عنوان الفتوى : حديث: "شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي" ليس فيه حُجة للتمادي في المعصية
يا فضيلة الشيخ قد التبس علينا الأمر من حديث روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قيل فيه "شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي" فما مدى صحة هذا الحديث، وإن كان رد فضيلتكم بصحة الحديث فإن مرتكب الكبيرة سوف يتمادى ويقول إن الرسول صلى الله عليه وأله وسلم سوف يشفع لي. وأرجو من فضيلتكم ألا تهملوا سؤالي هذا لأنه قد التبس علي الأمر.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الحديث: "شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي" رواه أبو داود والترمذي بسند صحيح، وقد ورد من طرق كثيرة، وورد في الصحيحين ما يشهد له، من ذلك ما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن لكل نبي دعوة مستجابة يدعو بها وأريد أن أختبئ دعوتي شفاعة لأمتي في الآخرة" متفق عليه. وفي رواية لمسلم: "فتعجل كل نبي دعوته، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة، فهي نائلة إن شاء الله تعالى من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئاً". فالحديث المسئول عنه صحيح كما علمت، وما جاء في معناه من شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم للعصاة المذنبين من أمته صحيح أيضا وثابت، ولكن لا ينبغي أن يفهم من الحديث فتح باب الكبائر، ولا التهوين من شأنها اتكالاً على ثبوت شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، وسعة عفو الله تعالى وفضله ورحمته، فإن الله تعالى كما أنه غفور رحيم، فإنه كذلك شديد العقاب، شديد الغيرة على محارمه، وأيضاً فإن من ثبتت له الشفاعة في أقوام من أمته صلى الله عليه وسلم، قد ثبت عنه أيضاً أنه قال: "إني فرطكم على الحوض، من مرَّ علي شرب، ومن شرب لم يظمأ أبداً، ليردن عليَّ أقوام أعرفهم ويعرفونني ثم يحال بيني وبينهم" متفق عليه.
فالواجب على المسلم أن لا يغلب جانب ما جاء من نصوص الوعد في القرآن والحديث على ما جاء فيهما من الوعيد، لئلا يفضي به ذلك إلى ارتكاب ما حرمه الله تعالى، وإلى أمن مكره عز وجل، وقد قال تعالى: (فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون) [الأعراف: 99].
ثم إنه قد ثبت أن الإيمان يزداد بزيادة الأعمال الصالحة، وينقص بنقصانها، كما أنه يضعف بارتكاب المعاصي، مما يلقي بظُلل من الرين على القلب، قال تعالى: (كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون) [المطففين: 14]. فإذا استمر العبد في الانهماك في اقتراف الكبائر، ربما أدى ذلك إلى انعدام الإيمان فمات على الكفر، فلا تنفعه شفاعة الشافعين، بل يدخل النار خالداً مخلداً فيها، والعياذ بالله. والله أعلم.