عنوان الفتوى : الرضا بالعمل الأقل ماديا واجتماعيا لغرض الإكثار من التعبد أفضل
أفكر في العمل كطيار، ولكن هناك بعض الأمور التي تترتب على هذه الوظيفة التي تثير قلقي دينياً... مثل الجمع والقصر لنصف صلواتي تقريباً مع اختلاف مواعيد نومي فبالتالي لن أستطيع في معظم الأحيان قيام الليل، وأيضاً سيؤثر على صيامي في رمضان... وسؤالي هو: هل إذا كنت الآن أعمل بعمل أقل في المستوى الاجتماعي والمادي، ولكن أستطيع فعل هذه العبادات والحمد لله بحرية، هل ترك هذا العمل يعتبر حبا للدنيا أكثر من الآخرة وعدم زهد فيها؟ وجزاكم الله خيراً.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فليس من شك في أنه كلما زاد العبد في العبادة وفي النوافل كان ذلك خيراً له وأفضل عند الله، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول الله تعالى: ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها. الحديث رواه البخاري.
مع أن السعي في طلب الرزق بالطرق المشروعة أمر مباح، بل إنه مطلوب، لقول الله تعالى: هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ {الملك:15}، وقوله سبحانه وتعالى: وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ {المزمل:20}، قال النسفي: سوَّى سبحانه وتعالى في هذه الآية بين درجة المجاهد والمكتسب، لأن كسب الحلال جهاد.
وعليه؛ فترك العمل الأقل في المستوى الاجتماعي والمادي، والذي يستطاع معه فعل العبادات المذكورة، إيثاراً لعمل طيار، يمكن القول بأنه حب للدنيا أكثر من الآخرة، لأن فاعل ذلك لم يهتد إلى ما هو أفضل له.
والله أعلم.