عنوان الفتوى : هل يقع الطلاق للحائض والنفساء؟
سؤاله الثاني: هل المطلقة التي طلقها زوجها وهي في عذرها أو في طهر مسها فيه هل يقع هذا الطلاق أو لا؟ play max volume
الجواب: إذا طلق الزوج المرأة في حال الحيض، أو في حال النفاس أو في حال طهر جامعها فيه وليست حاملاً ولا آيسة اختلف العلماء في ذلك؛ فالجمهور على أنه يقع الطلاق مع أنه بدعة ومنكر لا يجوز؛ لأن الرسول ﷺم أنكر على ابن عمر لما طلق امرأته وهي حائض، أنكر عليه النبي ﷺ وأمره أن يمسكها حتى تحيض ثم تطهر، ثم يطلق بعد ذلك، أمره أن يمسكها حتى تطهر من حيضها الذي وقع فيه الطلاق ثم تحيض مرة أخرى ثم تطهر، ثم قال: إن شاء طلق وإن شاء أمسك وقال ﷺ: فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق عليها النساء.
فالجمهور ذهبوا إلى أن الطلاق وقع ولكنه مأمور بأن يراجعها إذا كان الطلاق طلقة واحدة أو طلقتين يراجعها ويبقيها كما قال النبي ﷺ: حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر، ثم إن شاء طلق وإن شاء أمسك قبل أن يمس، إن شاء طلق قبل أن يمس وإن شاء أبقاها، هذا هو المعروف عند جمهور أهل العلم، وذهب آخرون من أهل العلم وهو مروي عن طاوس وخلاس بن عمرو وجماعة وهو ثابت عن ابن عمر أن الطلاق في الحيض لا يقع، وأن الرسول ﷺ ردها عليه من دون احتساب الطلاق عليه، وإنما حسبها هو ابن عمر اجتهاداً منه حسب الطلقة، ولكن لم يحسبها عليه النبي ﷺ وقال هؤلاء: إن هذا الطلاق بدعة منكر فلا يقع لقول النبي ﷺ: من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ، وهذا طلاق ليس عليه أمر النبي ﷺ فلا يقع، وهذا هو اختيار أبي العباس ابن تيمية تلميذه العلامة ابن القيم رحمة الله عليهما واختيار جماعة من أهل العلم وهو أظهر في الدليل وأقوى في الدليل؛ لأن رسول الله أنكر على ابن عمر وأغلظ في ذلك عليه الصلاة والسلام، وأمره أن يمسكها حتى تحيض ثم تطهر، ثم قال: إن شاء طلق، وإن شاء أمسك، إن شاء طلق قبل أن يمس وإن شاء أمسكها، وفي لفظ: ثم ليطلقها طاهراً أو حاملاً.
المقدم: معنى هذا أن الطلاق السابق لم يقع؟
الشيخ: نعم، هذا على أنه لم يقع؛ لأن إيقاعه ثم ردها تكثير للطلاق، كونه يوقع الطلاق الأول ثم يأمره بإطلاقها مرة أخرى معناه التكثير للطلاق، فالشارع يتشوف لقلته لا لكثرته، فالحاصل أن قوله: فليراجعها ليس معناه الرجعة المعروفة التي هي الرجعة بعد الطلاق وإنما المراد عند هؤلاء يعني فليردها، أن يردها إلى نفقته عليها وإلى حباله وإلى كونها عنده حتى تطهر من حيضتها التي طلقها فيها ثم تحيض مرة أخرى ثم تطهر، ثم بعد هذا إن شاء طلق وإن شاء أمسك، قال النبي ﷺ: فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق عليها النساء، يعني في قوله سبحانه: يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ [الطلاق:1] الآية، قال العلماء: معنى ذلك طاهرات من غير جماع، هذه معنى: (طلقوهن لعدتهن) يطلقن طاهرات من غير جماع أو في حال الحمل، كما في حديث ابن عمر: فليطلقها طاهراً أو حاملاً.
وهذا القول أظهر في الدليل؛ لأنه موافق لحديث ابن عمر وموافق للآية الكريمة، ولما ذكره أهل العلم في تفسيرها وإن كان خلاف الأكثرين، لكن المعول في المسائل هو ما يقرب من الدليل وما يقتضيه الدليل، ثم هو أرفق بالأمة وأنفع للأمة؛ لأن كثيراً من الناس يغضب ويطلق في الحيض والنفاس وفي طهر جامع فيه، فإذا ردت عليه ففيه جمع الشمل وجمع الأسرة وربما كان لديهما أولاد فيجمع الشمل بينهم وبين أولادهما.
فالحاصل والخلاصة: أن هذا مع كونه أظهر في الدليل هو أرفق بالأمة، والله يقول سبحانه: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ [البقرة:185]، ويقول جل وعلا: وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج:78]، ويقول النبي ﷺ: يسروا ولا تعسروا.
فالتيسير للأمة والتسهيل عليها مهما أمكن مطلوب، وهو أقرب إلى قواعد الشرع التي جاءت بالتيسير والتسهيل والرحمة وما أكثر ما يقع الطلاق من الناس في حال الغضب الشديد، وفي حال الحيض وفي حال النفاس وفي حال الطهر الذي جامع فيه ثم يندم الجميع، ففي هذا القول رحمة للأمة وجمع للشمل، وتيسير للأمور وتقليل للفرقة، ولا يخفى على كل من له أدنى خبرة بأحوال الناس ما يترتب على الطلاق من شر عظيم في الغالب وفرقة للأولاد مع والديهم، وضياع بعض الأحيان للأولاد ومتاعب كثيرة للأب والأم جميعاً والأولاد، والله المستعان. نعم.
المقدم: جزاكم الله خيراً ونفع بكم.