عنوان الفتوى : عدم استخدام الأرض ثلاث سنين وغرس الأشجارعلى جانبي الطريق
هل صحيح أن قطعة الأرض عند من لم يستخدمها لأكثر من ثلاث سنوات يمكن أن تعطى لشخص آخر يقوم بإحيائها ؟ وما هي الشروط المتعلقة بهذا الأمر؟ ولي سؤال آخر وهو أن من يعيشون في المدن لا يجدون الأرض الكافية لزراعة البساتين ، وقد يلجأون أحيانا إلى غرس الأشجار على جانبي الطريق العام ، وأحيانا تكون البلدية هي التي تغرس تلك الأشجار بغرض الزينة أو الظل ، ولكنها تتركها مهملة كالأشجار التي نراها قرب الملاعب وغيرها من الأراضي التي تؤول نظريا للسلطات المحلية ، فهل الشخص الذي يغرس شجرة في هذه الأماكن يكون له حق الانتفاع بثمرتها أم أن ثمرتها ملك مشاع ؟ وهل سيختلف الحكم إذا كانت الشجرة قد نبتت بنفسها ، ولكنه هو الذي قام برعايتها بشكل كلي أو جزئي ، من حيث نموها وتحصينها ضد الآفات ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإذا كانت هذه الأرض ملكاً له فلا يملك أحد أن ينزعها منه ولو لم يستخدمها أحد مئات السنين.
أما إذا كانت غير مملوكة له ،وإنما هي أرض موات ليست لأحد وقد وضع يده عليها ليحييها فنصب عليها أحجاراً ، أو غرز خشباً فيها ، أو نصب أسلاكاً شائكة عليها، أو نحو ذلك ، مما يدخل عند العلماء فيها يعرف بالتحجير، ولم يقم بإحيائها وطالت المدة عرفاً ، كنحو ثلاث سنين ، قال له الحاكم : إما أن تحييها فتملكها ، أو تتركها لمن يحييها ، إن كان هناك من يطلب إحياءها
ويشترط للأرض التي تملك بالإحياء أن تكون منفكة عن الاختصاصات ، وملك معصوم ، فالاختصاصات كالطرق ، والأفنية ، والساحات، ومجاري المياه ، والملك المعصوم هو ملك المسلم أو الذمي أو المستأمن .
ولا يشترط لإحياء الموات إذن الإمام على الراجح من قولي أهل العلم وهو مذهب جمهور أهل العلم .
هذا ما يتعلق بالسؤال الأول ، أما السؤال الثاني فيحتاج الجواب عليه للكلام في أمرين :
الأمر الأول: حكم غرس الأشجار على جانبي الطريق لينتفع بها الغارس.
الأمر الثاني: هلي يختص الشخص بالانتفاع بالشجر الموجود على جانبي الطريق النابت بنفسه أو بزراعة البلدية له إذا قام برعايته أم يكون ملكاً مشاعاً؟
أما الأمر الأول فلا يجوز غرس الأشجار على جانبي الطريق للانتفاع بها عند جمهور العلماء ولو لم تضر بالمارة ، فإذا أضرت بالمارة حرمت ووجبت إزالتها ، وعللوا ذلك بأنها تمنع الطريق في محلها ، ولأنه بناء في غير ملكه بغير إذنه ، وقد يؤذي المارة فيما بعد، ويضيق عليهم ، ويعثر به العاثر ، فلم يجز، ولأنه إذا طال الزمن أشبه موضعها الأملاك الخاصة ، وانقطع استحقاق الطريق.
وقال الحنفية : يجوز ذلك إن لم يضر المارة ، ولم يمنع من المرور فيها ، فإن ضر المارة أو منع لم يجز إحداثها لقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " لا ضرر ولا ضرار " رواه مالك .
والراجح هو القول الثاني لأن مدار المنع من ذلك هو وجود الضرر فمتى كان الضرر منتفياً فلا معنى للمنع ويتأيد هذا بما رواه أحمد في مسنده أن عمر ـ رضي الله عنه ـ : أجتاز على دار العباس ـ رضي الله عنهما ـ وقد نصب ميزابا إلى الطريق فقلعه ، فقال العباس : تقلعه وقد نصبه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بيده ؟ فقال : والله لا تنصبه إلا على ظهري ، فانحنى حتى صعد على ظهره فنصبه .
وعلى هذا فإن من غرس شجرا ولا يؤذي المسلمين اختص بالانتفاع بثمرته ولا يكون ثمره ملكا مشاعاً ولكن لمن كان محتاجاً ومر به أن يأكل منه لقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عندما سئل عن الثمر المعلق؟ فقال :" من أصاب بفيه من ذي حاجة غير متخذ خبنة فلا شيء عليه ، ومن خرج بشيء منه فعليه غرامة مثليه والعقوبة : رواه أبو داود وحسنه الألباني ، والخبنة كما في لسان العرب : " ما تحمله في حضنك" .
أما الأمر الثاني : فما كان من هذه الأشجار ضارا بالناس مضيقا للطريق فإنه تعين على الحاكم ومن يقوم مقامه إزالته ، أما ما لم يكن مضرا أو كان فيه منفعة للناس فما كان نابتاً بنفسه أو بزارعة البلدية لم يحتج إلى رعاية من أحد أو خدمة فلكل واحد من المسلمين أن ينتفع بالأكل من ثمره والحمل منه لأنه من المباحات التي تملك بالإحراز .
وأما ما كان يحتاج إلى خدمة ورعاية فمن كان قائما بهذه الخدمة والرعاية كان له أن يختص بالانتفاع منه بمقدار ما بذله من الخدمة والرعاية وما زاد عن ذلك شارك فيه باقي المسلمين .
والله أعلم .