عنوان الفتوى : في نفسها حرج وضيق من كون الزوجة الثانية قد ترث مثلها
والدي تزوج من امرأة ثانية من فترة وهذا بعد زواجه من أمي لمدة خمسة وعشرين سنة. منذ ذلك الوقت الوالدة مقهورة أن هذه المرأة سترث كما سترث وهي تقول : أنا تعبت طيلة هذه السنين وتأتي هذه المرأة وتحصل من الإرث نفس القسمة التي سأحصلها، أنا لا أقبل بهذا أبدا. وعندما سألت شيخا بخصوص هذا الموضوع قال لي إن في بلاده عرفاً في الورث وهو أن المرأة الثانية لا ترث من الممتلكات التي وجدت خلال فترة زواج الرجل الأول وفي فترة الزواج الثاني كلا الزوجتين ترثان مما زاد من الممتلكات. فهل هذا يصح ؟ وهل توجد حلول أخرى ؟.
الحمد لله
أولا :
قد أباح الله عز وجل للرجل أن يتزوج بواحدة واثنتين إلى أربع ، يجمع بينهن ، كما قال تعالى : ( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلا تَعُولُوا ) النساء/3 .
وإذا تزوج الرجل بثانية ، ثم مات ، اشتركت الزوجتان في إرثه ، لا مزية لواحدة على الأخرى ، وتدخلان في قوله تعالى : ( وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ) النساء/12 .
هذا حكم الله تعالى ، وهو أحكم الحاكمين وأرحم الراحمين ، وعلى كل مؤمن ومؤمنة أن يسلم وينقاد ويذعن ، وألا يكون في نفسه حرج ولا ضيق من حكم الله تعالى وما شرعه ، كما قال سبحانه : ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُبِينًا ) الأحزاب/36 .
وقال تعالى : ( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) النساء/65 .
والنصيحة للوالدة الكريمة أن تتقي الله تعالى ، وأن ترضى بما قسم سبحانه ، وأن توقن بأن حكم الله تعالى هو العدل والرحمة والخير والهدى ( وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) المائدة/50 .
وأن تحذر أشد الحذر من الاعتراض على حكم الله أو الرفض له أو وجود الحرج والضيق النفسي منه ، فإن ذلك عظيم الخطر .
ولا يدري الإنسان أيكون وارثا أو موروثا ، فلم التعلق بالدنيا والركون إليها مع خسارة الدين بالاعتراض وعدم الرضى بما قسم الله ؟
ثانيا :
الممتلكات التي وجدت خلال فترة الزواج الأول ، على نوعين :
الأول : ما انتقلت ملكيته من الزوج إلى الزوجة بهبة أو لكونه جزءا من صداقها أو غير ذلك ، فهذا صار ملكا للزوجة ، ولا يدخل في تركة الزوج إن مات . ومثاله : أن يهب الزوج لزوجته بيتا أو ذهبا أو أثاثا . أو أن يكون الذهب أو الأثاث جزءا من المهر ، كما هو العرف في بعض البلدان .
الثاني : ما كان ملكا للزوج واستمرت ملكيته له حتى مات ، فهذا يدخل في تركته ، ويوزع على جميع ورثته حسب أنصبائهم . ومثاله : أن يكون للزوج عقارات أو نقود ، ملكها قبل زواجه الأول ، أو بعده ، أو بعد زواجه الثاني ، ولم يُخرجه من ملكه بهبة ونحوها ، فهذا يدخل في تركته بعد موته .
ولعل ما ذكره الشيخ المشار إليه ينطبق على أثاث البيت ونحوه ، مما تعارف الناس في بعض البلدان على أنه من مهر الزوجة ، فيكون ملكا لها ، ولا يدخل في تركة الزوج .
وكذلك مؤخر الصداق (المهر) للزوجة أن تأخذه من التركة قبل قسمتها ؛ لأنه في حكم الديْن .
وبعض الأزواج يهبون الزوجة الأولى بعض المال أو العقار ليكون ملكا لها ، وهذا إن كان قبل الزواج الثاني فلا حرج فيه ، وإن كان بعده فلا يجوز إلا أن يعطي الأخرى مثلها ، وقد سئلت اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء : لي زوجتان ، وأريد أن اشتري ذهباً لإحداهما على سبيل الهدية . فهل يجوز لي ذلك ؟ أم يكون هذا من عدم العدل بين الزوجات . مع العلم أنني غير مقصر في حقوق الزوجة الأخرى .
فأجابت : " من كان له زوجتان فأكثر فإنه يجب عليه أن يعدل بينهن ، ولا يحل له أن يخص إحدى زوجاته بشيء دون الأخرى من النفقة والسكنى والمبيت ، وقد جاء الوعيد الشديد فيمن كانت عنده امرأتان فلم يعدل بينهما ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من كانت له امرأتان يميل لإحداهما على الأخرى جاء يوم القيامة وأحد شقيه ساقط ) . وفي رواية : ( يجر أحد شقيه ساقطاً أو مائلاً) أخرجه الإمام أحمد في "المسند" (2/295 ، 347 ، 471) وأخرج النسائي وابن ماجة في سننهما نحوه .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل ) أخرجه أبو داود في سننه (2/601) ، وأخرج الترمذي في "الجامع" نحوه .
وفي هذه الأدلة دليل على توكيد وجوب العدل بين الضرائر ، وأنه يحرم ميل الزوج لإحداهن ميلاً يكون معه بخسٌ لحق الأخرى دون ميل القلوب ، فإن ميل القلب لا يملك ؛ ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسوي في القَسْم بين نسائه ويقول : ( اللهم هذا قَسْمي فيما أملك ، فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك ) (يعني المحبة القلبية) .
وعلى ذلك لا يحل لهذا الزوج أن يخص زوجته بشيء مما يملكه دون الأخرى ، فإذا وهب لإحدى زوجاته داراً ونحوها وجب عليه أن يسوي بين زوجاته في ذلك ، فيعطي كل واحدة مثل ذلك أو قيمته ، إلا أن تسمح الزوجة الثانية في ذلك " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (16/189).
والله أعلم .
أسئلة متعلقة أخري | ||
---|---|---|
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي... |