عنوان الفتوى : العفو من شيم الرسول العظيمة
شكر الله لكم ما تبذلونه من مجهود عظيم، وجعله الله في ميزان حسناتكم وأثابكم إن شاء الله أفتونا في حديث "قتل كعب بن الأشرف" وحديث"قتل أبي رافع عبد الله بن أبي الحقيق" أفادكم الله دفاعا عن الرسول (صلى الله عليه وسلم ) حيث فسر المبشرون هذين الحديثين بأن الرسول (صلى الله عليه وسلم ) لم يعف عمن أساء إليه عندما امتلك المقدرة على البطش فأرسل من اغتال المذكورين أعلاه (صحيح البخاري. باب المغازي, رقم 3731و3732)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فأما سبب قتل ذينك الرجلين الغادرين فقد بيناه في الفتوى رقم:8237، وذكرنا أن العفو كان من سياسته وحكمته، وأما عدم عفوه عنهما فلما ذكرناه، ولأن تركهما فيه فتنة للناس وصد لهم عن دين الله وإفساد في الأرض، فالحق الذي لا باطل بعده هو قتلهما وكفاية المؤمنين شرهما، فالله سبحانه يقول: يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ{البقرة: 217}
وأما عفوه صلى الله عليه وسلم عمن أساء إليه وقد امتلك البطش به والانتقام منه فلا يحتاج إلى ذكر الدليل أو التمثيل، ولك أن تقرأ قصة فتح مكة يوم جمع قريشا وبينهم من قتل عمه ومثل به شر مثلة، وفيهم من هجاه وفيهم وفيهم فقال: اذهبوا فانتم الطلقاء، وسيرته صلى الله عليه وسلم ملأى بذلك. فكان يعفو في الموضع الذي يحسن فيه العفو وينتقم في الموضع الذي يحسن فيه الانتقام، وليس ذلك لنفسه، بل كان ينتقم إذا انتهكت محارم الله، يقول ابن العربي كما ذكر المناوي في فيض القدير عنه: وما أظهرصلى الله عليه وسلم في وقت غلظة على أحد إلا عن أمر إلهي، وتقول الصديقة بنت الصديق رضي الله عنها: والله ما انتقم لنفسه في شيء يؤتى إليه قط حتى تنتهك حرمات الله فينتقم لله. رواه البخاري.
ويقول خادمه أنس رضي الله عنه: خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين ما دريت شيئا قط وافقه ولا شيئا قط خالفه رضاء من الله تعالى بما كان، وإن كان بعض أزواجه لتقول لو فعلت كذا وكذا ما لك فعلت كذا وكذا، يقول دعوه فإنه لا يكون إلا ما أراد الله، وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم انتقم لنفسه من شيء قط إلا أن تنتهك لله حرمة، فإذا انتهكت لله تعالى حرمة كان أشد الناس غضبا لله عز وجل، وما عرض عليه أمران قط إلا اختار أيسرهما ما لم يكن لله فيه سخط، فإن كان لله فيه سخط كان أبعد الناس منه. رواه الطبراني في الصغير
وللفائدة انظر الفتوى رقم: 40373.
والله أعلم.