حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ : ثنا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ رَجَمَ يَهُودِيًّا وَيَهُودِيَّةً حِينَ تَحَاكَمُوا إِلَيْهِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ إِذَا أَصَابُوا شَيْئًا مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى لَمْ يَحْكُمْ عَلَيْهِمِ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى يَتَحَاكَمُوا إِلَيْهِمْ وَيَرْضَوْا بِحُكْمِهِمْ فَإِذَا تَحَاكَمُوا إِلَيْهِمْ كَانَ الْإِمَامُ مُخَيَّرًا إِنْ شَاءَ أَعْرَضَ عَنْهُمْ فَلَمْ يَنْظُرْ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَإِنْ شَاءَ حَكَمَ . وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ أَيْضًا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ . وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ آخَرُونَ فَقَالُوا : عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ بِأَحْكَامِ الْمُسْلِمِينَ فَكُلَّمَا وَجَبَ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُقِيمَهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِيمَا أَصَابُوا مِنَ الْحُدُودِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُقِيمَهُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ غَيْرَ مَا اسْتَحَلُّوا بِهِ فِي دِينِهِمْ كَشُرْبِهِمِ الْخَمْرَ وَمَا أَشْبَهَهُ وَأَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ حَالُهُمْ فِيهِ وَحَالُ الْمُسْلِمِينَ يُعَاقَبُونَ عَلَى ذَلِكَ وَأَهْلُ الذِّمَّةِ لَا يُعَاقَبُونَ عَلَيْهِ مَا خَلَا الرَّجْمَ فِي الزِّنَا فَإِنَّهُ لَا يُقَامُ عِنْدَهُمْ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ لِأَنَّ الْأَسْبَابَ الَّتِي يَجِبُ بِهَا الْإِحْصَانُ فِي قَوْلِهِمْ أَحَدُهَا الْإِسْلَامُ . فَأَمَّا مَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الْعُقُوبَاتِ الْوَاجِبَاتِ فِي انْتِهَاكِ الْحُرُمَاتِ فَإِنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ فِيهِ كَأَهْلِ الْإِسْلَامِ وَيَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُقِيمَهُ عَلَيْهِمْ وَإِنْ لَمْ يَتَحَاكَمُوا إِلَيْهِ كَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُقِيمَهُ عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَإِنْ لَمْ يَتَحَاكَمُوا إِلَيْهِ . وَكَانَ مِنَ الْحُجَّةِ لَهُمْ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الَّذِي ذَكَرْنَا أَنَّهُ إِنَّمَا أَخْبَرَ فِيهِ ابْنُ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ رَجَمَ الْيَهُودَ حِينَ تَحَاكَمُوا إِلَيْهِ . وَلَمْ يَقُلْ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ : إِنَّمَا رَجَمْتُهُمْ لِأَنَّهُمْ تَحَاكَمُوا إِلَيَّ . وَلَوْ كَانَ قَالَ ذَلِكَ لَعُلِمَ أَنَّ الْحَكَمَ مِنْهُ إِنَّمَا يَكُونُ إِلَيْهِ بَعْدَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَيْهِ وَأَنَّهُمْ إِذَا لَمْ يَتَحَاكَمُوا إِلَيْهِ لَمْ يَنْظُرْ فِي أُمُورِهِمْ . وَلَكِنَّهُ لَمْ يَجِئْ إِنَّمَا جَاءَ عَنْهُ أَنَّهُ رَجَمَهُمْ حِينَ تَحَاكَمُوا إِلَيْهِ . فَإِنَّمَا أَخْبَرَ عَنْ فِعْلِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَحُكْمِهِ إِذْ تَحَاكَمُوا إِلَيْهِ وَلَمْ يُخْبِرْ عَنْ حُكْمِهِمْ عِنْدَهُ قَبْلَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَيْهِ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِمْ فِيهِ إِقَامَةُ الْحَدِّ أَمْ لَا ؟ . فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ فِي ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَلَا عَنِ ابْنِ عُمَرَ مِنْ رَأْيِهِ . ثُمَّ نَظَرْنَا فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الْآثَارِ هَلْ نَجِدُ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ؟
فَإِذَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي عِمْرَانَ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ : ثنا أَبُو خَيْثَمَةَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ : ثنا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ مُجَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ الْيَهُودَ جَاءُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ مِنْهُمَا زَنَيَا . فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : ائْتُوا بِأَرْبَعَةٍ مِنْكُمْ يَشْهَدُونَ فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَدْ كَانَ يَنْظُرُ بَيْنَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَحْكُمَهُ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمَا الزِّنَا لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا جَاحِدَانِ وَلَوْ كَانَا مُقِرَّيْنِ لَمَا احْتَاجَ مَعَ إِقْرَارِهِمَا إِلَى أَرْبَعَةٍ يَشْهَدُونَ . وَرُوِيَ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا
حَدَّثَنَا فَهْدٌ قَالَ : ثنا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ قَالَ : ثنا أَبِي عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ : مُرَّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ بِرَجُلٍ قَدْ حُمِّمَ وَجْهُهُ وَقَدْ ضُرِبَ يُطَافُ بِهِ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : مَا شَأْنُ هَذَا ، قَالُوا : زَنَى قَالَ : فَمَا تَجِدُونَ فِي كِتَابِكُمْ ، قَالُوا : يُحَمَّمُ وَجْهُهُ وَيُعَزَّرُ وَيُطَافُ بِهِ . فَقَالَ : أَنْشُدُكُمُ اللَّهَ مَا تَجِدُونَ حَدَّهُ فِي كِتَابِكُمْ ؟ ، فَأَشَارُوا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ فَسَأَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَقَالَ الرَّجُلُ : نَجِدُ فِي التَّوْرَاةِ الرَّجْمَ وَلَكِنَّهُ كَثُرَ فِي أَشْرَافِنَا فَكَرِهْنَا أَنْ نُقِيمَ الْحَدَّ عَلَى سَفَلَتِنَا وَنَدَعَ أَشْرَافَنَا فَاصْطَلَحْنَا عَلَى شَيْءٍ فَوَضَعْنَا هَذَا . فَرَجَمَهُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَقَالَ : أَنَا أَوْلَى مَنْ أَحْيَا مَا أَمَاتُوا مِنْ أَمْرِ اللَّهِ فَفِي هَذَا مَا يَدُلُّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَدْ كَانَ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ وَإِنْ لَمْ يُحَكِّمُوهُ لِأَنَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُمْ مَرُّوا بِهِ وَهُوَ مُحَمَّمٌ فَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ ثُمَّ رَجَمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ . فَلَمَّا دَعَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ إِنْكَارًا لِمَا فَعَلُوهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتُوهُ فَرَدَّ أَمْرَهُمْ إِلَى حُكْمِ اللَّهِ الَّذِي قَدْ عَطَّلُوهُ وَغَيَّرُوهُ ثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ كَانَ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ فِيمَا بَيْنَهُمْ حَكَّمُوهُ أَوْ لَمْ يُحَكِّمُوهُ . فَهَذَا مَا فِي هَذِهِ الْآثَارِ مِنَ الدَّلَائِلِ عَلَى مَا قَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَيْهِ . وَأَمَّا قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ فَإِنَّ الَّذِي ذَهَبُوا فِيهِ إِلَى تَثْبِيتِ الْحُكْمِ يَقُولُونَ : هِيَ مَنْسُوخَةٌ
حَدَّثَنَا ابْنُ مَرْزُوقٍ ، قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنِ السُّدِّيِّ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، {{ فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ }} قَالَ : نَسَخَتْهَا هَذِهِ الْآيَةُ {{ وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ }} وَقَالَ الْآخَرُونَ : تَأْوِيلُهَا وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِنْ حَكَمْتَ فَلَمَّا اخْتُلِفَ فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ وَكَانَتِ الْآثَارُ قَدْ دَلَّتْ عَلَى مَا ذَكَرْنَا ثَبَتَ الْحُكْمُ عَلَيْهِمْ عَلَى إِمَامِ الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ تَرْكُهُ لِأَنَّ فِي حُكْمِهِ النَّجَاةَ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا لِأَنَّ مَنْ يَقُولُ : عَلَيْهِ أَنْ يَحْكُمَ يَقُولُ قَدْ تَرَكَ مَا كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَفْعَلَهُ . وَمَنْ يَقُولُ : لَهُ أَنْ لَا يَحْكُمَ يَقُولُ : قَدْ تَرَكَ مَا كَانَ لَهُ تَرْكُهُ فَإِذَا حَكَمَ يَشْهَدُ لَهُ الْفَرِيقَانِ جَمِيعًا بِالنَّجَاةِ وَإِذَا لَمْ يَحْكُمْ لَمْ يَشْهَدَا لَهُ بِذَلِكَ . فَأَوْلَى الْأَشْيَاءِ بِنَا أَنْ نَفْعَلَ مَا فِيهِ النَّجَاةُ بِالِاتِّفَاقِ دُونَ مَا فِيهِ ضِدَّ النَّجَاةِ بِالِاخْتِلَافِ . وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ وُجُوبِ الْحُكْمِ عَلَيْهِمْ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى . فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : فَأَنْتُمْ لَا تَرْجُمُونَ الْيَهُودَ إِذَا زَنَوْا فَقَدْ تَرَكْتُمْ بَعْضَ مَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي بِهِ احْتَجَجْتُمْ . قِيلَ لَهُ : إِنَّ الْحُكْمَ كَانَ فِي الزُّنَاةِ فِي عَهْدِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ هُوَ الرَّجْمُ عَلَى الْمُحْصَنِ وَغَيْرِ الْمُحْصَنِ . وَكَذَلِكَ كَانَ جَوَابُ الْيَهُودِيِّ الَّذِي سَأَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَنْ حَدِّ الزَّانِي فِي كِتَابِهِمْ فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَكَانَ عَلَى النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ اتِّبَاعُ ذَلِكَ وَالْعَمَلُ بِهِ لِأَنَّ عَلَى كُلِّ نَبِيٍّ اتِّبَاعُ شَرِيعَةِ النَّبِيِّ الَّذِي كَانَ قَبْلَهُ حَتَّى يُحْدِثَ اللَّهُ شَرِيعَةً تَنْسَخُ شَرِيعَتَهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {{ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ }} فَرَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ الْيَهُودِيَّيْنِ عَلَى ذَلِكَ الْحُكْمِ وَلَا فَرْقَ حِينَئِذٍ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمُحْصَنِ وَغَيْرِ الْمُحْصَنِ . ثُمَّ أَحْدَثَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ شَرِيعَةً فَنَسَخَتْ هَذِهِ الشَّرِيعَةَ فَقَالَ {{ وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا }} وَكَانَ هَذَا نَاسِخًا لِمَا كَانَ قَبْلَهُ وَلَمْ يُفَرِّقْ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمُحْصَنِ وَغَيْرِ الْمُحْصَنِ . ثُمَّ نَسَخَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ فَجَعَلَ الْحَدَّ هُوَ الْإِيذَاءَ بِالْآيَةِ الَّتِي بَعْدَهَا وَلَمْ يُفَرِّقْ فِي ذَلِكَ أَيْضًا بَيْنَ الْمُحْصَنِ وَغَيْرِهِ . ثُمَّ جَعَلَ لَهُنَّ سَبِيلًا الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَعْذِيبُ عَامٍ وَالثَّيِّبُ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ . فَرَّقَ حِينَئِذٍ بَيْنَ حَدِّ الْمُحْصَنِ وَحَدِّ غَيْرِ الْمُحْصَنِ الْجَلْدُ ثُمَّ اخْتَلَفَ النَّاسُ مِنْ بَعْدُ فِي الْإِحْصَانِ . فَقَالَ قَوْمٌ : لَا يَكُونُ الرَّجُلُ مُحْصَنًا بِامْرَأَتِهِ وَلَا الْمَرْأَةُ مُحْصَنَةً بِزَوْجِهَا حَتَّى يَكُونَا حُرَّيْنِ مُسْلِمَيْنِ بَالِغَيْنِ قَدْ جَامَعَهَا وَهُمَا بَالِغَانِ . وَمِمَّنْ قَالَ بِذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى . وَقَالَ آخَرُونَ : يُحْصِنُ أَهْلُ الْكِتَابِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَيُحْصِنُ الْمُسْلِمُ النَّصْرَانِيَّةَ وَلَا تُحْصِنُ النَّصْرَانِيَّةُ الْمُسْلِمَ وَقَدْ كَانَ أَبُو يُوسُفَ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ فِي الْإِمْلَاءِ فِيمَا حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ . فَاحْتَمَلَ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ الرَّجْمُ أَنْ يَكُونَ هَذَا عَلَى كُلِّ ثَيِّبٍ وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ عَلَى خَاصٍّ مِنَ الثَّيِّبِ . فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ فَوَجَدْنَاهُمْ مُجْتَمِعِينَ أَنَّ الْعَبِيدَ غَيْرُ دَاخِلِينَ فِي ذَلِكَ وَأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَكُونُ مُحْصَنًا ثَيِّبًا كَانَ أَوْ بِكْرًا وَلَا يُحْصِنُ زَوْجَتَهُ حَرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً . وَكَذَلِكَ الْأَمَةُ لَا تَكُونُ مُحْصَنَةً بِزَوْجِهَا حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا . فَثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ الرَّجْمُ إِنَّمَا وَقَعَ عَلَى خَاصٍّ مِنَ الثَّيِّبِ لَا عَلَى كُلِّ الثَّيِّبِ . فَلَمْ يَدْخُلْ فِيمَا أَجْمَعُوا أَنَّهُ وَقَعَ عَلَى خَاصٍّ إِلَّا مَا قَدْ أَجْمَعُوا أَنَّهُ فِيهِ دَاخِلٌ . وَقَدْ أَجْمَعُوا أَنَّ الْحُرَّيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ الْبَالِغَيْنِ الزَّوْجَيْنِ اللَّذَيْنِ قَدْ كَانَ مِنْهُمَا الْجِمَاعُ مُحْصَنَيْنِ وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ سِوَاهُمْ . فَقَدْ أَحَاطَ عِلْمُنَا أَنَّ ذَلِكَ قَدْ دَخَلَ فِي قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ الرَّجْمُ . فَأَدْخَلْنَا فِيهِ وَلَمْ يُحِطْ عِلْمُنَا بِمَا سِوَى ذَلِكَ فَأَخْرَجْنَاهُ مِنْهُ . وَقَدْ كَانَ يَجِيءُ فِي الْقِيَاسِ لَمَّا كَانَتِ الْأَمَةُ لَا تُحْصِنُ الْحُرَّ وَلَا يُحْصِنُهَا الْحُرُّ وَكَانَتْ هِيَ فِي عَدَمِ إِحْصَانِهَا إِيَّاهُ كَهُوَ فِي عَدَمِ إِحْصَانِهِ إِيَّاهَا أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ النَّصْرَانِيَّةُ فَكَمَا هِيَ لَا تُحْصِنُ زَوْجَهَا الْمُسْلِمَ كَانَ هُوَ أَيْضًا كَذَلِكَ لَا يُحْصِنُهَا . وَقَدْ رَأَيْنَا الْأَمَةَ أَيْضًا ، لَمَّا بَطَلَ أَنْ تُحْصِنَ الْمُسْلِمَ ، بَطَلَ أَنْ يُحْصِنَ الْكَافِرَ قِيَاسًا وَنَظَرًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ