عنوان الفتوى : ومضات في طريق الدعوة إلى الله
شيخنا الفاضل هناك في بلدة مجاورة من بلدتنا يوجد إمام يقوم بزيارة المساجد التي يوجه له أئمتها دعوات ويلقي بها محاضرات قيمة بما أنعم الله عليه من علم وهو متبع لمنهج السنة والجماعة يعمل على إحياء السنة وقمع البدعة وهذا بالإتيان بالدليل من الكتاب والسنة وأقوال العلماء المشهود لهم بالعلم من سلف الأمة ومن المتأخرين كابن باز والألباني والعثيمين رحمة الله عليهم جميعا .أحيطكم علما أن هذا الإمام يرتدي قميصا ويطلق لحيته إلا أن هذا النوع من الأئمة والعلماء الذين يستند إلى أقوالهم منبوذ بنسبة كبيرة من طرف المجتمع الذي نعيش فيه وكذلك فئة لا بأس بها من الأئمة الذين هم يديرون المساجد بحجة أن فتاواهم متشددة وأنهم يعسرون على الناس وغيرها من الحجج . وعندما طلبنا من أئمة المساجد أن يرخصوا لنا في إحضار هذا الإمام إلى مساجد بلدتنا لإقامة محاضرات يقولون لنا في كل مرة إنهم في القريب سيوجهون له الدعوة بدون جدوى. وهذا التهرب سببه هو عدم توجيه الأسئلة التي يزعمون أنها محل خلاف بين العلماء من إسبال وإعفاء للحية واختلاط وهذا لتبرير حججهم. كما أنهم يحتجون بضرورة إحضار الدكاترة وذوي الشهادات الذين يتكلمون فقط ولا يذكرون الدليل من الكتاب والسنة إلا نادرا. وبذلك فهم يفرضون علينا ما يريدون والمجتمع يتخبط في براثن الشرك والبدع والاعتقادات الباطلة. فما ذا يعتبر تصرف هؤلاء الأئمة وهل من نصيحة توجهونها لنا ولهم ؟ وهل أعتبر آثما عندما أحضر هاته الدروس لأنهم يعتمدون على العقل في معالجة الأمور والقضايا الفقهية بحجة أن وقتنا ليس كوقت النبي صلى الله عليه وسلم وليس كوقت الصحابة رضوان الله عليهم جميعا وأنها محل خلاف بين العلماء وأن في الاختلاف رحمة كما أنهم يحتجون بمقولة : لنتعاون في ما اتفقنا وليعذر بعضنا البعض في ما اختلفنا فيه وإذا أتيتهم بالدليل من السنة المطهرة قالوا بأنه حديث أحاد وغيرها من الحجج.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فينبغي أن يعلم أولا أن وحدة كلمة المسلمين واجتماعهم مطلب أساسي من مطالب الشرع، فالواجب السعي في تحصيله ما أمكن، وتراجع الفتوى رقم:13411 ، هذا أولا.
وثانيا: لا يجوز أن يكون الاختلاف بين العلماء في مسائل اجتهادية يسوغ فيها الخلاف محلا للفرقة والبغضاء، فمن ذهب في هذه المسائل إلى ما أداه إليه اجتهاده ورأى أنه الأقرب إلى الصواب فهو مأجور على كل حال أخطأ أو أصاب، وهذا إذا كان أهلا لأن يجتهد ويبذل الوسع في طلب الحق، وتراجع الفتوى رقم: 26480.
ثالثا: أن الواجب تحري الحق واتباع الدليل من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والاستنارة بفهم سلف الأمة الصالح من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، ومن كان من العلماء على هذا النهج فالواجب نصرته ومعاونته على الخير، لا اعتراضه والوقوف في وجهه والحيلولة بينه وبين بيان الحق للناس.
رابعا: أنه ينبغي اتباع ما جاء به الشرع من الدعوة إلى الله تعالى بالرفق واللين والحكمة والموعظة الحسنة، فإحسان الأسلوب في الدعوة إلى الله مطلوب شرعا، فكم من داعية ضاع سعيه ولم يجن ثمرة دعوته بسبب الأسلوب الذي انتهجه في دعوته.
خامسا: أن كون الاختلاف بين العلماء رحمة بهذا الإطلاق محل نظر، وتراجع الفتوى رقم:7158 ، والاحتجاج بهذا القول لتبرير تتبع رخص العلماء والتخير منها بالتشهي أمر لا يجوز، إذ العبرة بالدليل والأوفق للصواب، وتراجع الفتوى رقم:4145 ، ومثل هذا العالم الذي ربما قدم العقل على النقل وأضل عوام المسلمين في أمور دينهم لا تجوز الاستعانة به في تبليغ العلم للناس.
سادسا: أن عبارة نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه تراجع فيها الفتوى رقم: 30268.
والله أعلم.