عنوان الفتوى : لا يسوغ بغض داعية بتأويل أو شبهة أو بهوى نفس
أولاً: وقبل كل شيء, أود أن اشكركم على مجهوداتكم الجبارة... وجزاكم الله خيراً. أما بالنسبة لسؤالي فقد سبق لي طرحه لكن لم يصلني أي رد, ربما لأني كتبته باللغة الفرنسية،
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد تكلمنا على مسألة تكفير المسلم في الفتوى رقم: 721، والفتوى رقم: 4132، والفتوى رقم: 65926.
كما تكلمنا على خطورة تنقص العلماء والدعاة والتناصح مع من أخطأ منهم بالحكمة في الفتوى رقم: 33346، والفتوى رقم: 44164، والفتوى رقم: 59243، والفتوى رقم: 27583، والفتوى رقم: 11967 مع إحالاتها.
وننبه كذلك إلى أن الخطأ في بعض الجزئيات الذي لا يسلم منه غير المعصوم لا يكفر ولا يبدع صاحبه ولا تترك الاستفادة منه بسببه، وإنما يترك تقليده فيما خالف فيه الصواب، وبيان الحق في المسألة دون تنقيص للمخطئ؛ إذ لو ترك الناس الاستفادة من كل من أخطأ في منهجه لضاع كثير من العلم، فلا بد من العدل في الحكم على الناس والاعتراف لذي الفضل بفضله.
فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط. رواه أبو داود والبخاري في الأدب المفرد وحسنه الألباني. وقال: ليس منا من لم يجل كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا حقه. رواه أحمد وحسنه الألباني.
وقد ذكر الذهبي في الميزان عند كلامه على المبتدعة: أن التشيع بلا غلو ولا تحرق كان كثيراً في التابعين وأتباعهم، قال: فلو رد حديث هؤلاء لذهب جملة من الآثار النبوية وهذه مفسدة بينة.
وقد دأب العلماء قديماً عند الكلام في الجرح والتعديل على المقارنة بين الحسنات والسيئات، والحكم بالعدل، وقد سمى بعضهم كتبه بالميزان؛ كما عمل الذهبي فقد سمى كتابه الميزان، وسمى ابن حجر كتابه لسان الميزان، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة: ومعلوم أننا إذا تكلمنا فيمن هو دون الصحابة مثل الملوك المختلفين على المُلك، والعلماء المختلفين في العلم والدين، وجب أن يكون الكلام بعلم وعدل لا بجهل وظلم، فإن العدل واجب لكل أحد وعلى كل أحد في كل حال، والظلم محرم مطلقاً لا يباح قط. قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ. وهذا الآية نزلت بسبب بغضهم للكفار وهو بغض مأمور به، فإذا كان البغض الذي أمر الله به قد نهى صاحبه أن يظلم من أبغضه، فكيف في بغض مسلم بتأويل أو شبهة أو بهوى نفس؟! فهو أحق أن لا يظلم بل يعدل عليه.
والله أعلم.