عنوان الفتوى : هل يجوز لهما الزواج مع اشتراط عدم الجماع ؟!

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

هل يجوز في الإسلام لزوجيْن أن يعيشا معاً دون إقامة أية علاقة زوجية - جسدية - ( ولو لمرة واحدة ) وأن يظلا فقط كأصدقاء ؟ وما هو وضع هذه الزوجة فى الإسلام ؟

مدة قراءة الإجابة : 7 دقائق

الحمد لله
أولاً:
لا يجوز في الشرع أن يعيش رجل وامرأة أجنبييْن معاً في بيت واحد ، ولذا فإن تشبيه اجتماع الزوجين من غير جماع باجتماع الأصدقاء تشبيه غير سليم .
ثانياً:
على الزوجين أن يعلما أنه من أعظم مقاصد النكاح : حفظ الفرج ، وإعفاف النفس ، ووجود الذرية ، وهو ما لا يمكن وجوده من غير جماع .
وقد رغَّب النبي صلى الله عليه وسلم بنكاح الولود ، بل قد نهى بعض أصحابه عن نكاح امرأة لا تلد .
فعَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رضي الله عنه قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إِنِّي أَصَبْتُ امْرَأَةً ذَاتَ حَسَبٍ وَمَنْصِبٍ إِلَّا أَنَّهَا لَا تَلِدُ أَفَأَتَزَوَّجُهَا ؟ فَنَهَاهُ ، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ فَنَهَاهُ ، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ فَنَهَاهُ ، فَقَالَ : (تَزَوَّجُوا الْوَلُودَ الْوَدُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ) . رواه النسائي ( 3227 ) وأبو داود ( 2050 ) ، وصححه الألباني في " صحيح الترغيب " ( 1921 ) .
وينظر شرح الحديث في جواب السؤال رقم ( 32668 ) ، وينظر جواب السؤال رقم ( 13492 ) .
وأما أن يجتمع الزوجان في بيت زوجية من غير جماع : فهذا يمكن تصوره والقول بجوازه في زوجين مريضين أو كبيرين ليس عندهما شهوة نكاح ، وأما إن كانا عندهما شهوة النكاح فكيف يجتمعان من غير أن يعف أحدهما نفسه ويعف الآخر ؟ وأين سيقضي كل واحد منهما شهوته إن لم يفعل ذلك مع من أحله الله له ؟!
كما يمكن تصوره والقول بجوازه في حال كون المرأة شابة وعندها شهوة ، وترضى بالزواج من رجل عنِّين أو مجبوب أو كبير في السن ؛ والعكس كذلك ، وهو أن يتزوج الرجل بمريضة ليس عندها شهوة ، أو رتقاء ، ويكون قادراً على الصبر محتسباً الأجر ، أو عنده غيرها من الزوجات يقضي شهوته معهنَّ ..
ثالثاً:
قد فرَّق الفقهاء بين مسألتين في هذا الباب :
الأولى : أن يُشترط في عقد النكاح على عدم حل الجماع بينهما ، فهنا يبطل الشرط ، ويبطل العقد على قول جمهور العلماء .
والثانية : أن يُشترط في عقد النكاح أن لا يحصل بينهما جماع ، وفي المسألة تفصيل ، وأرجح الأقوال : أنه يصح العقد ويبطل الشرط ، فلا اعتبار له ، ولا قيمة له ، سواء كان الشرط من الزوج ، أم من الزوجة ، أم من كليهما .
جاء في " الموسوعة الفقهية " ( 44 / 45 ) :
"فرَّق الفقهاء في حكم ذلك الاشتراط بين حالتين ، حالة اشتراط نفي حل الوطء ، وحالة اشتراط عدم فعله .
وبيان ذلك فيما يلي :
إذا اشترط في عقد النكاح نفي حل الوطء ، بأن تزوجها على أن لا تحل له : فلا خلاف بين أهل العلم في بطلان هذا الشرط ، ولكنهم اختلفوا في تأثيره على صحة العقد ، وذلك على قولين :
أحدهما : لجمهور الفقهاء من الشافعية والمالكية والحنابلة ، وهو بطلان الشرط والعقد معاً ؛ وذلك لإخلال ذلك الشرط بمقصود العقد ؛ وللتناقض ، إذ لا يبقى معه للزواج معنى ، بل يكون كالعقد الصوري .
والثاني : للحنفية ، وهو أن الشرط فاسد ، والعقد صحيح ؛ إذ القاعدة عند الحنفية أن النكاح لا يبطل بالشرط الفاسد ، وإنما يبطل الشرط دونه .
أما إذا شرط في عقد النكاح عدم الوطء : فقد اختلف الفقهاء في حكمه على ثلاثة أقوال :
أحدها : للحنفية والحنابلة ، وهو أنه يصح العقد ويلغو الشرط ، أما بطلان الشرط : فلأنه ينافي مقتضى العقد ، ويتضمن إسقاط حقوق تجب بالعقد لولا اشتراطه ، وأما بقاء العقد على الصحة : فلأن هذا الشرط يعود إلى معنى زائد في العقد فلا يبطله .
والقاعدة عند الحنفية : أن النكاح لا يبطل بالشرط الفاسد ، وإنما يبطل الشرط دونه .
والثاني : للمالكية ، وهو أن الشرط فاسد ، والعقد فاسد ؛ لوقوعه على الوجه المنهي عنه شرعاً .
ثم اختلف المالكية فيما يترتب عليه بعد الوقوع ، فقيل : يفسخ النكاح قبل الدخول وبعده ، وقيل : يفسخ قبل الدخول ، ويثبت بعده ، ويسقط الشرط ، وهذا هو المشهور في المذهب .
والثالث : للشافعية ، وهو أنه إذا نكحها بشرط أن لا يطأها ، أو لا يطأها إلا نهاراً ، أو إلا مرة مثلاً : بطل النكاح إن كان الاشتراط من جهتها ؛ لمنافاته مقصود العقد ، وإن وقع منه : لم يضر ؛ لأن الوطء حق له ، فله تركه ، والتمكين حق عليها ، فليس لها تركه" انتهى .
رابعاً:
على المرأة أن لا ترضى بهذا الزواج ، وينبغي للرجل أن لا يوافق المرأة إن هي رغبت بأن لا يكون بينهما جماع ، وليعلما أن هذا يخالف الفطرة السوية ، وقد خلق الله تعالى في الرجل ميلاً للمرأة ، وخلق في المرأة ميلاً للرجل ، ومن الناس من يصرِّف شهوته في حرام ، ومنهم من يصرفها في حلال ، والزواج من شرع الله تعالى الذي أباح فيه لقاء الرجل والمرأة ، وجعل بينهما مودة ورحمة ، وجعل منهما الولد والذرية .
قال تعالى : ( وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ ) النحل/72 .
وقال تعالى : ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) الروم/21 .
والزواج من سنن المرسلين ، عليهم الصلاة والسلام ، وهم أفضل البشر . قال تعالى : ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً ) الرعد/ 38 .
وقال تعالى : ( هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ ) آل عمران/38 .
والله أعلم