عنوان الفتوى : الجلوس على القبر بين المانعين والمبيحين
علي بن أبي طالب كان يتوسد القبور ويجلس عليها، لمن هذا الحديث وفي أي كتاب موجود ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد روى مالك في الموطأ أنه بلغه أن علي بن أبي طالب كان يتوسد القبور ويضطجع عليها.
وقد ذهب لتحريم الجلوس على القبور جمهور العلماء كما قال النووي في المجموع، وقد نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم في عدة أحاديث، منها قوله صلى الله عليه وسلم: لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر. رواه مسلم في صحيحه، وقوله صلى الله عليه وسلم: لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها. رواه مسلم.
وذهب المالكية وبعض الحنفية وزيد بن ثابت ويزيد بن ثابت أخوه وغيرهم إلى جواز ذلك، وحملوا الأحاديث السابقة وما في معناها على الجلوس لقضاء الحاجة على القبر.
قال البخاري في الصحيح: وقال عثمان بن حكيم: أخذ بيدي خارجة فأجلسني على قبر، وأخبرني عن عمه يزيد بن ثابت قال: إنما كره ذلك لمن أحدث عليه. وقال نافع: كان ابن عمر رضي الله عنهما يجلس على القبور
قال أبو عمر بن عبد البر في الاستذكار:
الآثار مروية من طرق عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن القعود على القبور من حديث عقبة بن عامر وجابر وأبي هريرة وغيرهم، ومن الرواة لها من يوقف حديث عقبة وحديث أبي هريرة ويجعله من حديثهما.
وأما حديث جابر فذكر عبد الرزاق قال: حدثنا ابن جريج قال: أخبرنا أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى أن يقعد الرجل على القبر ويقصص أو يبني عليه.
وذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا حفص عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقعد عليها يعني القبور.
وعن ابن مسعود: لأن أطأ على جمرة حتى تطفأ أحب إلي من أن أقعد على قبر، وعن أبي بكرة مثله سواء.
وعن أبي هريرة قال: لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق رداءه ثم قميصه ثم إزاره حتى تخلص إلى جلده أحب إلي من أن يجلس على قبر، وهذا الجلوس يحتمل أن يكون لحاجة الإنسان كما قال مالك ومن تبعه على ذلك، وروى الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب أن أبا الخير حدثه أن عقبة بن عامر قال: لأن أطأ على جمرة أو على حد سيف حتى يخطف رجلي أحب إلى من أن أمشي على مسلم، وما أبالي في القبور قضيت حاجتي أو في السوق والناس ينظرون.
وعن الحسن وابن سيرين ومكحول كراهية المشي على القبور والقعود عليها.
وقال مالك ( رحمه الله ) وإنما نهي عن القعود على القبور فيما نرى للمذاهب يريد حاجة الإنسان. وحجته أن علي بن أبي طالب كان يتوسد القبور ويضطجع عليها. وإذا جاز ذلك جاز المشي والقعود فلم يبق إلا أن ذلك لحاجة الإنسان والله أعلم وهو قول زيد بن ثابت،.
وروى أبو أمامة بن سهل بن حنيف أن زيد بن ثابت قال له: هلم يا بن أخي، إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجلوس على القبر لحدث بول أو غائط ، وذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا محمد بن فضيل عن العلاء بن المسيب عن فضيل عن مجاهد قال: لا تخل وسط مقبرة ولا تبل فيها، وعلى هذا معنى الآثار المروية في الكراسة في هذا الباب. والله أعلم.
وقال الشوكاني في النيل عند شرح حديث: لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها، الحديث يدل على منع الصلاة إلى القبور، وقد تقدم الكلام في ذلك وعلى منع الجلوس عليها، وظاهر النهي التحريم. وقد أخرج مسلم من حديث أبي هريرة بلفظ: لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير من أن يجلس على قبر أخيه . وروي عن مالك أنه لا يكره القعود عليها ونحوه، قال: وإنما النهي عن القعود لقضاء الحاجة. وفي الموطأ عن علي أنه كان يتوسد القبور ويضطجع عليها وفي البخاري أن يزيد بن ثابت أخا زيد بن ثابت كان يجلس على القبور، وقال: إنما ذلك لمن أحدث عليها. وفيه عن ابن عمر أنه كان يجلس على القبور. وقد صحت الأحاديث القاضية بالمنع ولا حجة في قول أحد لا سيما إذا كان معارضا للثابت عنه صلى الله عليه وسلم، وقد أخرج أبو داود والترمذي وصححه وابن ماجه وابن حبان والحاكم من حديث جابر بلفظ: نهى أن يجصص القبر ويبنى عليه وأن يكتب عليه وأن يوطأ. وهو في صحيح مسلم بدون الكتابة. وقال الحاكم: الكتابة على شرط مسلم. والجلوس لا يكون غالبا إلا مع الوطء.
والله أعلم.