عنوان الفتوى : قضاء حوائج الناس من أعظم أعمال البر
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي أنعم عليّ بزوجة صالحة وصحة بدن وعافية ورزقني وأعطاني ما لا أحصي وأعدّ ما حييت، فله الحمد حمدا كثيرا طيّبا مباركا فيه وحتى أفقه كيفية شكر نعمه سبحانه، وددت أن أستوضح أمرا في هذا المعنى، لقد أنعم الله عليّ بسيارة متوسطة الجودة والتقنية في الوقت الذي حرم من هذه النعمة كثيرا من أقربائي وأهلي وبعض أصدقائي مما أثقل كاهلي بطلباتهم الضرورية ـ كحالات المرض والضرورات المستعجلة ـ وطلبات الزيارات الأهلية العادية التي يمكن القيام بها باستعمال المواصلات العامة أو سيارات الأجرة، وحتى أني أعيرها لمن يطلبها في الحالات التي يصعب عليّ تقديم الخدمة بنفسي كأن أكون مشغولا بأمر آخر أو إذا رأيت أنه من باب الحياء ألاّ أكون معهم إذا كان المعنيّ صديقا مع أهله وبناته.لم أكن أجد في نفسي أيّ اعتراض على هذه الخدمات أيّا كان طالبها حتى أنّي أبادر بالخدمة لمن أرى أن حياءه منعه من طلبها بنية إدخال السرور إلى قلبه وأن يكون الله في حاجتي ما دمت في حاجة أخي، ولكن ومع مرور الوقت وتزايد أعباء الصيانة ومصاريف الوقود بدأت أجد في نفسي تراجعا في تقديم بعض الخدمات التي لا أرى فيها ضرورة قصوى ولكن باستعمال الحيلة والكذب أحيانا استحياء من ردّ الطالب وقد أكلّف نفسي انشغالا لست بحاجة إليه تفاديا لرفض صريح على الطلب وما زاد الطين بلّة هو أنّي وبعد أن تزوّجت، أصبحت في شجار ونزاع دائمين مع زوجتي حول هذا الأمر لأنها ترفض تماما تعاملي هذا وتعتبر السيّارة ملكا خاصا بالأسرة ولا يحق لأيّ كان استعمالها بحجة أن المواصلات العامة موجودة وأنّي أنا من عوّدهم (على هذا النوع من الترف) وأصبحوا متواكلين ولا يكلّفون أنفسهم بعض مشقات الحياة... إنّي في صراع نفسي دائم، أأواصل فيما أنا عليه ولا أبالي بالتكاليف وبرفض زوجتي مما قد ينبت بعض الكره والحقد بيننا لأنها تعتبر أني أتوّدد إلى الآخرين ولا أبالي بها وبرأيها أم أواجه الآخرين بالرفض وأخسر مودتهم حتى لو كانوا من أقرب الناس إليّ أم أن هناك أمرا وسطا أربح فيه ماء وجهي وكل الأطراف وقبل ذلك كلّه الأجر ورضا الله تعالى ؟ أشكر لكم صبركم على إطالتي ولم يبق لي إلا انتظار نصائحكم وتوجيهاتكم وسأكون أكثر سعادة لو تذكرتموني وزوجتي بدعاء الصلاح والبركة لبعضنا البعض وأن يجعلنا في خدمة دينه والمسلمين، وجزاكم الله عنا وعن كافة المسلمين خير الجزاء.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فهذا الذي تقوم به من مساعدة الناس يعتبر من أعظم أعمال البر، ومن أفضل أعمال الخير، وقد ورد الترغيب في السعي في قضاء حوائج الناس، ففي صحيحي البخاري ومسلم وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة.
وفي صحيح مسلم ومسند أحمد وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.
وعليه، فإذا كنت تستطيع مواصلة ما كنت تمارسه من الخير، وليس عليك في ذلك مشقة تتجاوز حدود طاقتك، فإن من شكر ما ذكرته من نعم الله عليك أن تستمر على ما أنت فيه، وتحاول إرضاء زوجتك وإقناعها بفوائد هذا الأمر في الدنيا والآخرة.
وإن كنت تجد في طلبات الناس حرجا زائدا على قدر تحملك، فلا بأس عليك في أن تعتذر لمن ليس مضطرا إلى سيارتك؛ فإنه لا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
ونسأل الله أن يعينك على نفع الناس، ويبارك لك في أهلك، ويجعلنا وإياك في خدمة دينه والمسلمين.
والله أعلم.