عنوان الفتوى : رأي المسلمين في المسيحيين ، وهل الجهاد الذي كان يتحدثون عنه في الماضي لا زال موجودا ؟
مدة
قراءة السؤال :
دقيقة واحدة
ما هو رأي المسلمين في المسيحيين ؟ ولماذا يوجد كل هذه البلبلة ؟ أبسبب الحملات الصليبية ؟ وهل الجهاد الذي كانوا يتحدثون عنه في الماضي لا زال موجودا ؟ ألا يمكن للثقافتين القبول بأن الرب والله هما نفس الخالق ؟ حيث إن كليهما يوصفان بطريقة مشابهة كثيرا ، وأنا أتساءل : إن قبلت الثقافتين بأن الرب والله يعودان للخالق نفسه ألا يساهم ذلك في حل العديد من المشاكل ؟
مدة قراءة الإجابة :
9 دقائق
الحمد لله.
أولاً :
المسلمون يرون المسيحيين على طائفتين :
الأولى : من كان مؤمنا بعيسى عليه السلام في زمن عيسى ، أو بعده ، قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم ، فهؤلاء مؤمنون صالحون موحدون ، يؤمنون بأن عيسى رسول عظيم مرسل من الله تعالى ، ويؤمنون بغيره من الرسل كإبراهيم وموسى .
وأما من كان مؤمنا بعيسى عليه السلام ، ثم آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم ، فهذا شأنه أعظم ، وله أجران كما أخبر نبينا صلى الله عليه وسلم .
والطائفة الثانية : من انحرف عن التوحيد واعتقد في عيسى أنه الله أو ابن الله أو قدم له شيئا من العبادة كالصلاة والدعاء ، فهذا مخالف لعيسى ولغيره من الرسل ، متبع للتحريفات التي أدخلها القساوسة والرهبان على الدين الحق الذي أتى به عيسى عليه السلام من عند الله تعالى .
وكذلك من سمع برسالة محمد صلى الله عليه وسلم ، لكنه لم يؤمن به ولم يتبعه ، فهذا مخالف للمسلمين ، ولعيسى عليه السلام الذي بشر بأخيه محمد صلى الله عليه وسلم .
وهذا الموقف العقدي موقف ثابت ، ليس ناتجا عن الحروب الصليبية أو ظلم المستعمرين وطمعهم في بلاد الإسلام . فلو أن أحداً أنكر رسالة عيسى عليه السلام أو رسالة موسى عليه السلام أو رسالة محمد صلى الله عليه وسلم كان كافرا . ولو أن أحداً أنكر إنزال هذا القرآن من عند الله ، أو سخر منه لكان كافرا ، لأن القرآن منزل من عند الله تعالى .
وأما الجهاد فإنه باق إلى يوم القيامة ، وهدفه : إيصال دعوة الحق إلى جميع الناس , وتحرير الإنسان من القوى الظالمة التي تحجب عنه النور ، وتمنعه من التفكير في الحق ، وتخضعه لأحكام مخالفة لأحكام الله تعالى . وليس هدف الجهاد أن يكره أحدا على الدخول في الإسلام ، فإن الله تعالى يقول : ( لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ) البقرة/256 .
ثانياً :
ما ذكرته عن الرب والله والخالق ، دليل على استقامة فطرتك ، وصحة عقلك ، وهذا ما يعتقده المسلمون ، فالرب هو الله وهو الخالق الذي لا خالق غيره ، ولا رب سواه . ولا يستحق أن يُعبد غيره . فالخالق الرازق المدبر ، هو الله ، الذي لا إله غيره ، ولا يجوز أن نعبد سواه . وهذا الإله لا يمكن أن يكون مثل البشر له ولد أو زوجة ، تعالى الله عن ذلك .
وأيضا هذا الإله لا يمكن أن يحل في بشر ، فيأكل ويشرب ويجوع ويعطش ، ويضرب ويصلب .
فعقيدة الإسلام عقيدة سهلة موافقة للعقل والمنطق : هناك خالق ومخلوق . الخالق هو الله تعالى ، والمخلوق كل ما سواه ، من سماوات وأرض وشمس وقمر وإنس وجن . والله تعالى من رحمته أن أرسل رسلا إلى الناس ، يدعونهم إلى الله ، ويدلونهم على الخير ، ومن هؤلاء الرسل : نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله وسلم عليهم جميعا . وقد أيد الله هؤلاء الرسل بالآيات ، وهي أمور خارقة لا يستطيع الناس أن يأتوا بمثلها ، وتكون مناسبة للعصر والبيئة التي بعث فيها الرسول : فمنهم من ألقي في النار فلم تؤذه كإبراهيم ، ومنهم من كان يحيي الموتى ويشفي المرضى بإذن الله كعيسى ، ومنهم من أوتي القرآن ، وتحدى جميع العرب الفصحاء أن يأتوا بسورة من مثله فلم يستطيعوا ، وهو محمد صلى الله عليه وسلم ، وأنطق الله له الجماد والحيوان ، فسبح الحصى في كفه ، وشكى إليه الجمل ما يلاقيه من كثرة العمل ، إلى غير ذلك من المعجزات الكثيرة .
ولو تأمل العاقل : ما الذي يمنع المسيحيين من الاعتقاد بأن عيسى عليه السلام رسول من عند الله ، شأنه شأن إبراهيم وزكريا ويحيى عليهم السلام ؟
وبهذا تنتهي المشكلة ، ويتفق العقل مع الفطرة والوحي . وأن عيسى عليه السلام دعا إلى الله ، وبشر بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وأن أعداءه حاولوا قتله ، فنجاه الله تعالى ، فما صلب ولا قتل ، بل وقع الشبه على أحد أصحابه ، كما قال القرآن : ( وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ ) النساء/157 .
وبهذا يؤمن الجميع بالله الرب الخالق ، المعبود وحده ، ويؤمنون برسله الكرام كإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم جميعا ، ثم يتبعون شريعة آخرهم وخاتمهم ، محمد صلى الله عليه وسلم .
وليس هذا مجال المقارنة بين سهولة هذه العقيدة وموافقتها للفطرة ، في مقابل الاضطراب والتناقض الموجود في العقيدة النصرانية ، لكن لنضرب مثالا واحدا ، وهو موضوع الصلب والفداء :
فإن النصارى يكررون دائما بأن الله أرسل ابنه الوحيد ليرفع الخطيئة عن البشر ، ويرون ذلك مثالا للرحمة والعدل ، ونحن نسأل : أي عدل وأي رحمة في أن يعذب الله ابنه الوحيد - بزعمهم - على خطيئة لم يقترفها ؟!
وأي عدل في أن تنتقل خطيئة آدم إلى بنيه ، ثم يحتاجون إلى تكفيرها ؟!
وأي عدل ورحمة في أن يتأخر تكفير هذه الخطيئة آلاف السنين ، ما بين آدم إلى زمن عيسى عليه السلام ؟!
وأي عدل ورحمة في أن يتوقف تكفير الخطايا على صلبٍ وألم ومحنة ، وقد كان يتم تكفيرها - لدى اليهود بالتوبة والقربان ؟!
لكن النصارى لما آمنوا بالصلب ، أرادوا أن يرفعوا عن المسيح تلك السبّة الشنيعة التي تلحقه بالصلب وهي اللعن ، فادعوا أن الصلب هو الشرف الحقيقي والهدف الأسمى من رسالة المسيح !
انظر : سفر التثنية (21/22) وفيه : ( لأن المعلق - المصلوب - ملعون من الله ) .
ولا شك أن الإيمان بعقيدة النصارى في الصلب والفداء تلزم منه لوازم باطلة منها :
1- أن يكون الأنبياء السابقون وعباد الله الصالحون كلهم هالكين ؛ إذ لم تكفر عنهم تلك الخطيئة قبل موتهم .
2- أن يكون اليهود هم أعظم الناس منة وفضلا على النصارى والعالم ، لأنهم هم الذين تحقق على أيديهم هذا الهدف الأسمى وهو صلب المسيح !
3- أن يرتع الناس في الشر والإثم ، آمنين من عقاب الله ، لأن الخطيئة الكبرى قد كفرت عنهم ، ولأن الله سيغفر لهم كل خطيئة كما يدعون .
4- ولو كان المسيح مصلوبا باختياره كما يقولون ، لما صرخ بعد الصلب وقال : ( إيلي إيلي لم شبقتني ؟ أي إلهي إلهي لماذا تركتني ؟! ) "مرقس" (15/34) .
وأخيرا .. نسأل الله تعالى أن يوفقك في بحثك عن الإسلام ، وأن يهديك ويشرح صدرك لمعرفة الحق واتباعه أينما كان . ونرجو أن يكون ما ذكرناه فيه إجابة على أسئلتك ، وإن كانت المواضيع التي أثرتها تحتاج إلى تفصيل أكثر من هذا ، لكن نحن نسعد بالتواصل معك والإجابة على استفساراتك دائما .
والله أعلم .
أسئلة متعلقة أخري | ||
---|---|---|
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي... |