عنوان الفتوى : من هي الفرقة الناجية ؟
إذا سمحتم بيان وتوضيح كيفية التفريق بين الفرق التي تدَّعي أنها على المنهج الصحيح ، ونحن نعلم أن أهل السنة والجماعة هم الذين على المنهج الصحيح ، ولكن هناك بعض المسلمين لا يعلمون ما حكم الطوائف الأخرى ، والتي بدأت تنتشر وتعرف في هذا الزمان كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام في حديثه ، وبما معناه أنه ستوجد طوائف عددها والله أعلم 73 طائفة ، وواحدة هي الصحيحة الناجية ، فكيف نفرق ونعرف تلك الطوائف ، وكيفية الرد عليهم ، والابتعاد عنهم وعن تصرفاتهم ؟ أرجو الإتيان بالأدلة ، والتوثيق من القرآن والحديث للأهمية ، فالأكثر لا يعلمون ، ونخاف على من أسلم جديدا من الضياع في تلك المتاهات . وجدت سؤالا يتكلم في هذا الصدد في الموقع ، ولكن أريد المزيد من التوضيح .
الحمد لله
أولاً :
التفرق والاختلاف في هذه الأمة واقع لا محالة ، يشهد له التاريخ ، وتشهد له نصوصٌ
من سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .
فقد قال صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّهُ مَن يَعِشْ مِنكُم بَعدِي فَسَيَرَى
اختِلاَفًا كَثِيرًا )
رواه أبو داود ( 4067 )
وصححه الألباني في " صحيح أبي داود "
، وقد وقع الاختلاف في جوانب الحياة السياسية ، كما وقع الاختلاف في الفكر والعقيدة
، وتمثل ذلك بظهور الفرق في أواخر عهد الخلفاء الراشدين ، كالمرجئة والشيعة
والخوارج .
ثم إن من رحمته سبحانه وتعالى أن جعل هذا التفرق والاختلاف طارئا على جماعة
المسلمين ، حادثا على عقيدتهم ، متميزا باسمه الخاص وشكله المستقل ، فلم تلتبس يوما
عقيدة أهل السنة والجماعة ، وعقيدة عموم المسلمين ، بعقائد ومناهج الفرق الضالة
الأخرى ، حتى إن تلك الفرق المخالفة لم تجرؤ على تسمية نفسها بأهل السنَّة والجماعة
، وإنما كانت تنتسب إلى بدعتها التي أحدثتها ، أو إلى الشخص الذي أسس هذه الفرقة ،
وتأمَّل ذلك في أسماء الفرق جميعها .
والحديث المشهور في افتراق الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة شاهدٌ على ذلك .
فعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ رضي الله عنهما أَنَّهُ قَالَ : ( أَلَا
إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فِينَا فَقَالَ :
أَلَا إِنَّ مَنْ قَبْلَكُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ افْتَرَقُوا عَلَى ثِنْتَيْنِ
وَسَبْعِينَ مِلَّةً ، وَإِنَّ هَذِهِ الْمِلَّةَ سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثَلَاثٍ
وَسَبْعِينَ ، ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ ، وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ ،
وَهِيَ الْجَمَاعَةُ )
رواه أبو داود (
4597 ) وغيره وصححه الحاكم ( 1 / 128 ) بل قال : إنه حديث كبير في الأصول ، وحسنه
ابن حجر في " تخريج الكشاف " ( 63 ) ، وصححه ابن تيمية في " مجموع الفتاوى " ( 3 /
345 ) ، والشاطبي في " الاعتصام " ( 1 / 430 ) ، والعراقي في " تخريج الإحياء " ( 3
/ 199 ) وتوارد على
ذكره والاستشهاد به أهل العلم في كتب السنة ، وقد ورد عن جماعة من الصحابة بطرق
كثيرة ، أكثرها وأصحها على تحديد عدد الفرق بثلاث وسبعين فرقة .
فقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم الفرقة الناجية بأنها الجماعة ، يعني إجماع علماء
المسلمين ، كما وصفها في روايات أخرى للحديث بأنهم ( السواد الأعظم ) كما في حديث
أبي أمامة وغيره عند
ابن أبي عاصم في " السنَّة " ( 1 / 34 )
والطبراني في " المعجم الكبير " ( 8 / 321 ) بإسناد حسن لغيره .
وأيضا جاء وصفها بقوله صلى الله عليه وسلم : ( وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ
وَسَبْعِينَ مِلَّةً كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إِلَّا مِلَّةً وَاحِدَةً ، قَالُوا :
وَمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي ) ،
كما في حديث عبد الله بن عمرو عند
الترمذي ( 2641 ) وحسَّنه
، وحسَّنه ابن العربي في " أحكام القرآن " ( 3 / 432 ) ، والعراقي في " تخريج
الإحياء " ( 3 / 284 ) ، والألباني في " صحيح الترمذي "
.
إذاً فهذه أظهر علامة يمكن للمسلم أن يستدل بها على الفرقة الناجية ، فيتبع ما عليه
عامة علماء الأمة ، الذين يشهد لهم جميع الناس بالأمانة والديانة ، ويتبع ما كان
عليه العلماء السابقون من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة وغيرهم من أهل العلم ،
ويحذر من كل فرقة تتميز عن جماعة المسلمين ببدعة محدثة .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" شعار أهل البدع ترك انتحال اتباع السلف " انتهى من
" مجموع الفتاوى " ( 4 /
155 ) .
وقال أيضاً (3/346) : "وشعار هذه الفرق – يعني الثنتين وسبعين فرقة المخالفة لأهل
السنة والجماعة- مفارقة الكتاب والسنة والإجماع . فمن قال بالكتاب والسنة والإجماع
كان من أهل السنة والجماعة " انتهى .
فلا يجوز أن يتصور أحد بعد ذلك أن تكون الشيعة مثلا هي الفرقة الناجية ، أو منحرفة
الصوفية أو الخوارج أو الأحباش ، بل هذه فرق حادثة ، لا تمثل إلا أفكارا طارئة ،
ينكرها أهل العلم وعامة المسلمين ، ويجدون في قلوبهم نفورا عنها ، ولم تكن أفكارها
التي تحملها يوما عقيدة عند أبي بكر أو عمر أو عثمان أو علي رضي الله عنهم ، كما لم
يحمل أفكارهم تلك الإمام أبو حنيفة أو مالك أو الشافعي أو أحمد بن حنبل ، وهل يظن
عاقل أن عقيدة غابت عن هؤلاء الأئمة يمكن أن تكون صوابا ؟! .
أظن - أخي الكريم - أنه قد ظهر أعظم فرق وأوضح فرق بين أهل السنة والجماعة ( الفرقة
الناجية ) وبين غيرها من الفرق الضالة .
يقول ابن تيمية - رحمه الله - :
ولهذا وصف الفرقة الناجية بأنها أهل السنة والجماعة ، وهم الجمهور الأكبر ، والسواد
الأعظم ، وأما الفرق الباقية فإنهم أهل الشذوذ والتفرق والبدع والأهواء ، ولا تبلغ
الفرقة من هؤلاء قريبا من مبلغ الفرقة الناجية ، فضلا عن أن تكون بقدرها ، بل قد
تكون الفرقة منها في غاية القلة ، وشعار هذه الفرق مفارقة الكتاب والسنة والإجماع ،
فمن قال بالكتاب والسنة والإجماع كان من أهل السنة والجماعة .
" مجموع الفتاوى "
( 3 / 346 ) .
وقد توسع في ذكر سمات الفرق الهالكة الشاطبي في
" الاعتصام " ( 1 / 453 –
460 ) .
ثانياً :
وقد قرر علماء السنة والجماعة في كتبهم أن الفرق الأخرى هي مِنَ الفرق الضالة
الهالكة المبتدعة ، وأنها تستحق دخول النار بسبب ما أحدثته في دين الله من أقوال
شنيعة ، وبدع عظيمة ، إلا أنها في غالبها لا تُعتبر كافرة ، بل تعد من فرق المسلمين
.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - :
وكذلك سائر الثنتين وسبعين فرقة : مَن كان منهم منافقاً : فهو كافر فى الباطن ، ومن
لم يكن منافقا بل كان مؤمنا بالله ورسوله فى الباطن : لم يكن كافراً في الباطن وإن
أخطأ في التأويل كائناً ما كان خطؤه ، وقد يكون فى بعضهم شعبة من شعب النفاق ولا
يكون فيه النفاق الذى يكون صاحبه فى الدرك الأسفل من النار .
ومن قال إن الثنتين وسبعين فرقة كل واحد منهم يكفر كفراً ينقل عن الملة : فقد خالف
الكتاب والسنة وإجماع الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين ، بل وإجماع الأئمة الأربعة
وغير الأربعة ، فليس فيهم من كفَّر كل واحد من الثنتين وسبعين فرقة ، وإنما يكفر
بعضهم بعضا ببعض المقالات .
" مجموع الفتاوى "
( 7 / 218 ) .
ولا يعني ذلك أن كل فرقة تنتسب إلى الإسلام أنها مسلمة ، بل قد تكون كافرة مرتدة
كغلاة الرافضة وغلاة الصوفية والفرق الباطنية كالدروز والنصيرية وغيرها ، وألحق
بعضهم الجهمية بهم ، فهؤلاء جميعا خارجون عن ملة الإسلام ولا يُعدون من الفرق
الواردة في الحديث .
ثالثاً :
مورد الافتراق والاختلاف بين هذه الفرق المقصودة في الحديث هو مسائل الدين الكلية ،
وأمور العقائد العامة ، وليس الاختلاف الفقهي .
يقول الشاطبي – رحمه الله - :
هذه الفرق إنما تصير فرقاً بخلافها للفرقة الناجية في معنًى كليٍّ في الدين ،
وقاعدة من قواعد الشريعة ، لا في جزئي من الجزئيات ، إذ الجزئي والفرع الشاذ لا
ينشأ عنه مخالفة يقع بسببها التفرق شيعاً ، وإنما ينشأ التفرق عند وقوع المخالفة في
الأمور الكلية ؛ لأن الكليات تقتضي عدداً من الجزئيات غير قليل ، وشاذها في الغالب
أن لا يختص بمحل دون محل ، ولا بباب دون باب .
" الاعتصام " ( 1 /
439 ) .
فإذا تميزت بعض الجماعات الإسلامية عن الأخرى بطريقة معينة في الدعوة والعمل
للإسلام ، ولم تخالف أهل السنة والجماعة في عقيدتهم : فلا تعد من الفرق الهالكة ،
بل هي من أهل الفرقة الناجية إن شاء الله تعالى إذا كانت تتبع ما كان عليه الصحابة
والتابعون في العقيدة والعمل .
وفي موقعنا مجموعة من الأجوبة التي تزيد المسألة شرحا وتوضيحا ، فانظر :
: (
206 ) ، (
1393 ) ، (
10121 ) ، (
10554 ) ، (
10777 ) ، (
12761 ) ، (
21065 ) .
والله أعلم