عنوان الفتوى : حق الوارث ثابت وإن أسقطه المورث
هل يرث الوارث من مورثه إذا كان ذلك المورث قد وهبه بعض ممتلكاته قبل وفاته مع العلم بأن الميت كان قد وهبه ذلك على أنه نصيبه من الميراث وقد صرح أكثر من مرة بأن ذلك الوارث قد أخذ حقه من التركة وأن ما بقي فهو حق لبقية الورثة ولكن حدث بعد الوفاة أن آلت التركة إلى ذلك الوارث كغيره من الورثة فهل يدخل ما كان أخذه في حياة المورث في جملة ما سيوزع من التركة حيث إن المورث إنما أعطاه ذلك على أنه نصيبه من التركة؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فحق المرء في تركة مورثه ثابت بنصوص صحيحة صريحة ، مثل قوله تعالى :" لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا " ( النساء : 7) .
وهذا الحق لا يستطيع المورث ولا غيره إسقاطه ، كما أن الوارث نفسه لو تنازل عنه في حياة مورثه لا يكون ملزما بذلك التنازل؛ لأنه إسقاط حق قبل وجوبه. فما ذكرته ـ إذاًـ من أن المورث قد وهب أحد ورثته بعض ممتلكاته قبل وفاته على أنه نصيبه من الميراث، وأنه قد صرح أكثر من مرة أن ذلك الوارث قد أخذ حقه من التركة، وأن ما بقي يعتبر حقاً لبقية الورثة ....إلخ
نقول: إن هذا الكلام فهمه على وجهين :
الأول : أن يكون المورث قاله على وجه الهزل فقط، وأنه أراد أن يهب تلك الممتلكات إلى ذلك الوارث، ثم يداعبه بعد بما ذكرته من الكلام وفي هذه الحالة يعتبر مؤثراً لأحد الورثة على بقيتهم ، وهذا أمر لا حرج فيه إن كان الموهوب له ليس من أبناء المورث، أو لم يكن له غيره من الأبناء . فإذا كان الحال كذلك ، كان من حق الموهوب له أن يختص بتلك الممتلكات إذا حازها حيازة شرعية في حياة المورث، وله بعد ذلك أن يشارك الورثة في التركة .
وإما لو كان الموهوب له واحدا من أبناء الميت ومعه أبناء آخرون للواهب ،فإن المرجح من كلام أهل العلم أن إيثار بعض الأبناء عل بعضهم في العطية لا يجوز إلا بمسوغ شرعي. وكنا قد بينا ذلك من قبل ، ولك أن تراجع فيه فتوانا رقم : 6242. وعلى هذا الافتراض تكون تلك الممتلكات من جملة التركة لا يختص بها الموهوب له دون بقية الورثة .
أما الاحتمال الثاني فهو أن يكون الواهب جاداً في مقولته تلك ، وأنه أراد حرمان ذلك الوارث من حقه من التركة مقابل تلك الممتلكات ، وهذا ـ في الحقيقة ـ أمر لا يصح؛ لأنه ليس هبة بالمعنى الشرعي ؛ لأن الهبة ـ كما عرفها أهل العلم ـ هي تمليك بلا عوض.
وهو لا يعتبر هبة ثواب أيضاً ؛ لأن هبة الثواب في حكم البيع، ويلزم أن تتوفر فيها شروط البيع.
والله أعلم.