وَقَالَ زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ : كَتَبَ إِلَيْنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّكُمْ بِأَرْضٍ تَلْبَسُونَ ثِيَابًا ، يُقَالُ لَهَا الْفِرَاءُ ، فَانْظُرُوا مَا مِنْ مَيْتَةٍ مِنْ حَدِيثِ بُنْدَارٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ ، قَالَ : ثنا شُعْبَةُ ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَيْسَرَةَ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ *
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، قَالَ أَخْبَرَنِي مَوْلًى ، لِابْنِ عُمَرَ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْأَشْعَثِ : كَلَّمَ عَائِشَةَ فِي أَنْ يَتَّخِذَ ، لَهَا لِحَافًا مِنَ الْفِرَاءِ ، فَقَالَتْ : إِنَّهُ مَيْتَةٌ ، وَلَسْتُ بِلَابِسَةِ شَيْءٍ مِنَ الْمَيِّتِ ، قَالَ : فَنَحْنُ نَصْنَعُ لَكِ لِحَافًا مِمَّا يُدْبَغُ ، وَكَرِهَتْ أَنْ تَلْبَسَ مِنَ الْمَيْتَةِ
كَتَبَ إِلَيَّ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ ، ثنا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ ، أَنْبَأَ ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ ، عَنِ الْأَشْعَثِ ، عَنْ مُحَمَّدٍ ، قَالَ : كَانَ مِمَّنْ يَكْرَهُ الصَّلَاةَ فِي الْجِلْدِ إِذَا لَمْ يَكُنْ ذَكِيًّا عُمَرُ ، وَابْنُ عُمَرَ ، وَعَائِشَةُ ، وَعِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ ، وَابْنُ جَابِرٍ
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَبُو النُّعْمَانِ ، ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ : رَأَى عَلَى رَجُلٍ فَرْوًا ، فَقَالَ : لَوْ عَلِمْتَ أَنَّ هَذَا ذَكِيٌّ لَسَرَّنِي أَنْ يَكُونَ لِي مِثْلُهُ قَالَ : وَقَدِ احْتَجَّ بَعْضُ الْقَائِلِينَ بِهَذَا الْقَوْلِ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الْمَيْتَةَ فِي كِتَابِهِ تَحْرِيمًا عَامًّا لَمْ يَخُصْ مِنْهَا شَيْئًا دُونَ شَيْءِ ، فَقَالَ : جَلَّ وَعَزَّ {{ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ }} الْآيَةَ ، وَكَانَ تَحْرِيمُ الْمَيْتَةِ يَقَعُ عَلَى اللَّحْمِ وَالْجَلْدِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخُصَّ شَيْئًا دُونَ شَيْءٍ ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَخُصَّ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا إِلَّا بِكِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ لَا مُعَارِضَ لَهَا ، وَالْأَخْبَارُ فِي ذَلِكَ مُخْتَلِفَةٌ فِي أَسَانِيدِهَا وَمُتُونِهَا فَفِي حَدِيثِ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مَرَّ عَلَى شَاةٍ لِمَوْلَاةٍ لِمَيْمُونَةَ ، فَقَالَ : أَلَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِإِهَابِهَا وَلَمْ يَذْكُرِ الدِّبَاغَ فِي حَدِيثِهِ . وَفِي حَدِيثِ مَالِكٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ : هَلَّا اسْتَنْفَعْتُمْ بِجِلْدِهَا وَلَمْ يَذْكُرِ الدِّبَاغَ ، وَاخْتَلَفُوا فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ ، فَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنْ مَيْمُونَةَ ، وَرُوِيَ عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنْ مَيْمُونَةَ ، وَقَالَ أَبُو عَوَانَةَ : عَنْ سِمَاكٍ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَاتَتْ شَاةٌ لِسَوْدَةَ ، فَلَمَّا اخْتُلِفَ فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ ، وَفِي مَتْنِهِ لَمْ يَثْبُتْ بِهِ حُجَّةٌ ، ثُمَّ لَوْ لَمْ يَخْتَلِفِ الْحَدِيثُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ ، وَكَانَ حَدِيثًا وَاحِدًا لَكَانَ خَبَرُ ابْنِ عُكَيْمٍ نَاسِخًا لَهُ ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثِهِ : جَاءَنَا كِتَابُ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَبْلَ وَفَاتِهِ بِشَهْرٍ أَنْ لَا تَنْتَفِعُوا مِنَ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ ، وَلَا عَصَبٍ مَعَ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ قَدْ رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَنَّهُمْ كَرِهُوا ذَلِكَ . احْتَجَّ بِبَعْضِ مَا ذَكَرْنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ، وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِحُجَّةٍ أُخْرَى مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ ، وَقَالَ : لَيْسَ يَخْلُو بِجَلْدٍ أَنْ يَكُونَ حَيًّا بِحَيَاةِ الشَّاةِ ، أَوْ مَيِّتًا بِمَوْتِهَا ، فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَحُكْمُهُ كَحُكْمِ اللَّحْمِ لَا سَبِيلَ أَوْ يَكُونُ لَا حَيَاةَ فِيهِ ، وَلَا مَوْتَ ، فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَأَكْلُهُ مُبَاحٌ ، وَلَا مَعْنَى لِرُخْصَةٍ ، وَفِي امْتِنَاعِ الْجَمِيعِ أَنْ يُبِيحُوا أَكْلَ جِلْدِ الْمَيْتَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مَيِّتٌ بِمَوْتِ الشَّاةِ ، وَكَمَا أَبَاحُوا أَكْلَ جَلْدِ الشَّاةِ الْمُذَكَّاةِ إِذَا أَشْرَفَتْ ، دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْجِلْدَ يَحْيَى بِحَيَاةِ الشَّاةِ ، وَيَمُوتُ بِمَوْتِهَا ، وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنْ لَا سَبِيلَ إِلَى أَنْ تُبَاحَ الْمَيْتَةُ نَصْرًا لِمُضْطَرٍّ غَالٍّ وَإِنْ عُولِجَ بِكُلِّ عِلَاجٍ وَطِيبٍ وَكُلِّ حِيلَةٍ ، فَإِنَّ الْجِلْدَ كَذَلِكَ لَا سَبِيلَ إِلَى نَقْلِهِ عَنْ حَالِهِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ ، وَأَبَاحَتْ طَائِفَةٌ الِانْتِفَاعَ بِجُلُودِ الْمَيْتَةِ بَعْدَ الدِّبَاغِ ، وَحَرَّمَتِ الِانْتِفَاعَ بِهَا قَبْلَ الدِّبَاغِ ، وَذَلِكَ مِثْلَ جُلُودِ الْأَنْعَامِ ، وَمَا يَقَعُ عَلَيْهِ الذَّكَاةُ وَهِيَ حَيَّةٌ ، هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ
وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ ثَعْلَبَةَ ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ ، عَنْ عُمَرَ : أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ مُسْتُقَةٍ ، فَقَالَ : طَهُورُهَا دِبَاغُهَا
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ ، ثنا الْحَجَبِيُّ ، ثنا أَبُو عَوَانَةَ ، عَنْ مَنْصُورٍ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ، عَنِ الْأَسْوَدِ ، قَالَ : سُئِلَتْ عَائِشَةُ عَنِ الْمَسَاتِقِ ، فَقَالَتْ : أَرْجُو أَنْ يَكُونَ دِبَاغَهَا طَهُورُهَا
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَارِثِ ، ثنا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ الْكُوفِيُّ ، ثنا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : لَا تَشْتَرُوا أَلْبَانَ الْغَنَمِ فِي ضُرُوعِهَا ، وَلَا أَصْوَافَهَا عَلَى ظُهُورِهَا ، وَإِذَا مَاتَ مِنْهَا شَيْءٌ ، فَلَا تُعْطُوا الْأَجِيرَ مِنْهَا شَيْئًا ، وَاكْسُوا مِنْهَا عَبَاءً لَكُمْ ، فَإِنَّ دِبَاغَهَا طَهُورُهَا ، وَبِيعُوا إِنْ شِئْتُمْ
حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ ، ثنا يَعْلَى ، ثنا صَدَقَةُ بْنُ الْمُثَنَّى ، عَنْ جَدِّهِ رِيَاحِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ : كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَقْرِي نَاسًا مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ فِي الْمَسْجِدِ الْأَكْبَرِ فَدَعَا لَهُمْ بِشَرَابٍ ، ثُمَّ قَالَ : هَذَا فِي سِقَاءٍ فِي مَنِيحَةٍ كَانَتْ لَنَا ، فَمَاتَتْ ، قَالُوا : يَا صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ أَتَسْقِينَا فِي الْمَيْتَةِ ، فَقَالَ : ذَكَاتُهَا دِبَاغُهَا
حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ ، ثنا جَعْفَرٌ ، أَنْبَأَ مُسْلِمٌ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنْ عَلِيٍّ ، قَالَ : ذَكَاةُ الْجُلُودِ دِبَاغُهَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ : وَمِمَّنْ رَأَى أَنَّ جُلُودَ ، مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الذَّكَاةُ إِذَا مَاتَ مِنْهَا شَيْءٌ قَبْلَ أَنْ يُذَكَّى وَيُدْبَغُ أَنَّ الدِّبَاغَ يُطَهِّرُهُ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ ، وَالشَّعْبِيُّ ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ ، وَقَتَادَةُ ، وَيَحْيَى الْأَنْصَارِيُّ ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ ، وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ ، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، وَأَهْلُ الْكُوفَةِ ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ ، وَقَدْ رُوِّينَا غَيْرَ مَا ذَكَرْنَاهُ أَقَاوِيلَ غَيْرَهَا خِلَافَ مَا ذَكَرْنَاهُ
فَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ هُشَيْمٌ ، عَنْ مُغِيرَةَ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ : يُنْتَفَعُ بِجُلُودِ الْمَيْتَةِ إِذَا دُبِغَتْ ، وَلَا تُبَاعُ وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا وَافَقَ النَّخَعِيَّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ ، وَقَدْ حَكَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سُئِلَ هَلْ يُصَلَّى فِي جِلْدِ الْمَيْتَةِ إِذَا دُبِغَ ، قَالَ : لَا ، وَقَالَ : إِنَّمَا أَذِنَ فِي الِاسْتِمْتَاعِ بِهِ ، وَلَا أَرَى أَنْ يُصَلَّى فِيهِ
وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ : أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بِالصَّلَاةِ فِي كُلِّ شَيْءٍ دُبِغَ بَأْسًا حَدَّثَنَا مُوسَى ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى ، عَنْ جَابِرٍ ، عَنِ الْأَشْعَثِ ، عَنِ الْحَسَنِ . قَالَ أَبُو بَكْرٍ : وَظَاهِرُ هَذَا الْقَوْلِ يَلْزَمُ أَنْ يُصَلِّي فِي جُلُودِ الْخَنَازِيرِ وَالْكِلَابِ إِذَا دُبِغَتْ ، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا يَقُولُ ذَلِكَ فِي جُلُودِ الْخَنَازِيرِ ، وَمِنْ ذَلِكَ مَا رُوِّينَاهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ أَنَّهُ كَانَ يُنْكِرُ الدِّبَاغَ ، وَيَقُولُ : يُسْتَمْتَعُ بِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ مَعَ أَنَّا قَدْ رُوِّينَا مِنْ حَدِيثِ الْوَلِيدِ بْنِ الْوَلِيدِ الدِّمَشْقِيِّ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ دِبَاغَهَا طَهُورُهَا
وَقَدْ رُوِّينَا عَنِ النَّخَعِيِّ رِوَايَةً غَيْرَ الرِّوَايَةِ الْأُولَى : أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يَمُوتُ لَهُ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ فَيَدْبِغُ جُلُودَهَا ، قَالَ : يَبِيعُهَا وَيَلْبَسُهَا إِذَا دَبَغَهَا حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنْ حَمَّادٍ ، قَالَ : سَأَلْتُ إِبْرَاهِيمَ . قَالَ أَبُو بَكْرٍ : وَقَدِ احْتَجَّ بَعْضُ أَصْحَابِنَا مِمَّنْ يَقُولُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ جُمْلِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَرَّمَ الْمَيْتَةَ فِي كِتَابِهِ ، فَكَانَ ذَلِكَ وَاقِعًا عَلَى اللَّحْمِ ، وَالْجِلْدِ جَمِيعًا إِلَّا أَنْ يُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ خَبَرٌ يَدُلُّ عَلَى خُصُوصِيَّةِ شَيْءٍ مِنْهُ فَلَمَّا ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَنَّهُ رَخَّصَ فِي جِلْدِ الشَّاةِ الْمَيْتَةِ بَعْدَ الدِّبَاغِ ، وَجَبَ اسْتِثْنَاءُ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ التَّحْرِيمِ ، وَهُوَ الْجِلْدُ قَبْلَ الدِّبَاغِ عَلَى جُمْلَةِ التَّحْرِيمِ ، وَذَكَرَ هَذَا الْقَائِلُ الْأَخْبَارَ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ حَدِيثَ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَحَدِيثَ الشَّعْبِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ وَالزُّهْرِيِّ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ ، وَقَالَ : هَذِهِ الْأَخْبَارُ ثَابِتَةٌ فَإِنْ قِيلَ : قَدِ اخْتَلَفُوا فِيهِ ، قِيلَ : لَيْسَ الِاخْتِلَافُ مِمَّا يُوهِنُ الْخَبَرَ ، وَلَيْسَ يَخْلُو ذَلِكَ مِنْ أَحَدِ مَعْنَيَيْنِ ، إِمَّا أَنْ يَكُونَ ابْنُ عَبَّاسٍ سَمِعَ ذَلِكَ مِنْ مَيْمُونَةَ وَسَوْدَةَ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ رَوَى مَا ذَكَرْنَاهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنْ مَيْمُونَةَ أَوْ سَوْدَةَ ثِقَةٌ يَجِبُ قَبُولُ حَدِيثِهِ ، فَيُحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ ابْنُ عَبَّاسٍ سَمِعَ الْحَدِيثَ مِنْهُمَا ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فَهُوَ ثَابِتٌ لَا يُدْفَعُ ، لَهُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ ثَابِتًا عَنْ أَحَدِهِمَا ، فَأَيُّهُمَا كَانَ فَهُوَ مَقْبُولٌ لَا مَعْنَى لِرَدِّهِ ، وَأَيُّهُمَا كَانَ غَيْرَهُ يَجِبُ قَبُولُهُ ، وَقَالَ : فَأَمَّا خَبَرُ ابْنِ وَعْلَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَلَيْسَ مِمَّا يَجُوزُ أَنْ يُقَابِلَ بِهِ خَبَرَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، وَلَا عَطَاءٍ ، وَلَا عِكْرِمَةَ إِذَا خَالَفُوهُ ؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ حُفَّاظُ أَصْحَابِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَعَ أَنَّ رِوَايَةَ ابْنِ وَعْلَةَ لَيْسَتْ بِخِلَافٍ لِرِوَايَةِ هَؤُلَاءِ ، قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَدْ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَقُولُ : إِذَا دُبِغَ الْإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ مُخْتَصَرًا ، وَيَكُونُ قَدْ سَمِعَ مِنَ مَيْمُونَةَ وَسَوْدَةَ أَوْ إِحْدَاهُمَا قِصَّةَ الشَّاةِ ، وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَعْلَةَ قِصَّةُ الشَّاةِ ، وَلَا فِي حَدِيثِ هَؤُلَاءِ اللَّفْظُ الَّذِي فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَعْلَةَ ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَا حَدِيثَيْنِ مَحْفُوظَيْنِ ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُ صَاحِبِهِ فَإِنْ قَالُوا : لَيْسَ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ ذِكْرُ الدِّبَاغِ ، قِيلَ لَهُ قَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ ابْنُ عُيَيْنَةَ ، وَعُقَيْلٌ ، وَالزُّبَيْدِيُّ ، وَهَؤُلَاءِ مِنْ ثِقَاتِ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ ، وَقَدْ ذَكَرُوا الدِّبَاغَ فِي حَدِيثِهِمْ ، وَالْحَافِظُ إِذَا زَادَ فِي الْحَدِيثِ شَيْئًا فَزِيَادَتُهُ مَقْبُولَةٌ ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : كَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الدِّبَاغُ فِي حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ يُرَخِّصُ فِي جُلُودِ الْمَيْتَةِ قَبْلَ الدِّبَاغِ وَبَعْدَهُ ، قِيلَ قَدِ اخْتُلِفَ فِيهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ ، وَالْكَرَاهِيَةُ ثَبَتَتْ عِنْدَنَا عَنْهُ ، وَأَقَلُّ ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ الرِّوَايَتَانِ مُتَكَافِئَتَيْنِ ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَيْهِ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا ، وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا سَقَطَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ ، وَيَثْبُتُ تَحْرِيمُ الِانْتِفَاعِ بِجَلْدِ الْمَيْتَةِ قَبْلَ الدِّبَاغِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ إِذْ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا أَرْخَصَ فِي ذَلِكَ إِلَّا مَا اخْتَلَفَ فِيهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ . قَالَ أَبُو بَكْرٍ : وَقَدْ ذَكَرْنَا عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أَنَّهُ قَالَ : إِذَا جَاءَكَ عَنْ رَجُلٍ حَدِيثَانِ مُخْتَلِفَانِ لَا تَدْرِي النَّاسِخُ مِنْهُمَا مِنَ الْمَنْسُوخِ ، وَلَا الْأَوَّلَ مِنَ الْآخِرِ فَلَمْ يَجِئْكَ عَنْهُ شَيْءٌ . قَالَ أَبُو بَكْرٍ : وَلَوْ لَمْ يُرْوَ عَنِ الزُّهْرِيِّ هَذَا الْحَدِيثُ لَكَانَ فِي رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنْ مَيْمُونَةَ وَحَدِيثِهِ عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ كِفَايَةٌ ، وَمَقْنَعٌ ، فَإِنْ قِيلَ : فَإِنْ ثَبَتَ هَذَا فَحَدِيثُ ابْنِ عُكَيْمٍ نَاسِخٌ لَهُ ، قِيلَ إِنَّ ابْنَ عُكَيْمٍ لَمْ يَسْمَعْ ذَلِكَ مِنَ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَلَيْسَتْ لَهُ صُحْبَةٌ إِنَّمَا رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مَشْيَخَةٍ مِنْ جُهَيْنَةَ لَمْ يُسَمِّهِمْ وَلَمْ يَدْرِ مَنْ هُمْ ، وَلَا يَجُوزُ دَفْعُ خَبَرِ وَقَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ غَيْرُ مَشْيَخَةٍ لَا يُعْرَفُونَ ، وَذَكَرَ حَدِيثَ صَدَقَةَ بْنِ خَالِدٍ ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِيمَا مَضَى قَالَ : وَمَعَ هَذَا فَلَوْ كَانَ خَبَرُ ابْنِ عُكَيْمٍ ثَابِتًا لَاحْتَمَلَ أَنْ لَا يَكُونَ مُخَالِفًا لِلْأَخْبَارِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْأَخْبَارِ فِيهَا إِذْنُ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِالِانْتِفَاعِ بِجَلْدِ الشَّاةِ الْمَيْتَةِ بَعْدَ الدِّبَاغِ ، فَلَا يَكُونُ مُخَالِفًا لِلْأَخْبَارِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا ، وَإِذَا أَمْكَنَ لَنَا أَنْ تَكُونَ الْأَخْبَارُ مُخْتَلِفَةً ، وَأَمْكَنَ اسْتِعْمَالُهَا فَاسْتِعْمَالُهَا أَوْلَى بِنَا مِنْ أَنْ نَجْعَلَهَا مُتَضَادَّةً ، فَيُسْتَعْمَلُ خَبَرُ ابْنِ عُكَيْمٍ فِي النَّهْيِ عَنِ اسْتِعْمَالِ جُلُودِ الْمَيْتَةِ قَبْلَ الدِّبَاغِ وَيُسْتَعْمَلُ خَبَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ فِي الِانْتِفَاعِ بِجُلُودِ الْمَيْتَةِ بَعْدَ الدِّبَاغِ ، وَقَالَ آخَرُ : وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ جَعَلَ دِبَاغَ الْمَيْتَةِ طَهُورَهَا قَبْلَ مَوْتِهِ بِأَقَلَّ مِنْ شَهْرٍ ، وَلَا يَكُونُ خَبَرُ ابْنِ عُكَيْمٍ لَوْ ثَبَتَ نَاسِخًا لَهُ عَلَى أَنَّ خَبَرَ ابْنِ عُكَيْمٍ غَيْرُ ثَابِتٍ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخْبِرْ مِنْ حَامِلِ الْكِتَابِ إِلَيْهِمْ ، وَلَا مَنْ قَرَأَ الْكِتَابَ عَلَيْهِمْ ، وَالْحَدِيثُ مِنْ مَشْيَخَةٍ لَا يُعْرَفُونَ ، وَاعْتَرَضَ مُعْتَرِضٌ مَنِ احْتَجُّوا بِهَا ، فَزَعَمَ أَنَّ الِانْتِفَاعَ بِجُلُودِ الْمَيْتَةِ قَبْلَ الدِّبَاغِ جَائِزٌ ، بِافْتِرَاشٍ ، وَجُلُوسٍ عَلَيْهِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَعْمَلُ مِنْ ذَلِكَ يَابِسًا ، لَا يَكُونُ رَطْبًا يَنْجُسُ الطَّاهِرُ بِمَمَاسَّةِ الرَّطْبِ مِنْهُ ، وَاحْتَجَّ بِظَاهِرِ خَبَرِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : إِنَّمَا حُرِّمَ أَكْلُهَا وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُ مَا لَمْ يُحَرَّمْ مَعْفُوٌّ عَنْهُ ، وَذَكَرَ قَوْلَ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ {{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ }} إِلَى قَوْلِهِ {{ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا }} الْآيَةَ ، قَالَ : فَمَنْ حَظَرَ وَمَنَعَ مِنَ الِانْتِفَاعِ بِجُلُودِ الْمَيْتَةِ فِي غَيْرِ بَابِ الْأَكْلِ فَقَدْ حَظَرَ مَا هُوَ مُبَاحٌ ، قَالَ : وَقَدْ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالثَّوْبِ النَّجِسِ بِأَنْ يُلْبَسَ أَشَدُّ ، فَإِنَّهُ جَائِزٌ ، وَفِي إِجَازَتِهِمْ دَلِيلٌ عَلَى إِبَاحَةِ الِانْتِفَاعِ بِالْأُهُبِ النَّجِسَةِ ، وَأَنَّ الَّذِي حُرِّمَ مِنْهُ الْأَكْلُ عَلَى ظَاهِرِ الْحَدِيثِ ، وَقَالَ بَعْضُ مَنْ عَارَضَ هَذَا الْقَائِلَ : لَوْ وَجَبَ اسْتِعْمَالُ ظَاهِرِ خَبَرِ الزُّهْرِيِّ ، إِنَّمَا حُرِّمَ أَكْلُهَا لَجَازَ بَيْعُ جِلْدِ الشَّاةِ قَبْلَ أَنْ يُدْبَغَ ، أَوْ جَازَتْ هِبَتُهُ ، فَلَمَّا مُنِعَ الْجَمِيعُ مِنْ ذَلِكَ دَلَّ عَلَى أَنَّ خَبَرَ الزُّهْرِيِّ إِنَّمَا رُوِيَ عَلَى الِاخْتِصَارِ ، وَالْأَخْبَارُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ مُفَسِّرَةٌ لِذَلِكَ الْخَبَرِ وَمُبَيِّنَةٌ مَعْنَاهُ