عَنِ الضَّحَّاكِ ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {{ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ }} قَالَ : " الْمُؤْمِنُونَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ {{ وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ }} قَالَ الْكُفَّارُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ "
كَمَا قُرِئَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُوسَى الْجَوْزِيِّ ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ ، قَالَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ نُبَيْطٍ ، عَنِ الضَّحَّاكِ ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {{ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ }} قَالَ : الْمُؤْمِنُونَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ {{ وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ }} قَالَ الْكُفَّارُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : جُعِلَ الضَّمِيرَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَهُوَ قَوْلٌ حَسَنٌ وَإِنْ كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ قَدْ أَنْكَرَهُ لِأَنَّهُ زَعَمَ أَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ لِلْمُؤْمِنِينَ ذِكْرٌ فَيُكَنَّى عَنْهُمْ فَهَذَا غَلَطٌ بَيِّنٌ لِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنَ السُّورَةِ فَإِنْ قِيلَ لَمْ يَتَقَدَّمْ ذِكْرُهُمْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فَالْجَوَابُ أَنَّ فِيَ الْمَعْنَى دَلِيلًا عَلَى ذِكْرِهِمْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ قَالَ مِنَ الْكُفَّارِ : اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ إِنَّمَا قَالَ هَذَا مُسْتَهْزِئًا وَمُتَعَنِّتًا وَلَوْ قَصَدَ الْحَقَّ لَقَالَ اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقُّ مِنْ عِنْدَكَ فَاهْدِنَا لَهُ وَلَكِنَّهُ كَفَرَ وَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى يَبْعَثُ رَسُولًا يُوحَى إِلَيْهِ مِنَ السَّمَاءِ أَيِ اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقُّ مِنْ عِنْدَكِ فَأَهْلِكِ الْجَمَاعَةَ مِنَ الْكُفَّارِ وَالْمُسْلِمِينَ فَهَذَا مَعْنَى ذِكْرِ الْمُسْلِمِينَ فَيَكُونُ الْمَعْنَى كَيْفَ يُهْلِكُ اللَّهُ تَعَالَى الْمُسْلِمِينَ فَهَذَا مَعْنَى {{ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ }} يَعْنِي الْمُؤْمِنِينَ {{ وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ }} يَعْنِي الْكَافِرِينَ وَقَوْلُ ابْنِ أَبْزَى كَقَوْلِ الضَّحَّاكِ قَالَ {{ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ }} يَعْنِي الْفِئَةَ الْمُسْلِمَةَ الَّتِي كَانَتْ بِمَكَّةَ فَلَمَّا خَرَجُوا قَالَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ {{ وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ }} يَعْنِي الْكُفَّارَ وَالْقَوْلُ الْخَامِسُ : قَوْلُ قَتَادَةَ ، وَالسُّدِّيِّ ، وَابْنِ زَيْدٍ قَالُوا : {{ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ }} أَيْ لَوِ اسْتَغْفَرُوا قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَهَذَا أَبْيَنُ مَا قِيلَ فِي الْآيَةِ وَلَا تَعَسُّفَ فِيهِ كَمَا تَقُولُ لَا أُسِيءُ إِلَيْكَ وَأَنْتَ تُحْسِنُ إِلَيَّ أَيْ لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَيَّ مَا أَسَأْتُ إِلَيْكَ فَيَكُونُ الْمَعْنَى {{ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ }} وَهَذِهِ حَالُهُمْ أَيْ لَوِ اسْتَغْفَرُوا مِنَ الْكُفْرِ وَتَابُوا {{ وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ }} أَيْ وَمَا شَأْنُهُمْ وَمَا يَمْنَعُهُمْ أَنْ يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ مُصِرُّونَ عَلَى الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي فَقَدِ اسْتَحَقُّوا الْعَذَابَ وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي الْآيَةِ الرَّابِعَةِ