حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ , قَالَ : ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : كَانَتِ الْمَزَارِعُ تُكْرَى عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ , عَلَى أَنَّ لِرَبِّ الْأَرْضِ , مَا عَلَى السَّاقِي مِنَ الزَّرْعِ , وَطَائِفَةٍ مِنَ التِّبْنِ , لَا أَدْرِي كَمْ هُوَ ؟ . قَالَ نَافِعٌ : فَجَاءَ رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ , وَأَنَا مَعَهُ , فَقَالَ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَعْطَى خَيْبَرَ يَهُودَ , عَلَى أَنَّهُمْ يَعْمَلُونَهَا وَيَزْرَعُونَهَا , عَلَى أَنَّ لَهُمْ نِصْفَ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ , عَلَى أَنْ نُقِرَّكُمْ فِيهَا مَا بَدَا لَنَا . قَالَ : فَخَرَصَهَا عَلَيْهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ , فَصَاحُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِنْ خَرْصِهِ ؟ . فَقَالَ لَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ : أَنْتُمْ بِالْخِيَارِ , إِنْ شِئْتُمْ فَهِيَ لَكُمْ , وَإِنْ شِئْتُمْ فَهِيَ لَنَا , نَخْرُصُهَا وَنُؤَدِّي إِلَيْكُمْ نِصْفَهَا . فَقَالُوا : بِهَذَا قَامَتِ السَّمَوَاتُ , وَالْأَرْضُ
حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ , قَالَ : ثنا أَبُو عَوْنٍ الزِّيَادِيُّ , قَالَ : ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ , قَالَ : ثنا أَبُو الزُّبَيْرِ , عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : أَفَاءَ اللَّهُ خَيْبَرَ فَأَقَرَّهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ , كَمَا كَانُوا , وَجَعَلَهَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ . فَبَعَثَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ فَخَرَصَهَا عَلَيْهِمْ ثُمَّ قَالَ : يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ , أَنْتُمْ أَبْغَضُ الْخَلْقِ إِلَيَّ , قَتَلْتُمْ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ , وَكَذَبْتُمْ عَلَى اللَّهِ , وَلَيْسَ يَحْمِلُنِي بُغْضِي إِيَّاكُمْ أَنْ أَحِيفَ عَلَيْكُمْ , وَقَدْ خَرَصْتُ عَلَيْكُمْ بِعِشْرِينَ أَلْفِ وَسْقٍ مِنْ تَمْرٍ , فَإِنْ شِئْتُمْ فَلَكُمْ , وَإِنْ شِئْتُمْ فَلِي
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ , قَالَ : ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ , قَالَ : ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ , قَالَ : ثنا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ , عَنِ ابْنِ شِهَابٍ , عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ , عَنْ عَتَّابِ بْنِ أُسَيْدٍ , أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَمَرَهُ أَنْ يَخْرُصَ الْعِنَبَ زَبِيبًا , كَمَا يَخْرُصَ الرُّطَبَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَذَهَبَ قَوْمٌ , أَنَّ الثَّمَرَةَ الَّتِي يَجِبُ فِيهَا الْعُشْرُ , هَكَذَا حُكْمُهَا , تُخْرَصُ وَهِيَ رُطَبٌ تَمْرًا , فَيُعْلَمُ مِقْدَارُهَا , فَتُسَلَّمُ إِلَى رَبِّهَا , وَيُمْلَكُ بِذَلِكَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فِيهَا , وَيَكُونُ عَلَيْهِ مِثْلُهَا مَكِيلَةً ذَلِكَ تَمْرًا , وَكَذَلِكَ يُفْعَلُ فِي الْعِنَبِ , وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِهَذِهِ الْآثَارِ . وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ آخَرُونَ , فَكَرِهُوا ذَلِكَ وَقَالُوا : لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْآثَارِ أَنَّ التَّمْرَةَ كَانَتْ رُطَبًا فِي وَقْتِ مَا خُرِصَتْ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا . وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كَانَتْ رُطَبًا حِينَئِذٍ , فَتُجْعَلُ لِصَاحِبِهَا حَقَّ اللَّهِ فِيهَا بِمَكِيلَةِ ذَلِكَ تَمْرًا يَكُونُ عَلَيْهِ نَسِيئَةً . وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ التَّمْرِ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ بِالتَّمْرِ كَيْلًا , وَنَهَى عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ نَسِيئَةً , وَجَاءَتْ بِذَلِكَ عَنْهُ الْآثَارُ الْمَرْوِيَّةُ الصَّحِيحَةُ , قَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا , وَلَمْ يَسْتَثْنِ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي ذَلِكَ شَيْئًا . فَلَيْسَ وَجْهُ مَا رَوَيْنَا فِي الْخَرْصِ عِنْدَنَا , عَلَى مَا ذَكَرْتُمْ , وَلَكِنَّ وَجْهَ ذَلِكَ عِنْدَنَا ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ ، أَنَّهُ إِنَّمَا أُرِيدَ بِخَرْصِ ابْنِ رَوَاحَةَ , لِيَعْلَمَ بِهِ مِقْدَارَ مَا فِي أَيْدِي كُلِّ قَوْمٍ مِنَ الثِّمَارِ , فَيُؤْخَذُ مِثْلُهُ بِقَدْرِهِ فِي وَقْتِ الصِّرَامِ , لَا أَنَّهُمْ يَمْلِكُونَ مِنْهُ شَيْئًا مِمَّا يَجِبُ لِلَّهِ فِيهِ بِبَدَلٍ لَا يَزُولُ ذَلِكَ الْبَدَلُ عَنْهُمْ . وَكَيْفَ يَجُوزُ ذَلِكَ ؟ وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ تُصِيبَ بَعْدَ ذَلِكَ آفَةٌ فَتُتْلِفَهَا , أَوْ نَارٌ فَتُحْرِقَهَا , فَتَكُونُ مَا يُؤْخَذُ مِنْ صَاحِبِهَا بَدَلًا مِنْ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فِيهَا مَأْخُوذًا مِنْهُ , بَدَلًا مِمَّا لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ . وَلَكِنَّهُ إِنَّمَا أُرِيدَ بِذَلِكَ الْخَرْصِ مَا ذَكَرْنَا , وَكَذَلِكَ فِي حَدِيثِ عَتَّابِ بْنِ أُسَيْدٍ , فَهُوَ عَلَى مَا وَصَفْنَا مِنْ ذَلِكَ أَيْضًا
وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا مَا حَدَّثَنَا ابْنُ مَرْزُوقٍ , قَالَ : ثنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ , قَالَ : ثنا شُعْبَةُ , عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ , عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَسْعُودِ بْنِ نِيَارٍ , عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ , قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : إِذَا خَرَصْتُمْ فَخُذُوا , وَدَعُوا الثُّلُثَ , فَإِنْ لَمْ تَدْعُوَا الثُّلُثَ , فَدَعُوا الرُّبُعَ فَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ فِي وَقْتِ مَا يُؤْخَذُ الزَّكَاةُ , لِأَنَّ ثَمَرَتَهُ لَوْ بَلَغَتْ مِقْدَارَ مَا يَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ , لَمْ يُحَطَّ عَنْهُ شَيْءٌ مِمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ فِيهَا , فَأَخَذَ مِنْهُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ فِيهَا بِكَمَالِهِ , هَذَا مِمَّا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ . وَلَكِنَّ الْحَطِيطَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِنَّمَا هِيَ قَبْلَ ذَلِكَ فِي وَقْتِ مَا يَأْكُلُ مِنَ الثَّمَرَةِ أَهْلُهَا , قَبْلَ أَوَانِ أَخْذِ الزَّكَاةِ مِنْهَا . فَأَمَرَ الْخُرَّاصَ أَنْ يُلْقُوا مِمَّا يَخْرُصُونَ , الْمِقْدَارَ الْمَذْكُورَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ , لِئَلَّا يُحْتَسَبَ بِهِ عَلَى أَهْلِ الثِّمَارِ فِي وَقْتِ أَخْذِ الزَّكَاةِ مِنْهُمْ . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ الْخُرَّاصَ بِذَلِكَ أَيْضًا
حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ الْفَرَجِ , قَالَ : ثنا يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ , عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ , عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ , عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ , قَالَ : بَعَثَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَهْلَ بْنَ أَبِي حَثْمَةَ يَخْرُصُ عَلَى النَّاسِ , فَأَمَرَهُ ، إِذَا وَجَدَ الْقَوْمَ فِي نَخْلِهِمْ ، أَنْ لَا يَخْرُصَ عَلَيْهِمْ مَا يَأْكُلُونَ فَهَذَا أَيْضًا دَلِيلٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ أَيْضًا فِي صِفَةِ خِرْصِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُدَ , وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرٍو الدِّمَشْقِيُّ , قَالَا : ثنا الْوُحَاظِيُّ , ح وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ , وَأَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ , قَالَا : ثنا الْقَعْنَبِيُّ , قَالَا : ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ , قَالَ : ثنا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى الْمَازِنِيُّ , عَنْ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدِ السَّاعِدِيِّ , عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ , قَالَ : خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ فَأَتَيْنَا وَادِيَ الْقُرَى عَلَى حَدِيقَةِ امْرَأَةٍ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ اخْرُصُوهَا فَخَرَصَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَخَرَصْنَاهَا عَشْرَةَ أَوْسُقٍ وَقَالَ أَحْصِيهَا حَتَّى أَرْجِعَ إِلَيْكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى . فَلَمَّا قَدِمْنَاهَا سَأَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَنْ حَدِيقَتِهَا كَمْ بَلَغَ تَمْرُهَا ؟ قَالَتْ : عَشْرَةَ أَوْسُقٍ فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَيْضًا أَنَّهُمْ خَرَصُوهَا وَأَمَرُوهَا بِأَنْ تُحْصِيَهَا حَتَّى يَرْجِعُوا إِلَيْهَا . فَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تُمْلَكْ بِخَرْصِهِمْ إِيَّاهَا مَا لَمْ تَكُنْ مَالِكَةً لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ . وَإِنَّمَا أَرَادُوا بِذَلِكَ أَنْ يَعْلَمُوا مِقْدَارَ مَا فِي نَخْلِهَا خَاصَّةً , ثُمَّ يَأْخُذُونَ مِنْهَا الزَّكَاةَ فِي وَقْتِ الصِّرَامِ , عَلَى حَسَبِ مَا يَجِبُ فِيهَا . فَهَذَا هُوَ الْمَعْنَى فِي هَذِهِ الْآثَارِ عِنْدَنَا , وَاللَّهُ أَعْلَمُ . وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ فِي الْخَرْصِ غَيْرَ هَذَا الْقَوْلِ , قَالُوا : إِنَّهُ قَدْ كَانَ فِي أَوَّلِ الزَّمَانِ يَفْعَلُ مَا قَالَ أَهْلُ الْمَقَالَةِ الْأُولَى مِنْ تَمْلِيكِ الْخُرَّاصِ أَصْحَابَ الثِّمَارِ حَقَّ اللَّهِ فِيهَا , وَهِيَ رُطَبٌ , بِبَدَلٍ يَأْخُذُونَهُ مِنْهُمْ تَمْرًا , ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِنَسْخِ الرِّبَا فَرُدَّتِ الْأُمُورُ إِلَى أَنْ لَا يُؤْخَذَ فِي الزَّكَوَاتِ إِلَّا مَا يَجُوزُ فِي الْبَيْعَاتِ
وَذَكَرُوا فِي ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَا رَبِيعٌ الْمُؤَذِّنُ , قَالَ : ثنا أَسَدٌ , قَالَ : ثنا ابْنُ لَهِيعَةَ , قَالَ : ثنا أَبُو الزُّبَيْرِ , عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : نَهَى عَنِ الْخَرْصِ وَقَالَ أَرَأَيْتُمْ إِنْ هَلَكَ الثَّمَرُ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ مَالَ أَخِيهِ بِالْبَاطِلِ فَهَذَا وَجْهُ هَذَا الْبَابِ مِنْ طَرِيقِ الْآثَارِ . وَأَمَّا وَجْهُهُ مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ , فَإِنَّا قَدْ رَأَيْنَا الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي أَشْيَاءَ مُخْتَلِفَةٍ , مِنْهَا : الذَّهَبُ , وَالْفِضَّةُ , وَالثِّمَارُ الَّتِي تُخْرِجُهَا الْأَرْضُ , وَالنَّخْلُ , وَالشَّجَرُ , وَالْمَوَاشِي السَّائِمَةُ . فَكُلٌّ قَدْ أَجْمَعَ أَنَّ رَجُلًا لَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ عَلَى مَالِهِ وَهُوَ ذَهَبٌ أَوْ فِضَّةٌ , أَوْ مَاشِيَةٌ سَائِمَةٌ , فَسَلَّمَ ذَلِكَ لَهُ الْمُصَدِّقُ , عَلَى مَا لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ الْبَيَّاعَاتُ , أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ لَهُ . أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ فِي دَرَاهِمِهِ الزَّكَاةُ , فَبَاعَ ذَلِكَ مِنْهُ الْمُصَدِّقُ بِذَهَبٍ نَسِيئَةً , أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ . وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَهُ مِنْهُ بِذَهَبٍ , ثُمَّ فَارَقَهُ قَبْلَ أَنْ يُقْبِضَهُ , لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ . وَكَذَلِكَ لَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ فِي مَاشِيَتِهِ الزَّكَاةُ , ثُمَّ سَلَّمَ ذَلِكَ لَهُ الْمُصَدِّقُ , بِبَدَلٍ مَجْهُولٍ , أَوْ بِبَدَلٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجْلٍ مَجْهُولٍ , فَذَلِكَ كُلُّهُ حَرَامٌ غَيْرُ جَائِزٍ . فَكَانَ كُلُّ مَا حَرُمَ فِي الْبَيَّاعَاتِ فِي بَيْعِ النَّاسِ ذَلِكَ , بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ , قَدْ دَخَلَ فِيهِ حُكْمُ الْمُصَدِّقِ فِي بَيْعِهِ إِيَّاهُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ الَّذِي فِيهِ الزَّكَاةُ , الَّتِي يَتَوَلَّى الْمُصَدِّقُ أَخْذَهَا مِنْهُ . فَلَمَّا كَانَ مَا ذَكَرْنَا كَذَلِكَ فِي الْأَمْوَالِ الَّتِي وَصَفْنَا , كَانَ النَّظَرُ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ حُكْمُ الثِّمَارِ . فَكَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ رُطَبٍ بِتَمْرٍ نَسِيئَةً , فِي غَيْرِ مَا فِيهِ الصَّدَقَاتُ , فَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ فِيمَا فِيهِ الصَّدَقَاتُ , فِيمَا بَيْنَ الْمُصَدِّقِ , وَبَيْنَ رَبِّ الْمَالِ . فَهَذَا هُوَ النَّظَرُ أَيْضًا فِي هَذَا الْبَابِ , وَقَدْ عَادَ ذَلِكَ أَيْضًا إِلَى مَا صَرَفْنَا إِلَيْهِ الْآثَارَ الْمَرْوِيَّةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ الَّتِي قَدَّمْنَا ذِكْرَهَا . فَبِذَلِكَ نَأْخُذُ , وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَأَبِي يُوسُفَ , وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى