مَا حَدَّثَنَاهُ بَكْرُ بْنُ سَهْلٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ ، قَالَ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنِ صَالِحٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، {{ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ }} قَالَ : يَقُولُ سُبْحَانَهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَ قَوْمًا وَأَنْبِيَاؤُهُمْ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ حَتَّى يُخْرِجَهُمْ ، وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ قَالَ : يَقُولُ وَفِيهِمْ مَنْ قَدْ سَبَقَ لَهُ مِنْهُ الدُّخُولُ فِي الْإِيمَانِ وَهُوَ الِاسْتِغْفَارُ {{ وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ }} يَوْمَ بَدْرٍ بِالسَّيْفِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : شَرْحُ هَذَا {{ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ }} يَعْنِي الْكُفَّارَ جَمِيعًا وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ فِيهِمْ مَنْ يُسْلِمُ فَيَكُونُ وَهُمْ يُرَادُ بِهِمُ الْبَعْضُ مِثْلَ قَوْلِ الْعَرَبِ قَتَلْنَا بَنِي فُلَانٍ وَإِنَّمَا قَتَلُوا بَعْضَهُمْ {{ وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ }} إِذَا أَسْلَمَ مِنْهُمْ مَنْ قَدْ سَبَقَ فِي عِلْمِهِ أَنَّهُ يُسْلِمُ فَهَذَا الْقَوْلُ يَجُوزُ إِلَّا أَنَّ فِيهِ هَذَا التَّعَسُّفَ وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ أَيْ يُسْلِمُونَ وَهَذَا كَالْأَوَّلِ
وَرَوِيَ أَبُو زُمَيْلٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، {{ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ }} أَيْ : وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ كَانُوا يَقُولُونَ غُفْرَانَكَ غُفْرَانَكَ ، وَمَا لَهُمْ ألَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْآخِرَةِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَهَذَا الْقَوْلُ ظَاهِرُهُ حَسَنٌ إِلَّا أَنَّ فِيهِ أَنَّهُمْ إِنَّمَا اسْتَعْجَلُوا بِعَذَابِ الدُّنْيَا لَا بِعَذَابِ الْآخِرَةِ وَأَيْضًا فَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُمْ يُعَذَّبُونَ فِي الْآخِرَةِ إِنْ مَاتُوا عَلَى الْكُفْرِ ، فَهَذَانِ قَوْلَانِ لِمَنْ قَالَ إِنَّهَا مُحْكَمَةٌ ، وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ قَوْلُ الضَّحَّاكِ
كَمَا قُرِئَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُوسَى الْجَوْزِيِّ ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ ، قَالَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ نُبَيْطٍ ، عَنِ الضَّحَّاكِ ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {{ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ }} قَالَ : الْمُؤْمِنُونَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ {{ وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ }} قَالَ الْكُفَّارُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : جُعِلَ الضَّمِيرَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَهُوَ قَوْلٌ حَسَنٌ وَإِنْ كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ قَدْ أَنْكَرَهُ لِأَنَّهُ زَعَمَ أَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ لِلْمُؤْمِنِينَ ذِكْرٌ فَيُكَنَّى عَنْهُمْ فَهَذَا غَلَطٌ بَيِّنٌ لِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنَ السُّورَةِ فَإِنْ قِيلَ لَمْ يَتَقَدَّمْ ذِكْرُهُمْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فَالْجَوَابُ أَنَّ فِيَ الْمَعْنَى دَلِيلًا عَلَى ذِكْرِهِمْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ قَالَ مِنَ الْكُفَّارِ : اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ إِنَّمَا قَالَ هَذَا مُسْتَهْزِئًا وَمُتَعَنِّتًا وَلَوْ قَصَدَ الْحَقَّ لَقَالَ اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقُّ مِنْ عِنْدَكَ فَاهْدِنَا لَهُ وَلَكِنَّهُ كَفَرَ وَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى يَبْعَثُ رَسُولًا يُوحَى إِلَيْهِ مِنَ السَّمَاءِ أَيِ اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقُّ مِنْ عِنْدَكِ فَأَهْلِكِ الْجَمَاعَةَ مِنَ الْكُفَّارِ وَالْمُسْلِمِينَ فَهَذَا مَعْنَى ذِكْرِ الْمُسْلِمِينَ فَيَكُونُ الْمَعْنَى كَيْفَ يُهْلِكُ اللَّهُ تَعَالَى الْمُسْلِمِينَ فَهَذَا مَعْنَى {{ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ }} يَعْنِي الْمُؤْمِنِينَ {{ وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ }} يَعْنِي الْكَافِرِينَ وَقَوْلُ ابْنِ أَبْزَى كَقَوْلِ الضَّحَّاكِ قَالَ {{ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ }} يَعْنِي الْفِئَةَ الْمُسْلِمَةَ الَّتِي كَانَتْ بِمَكَّةَ فَلَمَّا خَرَجُوا قَالَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ {{ وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ }} يَعْنِي الْكُفَّارَ وَالْقَوْلُ الْخَامِسُ : قَوْلُ قَتَادَةَ ، وَالسُّدِّيِّ ، وَابْنِ زَيْدٍ قَالُوا : {{ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ }} أَيْ لَوِ اسْتَغْفَرُوا قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَهَذَا أَبْيَنُ مَا قِيلَ فِي الْآيَةِ وَلَا تَعَسُّفَ فِيهِ كَمَا تَقُولُ لَا أُسِيءُ إِلَيْكَ وَأَنْتَ تُحْسِنُ إِلَيَّ أَيْ لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَيَّ مَا أَسَأْتُ إِلَيْكَ فَيَكُونُ الْمَعْنَى {{ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ }} وَهَذِهِ حَالُهُمْ أَيْ لَوِ اسْتَغْفَرُوا مِنَ الْكُفْرِ وَتَابُوا {{ وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ }} أَيْ وَمَا شَأْنُهُمْ وَمَا يَمْنَعُهُمْ أَنْ يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ مُصِرُّونَ عَلَى الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي فَقَدِ اسْتَحَقُّوا الْعَذَابَ وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي الْآيَةِ الرَّابِعَةِ