عنوان الفتوى : السنة في صلاة العيد
شيخنا للأسف في يوم عيد الفطر افترقت جاليتنا في فرنسا بمرسيليا على فرقتين وذلك أن بعض الأئمة لجؤوا لكراء قاعة مغطاة من عندالحكومة الفرنسية بثمن 30.000أورو عدا الصوائر الأخرى والغرض من هذا إحياء السنة النبوية لصلاة العيد وجمع أكثر عدد المسلمين والمسلمات في هذا اليوم.أما الفرقة الثانية فقالت إن هذا من البدع بحيث إننا سنخرج المصلين من المساجد للذهاب بهم إلى قاعة مغطاة وهذا ليس من السنة في شيء زيادة على تبذير أموال المسلمين الذين هم في أمس الحاجة له فبدل الفرح كان جدالا وشتما في الجرائد والإذاعةالمحلية المسلمة وغير المسلمة وحيرة المصلين إلى أي جهة ينتمون أفيدونا جزاكم الله خيرامع العلم أن مثل هذا المشكل قد وقع في عيد الأضحى الماضي فأصبحنا خائفين أن تتكرر المسألة كل مناسبة عيد.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإنا نلفت انتباهكم إلى الحرص على احترام بعضكم بعضا وتوقيرهم وحسن الظن والتعاون على البر والتقوى والبعد عن التنازع قال تعالى : وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {المائدة : 2 }
وقال تعالى : شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ {الشوى : 13 }
ثم إنه يتعين عند حصول الخلاف في أمر ديني أن يحرص الأئمة على الحوار والتناصح في الموضوع فيما بينهم بعيداً عن العوام ووسائل الإعلام ، فإن لم يتفاهموا فليحرصوا على سؤال الله الهدى للحق وليرجعوا للمراجع أو لمن هو أعلم بالموضوع منهم وليقطعوا الطريق على الشيطان وأعوانه بالتواصل والتحابب والتهادي، فقد وعد الله بالمحبة فاعلي ذلك كما في الحديث القدسي: قال الله تعالى : حقت محبتي للمتحابين فيَّ ، وحقت محبتي للمتواصلين فيَّ ، وحقت محبتي للمتناصحين فيَّ . رواه الحارث في مسنده ، وابن حبان ، وصححه الألباني .
وقال معاذ رضي الله عنه : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله تعالى: وجبت محبتي للمتحابين في َّ، والمتجالسين فيَّ، والمتزاورين فيَّ، والمتباذلين فيَّ .
قال النووي في الرياض : حديث صحيح رواه مالك في الموطأ بإسناده الصحيح.
وفي الصحيحين عن عبد الله بن حنين أن عبد الله بن العباس والمسور بن مخرمة اختلفا بالأبواء فقال عبد الله بن عباس : يغسل المحرم رأسه، وقال المسور: لا يغسل المحرم رأسه، فأرسلني عبدالله بن العباس إلى أبي أيوب الأنصاري فوجدته يغتسل بين القرنين وهو يستتر بثوب فسلمت عليه فقال: من هذا فقلت: أنا عبد الله بن حنين أرسلني إليك عبد الله بن العباس أسألك كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغسل رأسه وهو محرم، فوضع أبو أيوب يده على الثوب فطأطأه حتى بدا لي رأسه ثم قال لإنسان يصب عليه اصبب فصب على رأسه ثم حرك رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر وقال هكذا رأيته صلى الله عليه وسلم يفعل .
وعليكم بالدعاء في استفتاح القيام بما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفتتح به دائماً كما في حديث عائشة أنه كان إذا قام من الليل افتتح صلاته " اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض ، عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون ، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم " أخرجه مسلم
وأما صلاة العيد في المصلى فقد ذهب جماهير العلماء إلى أن من السنة أن يخرج الناس إلى المصلى في يوم العيد والدليل على ذلك : ما روى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أضحى ــ أو في فطر ــ إلى المصلى فمر على النساء فقال : يا معشر النساء تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار . الحديث
ولما في الصحيحين وغيرهما أن أم عطية الأنصارية رضي الله عنها قالت : أمرنا أن نخرج في العيدين العواتق وذوات الخدور . وأمر الحيض أن تعتزل مصلى المسلمين .
ولما روى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى ، وأول شيء يبدأ به الصلاة ، ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس والناس جلوس على صفوفهم فيعظهم ويوصيهم ويأمرهم ، وإن كان يريد أن يقطع بعثاً أو يأمر بشيء أمر به ثم ينصرف .
قال ابن حجر في الفتح : وفيه الخروج إلى المصلى في العيد، وأن صلاتها في المسجد لا تكون إلا عن ضرورة، وقال العيني في شرح البخاري : وفيه البروز إلى المصلى والخروج إليه ولا يصلي في المسجد إلا عن ضرورة .
وروى ابن زياد عن مالك قال :السنة الخروج إلى الجبانة إلا لأهل مكة ففي المسجد، وقال الشافعي في (الأم) بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج في العيدين إلى المصلى بالمدينة وكذا من بعده إلا من عذر مطر ونحوه وكذا عامة أهل البلدان إلا مكة شرفها الله تعالى . وللشافعية قول بأن الأولى صلاتها في المسجد إلا لعذر كضيق المسجد قال الغمراوي في شرح المنهاج : وفعلها أي صلاة العيد بالمسجد أفضل إن وسع وقيل بالصحراء أفضل إلا لعذر فالمسجد أفضل .
وقال ابن قدامة في المغني : السنة أن يصلي العيد في المصلى أمر بذلك علي رضي الله عنه واستحسنه الأوازاعي وأصحاب الرأي وهو قول ابن المنذر وحكي عن الشافعي إن كان مسجد البلد واسعاً فالصلاة فيه أولى لأنه خير البقاع وأطهرها ولذلك يصلي أهل مكة في المسجد الحرام .
ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج إلى المصلى ويدع مسجده وكذلك الخلفاء بعده ولا يترك النبي صلى الله عليه وسلم الأفضل مع قربه ويتكلف فعل الناقص مع بعده ولا يشرع لأمته ترك الفضائل ولأننا قد أمرنا باتباع النبي صلى الله عليه وسلم والاقتداء به ولا يجوز أن يكون المأمور به هو الناقص والمنهي عنه هو الكامل، ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى العيد بمسجده إلا من عذر ولأن هذا إجماع المسلمين فإن الناس في كل عصر ومصر يخرجون إلى المصلى فيصلون العيد في المصلى مع سعة المسجد وضيقه. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في المصلى مع شرف مسجده وصلاة النفل في البيت أفضل منها في المسجد مع شرفه ، وروينا عن علي رضي الله عنه أنه قيل له قد اجتمع في المسجد ضعفاء الناس وعميانهم فلو صليت بهم في المسجد فقال : أخالف السنة إذا ولكن نخرج إلى المصلى واستخلف من يصلي بهم في المسجد أربعاً .
والله أعلم .