عنوان الفتوى : شفاعة النسب في المعصية
بعض الناس يَدَّعِي أنه مِن الأشْراف رغم أنه يَرتكب كثيرًا من المعاصي، ويَستدلُّ بقوله تعالى: (إنَّمَا يُريدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكمُ الرِّجْسَ أهْلَ البيتِ ويُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)،فهل كونه من الأشراف يشفع له عند الله ؟
بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
لم يجعل الإسلام النسب مقياسًا للصلاح والتقوى ، وإنما جعل العمل الصالح شعار المتقين ، وزاد الناس للقاء رب العالمين ، قال تعالى : (إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير )، فليس مجرد أن يكون الإنسان منسوبًا إلى الأشراف أن يجعل ذلك كافيًا لتكفير ذنوبه ، وقد نادى الرسول صلى الله عليه وسلم عندما أمر بالجهر بالدعوة على أقاربه كصفية عمته ، وفاطمة ابنته أن يعملا ، فإنه لا يغني عنهما من الله شيئًا .
وفي ذلك يقول الشيخ عبد الله الصديق الغماري من علماء الأزهر:
فِعْلُ المعاصي لا يدل على نَفْيِ النسَب عن الشخص المنسوب؛ لأن الشريف غيرُ معصوم، بل هو كغَيره من المسلمين، لكن لا يَليق به أن يَفعل معصيةً تكريمًا لنسَبه، فإذا فعَل الشريف المَعصية واتَّكَلَ على أنه شريف كان إثْمُهُ مُضاعَفًا وعذابُه أشدَّ. ثم إن الإسلام لا يَعرف شريفًا ولا غيره بالنسبة لأحكام الدِّين، والله تعالى يقول: (إنَّ أكرَمَكُمْ عندَ اللهِ أتْقَاكُمْ) والنبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: “الناسُ رجلانِ: مُؤمنٌ تَقِيٌّ كريمٌ على الله، وفاجِرٌ شقيٌّ هيِّنٌ على الله”. وقد حذَّر آلَ بيتِهِ أن يَتَّكِلوا على النسَب، وأمرهم أن يَسْتَبِقُوا إلى الطاعات ويَبتعدوا عن المعاصي.
وأما قوله تعالى: (إنَّما يُريدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عنكُمُ الرِّجْسَ أهلَ البيتِ ويُطَهِّرَكمْ تَطْهِيرًا) وأهل البيت: أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، والخطاب موجه إليهن وكذلك ما قبله وما بعده لا يخالط أحدا شك في ذلك، ولم يفهم منها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعون إلا أن أزواج النبي عليه الصلاة والسلام هن المراد بذلك وأن النزول في شأنهن. كما في التحرير والتنوير.
وأما ما جاء في الحديث الصحيح أنها نزلت في خمسة، وهُم النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعليٌّ وفاطمةُ والحسن والحسين رضي الله عنهم. فهو من باب إلحاقهم بأهل البيت في الآية.
يقول ابن عاشور: فحكمة تجليلهم معه بالكساء تقوية استعارة البيت بالنسبة إليهم تقريبا لصورة البيت بقدر الإمكان في ذلك الوقت ليكون الكساء بمنزلة البيت ووجود النبي صلى الله عليه وسلم معهم في الكساء كما هو في حديث مسلم تحقيق لكون ذلك الكساء منسوبا إليه، وبهذا يتضح أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم هن آل بيته بصريح الآية، وأن فاطمة وابنيها وزوجها مجعولون أهل بيته بدعائه أو بتأويل الآية على محاملها. ولذلك هم أهل بيته بدليل السنة، وكل أولئك قد أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، بعضه بالجعل الإلهي، وبعضه بالجعل النبوي
والله أعلم .