عنوان الفتوى : التفسير الصحيح لقوله تعالى: (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم...)
كيف ترد على من يقول بأن الزواج بأكثر من زوجة هو فقط لتحقيق العدالة في إدارة أموال اليتامى من النساء، بدليل قوله " وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى، فانكحوا ...إلخ " وأن الغاية من تعدد الزوجات قد انتهت الآن في عصرنا بسبب وجود الضمان الإجتماعي، والمؤسسات الحكومية لإدارة الأموال ... إلخ. وهل يوجد دليل من القرآن أو الحديث على جواز الزواج بأكثر من واحدة بسبب أن واحدة لا تكفي للتعفف ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
فإن هذا القول ساقط أصلاً، وهو قول متهافت واه. وذلك أن الآية التي استدل بها هي في الواقع - دليل على عكس ما قرر كما سنبينه لك، ولكن القائل لجهله بسبب نزولها، وعدم معرفته بأقوال المفسرين فيها، وعدم قدرته على تحليل نسقها اللغوي ظنها دليلاً لما ادعاه، فقال على الله وعلى كتابه وشرعه بغير علمٍ.
وإليك سبب نزول الآية الذي يبين معناها بجلاءٍ، ففي الصحيحين أن عروة بن الزبير سأل عائشة عن قول الله تعالى: (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى..)، فقالت يا ابن أختي هذه اليتيمة تكون في حجر وليها- تشركه في ماله، ويعجبه مالها وجمالها، فيريد وليها أن يتزوجها بغير أن يقسط في صداقها، فيعطيها مثل ما يعطيها غيره، فنهوا عن أن ينكحوهن إلاّ أن يقسطوا لهن، ويبلغوا لهن أعلى سنتهن في الصداق، فأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن ….
فهذا الحديث الصحيح مبين لسبب نزول الآية، وأن المأمور بنكاحهن هنَّ النساء غير اليتيمات، وذلك أن بعض الأولياء يرغب في نكاح اليتيمة التي في حجره طمعا في مالها وجمالها مع ضنِّه بما يعطى لمثيلاتها من الصداق، فنهوا عن نكاحهن إلاّ أن يقسطوا ويعدلوا في إعطائهن حقوقهن كاملة، فإن خافوا أن لا يعدلوا في ذلك، فعليهم أن ينكحوا ما أحل الله تعالى لهم من النساء اللاتي ينافحن ويكافحن عن حقوقهن بأنفسهن، أو بواسطة أوليائهن.
فهذا سبب نزول الآية، وهذا معناها الصحيح الموافق لنسقها اللغوي، وتدل عليه آيات أخرى منها: قوله تعالى: (ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن) [النساء: 127]، وبهذا يتضح لك أن الغاية في تعدد الزوجات ليست ما يقول القائل، بل الغاية من ذلك تحقيق مصالح أخرى كثيرة لعلك تطلع على بعضها في فتوانا رقم: 1660، 2286.
واعلم أن جواز التعدد - لمن هو قادر عليه - له أدلة كثيرة، منها ترغيبه صلى الله عليه وسلم في الزواج، وتكثير الذرية، ومنها إقراره صلى الله عليه وسلم لمن هو متزوج من أصحابه بأكثر من واحدة على ذلك، وإنما ألغى من ذلك ما زاد على الحد الذي حده الله تعالى، وهو أن لا يزيد الرجل على أربع من الحرائر في عصمته، كما في الموطأ والسنن أن غيلان بن مسلمة الثقفي أسلم وله عشر نسوة في الجاهلية، فأسلمن معه، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتخير أربعا منهن. والله أعلم.