عنوان الفتوى : المعيار لمعرفة محبة الله لعمل ما أو بغضه له هو مدى موافقته للشرع أو مخالفته
كيف يعرف الفرد أن الطريق التي يسلكها صحيحة أي كيف يترجم الأحداث التي تجري معه ترجمة صحيحة وفق الشرع والدين فمثلا عندما يمر بموقف ما, يمكن أن يفسره أن الله يحبني لذلك يتابع تقدمه على هذا الطريق, و يمكن أن يفسر أن الله ينبهك و يحذرك من ذلك فعدل طريقك.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الله تعالى خلق الخلق لعبادته، وابتلاهم بالخير والشر فتنة ليعلم الله الذين صدقوا ويعلم الكاذبين، فقد قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا {هود: 7}. وقال تعالى: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ {الملك:2}. وقال سبحانه: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ {الانبياء:35}. فالأحداث التي تحدث للإنسان من خير أو شر، كلها ابتلاء من الله تعالى لعباده، والموقف الشرعي للمؤمن من كل ذلك وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له. رواه مسلم. فالذي ينبغي أن ينشغل به المؤمن هو عمله، إن كان على وفق الشريعة أم لا، فإن كان عمله موافقا للشريعة فهو على خير في كل أحواله، ولو ابتلي بما يظهر للناس أنه شر، فإنه في حقيقة الأمر خير له، وأما إن كان عمله مخالفا للشريعة، فهو على شر وخطإ، ويجب عليه أن يرجع عن ذلك، ولو حدثت له أحداث يراها هو أو يراها الناس أنها خير، لأن ذلك قد يكون استدراجا وإملاءً من الله تعالى، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في " مجموع الفتاوى" : الأصل في المعاصي أنها لا تكون سببا لنعمة الله ورحمته.. وإن كانت قد تكون سببا للإملاء ولفتح أبواب الدنيا لكن ذلك قدر وليس بشرع، بل قد تكون سببا لعقوبة الله تعالى. وقال ابن القيم: العبد إما أن يكون مستقيما أو مائلا عن الاستقامة، فإن كان مائلا عن الاستقامة فخوفه من العقوبة على ميله، ولا يصح الإيمان إلا بهذا الخوف، وأما إن كان مستقيما مع الله فخوفه يكون مع جريان الأنفاس لعلمه بأن الله مقلب القلوب. انتهى من طريق الهجرتين. وقال في " إغاثة اللهفان" عما يحصل للمؤمنين في حال العافية والبلاء: إنه سبحانه يحب من عباده تكميل عبود يتهم على السراء والضراء وفي حال العافية والبلاء وفي حال إدالتهم والإدالة عليهم، فلله سبحانه على العباد في كلتا الحالتين عبودية بمقتضى تلك الحال، لا تحصل إلا بها ولا يستقيم القلب بدونها، كما لا تستقيم الأبدان إلا بالحر والبرد، والجوع والعطش، والتعب والنصب وأضدادها ، فتلك المحن والبلايا شرط في حصول الكمال الإنساني والاستقامة المطلوبة منه. وخلاصة الكلام أن علامة محبة الله للعبد هي لزومه لطاعة الله وتوفيقه لها، واجتنابه لمعصية الله وصرفه عنها، وأما ما يحدث له من خير أو شر، فإن ذلك له أسباب كثيرة وحكم عديدة، ويمكن الوقوف على بعضها في الفتوى رقم: 25874، والفتوى رقم: 13270، وليست دليلا على صواب عمل الإنسان أو خطئه. قال تعالى: فَأَمَّا الْأِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَن * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ * كلا ..{الفجر:15ـ16}.
والله أعلم.