عنوان الفتوى : شبهة وجوابها حول قتل المرتد والزاني المحصن

مدة قراءة السؤال : 5 دقائق

فضيلة الشيخ أود أن أسألكم حول حكمي الردة ورجم الزاني. حيث إنني وصلت إلى قناعة أن هذين الحكمين ليسا من صحيح الإسلام ولكني أريد التثبت من ذلك, وسأبدأ بعرض حجتي في حكم الردة 1- حد الردة لم يرد في القرآن على الرغم من ذكر المرتدين وتوعدهم بأشد العقوبات في الآخرة, فإن القرآن لم ينص على عقوبة دنيوية ومن ذلك مانزل في جماعة من العرب حيث قال فيهم تعالى: ﴿يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَهَمّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ وَمَا نَقَمُوَاْ إِلاّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْراً لّهُمْ وَإِن يَتَوَلّوْا يُعَذّبْهُمُ اللّهُ عَذَاباً أَلِيماً فِي الدّنْيَا وَالاَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الأرْضِ مِن وَلِيّ وَلاَ نَصِيرٍ﴾ ورغم ذلك لم ينص القرآن على عقوبة دنيوية فيهم, لم تذكر كتب السيرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم طبق فيهم حد الردة وهناك أيضا قول الله تعالى فيمن تكاسل عن الخروج مع الرسول في غزوة تبوك : ﴿فَإِن رّجَعَكَ اللّهُ إِلَىَ طَآئِفَةٍ مّنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَداً وَلَن تُقَاتِلُواْ مَعِيَ عَدُوّاً إِنّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوّلَ مَرّةٍ فَاقْعُدُواْ مَعَ الْخَالِفِينَ ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره، إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون﴾ ورغم ذلك لم يقتلهم الرسول أيضا, بل إن الآية صريحة في عدم قتلهم حينما تتكلم عن "موتهم" بشكل يوحي أنه طبيعي 2- هناك العديد من الحوادث التي كفر فيها بعض المسلمين ورغم ذلك لم يقتلهم الرسول صلى الله عليه وسلم: فمنها حين رجع ثلث الجيش إلى المدينة يوم غزوة أحد, وهذا من موبقات الإيمان السبع "التولي يوم الزحف" ورغم ذلك لم يأمر الرسول بقتلهم.ومنها الذين نزل فيهم قوله تعالى (لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم) , فهذه الآية صرحت بكفر هؤلاء ولكن الرسول لم يقتلهم أيضا.وهناك أيضا صلح الحديبية الذي كان من شروطه أن الرسول لا يمنع من أراد الالتحاق بقريش وحلفائها من مغادرة المدينة, وحاشا لله أن يفرط الرسول في حد من حدود الله ويقبل بمغادرة هؤلاء المرتدين بدل تطبيق حد الردة المزعوم عليهم. 3- أما حروب الردة, فإن أبا بكر قد اختلف مع عمر ونفر من الصحابة الذين كانوا يرون مصالحة القبائل المرتدة الى أن تتحسن أحوال المسلمين فرفض ذلك , ولكن كتب التاريخ لم تذكر أنه استشهد بحديث "من بدل دينه فاقتلوه" أو أي حديث آخر ينص على قتل المرتد 6- ولكن:دعنا نفترض أن حديثي الردة حديثان صحيحان، ودعنا نفترض أن القرآن الكريم لا يعارضهما ولا يؤيدهما فهل يصح الاعتماد على حديثين فى تأسيس تشريع؟وهل يصح إقامة تشريع سنده الوحيد حديثان من أحاديث الآحاد؟وهل يصح أن تقتل الناس بتهمة الردة اعتماداً على حديثين فقط؟وهل تهون حياة الناس إلى هذا الحد؟ أرجو منكم ردا تفصيلياعلى أسئلتي يا شيخنا الكريم لعل الله أن يقنعني بحد الردة إن كان حقا أما بالنسبة لحد الرجم فإن توقفي عنده يتمحور حول آية في كتاب الله تقول: (ومن لم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات والله أعلم بإيمانكم بعضكم من بعض فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف محصنات غير مسافحات ولا متخذات آخذان فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ذلك لمن خشي العنت منكم وأن تصبروا خير لكم والله غفور رحيم) هذه الآية تقول أن من أتت بفاحشة من هؤلاء فعليها نصف ما على المسلمة الحرة المحصنة من العذاب, فلو كان حكم الزانية المحصنة هو الرجم فكيف يطبق في حالة "ما ملكت أيمانكم", هل يرجمن نصف رجم؟ أتمنى أن تجاوب على سؤالي يا فضيلة الشيخ حيث إنه قد حيرني طويلا وأطمع أن أجد الجواب المقنع لديك وجزاك الله خيرا.

مدة قراءة الإجابة : 5 دقائق

 الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

 فنسأل الله تعالى أن يفقهنا وإياك في دينه ويشرح صدورنا لفهم شريعته ، ولتعلم أن كلاً من حكم قتل المرتد وقتل الزاني المحصن ثابت في نصوص الوحي مجمع عليه من قبل أهل العلم . ولكن الحكم بهما لا يثبت إلا من قبل القضاء الشرعي ولا يطبقه إلا ولي الأمر بعد استتابة المرتد ثلاثة أيام بلا جوع ولا عطش ومعاقبة فإن تاب وإلا قتل .

ومن الأدلة على رجم الزاني المحصن وقتل المرتد ما في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : الثيب الزاني ، والنفس بالنفس ، والتارك لدينه المفارق للجماعة . وفي مسند الإمام أحمد وسنن النسائي وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا يحل دم امرئ مسلم إلا رجل زنى بعد إحصانه ، أو كفر بعد إسلامه ، أو النفس بالنفس . وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم رجم ماعز بن مالك الأسلمي والغامدية .

وأما ما ذكرت من الآيات فهو استدلال في غير محله ، فالآية الأولى : لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ  ...  {التوبة: 66 }  في المنافقين الذين يظهرون الإسلام ويبطنون النفاق والكفر وكذلك الحوادث التي أشرت إليها .

وأما الآية الثانية :   وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا ...... {النساء: 25 }  الآية. فهي مبينة لحد الأرقاء عموماً وأنه نصف حد الأحرار الذي جاء في سورة النور على العموم في قوله تعالى : الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ  {النور: 2 }  ولذلك فالرقيق إذا زنى ولو بعد الإحصان لا يرجم لهذه الآية وللأحاديث الواردة في ذلك لأن الله تعالى نص على أن حده نصف حد الأحرار والذي يمكن تجزئته وتنصيفه هو الجلد، وأما الرجم الذي هو القتل فلا يمكن تنصيفه . وبذلك تعلم أنه لا دليل في الآية الكريمة على ما ذكرت ، وأما قولك فهل يصح الاعتماد على حديثين ... ) فإن الحديث إذا صح عن النبي صلى الله عليه وسلم وجب على المسلم العمل به سواء كان ذلك في مجال العقائد أو الأحكام .فقد قال تعالى : وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا  {الحشر: 7 }  وقال تعالى : فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ  {النور: 63 }  مع أننا لا نسلم بأن رجم الزاني وقتل المرتد قد ورد فيهما حديثان فقط بل وردت فيهما نصوص كثيرة ، وطبق النبي صلى الله عليه وسلم هذه النصوص في زمنه وكذلك خلفاؤه الراشدون رضوان الله عليهم . وللمزيد من الأدلة النقلية والعقلية على وجوب العمل بأحاديث الآحاد نرجو الاطلاع على الفتاوى التالية 14050 ،38186 ،13987 ،35561 . وما أحيل عليه فيها .     

والله أعلم .