عنوان الفتوى : التفريط في الصلاة وما يفعل بالفوائت المتراكمة
بسم الله الرحمن الرحيم.... والصلاة والسلام على نبي الله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: لقد دخلت فترة لم أستطع أن أصلي فيها بعض الصلوات المفروضة لعذر شرعي فكان نظام يومي أني أنام الصباح وأستيقظ في الساعة إالثانية عشر ليلاً (منتصف الليل) لطبيعة عملي.. فكنت لا أستطيع أن أقوم للصلاة وأؤديها لعذر شرعي... فتفوتني الصلوات المكتوبة الظهر- العصر- المغرب- والعشاء- إلا الفجر طبعا... وكنت أكتب هذه الصلوات المتراكمة علي بورقة لكي أؤديها في وقت محدد يعني إذا تغير نظام عملي... فتراكمت هذه الصلوات في الورقة وأصبحت كثيرة جداً جداً لا يستطيع أن يؤديها المرء إلا في شهرين أو أكثر... وأنا طبيعة عملي وانشغالي لا تسمح لي أصلا, وللأسف بعض الصلوات الأخرى لم أكتبها أبداً بالورقة وهي كثيرة ولا أتذكرها، سؤالي هنا: شيخنا ماذا أفعل بالصلوات التي سجلتها بالورقة مع العلم بأنها كثيرة جداً جداً لا يستطيع المرء أن يؤديها إلا في وقت طويل (وأنا طيبعة عملي لا تسمح أبداً)... وماذا أفعل بالصلوات التي لم أسجلها والتي لا أتذكرها، وهل أستمر على هذا الشيء... أرجو من سماحتكم الجواب عن هذا
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الصلاة فريضة على كل مسلم وهي الركن الثاني من أركان الإسلام بعد الشهادتين، وهي أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة، ففي سنن الترمذي وسنن النسائي بإسناد صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله الصلاة، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر. وقد حدد الله تعالى لها أوقاتاً معينة يجب على المسلم أداؤها فيها، قال تعالى: إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا {النساء:103}، فلا يجوز ولا يجزئ تقديمها عن الوقت المحدد لها ولا يجوز التفريط فيها وتأخيرها عن وقتها تحت أي ظرف من الظروف إلا لعذر مثل أن يدخل وقت الصلاة والشخص نائم فإذا استيقظ صلاها، نعم في الحالات التي رخص الشارع فيها بالجمع كالسفر والمرض أو نحو ذلك يجوز تقديم الصلاة عن وقتها وتأخيرها عنه بسبب العذر وهذا في الظهر مع العصر، والمغرب مع العشاء.
فعلى الأخ السائل أن يعلم خطورة الأمر وأن ترك الصلاة ليس بالأمر الهين، فإن من أهل العلم من يرى أن تارك الصلاة كسلاً يعتبر كافراً والعياذ بالله تعالى، وقد قال تعالى: فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا {مريم:59}، والمراد بإضاعتها تأخيرها عن وقتها، فكيف بمن تركها كلياً، وقال سبحانه: فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ* الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ... {الماعون:4-5}، أي يؤخرونها عن وقتها، وقال صلى الله عليه وسلم: من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله. رواه البخاري. وفي رواية: فقد حبط عمله.
فعليك أخي السائل أن تلتزم بأداء الصلاة في وقتها وأن تتوب إلى الله تعالى من التفريط الذي حصل في الماضي وتقضي الصلوات التي تركتها سواء في ذلك التي سجلتها والتي لم تسجلها لأن مذهب جمهور العلماء وجوب قضاء الصلاة سواء تركت عمداً أو سهواً، فإن لم تعلم عدد الصلوات التي فاتتك فلتجتهد في قضاء ما يغلب على ظنك أنه عدد ما فاتك منها وبذلك تبرأ ذمتك إن شاء الله تعالى، ولا يشترط أن تقضي في اليوم عدداً معيناً بل يكفيك أن تأتي بما تستطيع، قال ابن قدامة في المغني: إذا كثرت الفوائت عليه يتشاغل بالقضاء ما لم يلحقه مشقة في بدنه أو ماله، أما في بدنه فأن يضعف أو يخاف المرض، وأما في المال فأن ينقطع عن التصرف في ماله، بحيث ينقطع عن معاشه، أو يستضر بذلك، وقد نص أحمد على معنى هذا، فإن لم يعلم قدر ما عليه فإنه يعيد حتى يتيقن براءة ذمته، قال أحمد في رواية صالح، في الرجل يضيع الصلاة: يعيد حتى لا يشك أنه قد جاء بما قد ضيع.
ويقتصر على قضاء الفرائض، ولا يصلي بينها نوافل، ولا سننها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم فاتته أربع صلوات يوم الخندق، فأمر بلالاً فأقام فصلى الظهر ثم أمره فأقام فصلى العصر، ثم أمره فأقام فصلى المغرب، ثم أمره فأقام فصلى العشاء، ولم يذكر أنه صلى بينهما سنة، ولأن المفروضة أهم فالاشتغال بها أولى، إلا أن تكون الصلوات يسيرة، فلا بأس بقضاء سننها الرواتب، لأن النبي صلى الله عليه وسلم فاتته صلاة الفجر فقضى سنتها قبلها. انتهى. وللفائدة انظر الفتوى رقم: 75453.
والله أعلم.