عنوان الفتوى : الصور المباحة في الدورات الرياضية
نقيم دورة رياضية كل فترة و سنعطيكم مثالا لها :دورة من عشر فرق كل فرقة خمس لاعبين نأخذ من كل لاعب جنيها، فيكون حصيلة الدورة مائة جنيه ، يتم شراء جوائز للفريق الفائز بالمركز الأول ، ولكن لا يأخذ باقي اللاعبين أية جوائز.
فقال لنا بعض الإخوة :إن هذا يعتبر قمارًا، نرجو إيجاد مخرج شرعي لهذه المسألة مع العلم بأننا نريد أن تستمر هذه الدورات و بإمكاننا المساهمة بقدر صغير في سعر الجوائز .
بسم الله ،والحمد لله،والصلاة والسلام على رسول الله ،وبعد:
يرى المذاهب الأربعة أن إقامة المسابقات الرياضية ،بحيث يدفع كل مشترك في المسابقة مبلغا من المال ،ويكسبه الفريق الفائز، سواء أكان على هيئة جوائز أو كان مالا، فإن هذا من القمار الحرام ، وخالفهم في ذلك الإمام ابن تيمية وابن القيم ،ورأيا أنه لا شيء فيها .
ورأي الجمهور أن الجائز في مثل هذه المسابقات أن تكون على إحدى هذه الصور الثلاث :-
1- أن يدفع قيمة هذه الجوائز قوم متبرعون من غير اللاعبين .
2- أن يدفع هذا المال بعض الفرق ، ولا يدفع البعض الآخر ، على أن تقول الفرق التي دفعت : هذا المال الذي دفعناه لمن يفوز من الفرق التي لم تدفع ، فإذا فازت إحدى الفرق التي لم تدفع أخذته ، وإن فازت إحدى الفرق التي دفعت ، لا تأخذ سوى المال الذي دفعته فقط .
3- أن يدفع المال جميع الفرق عدا فرقة واحدة ، وتسمى هذه الفرقة عند الفقهاء بالمحلل ، فإن فازت هذه الفرقة التي لم تدفع أخذت جميع المال ، وإن فازت إحدى الفرق التي دفعت لا تأخذ شيئا سوى ما دفعته .
جاء في فتاوى دار الإفتاء بالأزهر :
القمار حرام بقوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون .إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر اللّه وعن الصلاة فهل أنتم منتهون } المائدة 90 ، 91 ، فقد قال ابن عباس وقتادة ومعاوية بن صالح وعطاء وطاووس ومجاهد: الميسر القمار. فكل ما كان قمارا فهو ميسر محرم بالآية الكريمة إلا ما رخص فيه بدليل آخر كما سيأتي ومحرم أيضا بقوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن اللّه كان بكم رحيما .ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على اللّه يسيرا } النساء 29 ، 30 ، وبقوله تعالى { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون } البقرة 188 .
وذلك لأن أكل المال بالباطل وجهين :
أحدهما : أخذ المال بغير رضا صاحبه بل على وجه الظلم والسرقة والخيانة والغصب ونحو ذلك .
والآخر: أخذه برضا صاحبه من جهة محظورة نحو القمار والربا، وقد أجمع المسلمون على حرمة القمار .
هذا ولا نعلم خلافا في أن ما كان على سبيل المخاطرة بين شخصين بحيث يغنم كل ما كان فيه تعليق المال على الخطر فهو من القمار .
وذهب الحنفية إلى أن كل ما كان فيه تعليق المال على الخطر فهو من القمار أخذا مما روى أن رجلا قال لرجل إن أكلت كذا وكذا بيضة فلك كذا وكذا فارتفعا إلى على رضى اللّه عنه فقال هذا قمار ولم يجزه.
ومن أجل ذلك أبطل الحنفية عقود التمليكات المعلقة على الأخطار من الهبات والصدقات وعقود البياعات، فإذا قال وهبتك هذا المال إذا خرج عمرو كانت هذه الهبة باطلة غير مفيدة للملك ولو قبضها، وذهبوا إلى أن كل تمليك معلق على الحظر فهو باطل غير مفيد للملك كما يؤخذ من كلام الجصاص في كتابه - أحكام القرآن - عند الكلام على قوله تعالى { يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما } البقرة 219 ، وعند الكلام على قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون } .
قال الجصاص ـ وهو إمام الحنفية في عصره ـ : ولا خلاف في حظر القمار إلا ما رخص فيه من الرهان في السبق في الدواب والإبل والنصال. ( الرماح وأدوات التنشين) وساق بعض الأدلة من السنة على ذلك .
وحاصل ما قاله الحنفية في هذا الموضوع أن الرهان بمال إنما يجوز فيما دل الدليل على الإذن به من المسابقة بالخيل والإبل والرمي والأقدام والفقه . وحكمة مشروعية هذا الإذن أن الحاجة ماسة إلى تعلم الفروسية وإعداد الخيل وزيادة الخبرة بالرمي والتفقه في الدين وإعلاء كلمة اللّه بالجهاد والمسابقة في هذه الأشياء وسيلة إلى ذلك ، وقالوا : إن المسابقة فيما ذكر إنما تجوز بجعل وحاصل ما قاله الحنفية في هذا الموضوع أن الرهان بمال إنما يجوز فيما دل الدليل على الإذن به من المسابقة بالخيل والإبل والرمي والأقدام والفقه .
وقالوا إن المسابقة فيما ذكر إنما تجوز بجعل (جائزة) في الصور الثلاث الآتية :-
الأولى أن يكون المال المعين للسابق من غير المتسابقين بأن يكون من ولى الأمر سواء أكان من ماله الخاص أم من بيت المال - أو من أجنبي متبرع وهو المسمى الآن بالجوائز .
الثانية : أن يكون المال من أحد المتسابقين دون الآخر بأن يتسابق اثنان ويقول أحدهما لصاحبه : إن سبق فرسُك فرسي مثلا كان لك كذا منى، وإن سبق فرسي فرسَك فلا شيء لي عليك .
الثالثة : أن يكون المال من كل من المتسابقين ويدخلا ثالثاً بينهما ويقولا للثالث : إن سبقتنا فالمال لك وإن سبقناك فلا شيء لنا عليك - والشرط الذي شرطاه بينهما وهو أيهما سبق كان له الجعل على صاحبه - باق على حاله - فإن غلبهما الثالث أخذ المالين وإن غلباه فلا شيء لهما عليه ويأخذ أيهما غلب المشروط له من صاحبه .
أما إذا كان المال مشروطا من كل منهما ولم يدخلا هذا الثالث فهو من القمار المحرم .
هذا خلاصة مذهب الحنفية، وقد أجاز بعض العلماء من غير الحنفية أن يكون الجعل (الجائزة) من كل منهما بدون إدخال الثالث بينهما.
ولكن المعروف عن الأئمة الأربعة عدم حل هذه الصورة . وما قلناه هو الجائز شرعا على النحو الذي بينا . انتهى
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية :-
حديث محلل السباق إذا أدخل فرسا بين فرسين ، هذا معروف عن سعيد بن المسيب من قوله : هكذا رواه الثقات من أصحاب الزهري عن الزهري عن سعيد وغلط سفيان بن حسين فرواه عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة مرفوعا وأهل العلم بالحديث يعرفون أن هذا ليس من قول النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكر ذلك أبو داود السجستاني وغيره من أهل العلم . وهم متفقون على أن سفيان بن حسين هذا يغلط فيما يرويه عن الزهري وأنه لا يحتج بما ينفرد به .
ومحلل السباق لا أصل له في الشريعة ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم أمته بمحلل السباق ،
وقد روى عن أبي عبيدة بن الجراح وغيره : أنهم كانوا يتسابقون بجعل ولا يدخلون بينهم محللا ،
والذين قالوا : هذا من الفقهاء ظنوا أنه يكون قمارا ، ثم منهم من قال : بالمحلل يخرج عن شبه القمار ، و ليس الأمر كما قالوه، بل بالمحلل من المخاطرة وفي المحلل ظلم لأنه إذا سبق أخذ ; وإذا سبق لم يعط وغيره إذا سبق أعطي فدخول المحلل ظلم لا تأتي به الشريعة .
وقال في موضع آخر:-
إن أخرجا جميعا العوض وكان معهما آخر محللا يكافيها كان ذلك جائزا، وإن لم يكن بينهما محلل فبذل أحدهما شيئا طابت به نفسه من غير إلزام له أطعم به الجماعة أو أعطاه للمعلم أو أعطاه لرفيقه كان ذلك جائزا .
والله أعلم