عنوان الفتوى : يريد تقديم الحج ووالده يريد تقديم الزواج

مدة قراءة السؤال : دقيقتان

هل أكون عاقا لأبي للأسباب الآتية : 1- كان أبي رحمه الله يريد مني البدء في مشروع الزواج وكنت أرفض لأنني كنت أريد إكمال الدراسة العليا . 2- المبلغ الذي وفرته كان يكفي البدء في المشروع (العقد فقط) مع العلم بأنني موظف . 3-ثم لم أستطع السفر لإكمال الدراسة ، فقررت بأن أدخل مشروعا صغيرا على أمل أن أجني منه مبلغا ثم الحج به ، والمشروع مشترك بيني وبينه عبارة عن قطعة أرض مشتركة (وسعرها لا يفي بمبلغ الحج) كنا ننوي تغيير المسكن الذي نعيش فيه بسبب الأذى الذي نلقاه من الجيران هداهم الله . 5-رفض أبي الحج بهذا المبلغ لأنه قال إنه مُلكي وليس من ماله . 6- بعد النقاش (لم يثمر أي شيء) قلت سوف أحج أنا قال الزواج أولا . 7-الآن بعد موته في رمضان يطالبوني بأن أنفذ ما أراد وأنا أقول لهم الحج أولا . 8-الأرض الآن تؤتي المبلغ الكافي لإتمام فريضة الحج وقد انتهينا أنا وهو من سداد الدين (قيمة الأرض) قبل مماته .

مدة قراءة الإجابة : 6 دقائق


الحمد لله
أولا :
الحج واجب على الفور في أصح قولي العلماء ، كما هو مبين في الجواب رقم ( 41702 ) ، وإذا كان المال الموجود يكفي إما للحج وإما للزواج ، فإنه يقدم الزواج إذا كان محتاجاً إليه ، ويخشى الوقوع في الحرام ، ويقدم الحج إذا لم يكن محتاجاً إلى الزواج .
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (5/12) : " وَإِنْ احْتَاجَ إلَى النِّكَاحِ , وَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ الْعَنَتَ ( أي المشقة ) , قَدَّمَ التَّزْوِيجَ , لأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ , وَلا غِنَى بِهِ عَنْهُ , فَهُوَ كَنَفَقَتِهِ , وَإِنْ لَمْ يَخَفْ , قَدَّمَ الْحَجَّ ; لأَنَّ النِّكَاحَ تَطَوُّعٌ , فَلا يُقَدَّمُ عَلَى الْحَجَّ الْوَاجِبِ " انتهى .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : هل يجوز تأجيل الحج إلى ما بعد الزواج للمستطيع ، وذلك لما يقابل الشباب في هذا الزمن من المغريات والفتن صغيرة كانت أم كبيرة ؟
فأجاب :
"لا شك أن الزواج مع الشهوة والإلحاح أولى من الحج لأن الإنسان إذا كانت لديه شهوة ملحة فإن تزوجه حينئذٍ من ضروريات حياته ، فهو مثل الأكل والشرب ، ولهذا يجوز لمن احتاج إلى الزواج وليس عنده مال أن يدفع إليه من الزكاة ما يُزوج به ، كما يعطى الفقير ما يقتات به وما يلبسه ويستر به عورته من الزكاة .
وعلى هذا فنقول : إذا كان محتاجاً إلى النكاح فإنه يقدم النكاح على الحج لأن الله سبحانه وتعالى اشترط في وجوب الحج الاستطاعة فقال : ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا ) آل عمران / 97 . أما من كان شاباً ولا يهمه أن يتزوج هذا العام أو الذي بعده فإنه يقدم الحج لأنه ليس في ضرورة إلى تقديم النكاح " انتهى من "فتاوى منارالإسلام" (2/375) .
وعليه ؛ فإن لم تخش على نفسك من تأخير الزواج ، فبادر بالحج ، والله يخلف عليك خيرا ؛ لأن الحج فريضة عظيمة من فرائض الإسلام وشرائعه العظام .
ولا يلزمك تنفيذ مراد أبيك في هذه المسألة ، لا في حياته ولا بعد مماته ، لأنه يترتب عليه تأخير الحج من غير ضرورة لذلك .
ثانيا :
كان ينبغي أن ترضي أباك ، وتقدم الزواج على إكمال الدراسة العليا ، فقد نقل عن الإمام أحمد رحمه الله ما ظاهره : أن النكاح يجب إذا أمر به أحد الوالدين .
قال المرداوي : هل يجب (يعني النكاح) بأمر الأبوين , أو بأمر أحدهما به ؟ قال الإمام أحمد رحمه الله : إن كان له أبوان يأمرانه بالتزويج : أمرته أن يتزوج , أو كان شابا يخاف على نفسه العنت : أمرته أن يتزوج .
فجعل أمر الأبوين له بذلك بمنزلة خوفه على نفسه العنت" انتهى من "الإنصاف" (8/14) .
ثالثا :
لا حرج على الأب فيما لو حج بمال ابنه ، بل لا حرج على الإنسان أن يحج بمال غيره مطلقا ، لكن من لم يحج حج الفريضة لعجزه عن تكاليف الحج هل يصير قادرا ببذل غيره المال له ، وهل يلزمه قبول هذا المال ليحج ؟ في ذلك خلاف بين الفقهاء .
قال ابن قدامة رحمه الله : " ولا يلزمه الحج ببذل غيره له , ولا يصير مستطيعا بذلك , سواء كان الباذل قريبا أو أجنبيا , وسواء بذل له الركوب والزاد , أو بذل له مالا . وعن الشافعي أنه إذا بذل له ولده ما يتمكن به من الحج , لزمه ; لأنه أمكنه الحج من غير مِنّة تلزمه , ولا ضرر يلحقه , فلزمه الحج , كما لو ملك الزاد والراحلة .
ولنا أن قول النبي صلى الله عليه وسلم يوجب الحج ( الزاد والراحلة ) , يتعين فيه تقدير ملك ذلك , أو ملك ما يحصل به , بدليل ما لو كان الباذل أجنبيا , ولأنه ليس بمالك للزاد والراحلة , ولا ثمنهما , فلم يلزمه الحج , كما لو بذل له والده , ولا نسلم أنه لا يلزمه مِنّة , ولو سلمناه فيبطل ببذل الوالدة , وبذل من للمبذول عليه أياد كثيرة ونِعَم " انتهى من "المغني" (3/87) .
وحاصل الجواب : أنه يلزمك المبادرة إلى الحج ، ما لم تخف على نفسك الوقوع في الحرام بتأخير الزواج ، وأن تستغفر الله تعالى من مخالفة والدك في أمر الزواج أولا .
ونسأل الله لك التوفيق والسداد .

والله أعلم .