عنوان الفتوى : تقدم لها شاب فرفضته من أجل تشككها من توبته وخوفها من انتكاسته
أريد استشارتكم ؛ فأنا في حيرة من أمري : أنا فتاة ملتزمة - ولله الحمد - ، أحافظ على صلاتي ، وصيامي ، وقيام الليل ، وعند مشاهدة التلفاز أشاهده بتحفظ ، فلا أنظر إلى الحرام والغناء ، تقدم لخطبتي شاب ، جميع مواصفاته جيدة ، ولكن عندما جلست للحديث معه وكنت في حضرة أهلي وأرتدي الحجاب : تحدثنا ، وأعجبني كل شيء فيه ، كذلك هو أُعجب بي جدّاً ، وقال لي : أنا أريد فتاة تكون ملتزمة ، ولم أجد مثلك ، لكن في نهاية الحديث صارحني بماضيه ، فقال لي : أنا فعلت جميع أنواع المعاصي إلا الزنا ، والمخدرات ، لم أقربهم ، وكنت على علاقة مع الفتيات ، وكنت أجلس على التشات ، لكني تركت ذلك ، وتبت إلى الله ، وأنا أحب أتزوج فتاة متدينة ، وأُعجبت بتدينك ، ولكن مع أنه قال لي إنه تاب إلاَّ أنه عندما كان عندي جاءته رسالة جوال فقلت له : من هذا ؟ ضحك ، وقال لي : هذه فتاة ، قلت له : ما دام أنك أقلعت عن ذلك لماذا لا تغير رقمك ؟ قال لي : أنا أعطيك الجوال وأنتِ ردي عليهم مثل ما تريدين ، فرفضته بعد أن كنتُ موافقةً عليه ، مع أنه رضي بي ، ورضي بقصري ، ونحافتي ، فأنا قصيرة ، ونحيفة ، وكان هذا في شهر رمضان ، كنت أدعو الله إن كان سيبعدني عنك : أبعِده عنِّي ، وسبحان الله ، صارحني ، ورفضته . الأمر الذي يحيِّرني : في هذه الأيام حلمت حلماً : أن شابّاً جاء لخطبتي ، وعندما أردت الدخول لرؤيته : كنتُ أنتظر أخي حتى يفرغ من الصلاة ليدخل معي ، وكان شعري طويلا جدّاً وجميلاً ، ودخلت كاشفة لشعري فقط ، وجلست بجانبه ، وكان يلبس خاتماً من فضة في يده اليمنى ، أما أنا لم أكن لابسة ذلك الخاتم ، هذا الشاب لا أعرفه ، وكان يتحدث مع أهلي عندما جلست بجانبه ، وقد رأيتُ في تلك الجلسة الشاب الذي تقدم لخطبتي فتعجبتُ لماذا هو موجود ؟ وكان هذا المنام قبل قيامي لصلاة قيام الليل ، وفي اليوم الثاني رأيت أنني أشتري خاتماً ، ولبسته في يدي ، وأسورة ، أو ساعة ، ولكن لم ألبسها لأنها تحتاج إلى تصغير، في اليوم التالي قال لي أحد الأشخاص أن ذلك الشاب الذي رفضتيه لم يجد إلى الآن فتاة مثلك ، و هو معجب بك . أريد استشارتكم ، أنا نفسي فيه ، فأنا ارتحت له ، ولكن رفضته من أجل الله ، خائفة أن لا تكون توبته صادقة ، أو أن يعود إلى شرب الخمر ، مع أنه قال لي إنه تاب ، خائفة أن يبعدني عن الله ، أو يجرني إلى معصية الله ، أنا أحب أن أوافق عليه حتى آخذ بيده إلى الله ، ولكن خائفة أن لا أستطيع التأثير عليه ، مع أنه هو يريد فتاة ملتزمة ، هل يجوز لي أن أخبر ذلك الشخص أن يلمح له ليطلبني مرة أخرى ، أو يحادثني على الإنترنت على الماسنجر ؛ لأنه قد يخاف أن يكسف مرة أخرى ، فربما إذا حدثني على الماسنجر أعرف عنه أكثر ؟ ماذا أفعل ؟ هل أنساه أم أوافق عليه وأنال به الأجر؟ أم إن من يتعلق بهذه المعاصي لا يستطيع تركها ؟ ورأيته مرة أخرى في منامي وهو يمسك بثيابي ويقول لي : أنا عشت خمس سنوات في ضلال ولقيتك لماذا تخليتِ عني ؟ ماذا أفعل ؟ هل موافقتي له قد يهتدي على يدي ؟ أم يبعدني عن ربي؟ أرجوكم أفيدوني ولا تتأخروا عليَّ بالرد ، أرجوكم ، أرجوكم ، جزاكم الله خيراً . أريد الرد على البريد الالكتروني ، مع العلم أنني إذا تحدثت معه على النت سيكون في حدود ما يرضي الله .
الحمد لله
لن نبنيَ جوابنا على ما رأيتيه في منامكِ ، بل على الحقائق التي ذكرتيها في سؤالكِ
مما كان في اليقظة ؛ لأن ما يُرى في المنام ليس شيئاً واحداً ، فبعضه يكون حلماً من
الشيطان ، وبعضه يكون حديث نفْس ، ويظهر لنا أن الأمر عندك هو من حديث النفْس .
والذي ننصحك به ابتداء هو الحذر من : " التشكك الزائد " و " الخوف من المجهول " ! .
فأنتِ تتشككين في حقيقة توبة ذلك الخاطب ، وعندك أن بعض المعاصي لا يُتاب منها ،
ولا يتركها صاحبها ! وتخافين من أن يؤدي الزواج به إلى التأثير عليكِ وجرك معه إلى
أن تفعلي أفعاله !
وكلا الأمرين خطأ ، ولا ينبغي لك التخلق بمثل هذا ، وظننا بك حسنٌ ، وأنك تريدين
القُرب من الله تعالى ، وأنك تسعين لنيل رضاه ، لكن ليس بمثل هذه الأشياء تتم
الأمور .
فالرجل قد اعترف بأنه كان مبتلى ببعض المعاصي ، وذكر أنه لم يفعل الزنا ولم يتناول
المخدرات ، وليس ثمة ما يُلزمه بالبوح بهذا أصلاً ، بل إننا نراه مخطئاً في فعله ،
وكان الواجب عليه ستر نفسه ، والاكتفاء بذكر حاله الذي هو عليه الآن .
وقد ظهر منه – أيضاً – أمرٌ مستحسن لا يصدر إلا عن صادق في توبته – كما نراه والله
أعلم بحقيقته – وهو إعطاؤك الجوال لتردي على تلك الفتاة المعاكسة وتمكينك من ذلك في
غيرها ، وإننا لنعلم من حال كثير من التائبين أنه يلاحقهم شياطين الإنس من النساء
والرجال لصدِّه عن التوبة ، وإرجاعه إلى حاله الأول ، وقد تكون بعض الفتيات ممن كان
يعرفهن يفعلن ذلك ، وقد سلك طريقاً جيدة في التخلص منها ، وهو أنه جعلكِ تردين
عليهن ، وهذا يدل على صدقه ، وعلى سلوكه طريقة ناجحة في التخلص منهنَّ .
ولا ينبغي لك " التشكك " في توبة الناس ، وإساءة الظن بهم ، والمسلم ليس له إلا ما
ظهر من الناس ، وفي حال تقدم الراغب بالزواج لطلب فتاة : فإن من حقها السؤال عن
دينه وخلقه ، ومعرفة ذلك من المقربين منه ، وليس لها ولا لأهلها البحث عن ماضيه ،
والنبش في أحواله السالفة ، والعبرة بما هو عليه الآن ، لا ما عليه كان .
كما أنه لا ينبغي لك وضع العراقيل أمام الاقتران بشخص بحجة أنه قد يُفتن ، وأنك قد
تفعلين مثل فعله بداعي التأثير عليك ، ولماذا كان الخوف من جهته ولم يكن من جهتك ؟،
فكما أنه هو معرَّض للفتنة فكذلك الأمر بالنسبة لك ، فهل ضمنتِ العصمة من الفتنة ؟
.
ونلخص ما نريد قوله لكِ بنقاط محددة :
1. اقبلي من الخاطب ظاهر حاله ، ولا تلتفتي لماضيه الذي تاب منه ، وصدقيه في توبته
.
2. احرصي على التزوج بصاحب الخلُق والدِّين ، فهو الذي يعينك على طاعة ربك ، ويأخذ
بيدك لطريق الجنة .
3. ليكن خوفك من الانتكاس عن طريق الهداية دافعاً لك للاستقامة على دين الله تعالى
، وإصلاح باطنك ، كما تصلحين ظاهرك ، وأكثر ، وافعلي مثل ذلك مع زوج المستقبل ،
أعينيه على طاعة الله تعالى ، وخذي بيده لطريق الاستقامة ، فاستثمري خوفك من
الانتكاس إلى برنامج لتثبيت الإيمان وزيادته .
4. ليس ثمة من هو معصوم عن الفتنة ، فلا تظني بنفسك خيراً ، وبالناس شرّاً ، والثقة
بالنفس قد تؤدي إلى الغرور ، وإساءة الظن بالآخرين قد تؤدي إلى العيش في ظلمة حالكة
، لا يرى الإنسان فيها حتى نفسه ، فضلا أن يرى الطريق أمامه ، أو يرى غيره .
5. صارحي أهلك بحقيقة تراجعك عن رفضه ، ولا تجعلي ذلك لنفسك دونهم ، فالقبول والرفض
كما أنه حق لك ، فهو حق لهم كذلك ، ولن يكون موقفهم حسناً لو أنه رجع ليطلبك دون أن
يكون عند أهلك سابق علم بتراجعك عن قرارك الأول .
6. اجعلي أحد أفراد أهلك من الرجال يتثبت من الخاطب ، ويسأل عنه من يعرفه ، ويتحرى
عن حاله واستقامته ، لاسيما فيما يتعلق بالمعاصي التي كانت منه في ماضيه ، فالذي
تاب من تلك السبيل ، وسلك طريق الهداية ، لا يخفى حاله إن شاء الله : من استقامته
في خلقه ، وحرصه على صلاة الجماعة في حيه ، وخاصة صلاة الفجر .
07 ليكن الحكم على اختيارك ، هو ما يظهر لك من دينه وخلقه ، وصلاحيته لأن يكون لك
زوجا ؛ تأمنين معه على دينك وعرضك ، بحسب ما فصلناه من قبل ؛ وليس الدافع أن يهديه
الله على يديك ؛ فتأثير الرجل على امرأته أشد من تأثيرها عليه ، لاسيما في ناحية
الهداية والاستقامة ، فإن لم تطمئني إلى حسن حاله وصدق توبته ، فلا ننصحك حينئذ
بالإقدام على الاقتران به .
7. في حال اطمئنانك إليه ، يمكنك إبلاغ ذلك الخاطب أن يتقدم لك ، عن طريق أحد أفراد
أهلك ، أو عن طريق واسطة من النساء تعرفينها وتثقين بها ، وتكون من محارمه .
8. لا يجوز لك الكلام معه على الماسنجر ، ولا غيره من وسائل الاتصال والمراسلة ،
وقد ذكرنا في الموقع فتاوى كثيرة لأهل العلم في تحريم ذلك ، ولا تغتري بتزيين
الشيطان أن ذلك سيكون في حدود ما يرضي الله ، أو أن ذلك سيكون مرة واحدة أو مرتين
فقط ، فهذا من طرق الشيطان ليوقع المسلم فيما لا تُحمد عقباه من المخالفة والآثار
السيئة في الدنيا على حياته .
9. إذا لم يتيسر أمر ذلك الخاطب : فلعل ذلك أن يكون خيراً لك وله ، فاستفيدي مما
حصل ، ودوامي على الدعاء بأن ييسر الله لك أمرك ، فلا غنى للعبد عن ربه .
والله الموفق
أسئلة متعلقة أخري | ||
---|---|---|
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي... |