عنوان الفتوى : دفع التعارض المتوهم بين قوله تعالى: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} وحديث: (كمل من الرجال كثير ولم ...)
ننتقل إلى رسالة أخرى وموضوع آخر، الرسالة من المستمع (ح. ف. ح) طالب علم في مكة المكرمة، عرضنا له سؤال في حلقة مضت، وفي هذه الحلقة يسأل ويقول: قال الله تعالى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13]، وقال ﷺ: كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم، وفاطمة بنت محمد، وخديجة .... الحديث، هل هناك تعارض بين الآية والحديث؟ وما معنى الكمال في الحديث؟ play max volume
الجواب: ليس بين الآية والحديث المذكور وما جاء في معناه تعارض، فالآية تبين لنا أن أكرم الناس عند الله أتقاهم، لا أعظمهم نسبًا ولا أكثرهم مالا، ولا أرفعهم وظيفة، يقول جل وعلا: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [الحجرات:13]، فأكرم الناس عند الله وأفضلهم عنده أتقاهم له، معنى أتقاهم: يعني: أقومهم بحقه، بطاعته سبحانه وترك معصيته جل وعلا وهم الرسل عليهم الصلاة والسلام، ثم العلماء المستقيمون على طاعة الله وتقواه، وهم طبقات، ثم الأكمل فالأكمل والأفضل فالأفضل في طاعة الله عز وجل.
فالمقصود أن أكمل الناس بعد الرسل هم أتقاهم، هم أكمل الناس وأكرم الناس عند الله ، ولما سئل النبي ﷺ عن أكرم الناس قال: أتقاهم.
أما فضل خديجة وآسية ومريم بنت عمران وعائشة كذلك وفاطمة، كل هذا مسلم، وصحت به السنة وليس فيه معارضة، خديجة رضي الله عنها أم المؤمنين، وهي أم أكثر أولاد النبي عليه الصلاة والسلام، وهكذا فاطمة بنته عليه الصلاة والسلام، وهكذا مريم بنت عمران أم عيسى عليه الصلاة والسلام، وهكذا آسية بنت مزاحم امرأة فرعون ، وهكذا عائشة رضي الله عنها كلهم من كمل النساء، والكامل من النساء أقل من الكامل من الرجال، فالكمل في الرجال كثيرون ومن النساء قليلون، ولهذا بين لهم النبي ﷺ بهذا الحديث والكمال بالنظر إلى تقوى الله والقيام بحقه ، وقال في عائشة رضي الله عنها، يقول ﷺ: فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام، والثريد: هو الخبز واللحم، خبز الحنطة واللحم يقال له: ثريد، وهذا الطعام هو أفضل الطعام وأنفعه اللحم والحنطة البر.
المقصود أن عائشة لها فضل كبير، وخديجة كذلك، ومريم ، وآسية ، وفاطمة ، هؤلاء الخمس هم أكمل النساء وأفضل النساء، وهن متساويات في الفضل.
وقد اختلف العلماء في تقديم بعضهن على بعض، ويكفينا أنهن أفضل النساء رضي الله عنهن وأرضاهن ورحمهن، وكمالهن من جهة تقواهن لله وقيامهن بحقه، واستقامتهن على دينه، لكن الكمل من الرجال في تقوى الله والقيام بحقه أكثر؛ لأنهم أصبر على التقوى، وهم أعلم بالله في الأغلب، وأكثر اطلاعًا على كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، وأكثر اطلاعًا على حلقات العلم وأسفارًا لطلب العلم، فلهذا يغلب على الرجال أن يكون علمهم أكثر من علم النساء وكمالهم أكثر بسبب ما حباهم الله من القوة على طلب العلم والحرص على تحصيله، ولما جبل عليه النساء من الضعف من بعض النواحي والعجز عن تحصيل العلوم من كل وجه، لما يعتريهن من الحمل والولادة وحاجات البيت وحاجات الزوج وغير ذلك.
فالمقصود أن الكمل من الرجال بنص النبي ﷺ أكمل من الكمل من النساء، لأن الكمل من النساء قليلون لأسباب كثيرة والكمل من الرجال كثيرون، ولا تعارض بين الحديث وبين الآية الكريمة، نعم.
المقدم: بارك الله فيكم.