عنوان الفتوى : اليأس والقنوط ليسا من شيم المؤمنين
حياتي مليئة بالمشاكل يكاد قلبي يتمزق في جوفه من الحسرة.لم أعد أحب الحياة بل أرى أن في الممات راحة بل أكتر من هذا أصبحت أحس أن هذه الحياة أشبه بالعذاب كل شيء صعب كل شيء بثمن وأحتار أرتمي معهم جميعا في لهوهم وحبهم للحياة وأنسى من أكون ؟ أم أكون ما شاء الله وأتحمل ما أظن أني لا استطيع تحمله ؟ غريب سؤالي...
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الحياة هي دار البلاء والهم والكدر، والآخرة هي للمؤمنين دار النعيم المقيم، ولم تصف الحياة لأحد أيا كان، وانظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 51946، 27082، 13849.
ولا شك أن في الموت راحة من هموم الدنيا، ولكن ذلك ليس لكل أحد، وإنما ذلك لمن صلح عمله وعمر حياته بتقوى الله والعمل الصالح، وقد نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تمني الموت فقال: لا يتمنين أحدكم الموت من ضر أصابه، فإن كان لا بد فاعلا فليقل اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي. رواه البخاري ومسلم
فاحذر من اليأس والقنوط، فقد نهى عنهما الله تعالى في كتابه وأخبر أن ذلك من صفات الكافرين فقال: وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ {يوسف: 87} وقال أيضا: وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ {الحجر: 56}
واعلم أن حل المشكلات التي يمر بها الإنسان إنما يكون بالصبر عليها والتوكل على الله تعالى والاستعانة به في حلها وبالرضا بقضائه وقدره وبالاستقامة على دينه وبالمحافظة على أمره ونهيه وباليقين أن ما أصاب العبد لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه. قال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا {الطلاق: 2-3} وقال أيضا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا {الأنفال: 29} إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أن تقوى الله والعمل الصالح يفرجان عن الإنسان كربه ويصرفان عنه الهموم والغموم، فأحسن الظن بربك وثق بما عنده، فقد يبتلي الله الإنسان بأهله أو ولده لحكمة يعلمها سبحانه، وقد ينال العبد بهذه البلايا المنزلة الرفيعة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: إن العبد إذا سبقت له من الله منزلة لم يبلغها بعمله ابتلاه في جسده أو في مال أو في ولده ثم يصبره حتى يبلغ المنزلة التي سبقت له منه. رواه أحمد وأبو داود، وانظر طائفة من أسباب البلاء في الدنيا في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 22830، 20967، 19002، 13270.
واحذر من صحبة أهل الدنيا الغافلين عن الله المنشغلين بلذتها الفانية عن الآخرة الباقية، فإن صحبة هؤلاء مردية ولا يشعرون بغفلتهم إلا عندما يدهمهم الموت فيندمون ولات حين مندم.
وفي المقابل اصحب من تزيدك صحبته معرفة بالله وقربا منه من المؤمنين الصالحين المستقيمين على أمر الله تعالى، وتعاون معهم على الخير وعلى طلب العلم النافع، فإن صحبة هؤلاء من أعظم أسباب الاستقامة بعد عون الله تعالى، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية.
وأكثر من ذكر الله تعالى فإن ذكره سبحانه من أعظم أسباب طمأنينة القلب وانشراح الصدر. قال تعالى: أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ {الرعد: 28} وإن أعظم الذكر كلام الله تعالى، فاقرأ القرآن بتدبر وحضور قلب، فقد قال تعالى: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ {الإسراء: 81} وحافظ كذلك على الأذكار الموظفة التي تقال في الصباح والمساء وبعد الصلوات وعند النوم، وتجدها وغيرها في كتاب حصن المسلم للقحطاني
واستمع للأشرطة الإسلامية النافعة واهد منها لجيرانك وأقربائك ومعارفك، وشارك في نشر الخير فإن مشاركتك في الدعوة إلى الله وفعل المعروف ودلالة الناس على الخير ستجدد حياتك وتشعرك بقيمتك فضلا عما تجنيه من الثواب، وتذكر أن الدال على الخير كفاعله.
واسأل الله بذل وإلحاح وأنت موقن بالإجابة أن يشرح صدرك وينور قلبك ويلهمك رشدك ويكفيك شر الشيطان وشر نفسك وأن يرزقك الهداية والاستقامة حتى الممات، وتحر في دعائك أوقات الإجابة الفاضلة كوقت السحر عند النزول الإلهي وأثناء السجود وبين الأذان والإقامة وعند الفطر في اليوم الذي تصومه ونحو ذلك.
والله أعلم.