عنوان الفتوى : كتب أملاكه لزوجته
توفى عمى والد زوجى وترك قطعة أرض وعقار ملك تسكنه الأسرة وهى الزوجة وبنتان وأربع ذكور وهم جميعا معاقون عدا زوجي أكبرهم وشقيقه الذى يليه ولكنه لم يكمل تعليمه مثل زوجى الذي يشغل مركزاً مرموقاً قامت الزوجة بعد وفاة عمى الذي كان قد كتب لها أملاكه قبل الوفاة لسهولة التصرف فيها كيفما شاءوا بعد وفاته بكتابة جميع الأملاك لشقيق زوجي الذي يلية بحجة أنه يتولى الإنفاق عليها وعلى أشقائه وذلك بعد موافقة زوجي الذى لم يقبل أن يغضبها ونحن فى حاجة لحقنا فى هذا المال فما التصرف الشرعي الذي يمكنا من الحصول على حقنا دون إغضاب الوالدة مع العلم بأنها خالتى .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه ينبغي أولاً: النظر في مكتوب هذا الرجل لزوجته، فإن كانت الصيغة التي كتبها لا تقتضي إلا مجرد التسهيل في التصرف - كما في نص السؤال- فإن هذا المال ما زال تركة، ليس للزوجة منه إلا نصيبها فقط، وهو الثُمن إذا لم تكن معها زوجة أخرى أو زوجات، وإلا فهي شريكة لمن معها من الزوجات في الثُمن، أما الباقي بعد الثمن فهو مقسم على أولاد الميت للذكر مثل حظ الأنثيين، لا فرق في ذلك بين غنيهم وفقيرهم وسالمهم ومعوقهم، وإن كان كتب لها بصيغة التمليك التام، فيفرق فيه حينئذ بين حال الصحة والمرض، لأن حكم الهبات في المرض الذي يموت فيه الواهب حكم الوصايا، فيكون من الثلث إذا تم قبض الهبة.
وإن كان وهبه لها صحيحاً مختاراً بصيغة يحق بها التمليك شرعاً، نظر أيضا في حال هبة الزوجة لابنها، فإن كانت لمجرد تسهيل التصرف، فليست هبة أصلاً، وإن كانت لقصد إيثاره هو وبعض الإخوة دون بعضهم، فإن ذلك محل خلاف بين العلماء: هل هو جائز فتمضي الهبة، أم حرام فتبطل؟ فذهب بعضهم إلى أنه حرام لما فيه من زرع العداوة، وقطع الصلات التي أمر الله بها أن توصل، واستدلوا على ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم في حديث النعمان بن بشير مخاطباً بشير والد النعمان: "لا تشهدني على جور" رواه مسلم، وعنه أن أباه أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إني نحلت ابني هذا غلاماً كان لي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أكل ولدك نحلته مثل هذا؟"، فقال: لا، فقال: "فأرجعه" رواه البخاري، وقالوا: إن الحديث يدل على وجوب التسوية بين الأولاد في الهبة، وإنها باطلة مع عدم التسوية، وذهب إلى هذا القول الإمام أحمد وبعض العلماء،
وخالف في ذلك الجمهور، فقالوا: بعدم بطلان الهبة، واستحباب التسوية فقط.
واتفقوا على جواز التخصيص بعد إذن البقية ورضاهم.
وإذا تقررت صحة الهبتين بأن كانت من الميت بصيغة الجزم، وفي حال الصحة، ولم تكن من الزوجة على سبيل التسهيل، فالظاهر - والله تعالى أعلم- أن هذا الزوج الذي استؤذن من قبل أمه، ورضي بإعطاء نصيبه لأخيه، واختار بر أمه سقط حقه - ولو افترضنا وجوب التسوية، وبطلان الهبة بالتفضيل- لأن مذهب أحمد الذي خالف في المسألة هو جواز التفضيل إذا كان هناك داع، أو مقتض له كزمانةٍ أو عمى، أو كثرة عائلة، فإذا كان هذا الأخ يتولى الإنفاق على أسرته المعاقة حقاً، كان ذلك معنى يقتضي جواز التخصيص. وينبغي لمن انتقل إليه الحق أن يعدل ويقسط: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون) [النحل: 90]، ويجب أن لا يكون أخذه لهذا المال ذريعة لأخذ حقوق إخوته الضعفاء، فالله يعلم المفسد من المصلح. والعلم عند الله تعالى.