عنوان الفتوى : الموعظة النافعة التقوى ومعايشة واقع الناس ومعالجته
أرجوا منكم كتابة موضوع عن موعظمة يكون بأسلوب مؤثر حتى أتمكن من إلقائه على عامة الناس في مجالسهم ؟ وجزاكم الله خير الجزاء
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن من تمام فائدة الكلام وبلاغته مطابقته لمقتضى أحوال المخاطبين الموجه إليهم والمراعاة فيه لمستوياتهم الثقافية والاستعدادية، إذ الناس يتفاوتون ذكاء وغباوة، وفهماً وبلادة. وكل لا بد أن يخاطب بما يناسب مستواه ووعيه. ولهذا فقد يكون من غير المفيد الكتابة عن موضوع خاص وبأسلوب معين ليلقى فيما بعد على من لا يعرف الكاتب مستوياتهم العلمية، ولا حدود قدراتهم الذهنية، ولا المشكلة التي يعانون منها. فحبذا لو كتبت لنا -ولو أقل القليل- عن حال من تريد أن تعظهم. أو عن المشكلة التي تريد أن تعالجها حتى لا يكون الكلام في واد والمخاطبون في واد آخر، الأمر الذي قد يقلل أو يعدم الفائدة المرجوة منه لوقوعه في غير موقعه، فلو رجعت أيها السائل إلى المراجع الصحيحة واستخرجت منها من الفوائد ما يناسب جماعتك، ويتماشى مع واقعهم الذي يعيشونه لكان ذلك أكثر نفعاً وأتم فائدة. ولا بد من التأكد من صحة مضمون الفائدة التي ستلقيها، وذلك عن طريق عرضها على أهل العلم حتى لا تكون ممن يقول على الله بغير علم. ولا بد أيضاً من تصحيح النية وإخلاصها لله وحده امتثالاً، لقوله عز وجل: ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ) [النحل:125] وقوله صلى الله عليه وسلم: " بلغوا عني ولو آية" رواه البخاري. ومتى ما كان إرشاد الناس ووعظهم عن علم وصدق نية فلا بد أن يتأثروا به، ويستفيدوا منه في الغالب.
لا سيما إذا انضم إلى ذلك ما تقدم من مراعاة أحوالهم ومعايشه واقعهم.
وهناك أمر آخر لا يقل أهمية عما سبق ألا وهو التحلي بتقوى الله امتثالاً واجتناباً لكل أحد، لا سيما الداعية. فلا بد أن يطبق ما يدعو إليه في جميع حياته حتى لا يكون هناك تناقض بين ما يدعوا إليه وبين ما يطبقه هو في نفسه. ولذلك قالوا: إذا حدث الرجل القوم فإن حديثه يقع في قلوبهم موقعه من قلبه. وقال مالك بن دينار: إن العالم إذا لم يعمل بعمله زلت موعظته عن القلوب كما تزل القطرة عن الصفا. وقال الشاعر الحكيم:
ابدأ بنفسك فانهها عن غيها فإذا انتهيت عنه فأنت حكيم
فهناك يسمع ما تقول ويقتدي بالقول منك وينفع التعليم
وبهذا تعلم أن تأثر السامعين بالكلام واستفادتهم به أمر لا يحصل بحفظ المواعظ، ولا بسرد الخطب، وإنما هو أمر يهبه الله تعالى لمن شاء من عباده المتقين العاملين بعملهم.
نسأل الله لنا ولك التوفيق.
والله أعلم.