مِمَّا قَدْ حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ ، حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَبَسَ أَبَا مَسْعُودٍ ، وَأَبَا الدَّرْدَاءِ ، وَأَبَا ذَرٍّ حَتَّى أُصِيبَ وَقَالَ : مَا هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ
وَهُوَ مَا حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ أَبِي مُوسَى الْأَنْصَارِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبِي ، عَنْ مَعْنِ بْنِ عِيسَى ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِدْرِيسَ ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ : أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لِأَبِي مَسْعُودٍ ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ ، وَأَبِي ذَرٍّ : مَا هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ؟ قَالَ : وَأَحْسِبُهُ حَبَسَهُمْ ، حَتَّى أُصِيبَ فَقَالَ قَائِلٌ : فَمَا وَجْهُ هَذَا الَّذِي رُوِّيتُمُوهُ عَنْ عُمَرَ ، وَهُوَ إِمَامٌ رَاشِدٌ مَهْدِيُّ ، وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَا يَقِفُ النَّاسُ عَلَى مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ إِلَّا بِمَا يُحَدِّثُهُمْ بِهِ أَصْحَابُهُ عَنْهُ ، وَفِيمَا كَانَ مِنْ عُمَرَ مَا يَقْطَعُهُمْ عَنْ ذَلِكَ مِمَّا كَانَ مِنْهُ ؟ . فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ : أَنَّ عُمَرَ كَانَ مَذْهَبُهُ حِيَاطَةَ مَا يُرْوَى عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، وَإِنْ كَانَ الَّذِينَ رَوَوْهُ عُدُولًا ، إِذْ كَانَ عَلَى الْأَئِمَّةِ تَأَمُّلُ مَا يُشْهَدُ بِهِ عِنْدَهُمْ ، مِمَّنْ قَدْ ثَبَتَ عَدْلُهُ عِنْدَهُمْ ، فَكَانَ عُمَرُ فِيمَا يُحَدِّثُ بِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِمَّا لَا يَحْفَظُهُ عَنْهُ كَذَلِكَ أَيْضًا ، وَكَذَلِكَ فَعَلَ بِأَبِي مُوسَى مَعَ عَدْلِهِ عِنْدَهُ ، فِيمَا حَدَّثَ بِهِ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِمَّا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ فِي الِاسْتِئْذَانِ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَّا فِي كِتَابِنَا هَذَا ، وَقَدْ وَقَفَ عَلَى ذَلِكَ مِنْهُ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ ، وَمَنْ سِوَاهُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ الَّذِينَ وَقَفُوا عَلَى ذَلِكَ مِنْهُ ، وَلَمْ يُنْكِرُوهُ عَلَيْهِ ، وَلَمْ يُخَالِفُوهُ فِيهِ ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى مُوَافَقَتِهِمْ إِيَّاهُ عَلَيْهِ , وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَعَلَ فِي أُمُورِ الَّذِينَ كَانَ مِنْهُ فِي حَبْسِهِمْ مِمَّا كَانَ فَعَلَهُ فِي ذَلِكَ لِهَذَا الْمَعْنَى ، لَا لِأَنْ يَقْطَعَهُمْ عَنِ التَّبْلِيغِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ النَّاسَ مَا قَدْ سَمِعُوهُ مِنْهُ ، وَكَذَلِكَ كَانَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَبْلَهُ فِي مِثْلِ هَذَا
كَمَا حَدَّثَنَا يُونُسُ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ : أَنَّ مَالِكًا ، حَدَّثَهُ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ خَرَشَةَ ، عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ أَنَّهُ قَالَ : جَاءَتِ الْجَدَّةُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَسْأَلُهُ مِيرَاثَهَا ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : مَالِكِ فِي كِتَابِ اللَّهِ شَيْءٌ ، وَمَا عَلِمْتُ لَكِ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ شَيْئًا ، فَارْجِعِي ، حَتَّى أَسْأَلَ النَّاسَ ، فَسَأَلَ النَّاسَ ، فَقَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ : حَضَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَعْطَاهَا السُّدُسَ ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : هَلْ مَعَكَ غَيْرُكَ ؟ فَقَامَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ الْأَنْصَارِيُّ ، فَقَالَ مِثْلَ مَا قَالَ الْمُغِيرَةُ ، فَأَنْفَذَهُ لَهَا أَبُو بَكْرٍ ، ثُمَّ جَاءَتِ الْجَدَّةُ الْأُخْرَى إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَسَأَلْتُهُ مِيرَاثَهَا ، فَقَالَ : مَالِكِ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ شَيْءٌ ، وَمَا كَانَ الْقَضَاءُ بِهِ قَضَى بِهِ إِلَّا فِي غَيْرِكِ ، وَمَا أَنَا بِزَائِدٍ فِي الْفَرَائِضِ شَيْئًا ، وَلَكِنْ هُوَ ذَلِكَ السُّدُسُ ، فَإِنِ اجْتَمَعْتُمَا ، فَهُوَ بَيْنَكُمَا ، وَأَيَّتُكُمَا خَلَتْ بِهِ ، فَهُوَ لَهَا أَفَلَا تَرَى أَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمْ يَكْتَفِ بِشَهَادَةِ الْمُغِيرَةِ عِنْدَهُ بِمَا شَهِدَ بِهِ مَعَ عَدَالَتِهِ عِنْدَهُ ، حَتَّى طَلَبَ مِنْهُ شَهَادَةَ غَيْرِهِ مَعَهُ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ طَلَبًا لِلِاحْتِيَاطِ فِيمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، وَإِشْفَاقًا مِنْ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ فِيهِ ، فَمِثْلُ ذَلِكَ مَا كَانَ عُمَرُ فَعَلَهُ ، فِيمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ . وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَا كَانَ مِنَ الَّذِينَ حَبَسَهُمْ فِيمَا كَانَ حَبَسَهُمْ فِيهِ لِتَجَاوُزِ مَا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْ أَمْثَالِهِمْ ، حَتَّى خَافَ أَنْ يَقْطَعُوا النَّاسَ بِذَلِكَ ، وَيَشْغَلُوهُمْ بِهِ عَنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ تَأَمُّلِهِ ، وَالِاسْتِنْبَاطِ لِلْأَشْيَاءِ مِنْهُ ، مِمَّا فِيهِ تَعْلُو مَرْتَبَةُ الْمُسْتَنْبِطِينَ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ مِمَّنْ يَقْرَؤُهُ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : {{ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ }} ، وَلِذِكْرِهِ سِوَاهُمْ مِمَّنْ يَقْرَؤُهُ بِمَا سِوَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ : {{ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ ، إِلَّا أَمَانِيَّ }} , أَيْ إِلَّا تِلَاوَةً ، فَلَمْ يَحْمَدْ ذَلِكَ مِنْهُمْ ، كَمَا حَمِدَ أَهْلَ الِاسْتِنْبَاطِ عَلَى الِاسْتِنْبَاطِ . وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا قَدْ رَوَاهُ قَرَظَةُ بْنُ كَعْبٍ ، عَنْهُ فِي هَذَا الْمَعْنَى
كَمَا حَدَّثَنَا يُونُسُ ، وَابْنُ أَبِي عَقِيلٍ قَالَا : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ بَيَانٍ ، عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ ، عَنْ قَرَظَةَ بْنِ كَعْبٍ قَالَ : خَرَجْنَا نُرِيدُ الْعِرَاقَ فَمَشَى مَعَنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى صِرَارَ ، فَتَوَضَّأَ ، فَغَسَلَ اثْنَتَيْنِ ، فَقَالَ : أَتَدْرُونَ لِمَ مَشَيْتُ مَعَكُمْ ؟ قَالُوا : نَعَمْ ، نَحْنُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مَشَيْتَ مَعَنَا ، قَالَ : إِنَّكُمْ تَأْتُونَ أَهْلَ قَرْيَةٍ لَهُمْ دَوِيُّ بِالْقُرْآنِ كَدَوِيِّ النَّحْلِ ، فَلَا تَصُدُّوهُمْ بِالْأَحَادِيثِ ، فَتَشْغَلُوهُمْ ، جَرِّدُوا الْقُرْآنَ ، وَأَقِلُّوا الرِّوَايَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، امْضُوا ، وَأَنَا شَرِيكُكُمْ ، فَلَمَّا قَدِمَ قَرَظَةَ قَالُوا : حَدِّثْنَا ، قَالَ : نَهَانَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَاللَّفْظُ لِيُونُسَ
وَكَمَا حَدَّثَنَا الْكَيْسَانِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، وَكَمَا حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُونُسَ الْبَصْرِيُّ ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، قَالَا جَمِيعًا : عَنْ بَيَانٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ يُحَدِّثُ ، عَنْ قَرَظَةَ بْنِ كَعْبٍ قَالَ : شَيَّعَنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ، فَتَوَضَّأَ ثُمَّ قَالَ : أَتَدْرُونَ لِمَ شَيَّعْتُكُمْ ؟ قَالُوا : نَحْنُ الْأَنْصَارُ قَالَ : إِنَّكُمْ تَأْتُونَ أَقْوَامًا تَهْتَزُّ أَلْسِنَتُهُمْ بِالْقُرْآنِ كَاهْتِزَازِ النَّحْلِ ، فَلَا تَصُدُّوهُمْ بِالْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، وَأَنَا شَرِيكُكُمْ ، فَمَا حُدِّثْتُ عَنْهُ بشَيْءٍ ، وَسَمِعْتُ كَمَا سَمِعَ أَصْحَابِيَ وَاللَّفْظُ لِلْكَيْسَانِيِّ
وَكَمَا حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ الْهَيْثَمِ الْقُطَعِيُّ ، حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنْ قَرَظَةَ ، قَالَ : شَيَّعَ عُمَرُ النَّاسَ فَقَالَ : هَلْ تَدْرُونَ لِمَ خَرَجْتُ مَعَكُمْ ؟ قَالُوا : لِتُكْرِمَنَا ، قَالَ : مَا خَرَجْتُ مَعَكُمْ إِلَّا لِتُقِلُّوا الرِّوَايَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، وَأَنَا لَكُمْ فِي ذَلِكَ شَرِيكٌ
وَكَمَا حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنْ قَرَظَةَ بْنِ كَعْبٍ قَالَ : أَرَدْتُ الْعِرَاقَ فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِي ، فَقَالَ عُمَرُ : إِنَّكُمْ سَتَجِدُونَ لِلنَّاسِ تَهْدِيرَ النَّحْلِ بِالْقُرْآنِ ، فَلَا تَلْفِتُوهُمْ ، أَقِلُّوا الْحَدِيثَ ، وَأَنَا شَرِيكُكُمْ
وَكَمَا حَدَّثَنَا الْكَيْسَانِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبِي ، حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُفَ ، حَدَّثَنَا أَشْعَثُ بْنُ سَوَّارٍ ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنْ قَرَظَةَ بْنِ كَعْبٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ : أَقْبَلْتُ فِي نَفَرٍ مِنَ الْأَنْصَارِ إِلَى الْكُوفَةِ ، فَشَيَّعَنَا عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَمْشِي ، حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى مَكَانٍ قَدْ سَمَّاهُ ، ثُمَّ قَالَ : هَلْ تَدْرُونَ ، لِمَ مَشَيْتُ مَعَكُمْ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ ؟ قَالُوا : نَعَمْ لِحَقِّنَا قَالَ : إِنَّ لَكُمْ لَحَقًّا ، وَإِنَّكُمْ تَأْتُونَ قَوْمًا لَهُمْ دَوِيُّ بِالْقُرْآنِ ، كَدَوِيِّ النَّحْلِ ، فَأَقِلُّوا الرِّوَايَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، وَأَنَا شَرِيكُكُمْ فَقَالَ قَرَظَةُ : لَا أُحَدِّثُ حَدِيثًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَبَدًا قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَدُلَّ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ عُمَرَ إِنَّمَا أَرَادَ بِمَا أَرَادَ مِمَّا فِي الْأَحَادِيثِ الْأُوَلِ ، أَنْ لَا يَقْطَعُوا النَّاسَ عَنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِمَا يُحَدِّثُونَهُمْ بِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، وَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ أَنَّهُ إِنَّمَا كَرِهَ مِنْهُمْ هَذَا الْمَعْنَى لَا مَا سِوَاهُ مِمَّا يَجْمَعُونَ بِهِ التَّشَاغُلَ بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَالْحَدِيثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ الَّذِي يَسْتَدِلُّونَ بِهِ عَلَى مَعَانِي كِتَابِ اللَّهِ ، لَا بِمَا يَقْطَعُونَ بِهِ عَنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ ، حَدَّثَنَا بُكَيْرُ بْنُ مِسْمَارٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ عَامِرَ بْنَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ : وَكَانَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فِي إِبِلٍ لَهُ وَغَنَمٍ ، فَأَتَاهُ ابْنُهُ عُمَرُ ، فَلَمَّا رَآهُ قَالَ : أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ هَذَا الرَّاكِبِ ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَيْهِ ، قَالَ : يَا أَبَتِ ، أَرَضِيتَ أَنْ تَكُونَ فِي إِبِلِكَ وَغَنَمِكَ ، وَالنَّاسُ بِالْمَدِينَةِ يَتَنَازَعُونَ فِي الْمُلْكِ ؟ فَضَرَبَ سَعْدٌ صَدْرَ عُمَرَ بِيَدِهِ ، ثُمَّ قَالَ : اسْكُتْ يَا بُنَيَّ ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَقُولُ : إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُحِبُّ الْعَبْدَ التَّقِيَّ ، الْغَنِيَّ ، الْخَفِيَّ
وَحَدَّثَنَا فَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : كَانَ مِنْ دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعِفَّةَ وَالْغِنَى قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَقَالَ قَائِلٌ : فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ مِنْ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ ، أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ مِنْ عِبَادِهِ الْغَنِيَّ ، وَفِي الْحَدِيثِ الثَّانِي مِنْهُمَا سُؤَالُهُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْغِنَى ، فَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى تَفْضِيلِهِ الْغَنِيَّ عَلَى الْفَقِيرِ . فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ : أَنَّ الْغِنَى الْمَذْكُورَ فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ لَيْسَ هُوَ الْغِنَى بِالْمَالِ ، وَكَيْفَ يُظَنُّ ذَلِكَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، وَقَدْ رَوَى عَنْهُ أَبُو ذَرٍّ مَا قَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا قَدْ تَقَدَّمَ مِنَّا فِي كِتَابِنَا هَذَا ، أَنَّهُ قَالَ : مَا أُحِبُّ أَنَّ لِيَ أُحُدًا ذَهَبًا يَأْتِي عَلَيَّ لَيْلَةٌ ، وَعِنْدِي مِنْهُ دِينَارٌ ، إِلَّا دِينَارًا أَرْصُدُهُ لِدَيْنٍ ، أَوْ أَقُولُ بِهِ فِي عِبَادِ اللَّهِ هَكَذَا ، وَهَكَذَا ، وَهَكَذَا ، وَلَكِنَّ الْغِنَى الْمَذْكُورَ فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ ، غِنَى النَّفْسِ الْقَاطِعِ عَنِ الْمَالِ الَّذِي يَقْطَعُ عَنْ طاعاتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَيَشْغَلُ الْقُلُوبَ عَمَّا سِوَاهُ ، وَيَقْطَعُهُ عَنْهُ
كَمَا حَدَّثَنَا يُونُسُ ، أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ : لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ ، إِنَّمَا الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ فَالْغِنَى الْمَحْمُودُ فِي الْحَدِيثَيْنِ الْأَوَّلِينَ هُوَ هَذَا الْغِنَى الَّذِي تَتَفَرَّغُ بِهِ الْقُلُوبُ عَنِ الدُّنْيَا ، وَعَنِ الِاهْتِمَامِ لَهَا ، وَتُقْبِلُ مَعَهَا إِلَى أَضْدَادِ ذَلِكَ ، مِمَّا يَحْمَدُهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ أَهْلِهِ ، وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ خِلَافُ هَذَا ، أَوْ يَكُونُ أَحَدٌ عِنْدَ اللَّهِ بِمَنْزِلَةٍ أَفْضَلَ مِنَ الْمَنْزِلَةِ الَّتِي هُوَ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَلَيْهَا مِنَ الْأَحْوَالِ الَّتِي هِيَ أَضَّدَادُ مَا ظَنَّ هَذَا الْقَائِلُ أَنَّ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَرَادَهُ فِي الْحَدِيثَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا فِي هَذَا الْبَابِ ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ .