَلَى قَبْرِهِ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لِيُصَلِّي عَلَيْهِ قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقُمْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَازَةِ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ تُصَلِّي عَلَيْهِ وَهُوَ الْفَاعِلُ كَذَا وَكَذَا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا وَهُوَ الرَّاجِعُ بِثُلُثِ النَّاسِ يَوْمَ أُحُدٍ وَهُوَ الْقَائِلُ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا كَذَا وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا ؟ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَقُولُ : أَخِّرْ عَنِّي يَا عُمَرُ وَجَعَلَ عُمَرُ يُرَدِّدُ قَوْلَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : أَخِّرْ عَنِّي يَا عُمَرُ فَلَوْ أَنِّي أَعْلَمُ أَنِّي لَوِ اسْتَغْفَرْتُ لَهُمْ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً غُفِرَ لَهُمْ لَاسْتَغْفَرْتُ لَهُمْ فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَوَقَفَ عَلَى قَبْرِهِ حَتَّى دُفِنَ فَمَا لَبِثْنَا إِلَّا لَيَالِيَ حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {{ وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمُ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ }} قَالَ فَكَانَ عُمَرُ يَعْجَبُ مِنْ جُرْأَتِهِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ مِنَ الْقُرْآنِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَقَالُوا فِي هَذَا الْحَدِيثَ إِنَّهُ صَلَّى عَلَيْهِ بَعْدَ كَلَامِ عُمَرَ إِيَّاهُ وَإِنْ كَانَ كَلَامُ عُمَرَ قَدْ أُحْمِدَ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : مَا بَعَثَ اللَّهُ قَطُّ نَبِيًّا إِلَّا وَفِي أُمَّتِهِ مُحَدَّثٌ فَإِنْ يَكُنْ فِي أُمَّتِي فَهوُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَقِيلَ مَعْنَى مُحَدَّثٍ يُنْطَقُ عَلَى لِسَانِهِ بِالْحَقِّ
وَفِي حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ لِعُمَرَ ذَلِكَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَنْهَنِي عَنِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ وَإِنَّمَا خَيَّرَنِي قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ التَّوْقِيفُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَنَّ أَوْ هَاهُنَا لِلتَّخْيِيرِ أَعْنِي مِنْ قَوْلِهِ : {{ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ }} فَإِنْ قِيلَ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَغْفِرَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمُنَافِقٍ ؟ فَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ عَلَى أَنَّهُ مُسْلِمٌ ، وَبَاطِنُهُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ قِيلَ وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا نَاسِخٌ لِفِعْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَا لِلْآيَةِ الْأُخْرَى وَقَدْ تَوَهَّمَ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى {{ وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ }} نَاسِخٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {{ وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ }} قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَهَذَا غَلَطٌ عَظِيمٌ وَلِهَذَا كَرِهَ الْعُلَمَاءُ أَنْ يَجْتَرِئَ أَحَدٌ عَلَى تَفْسِيرِ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى يَكُونَ عَالِمًا بِأَشْيَاءَ مِنْهَا الْآثَارُ وَلَا اخْتِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْآثَارِ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى {{ وَصَلِّ عَلَيْهِمْ }} لَيْسَ هُمُ الَّذِينَ قِيلَ فِيهِمْ {{ وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا }} وَيَدُلُّكَ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ بَعْدَ {{ وَصَلِّ عَلَيْهِمْ }} {{ أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ }} فَكَيْفَ لَا يُصَلِّي عَلَى مَنْ تَابَ ؟ وَأَهْلُ التَّأْوِيلِ يَقُولُونَ نَزَلَتْ {{ وَصَلِّ عَلَيْهِمْ }} فِي أَبِي لُبَابَةَ وَجَمَاعَةٍ مَعَهُ رَبَطُوا أَنْفُسَهُمْ فِي السَّوَارِي لِأَنَّهُمْ تَخَلَّفُوا عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ إِلَى أَنْ تَابَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ عَلَيْهِمْ وَقَدْ ذُكِرَتِ الْآيَةُ التَّاسِعَةُ فِي النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ