عنوان الفتوى : وجه تشبيه النبي صلى الله عليه وسلم المسلم بالنخلة

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

سؤالي هو لماذا شبه الرسول صلى الله عليه وسلم الإنسان بالنخلة؟ وما أوجه التشابه؟ وجزاكم الله خيرا.

مدة قراءة الإجابة : 6 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

 ففي الصحيحين من حديث ابن عمر أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، وإنها مثل المسلم، فحدثوني ما هي؟ فوقع الناس في شجر البواد،ي قال عبد الله: ووقع في نفسي أنها النخلة، فاستحييت. ثم قالوا: حدثنا ما هي يا رسول الله؟ قال: فقال: هي النخلة. قال فذكرت ذلك لعمر، قال لأن تكون قلت هي النخلة أحب إلي من كذا وكذا. اهـ

ووجه الشبه بيان بركتها، وكثرة خيرها، ودوام ظلها، وطيب ثمرها، ووجوده على الدوام، وكون أَصْلهَا ثَابِتا وَفَرْعهَا فِي السَّمَاء، وعدم سقوط شيء منها لا يستفاد به، تشبيها ببركة المسلم، واستجابة دعائه، وثبات الايمان في قلبه، وكثرة عمله الصالحات.

 قال النووي في شرح مسلم في بيان وجه التشبيه:

قال العلماء: وشبه النخلة بالمسلم في كثرة خيرها ودوام ظلها وطيب ثمرها ووجوده على الدوام فإنه من حين يطلع ثمرها لا يزال يؤكل منه حتى ييبس، وبعد أن ييبس يتخذ منه منافع كثيرة، ومن خشبها وورقها وأغصانها فيستعمل جذوعا وحطبا وعصيا ومخاصر وحصرا وحبالا وأواني وغير ذلك، ثم آخر شيء منها نواها وينتفع به علفا للإبل، ثم جمال نباتها وحسن هيئة ثمرها فهي منافع كلها وخير وجمال، كما أن المؤمن خير كله من كثرة طاعاته ومكارم أخلاقه ويواظب على صلاته وصيامه وقراءته وذكره والصدقة والصلة وسائر الطاعات وغير ذلك، فهذا هو الصحيح في وجه التشبيه، قيل وجه الشبه أنه إذا قطع رأسها ماتت بخلاف باقي الشجر وقيل لأنها لا تحمل حتى تلقح. والله أعلم.

 وقال ابن حجر في الفتح: وَوَجْه الشَّبَه بَيْن النَّخْلَة وَالْمُسْلِم مِنْ جِهَة عَدَم سُقُوط الْوَرَق مَا رَوَاهُ الْحَارِث بْن أَبِي أُسَامَة فِي هَذَا الْحَدِيث مِنْ وَجْه آخَر عَنْ اِبْن عُمَر وَلَفْظه " قَالَ: كُنَّا عِنْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَات يَوْم فَقَالَ: إِنَّ مِثْل الْمُؤْمِن كَمِثْلِ شَجَرَة لَا تَسْقُط لَهَا أُنْمُلَة، أَتَدْرُونَ مَا هِيَ ؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: هِيَ النَّخْلَة، لَا تَسْقُط لَهَا أُنْمُلَة، وَلَا تَسْقُط لِمُؤْمِنٍ دَعْوَة ". وَوَقَعَ عِنْد الْمُصَنِّف فِي الْأَطْعِمَة مِنْ طَرِيق الْأَعْمَش قَالَ: حَدَّثَنِي مُجَاهِد عَنْ اِبْن عُمَر قَالَ " بَيْنَا نَحْنُ عِنْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أُتِيَ بِجُمَّارٍ، فَقَالَ: إِنَّ مِنْ الشَّجَر لَمَا بَرَكَته كَبَرَكَةِ الْمُسْلِم " وَهَذَا أَعَمّ مِنْ الَّذِي قَبْله، وَبَرَكَة النَّخْلَة مَوْجُودَة فِي جَمِيع أَجْزَائِهَا، مُسْتَمِرَّة فِي جَمِيع أَحْوَالهَا، فَمِنْ حِين تَطْلُع إِلَى أَنْ تَيْبَس تُؤْكَل أَنْوَاعًا، ثُمَّ بَعْد ذَلِكَ يُنْتَفَع بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا، حَتَّى النَّوَى فِي عَلْف الدَّوَابّ وَاللِّيف فِي الْحِبَال وَغَيْر ذَلِكَ مِمَّا لَا يَخْفي، وَكَذَلِكَ بَرَكَة الْمُسْلِم عَامَّة فِي جَمِيع الْأَحْوَال، وَنَفْعه مُسْتَمِرّ لَهُ وَلِغَيْرِهِ حَتَّى بَعْد مَوْته. وَوَقَعَ عِنْد الْمُصَنِّف فِي التَّفْسِير مِنْ طَرِيق نَافِع عَنْ اِبْن عُمَر قَالَ " كُنَّا عِنْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَخْبِرُونِي بِشَجَرَةٍ كَالرَّجُلِ الْمُسْلِم لَا يَتَحَاتّ وَرَقهَا وَلَا وَلَا وَلَا " كَذَا ذَكَرَ النَّفْي ثَلَاث مَرَّات عَلَى طَرِيق الِاكْتِفَاء، فَقِيلَ فِي تَفْسِيره: وَلَا يَنْقَطِع ثَمَرهَا وَلَا يُعْدَم فَيْؤُهَا وَلَا يَبْطُل نَفْعهَا......

 وَوَقَعَ عِنْد اِبْن حِبَّان مِنْ رِوَايَة عَبْد الْعَزِيز بْن مُسْلِم عَنْ عَبْد اللَّه بْن دِينَار عَنْ اِبْن عُمَر أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ يُخْبِرنِي عَنْ شَجَرَة مِثْلهَا مِثْل الْمُؤْمِن، أَصْلهَا ثَابِت وَفَرْعهَا فِي السَّمَاء ؟ فَذَكَرَ الْحَدِيث. وَهُوَ يُؤَيِّد رِوَايَة الْبَزَّار، قَالَ الْقُرْطُبِيّ: فَوَقَعَ التَّشْبِيه بَيْنهمَا مِنْ جِهَة أَنَّ أَصْل دِين الْمُسْلِم ثَابِت، وَأَنَّ مَا يَصْدُر عَنْهُ مِنْ الْعُلُوم وَالْخَيْر قُوت لِلْأَرْوَاحِ مُسْتَطَاب، وَأَنَّهُ لَا يَزَال مَسْتُورًا بِدِينِهِ، وَأَنَّهُ يُنْتَفَع بِكُلِّ مَا يَصْدُر عَنْهُ حَيًّا وَمَيِّتًا، اِنْتَهَى. وَقَالَ غَيْره: وَالْمُرَاد بِكَوْنِ فَرْع الْمُؤْمِن فِي السَّمَاء رَفْع عَمَله وَقَبُوله، وَرَوَى الْبَزَّار أَيْضًا مِنْ طَرِيق سُفْيَان بْن حُسَيْن عَنْ أَبِي بِشْر عَنْ مُجَاهِد عَنْ اِبْن عُمَر قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مِثْل الْمُؤْمِن مِثْل النَّخْلَة، مَا أَتَاك مِنْهَا نَفَعَك " هَكَذَا أَوْرَدَهُ مُخْتَصَرًا وَإِسْنَاده صَحِيح، وَقَدْ أَفْصَحَ بِالْمَقْصُودِ بِأَوْجَز عِبَارَة. وَأَمَّا مَنْ زَعَمَ أَنَّ مَوْقِع التَّشْبِيه بَيْن الْمُسْلِم وَالنَّخْلَة مِنْ جِهَة كَوْن النَّخْلَة إِذَا قُطِعَ رَأْسهَا مَاتَتْ، أَوْ لِأَنَّهَا لَا تَحْمِل حَتَّى تُلَقَّحَ، أَوْ لِأَنَّهَا تَمُوت إِذَا غَرِقَتْ، أَوْ لِأَنَّ لِطَلْعِهَا رَائِحَة مَنِيّ الْآدَمِيّ، أَوْ لِأَنَّهَا تَعْشَق، أَوْ لِأَنَّهَا تَشْرَب مِنْ أَعْلَاهَا، فَكُلّهَا أَوْجُه ضَعِيفَة؛ لِأَنَّ جَمِيع ذَلِكَ مِنْ الْمُشَابِهَات مُشْتَرِك فِي الْآدَمِيِّينَ لَا يَخْتَصّ بِالْمُسْلِمِ، وَأَضْعَف مِنْ ذَلِكَ قَوْل مَنْ زَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ لِكَوْنِهَا خُلِقَتْ مِنْ فَضْلَة طِين آدَم فَإِنَّ الْحَدِيث فِي ذَلِكَ لَمْ يَثْبُت.

وَاَللَّه أَعْلَم.

 

 

 

أسئلة متعلقة أخري
المقصود بالنضرة في حديث: نضر الله امرأً سمع...
معنى حديث: من قرأ القرآن، وتعلمه، وعمل به...
معنى حديث: ما من عبد يسترعيه الله رعية...
شرح حديث: أعمار أمتي ما بين الستين إلى...، ومقدار أعمار الجن
هل الحفيد داخل في حديث: ".. أو ولد صالح يدعو له"؟
مسائل حول حديث: "رؤوسهن كأسنمة البخت لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها"
معنى حديث: ما تواد اثنان في الله فيفرق بينهما...
المقصود بالنضرة في حديث: نضر الله امرأً سمع...
معنى حديث: من قرأ القرآن، وتعلمه، وعمل به...
معنى حديث: ما من عبد يسترعيه الله رعية...
شرح حديث: أعمار أمتي ما بين الستين إلى...، ومقدار أعمار الجن
هل الحفيد داخل في حديث: ".. أو ولد صالح يدعو له"؟
مسائل حول حديث: "رؤوسهن كأسنمة البخت لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها"
معنى حديث: ما تواد اثنان في الله فيفرق بينهما...